عبدالله مكاوي
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
السودانيون وهم يكابدون رهق العيش ويفتقدون للأمن والامان وابسط مقومات الحياة، ويتراءى لهم المستقبل حالك القتامة، ويمر عليهم العيد بطعم الحريق والرماد، فاشد ما يحتاجونه المواساة وبعث رسائل الاطمئنان باقتراب بشريات السلام، وانتهاء الكابوس الدموي الذي يستهدف وجودهم وبقاء دولتهم.
وعموما صعب ان يتوقع احد غير ذلك من البرهان، الذي خبرناه منذ وصوله (وهو المغمور/ التافه) الي سدة السلطة مصادفة، والاصح كغطاء للمؤامرة علي الثورة والقوي السياسية وطموحات التغيير الديمقراطية. والبرهان الذي عهدناه كغادر لم يكن يوما قدر التحدي، او جدير بالرتبة التي نالها بمكرمة من البشير. لأنه وكالعهد به، يفتقر لشخصية وثقافة ومؤهلات القائد، وعلي الاخص من جهة الحكمة والتدبير والرؤية الشاملة والتحلي بالمصداقية وروح المسؤولية. بل حتي من الوجهة العسكرية الصرفة، فهو يخلو من الكارزما والانضباط والرجولة، التي تفرض هيبة المنصب واحترام المرؤوسين. وهو ما حدا بحميدتي الغمز (بانو ما كارب قاشو، وهو ما التقطه بعد ذلك وبحسه الفني المرهف، الكاركاتيرست عمر دفع الله وجعله ملازم لصورة البرهان في ابداعاته). بل يبدو ان العكس هو ما حدث، اي ان فرعنة حميدتي وسطوته ابان الشراكة بينهما، مردها إنكسار وهوان وخوار البرهان امامه. خاصة وهو يكيل لحميدتي المديح بمناسبة وغالبا من غير مناسبة، لدرجة احترنا معها منْ يراس الآخر!
والبرهان في كل خطاباته، اذا جاز تسميتها بذلك، يحاول الهروب الي الامام بالحديث عن المستقبل علي هواه. للالتفاف علي واقعة انه المتسبب الاساس في ما حاق بالبلاد من دمار واهلها من انتهاكات يندي لها الجبين. أي هي ليست اخطاء وجرائم بسيطة يمكن التغاضي عنها، او هي بعيدة يمكن التغطية عليها بالنسيان والمغالطة حولها بالاكاذيب، ولكنها جرائم كبري بدأت بالتآمر علي الثورة واجهاض المرحلة الانتقالية، ولم تنتهِ بالتآمر علي الدولة وامنها القومي، من خلال التواطؤ مع قائد مليشيا الدعم السريع، وتمكين قواته الهمجية من مفاصل الدولة والمواقع الاستراتيجية (بما فيها مقرات الجيش كسلاح المظلات، وبعض جنودهم يُقال بانهم ينشرن سراولهم علي جدران القصر الجمهوري، تخيلوا !!) والسماح لها بالانفتاح علي اهم المواقع العسكرية بالبلاد، وهذا ناهيك عن زيادة مقدراتها العسكرية بما يتفوق علي الجيش! وبما في ذلك التسليح والاجهزة الالكترونية والتدريب والامتيازات والقدرات الاستخباراتية، لدرجة اصبح الانتماء لهذا المليشيات اكثر اغراء من الانتماء للجيش! الشيء الذي جعل منتسبي هذه المليشيا يميلون لاستفزاز والتحرش بمنتسبي الجيش!!
والغرض من ذكر كل هذه المعلومات المعلومة بالضرورة، حتي لا يظن البرهان ان هنالك فرصة للتنصل من مسؤوليته عن كل الدمار والانتهاكات التي طالت البلاد واهلها، وهذا ناهيك عن الطريقة السيئة في ادارة هذه الحرب من قبل البرهان وكبار القادة، رغم ان ارهاصات قيامها كانت مبذولة لكل صاحب ادني حس امني! وهي سوء ادارة ترقي للسبهللية، بل من شدة بؤسها، مكنت مليشيا الدعم السريع الهمجية وبسهولة محيرة من الحاق هزائم مذلة بالجيش، لدرجة انتقاصها من هيبته ومكانته! والاسوأ من ذلك سمحت لمليشيا الدعم السريع بمقاتليها من قطاع الطرق واللصوص والقتلة والمرتزقة من استباحة كل بقعة يحتلونها وعلي الاخص ولايات غرب دارفور والخرطوم والجزيرة. وهذا غير الاساءة التي يكيلها هؤلاء الاوباش للجيش ومستشاروهم للدولة ككل، ويصرون علي كيل التهم الجزافية لعام الاستقلال 56 الذي ينسبون له دولة مرذولة، من مخيلتهم المريضة ونفوسهم الحاقدة، وكأن التاريخ بدأ منها، ويتجاهلون عن عمد فترة حكم التعايشي التي يستنسخونها بذات الهمجية! وكأن افضل بديل عن الدولة ولو كانت ضعيفة، هي الفوضى والهمجية، التي لا يعلمون ولا يمارسون غيرها. وهذا ليس إلقاء للتهم علي عوهنها، ولكنه واقع غياب الدولة والنظام وحلول الفوضي والهمجية التي تعيشها كل بقعة تعيسة تطأها اقدامهم النجسة، وتتوجس منها كل بقع طاهرة لم يصلوا اليها. وهو واقع ووقائع موثقة لا يجدي معها الانكار والمغالطة علي الطريقة الكيزانية البجحة.
كما ان مسيرة مليشيا الجنجويد لم تبدأ يوم 15 ابريل، وهذا غير الفرص العديدة التي اتتهم بعد الثورة حتي يغيروا من سلوكياتهم الاجرامية ويكفرون عن اخطاءهم الفاحشة. ولكنها كما هو معلوم جزء من تكوينهم الاجرامي الذي ينجم عن التخلي عنه ذهاب ريحهم (فماذا يسوي الجاهل المجرم حميدتي دون سلاحه ومرتزقته وما نهبه من موارد الدولة؟). ولذلك تأتي اعتذارات وتعهدات حميدتي اللفظية التي تكذبها الممارسات علي الارض، في سياق تبرير هذه الحرب الهمجية من اجل السلطة. وكذلك يندرج في ذات الاطار فرية حربهم ضد الفلول التي صدعونا بها، في حين انهم الوجه الاسوأ للفلول، من جهة انتهاكاتهم التي ينزلونها بالأبرياء والتي تتسم بالتخلف والحقد والوحشية. وبدل ان تجد هذه الممارسات الادانة من الجميع، وبصورة اخص ممن ينتمي للقبائل والجهات التي يأتي منها هؤلاء الرباطة، إذا ما كانواحقا اوفيا للثورة وشعاراتها والدولة المدنية وموجباتها، إلا ان ما يحدث فعليا، اما الصمت المريب او الانكار والاختباء خلف فرية الكيزان السالفة الذكر، سواء من اجل عصبية عرقية ومناطقية او اطماع سلطوية مرتغبة او فش غبينة تاريخية، وكل ذلك ما لا يبني دولة او ينهض بامة، قبل ان يكشف زيف شعارتهم ومواقفهم وقيمهم ما قبل هذه الحرب. الشيء الذي يؤكد انهم الأسوأ والاخطر علي مستقبل البلاد، اذا ما دانت لهم السطوة. اما ما جمع بين البرهان وهذه المليشيات ووطد حلفهما الشيطاني، فهو التكوين الاجرامي، والاستعداد لاقتراف كافة الموبقات بضمير مرتاح، أي بوصف رسالتهم في الحياة هي تدمير الحياة والانتشاء بالخراب.
والحال ان واحدة من مهازل واستهتار البرهان وكبار القادة التي لا يمكن تصورها حتي في افلام التسلية والرعب والفنتازيا، هو السماح لمليشيا الدعم السريع دخول ولاية الجزيرة بكل اريحية، وبعد خراب مالطة، اتوا ليحدثونا عن تحرير الولاية كبشريات عيد، وانجاز يُنتظر الي متي الله اعلم! بل والعهدة علي الضابط الكاتب خليل محمد سليمان، ان المقدم البيشي الذي ينتسب لمليشيا الدعم السريع ويصول ويجول في ولاية الجزيرة وقبلها في ولاية الخرطوم، كان معتقل في الدمازين بعد اندلاع الحرب الهوجاء، وسُمح له بكامل قواته الذهاب الي الخرطوم بأوامر من قيادات عليا في الجيش (فهل بعد ذلك بمستطاع احد ان يفسر ما يجري علي الارض او وجهة هذه الحرب وغايتها او من يديرها، او هل هي تحت السيطرة ام خرجت من ايديهم؟!).
وهل نسي البرهان او تناسي ان الشعب الذي يعاني الامرين (شظف العيش في مناطق سيطرة الجيش، والانتهاكات في مناطق احتلال مليشيا الدعم السريع) ويدفع الثمن من حياته ومستقبل ابنائه، هو ذات الشعب الذي يسمع بأسي خبر شراء ذات البرهان فيلا في تركيا لرفاه اسرته، وتخيُّره افضل المدارس والجامعات لتعليم ابنائه! وهو من يفترض انه قدوة للجميع ناهيك عن الضباط اثناء الحرب، بمشاركتهم المعاناة، طالما مقتنع انها حرب كرامة! ولسوء حظه تفاجأ الجميع بخبر استهداف الإسرائيليين (اصدقائه) لأسرة القائد اسماعيل هنية داخل قطاع غزة، استكمالا لسلسة جرائمها في حق اهلها. وغض النظر عن الموقف من هنية او توجهه السياسي، إلا انه ضرب المثل المشرف للقائد الشجاع والصادق والمقتنع بقضية حربه. ولذلك هو علي كامل الاستعداد للمخاطرة بعائلته، مع توافر الفرصة والامكانات للذهاب بهم للمناطق الآمنة في قطر او تركيا. خاصة وهم مستهدفون عكس اسرة البرهان الآمنة المطمئنة، والتي اقلاه كان يمكن لها الاقامة في بورتسودان معززة مكرمة. ولكنه الفارق بين القيادة الذي ذكرناه سابقا، والذي يتخطى الكلام كيفما اتفق شراءً للوقت الي الافعال البطولية.
المهم، الشعب لا يحتاج من البرهان التصريحات العنترية والوعود الجوفاء، بقدر ما يحتاج منه، ابسط قدر لتحمل المسؤولية، والعمل بجد علي وضع حد لهذه الحرب الهمجية. اي التوجه بنية صادقة للتفاوض مع مجرمي الدعم السريع والوصول لاتفاق مناسب لوقف اطلاق النار، ومعالجة آثار الحرب الانسانية. ولو امكن وضع خارطة طريق لإيقاف الحرب، والتقدم قدما لمرحلة علاج فوضي حمل السلاح، والخروج من الحياة السياسية والعملية الاقتصاديةلكافة المسلحين،وذلك خلال مرحلة انتقالية جادة بمشاركة فاعلة للمدنيين، واستفادة من كل اخطاء الفترات السابقة.
اما ما يحتاجه الشعب حقا ومن واقع معاناته ومن تسبب فيها، فهو اختفاء البرهان من المشهد نهائيا، بوصفه احد اركان هذه الحرب السلطوية وسبب استمرارها ورفض وقفها، رغبة منه في البقاء في منصبه المغتصب، ولو علي انقاض البلاد وهلاك شعبها. واذا كان جادا في الحديث عن المستقبل، فالمؤكد انه لا مستقبل لهذه البلاد إلا بالخلاص من البرهان وامثاله وحكم العسكر وسطوتهم بصفة عامة. وهو للأسف اصبح مطلب صعب المنال، بسبب وجود الاسلامويين اولا، وتمكن مليشيا الدعم السريع ثانيا، وانزلاق البلاد لهذه الحرب المدمرة ثالثا. لتنحدر الطموحات الواقعية الي مجرد الحفاظ علي بقاء الدولة والمحافظة علي حياة المواطنين، وهي نفسها طموحات علي كف عفريت بسبب اطماع ومصالح ومخاوف مشعلي وداعمي هذه الحرب القذرة.
وعموما اذا كان هنالك شخص في هذه الحياة غير جدير بالثقة ولا يمكن تصديقه فهو البرهان نفسه، وذلك ليس بوصفه يفوق مسيلمة كذبا ونفاقا فهذه سمة كافة الاسلامويين، ولكن لخفة عقله وطيشه وطموحاته التي لا تناسب امكاناته، والاهم عدم اكتراثه لأقواله وتعهداته غض النظر عن تأثير ذلك علي احترامه. فهو من شدة غبائه ارتكب نفس خطأ قوش والبشير برهانه علي حميدتي في الاحتفاظ بالسلطة، رغم ان ما حدث للبشير من حاميه حميدتي وقبله ما اصاب ابن عمه موسي هلال، كانت دروس مجانية ولم يجف مدادها بعد. وكذلك محاولته اعادة سيناريو السيسي في مصر بذات الاسلوب، وبما في ذلك الرواية الطفولية الممجوجة عن حلم والده، رغم فارق الامكانات واختلاف الظروف وتعقيدات الاوضاع في السودان وشدة خطورتها (انتشار السلاح خارج سيطرة الجيش)!
وبعيدا عن الوعود الكاذبة التي قدمها للسياسيين والثوار، فقد تعهد بعد اندلاع الحرب ان لا يغادر القيادة العامة الا منتصرا او محمولا علي محفة الشهداء، ولكن بمجرد ان وجد فرصة للفرار اطلق ساقيه للريح، تاركا صغار الضباط والجنود الشجعان ينوبون عن طموحاته. اما مشاهد الخفة وهو مرتديا فنلة وبرنيطة وحاملا كلاش علي ايام تواجده في البدروم او بعدها، وهو فرحا منتشيا وكأنه حرر البلاد من دنس المليشيا. فهي تدعو للرثاء، قبل ان تذكر بممثلي الدرجة الثالثة الذين يثيرون الملل والسخرية. وهذا ان دل علي شيء فهو يدل علي ان رداء الفرعنة الذي يرتديه لا يناسبه، فهو اوسع من قدراته، بدلالة ان مجمل تصريحاته لا تستند علي سلطة يملكها او قوة تحميها، بعد فقدانه نصف البلاد ومعظم حاميات الجيش ومقر السلطة نفسه! بل اصبح كل ما يملكه هو التلاعب بمشاعر المواطنين ومخاوفهم من وجود وتقدم مليشيا الدعم السريع الوحشية.
وعموما، حالة الفرعنة التي تتلبس البرهان رغم عدم احتكامه علي مصادرها، هي حالة عامة تتلبس العسكر، وبصفة خاصة الانقلابيين عندما يعيشون دور نصف الآلهة، الذين بيدهم كل شيء. أي هي خليط الجهل والعنجهية وجنون العظمة والوسواس القهري والجبروت الذي يتصل بالسلطة المطلقة التي يغتصبونها. وهذا يفسر حديثه عن السلطة وكأنه ورثها عن ابيه، وعن الدولة وكأنها مزرعته الخاصة. لذلك هو يتحدث بلغة هذا مسموح وذاك ممنوع وهذا مقبول وذاك مرفوض. اما ما يجهله هؤلاء المعتوهون امثال البرهان وحميدتي والبشير وقوش ومن لف لفهم واستن سنتهم، والذين يدمرون الدول ويهلكون الحرث والنسل دون ان يطرف لهم جفن او نامة احساس بالذنب. ان مرحلة وجود فرعون كالشمس تدور حوله الكواكب، او يعيش دور انا الدولة والدولة انا، هي مرحلة عفا عليها الزمن، ولا ينجر عن اعادة انتاجها إلا كوارث لا حصر لها، قبل ان يخسر فيها الجميع.
والحال كذلك، مشكلة البرهان انه فرعون لا يملك من امره شيئا، أي فرعون مزيف كالوعاء الفارغ. والسبب ان البرهان يريد كل شيء ولا يعرف اي شئ. لذلك تجده متخبطا كحاطب ليل، مرة متحالف مع اسرائيل ومرة في حضن الامارات ومليشيا الدعم السريع، ليعود ويتحالف مع المصريين دون ان ينسي حلفه الاساس مع الاسلامويين! وهذا دون قول شئ عن التحالفات التي تنشأ فقط لمعاداة قوي الثورة، كتحالف الموز الانتهازي الذي يأتي علي مقاس احتياجاته! وعليه، لا يعلم إلا الله اين سيستقر به المطاف في نهايته، اذا كُتب له عمر، وترك له الجيش الحبل علي الغارب. ولكن المؤكد انه كفاوست مستعد لعقد حلف مع الشيطان نظير بقائه في سدة السلطة. ولكن ما فات علي البرهان، انه في توهانه اصبح مطية للكيزان والمصريين، كما كان من قبل مطية للاماراتيين والاسرائيلين ومليشيا الدعم السريع، وكل اعداء الثورة والتغيير. اما عاقبة هذه الخفة والغباء والاطماع والمخاوف البرهانية، فهي هذه الحرب الكارثية، التي ادخلت الجميع في ورطة وجودية لا يعلم إلا الله كيفية الخروج منها؟!
وبعيدا عن كل الملابسات والاغاليط يظل البرهان وحميدتي محط السُبة واللعنة، ويتحملان كامل المسؤولية عما حاق بالبلاد والعباد. ولابد ان يُحاكما في أي زمان تتعدل فيه موازين القوي وتستقيم الاوضاع لصالح شعارات الثورة في العدالة والحرية والسلام. اما ما زاد الطين بلة والكوارث محنة، فهو افتقارهما للمؤهلات والاخلاق، ناهيك عن المعرفة بادارة الدولة والاحاطة بتعقيدات العلاقات الدولية! الشئ الذي جعلهما مجرد ادوات او ارجوزات في لعبة تفوق امكاناتهما، ويتحكم فيها من يسيطر عليهما خلف الكواليس لمآرب تخصهم، وهي غالبا تتعارض مع المصلحة العامة، ولذلك تدار في جُنح الظلام وتحت لوائح الاحكام التعسفية.
وبما ان السلطات الاستبدادية والعلاقات الدولية تحركها موازين القوي والمصالح وليس الامنيات الطيبة او المطالب الشرعية، وكذلك بما ان الجيش ومليشيا الدعم السريع خاضع لقادتها، وتأثير من يدعمها ويسيطر عليها. فهنالك حاجة ماسة للتعامل مع البرهان وحميدتي رغم انهما مجرمان يستحقان الاحكام المشددة. وبذات القدر يمثل الاسلامويون والاماراتيون والمصريون، اكبر اعداء الثورة والتغيير والتحول الديمقراطي، ورغم ذلك لا يمكن اغفال تأثيرهما الحاسم في أي مساعٍ جادة لايقاف الحرب، بل وللأسف تشكيل المستقبل القريب. وهذا بالطبع اذا ما اردنا لهذه المحرقة الإنطفاء، وانقاذ ما يمكن انقاذه من انفس وبني تحتية وموارد ومقومات دولة وبصيص امل في المستقبل.
وقد يكون ما ذكر سابقا محبطا لانصار الثورة والتغيير والتحول الديمقراطي، بوصف مطالبهم مستحقة وتحمل خلاص البلاد وشعبها من براثن الفقر والتخلف والانتهاكات، وهذا غير ان هنالك كم من التضحيات والخسائر تم دفعها سلفا. ولكن من خداع الذات عدم اخذ العظة والاعتبار مما حدث للثورات العربية مجتمعة، من اجهاض متعمد. يقف خلفه رسوخ الانظمة المستبدة وتشعب مصالحها وتطوير ادوات بقاءها العنفية الارهابية الامنية، وذلك بالتواطؤ مع دول خليجية ثرية ومؤثرة وتملك نفوذ وسطوة علي قادة تلك الانظمة، وكل ذلك يندرج تحت مظلة توازن مصالح عابر لخصومات الدول الكبري، التي يمكن ان تختلف حول كل شئ إلا حماية امن اسرائيل وبقاء انظمة مستبدة تعمل كوكيل لحماية مصالحها. وامام اوضاع كهذه تدعو للياس، ليس المطلوب التخلي عن المطالب المشروعة، ولكن معرفة الواقع ومحركاته ومحدداته، وحدود الامكانات المتاحة، وما يمكن نيله عاجلا والعمل المثابر علي ما يمكن نيله آجلا، من دون رفع سقف المطالب والانخراط في مواجهات غير متكافئة، تؤدي نتائجها ليس لخسران المطالب المشروعة ولكن البلاد نفسها، وذلك بعد فيضان من الدماء والدمار الشامل.
واخيرا
يا برهان انت المشكلة ذاتها وليس جزء منها، وطالما الامر كذلك فوجودك غير المرغوب فيه، يعني المزيد من الموت والدمار والانتهاكات. ولذلك وكما يقول الشباب (اقطع وشك) يقطع دابرك. وكل عام وانتم بخير، وبلادنا ترفل في الامان والرخاء، وشعبها ينعم بالإلفة وراحة البال.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع هذه الحرب اما ما
إقرأ أيضاً:
لماذا تحمي أوروبا الدعم السريع؟
لم يفلح السودان حتى الآن في حمل العالم على تصنيف مليشيا الدعم السريع المتمردة منظمةً إرهابية على الرغم من جرائم الإبادة الجماعية، والفظائع التي ظلت ترتكبها ضد المدنيين في وضح النهار، ودون مواربة. ولكون هذه المليشيا بدت نموذجًا صارخًا، ومثاليًا لما عرف اصطلاحًا بـ "البنادق المأجورة"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المرتزقة الذين يقدمون خدماتهم القتالية مقابل المال دون اعتبار للأيديولوجيا أو القيم.
فهؤلاء المرتزقة لا يهمهم سوى العائد المادي، ويعملون بشكل رئيسي لخدمة أهداف من يدفع لهم، سواء كان طرفًا على المستوى الداخلي، أو الإقليمي، أو الدولي.
فقد جعلت هذه "الميزة" الأطراف المستفيدة من خدمات مليشيا الدعم السريع أطرافًا ممانعة لتصنيفها منظمةً إرهابية، كما يجب. لقد بدأت هذه المليشيا قوة شبه عسكرية من "الجنجويد" – مجموعات مسلحة غير نظامية في دارفور -، وتطورت إلى قوة بقانون تشارك في النزاعات الداخلية.
وعلى الرغم من التقارير الحقوقية التي توثق انتهاكاتها، فإن العوامل السياسية، والاقتصادية الإقليمية، والدولية ظلت مؤثرة جدًا في تأخير تصنيفها منظمة إرهابية. ويعكس ذلك التردد تناقض المجتمع الدولي، حيث يتم تغليب المصالح السياسية، والأمنية، والاقتصادية على حساب العدالة الدولية المزعومة.
وتجدر الإشارة هنا إلى قول الموظف السابق في البيت الأبيض المختص بشؤون القرن الأفريقي، والسودان في لقائه مع الجزيرة مؤخرًا بعد أن تحرر من الموقع الرسمي: إن "مليشيا الدعم السريع يجب أن تصنف منظمة إرهابية؛ لأنها تقوم بأعمال إرهابية ضد الشعب السوداني".
فمن الجلي أن هناك أولويات تتعلق بمصالح الدول الكبرى، والإقليمية التي تخشى أن يؤدي هذا التصنيف إلى فقدان شريك أمني أو "بندقية مأجورة". وما قد يتعارض مع مصالح بعض القوى الدولية هو أن تصنيف هذه المليشيا منظمة إرهابية، سيؤدي إلى انعكاسات إيجابية على الأوضاع الداخلية في السودان، من إنهاء النزاع المسلح، وتقليل الانقسامات الاجتماعية، إلى التأثير الإيجابي على الاقتصاد، وخفض معاناة المدنيين.
فبالإضافة إلى ذلك فإن هذا التصنيف سيحلحل تعقيدات العملية السياسية، ويمكن الدبلوماسية السودانية من المزيد من النشاط، مما يجعل من السهل إيجاد حلول سلمية، واستقرار طويل الأمد.
نشأة رغائبية شائهةبدأ التفكير في إنشاء مليشيا الدعم السريع في 2003، لأغراض أمنية بحتة تتعلق باضطراب الأوضاع في إقليم دارفور مع بداية التمرد هناك، لكن سرعان ما تم استغلالها رغائبيًا في إطار حالة عدم اليقين، واهتزاز الثقة بين أركان السلطة، لا سيما بعد انشقاق الحزب الحاكم آنذاك في العام 1999.
وفي إطار طبيعة النزاع المتوارثة في دارفور بين القبائل الرعوية، والزراعية، ومع تأثر السودان بالحرب الأهلية في تشاد المجاورة التي تربطها به حدود مفتوحة، وقبائل مشتركة اتخذت النزاعات بين القبائل أشكالًا مسلحة تتطور طرديًا مع زيادة تدفق السلاح من تشاد.
وقامت مجموعات من القبائل المحلية بتنظيم قوات مسلحة عرفت باسم "الجنجويد"، وأجادت فنون القتال، والكر، والفر في مناطق ذات طبيعة سهلية شاسعة تجد أقوى الجيوش صعوبة في الانتشار فيها، والسيطرة عليها.
هذه الميزات جعلت السلطة المركزية في حقب عديدة، لا سيما نظام الرئيس السابق عمر البشير، تسعى لاستغلالها وتجنيدها لصالح السيطرة على المجموعات المتمردة ذات الأهداف السياسية، وربما المرتبطة بالخارج.
بيد أن حكومة البشير غضت الطرف عن السمعة السيئة للجنجويد؛ نتيجة الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم ضد المدنيين. والحقيقة أن السلطة المركزية كانت كمن يحاول عبثًا ترويض ذئبٍ ليجعله أليفًا يُؤلَف يعيش بين الناس، لكن الذئب يظل ذئبًا، ولن يغلب الطبع التطبّع.
في عام 2013، قررت حكومة البشير إعادة تنظيم هذه المليشيا في هيكل رسمي رغم اعتراضات ضباط من الجيش، وأطلقت عليها اسم "قوات الدعم السريع"، ومنحتها وضعًا قانونيًا ضمن الجيش القومي، ولكن بصيغة مرتبكة. وتم تعيين محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، قائدًا لهذه القوات.
غير أن هذه القوات بقيت – لشيء في نفس البشير – تابعة له مباشرة، ولم تتبع لهيئة أركان الجيش، كما كان يفترض، وهذا الأمر كان سيمنع لاحقًا تفلّتها، ومحاولة بناء نفسها باعتبارها جيشًا موازيًا بعقيدة غير عقيدة الجيش الوطني القومي. وقد ساعد هذا الوضع الشائه في تعزيز قدرات المليشيا، وتسليحها بشكل كبير بعيدًا عن خطط وسيطرة الجيش، لا سيما بعد سقوط نظام البشير في أبريل/ نيسان 2019.
وبعد الإطاحة بالبشير برزت مليشيا الدعم السريع قوة رئيسية في المرحلة الانتقالية، ووقّعت على اتفاق مع القوى السياسية للمشاركة في السلطة الانتقالية بجانب الجيش، وشغل حميدتي منصب نائب رئيس المجلس السيادي، الأمر الذي جعل المليشيا لاعبًا رئيسيًا في السياسة السودانية، بل إنها تطلّعت لاحقًا للاستيلاء على السلطة بالتعاون، والتخابر مع قوى إقليمية، ودولية، وهذا كان السبب الرئيسي في اندلاع الحرب الحالية التي تكاد تذهب بالدولة السودانية من القواعد.
إن هذا الوضع الشاذ لم يمكنها سياسيًا، وعسكريًا فحسب، وإنما سيطرت على أهم الموارد الاقتصادية في البلاد، وهي مناجم الذهب في دارفور. وكانت عوائد هذا المورد عاملًا حاسمًا في بناء نفوذها العسكري والسياسي، ولعب دور الوكيل المعتمد للقوى الإقليمية الطامعة في الذهب السوداني.
ولذلك كان هدف الاستيلاء على السلطة هو تعزيز هذه الأوضاع الآثمة لتتحول من خانة "البنادق المأجورة" إلى خانة "الأنظمة المأجورة"، ومن ثم تحويل كامل الدولة السودانية لدولة وظيفية خادمة مطيعة للإمبريالية العالمية.
تجاهل رغم التوثيق والاعتراف
إن سلوك هذه المليشيا أصبح محيرًا، ويدلُّ على خلل نفسي ما، وهو سلوك ناتج عن فقدان التوازن العقلي؛ فلا يتوانى عناصر المليشيا في تسجيل، وتوثيق جرائمهم بأنفسهم، وهم يبدون سعادتهم بذلك دون مواربة. وأظهرت مقاطع مبثوثة من جانبهم إجبار مواطنين اختطفتهم على تقليد نباح الكلاب، ومرة أخرى صوت القطط. ومن قبل وثّقوا عمليات اغتصاب ارتكبوها، وقد تناوبوا على الضحية.
إن الجرائم التي ترتكبها هذه المليشيا ليست أقل بأي حال من جرائم مخزية تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وهذه كلها جرائم تتعارض مع القوانين الدولية في المجال الإنساني.
وقامَ العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بإصدار تقارير تفصيلية عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في السودان، وتناولت هذه التقارير قضايا القتل الجماعي، والاعتقالات التعسفية، والانتهاكات ضد المدنيين، إضافة إلى استخدام العنف المفرط خلال النزاعات. وهنا نعرض ملخصًا لأبرز هذه التقارير ودور الإعلام العالمي في توثيقها.
في أوائل هذا العام أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا أمميًا بشأن ارتكاب مجازر في إقليم دارفور، كان قد قطع قول كل خطيب، وأفاد التقرير المقدم إلى مجلس الأمن الدولي بأن نحو 15 ألف شخص قتلوا في مدينة واحدة في منطقة غرب دارفور منذ اندلاع التمرد، في أعمال عنف عرقية نفذتها مليشيا الدعم السريع.
ونقلت مقاطع مصورة، دفن أبرياء أحياءً وذبح آخرين في مشاهد هزت الضمير الإنساني هزًا عنيفًا. كما أصدرت "هيومن رايتس ووتش" عدة تقارير تركز على الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، خاصة في دارفور.
أما منظمة العفو الدولية، فقد أشارت في تقاريرها إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها المليشيا، مع التركيز على حالات القتل خارج إطار القانون، والتعذيب، والاعتداء على النساء، والأطفال.
وتزامنت تقارير المنظمات المعنية مع تقارير صادمة بثتها وسائل إعلام دولية، حيث قامت وكالات مثل: (رويترز)، و(بي بي سي)، و(سي إن إن) بنشر، وبث تقارير ميدانية مصورة حول اعتداءات المليشيا على المدنيين، في مناطق تسيطر عليها، أو تلك التي استعادها الجيش السوداني من قبضتها.
هذا بالإضافة إلى تحقيقات صحفية استقصائية كشفت جوانب أخرى من هذه الانتهاكات، مثل: تجنيد الأطفال، والعنف ضد النساء. كما تمكّنت العديد من وسائل الإعلام من نشر شهادات الضحايا، والوصول إلى الشهود، وإبراز مقابلات، وتقارير، وثائقية تُظهر الظروف الصعبة التي يواجهها السكان الواقعون تحت جحيم هذه الجرائم.
لماذا يتأخر دمغ المليشيا بالإرهاب؟هناك كثير من العوامل السياسية التي تمنع ما يعرف بالمجتمع الدولي من اتخاذ خطوة تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية، هناك مصالح إقليمية، ودولية في السودان تتأسس على الموقع الإستراتيجي للسودان، لا سيما في القرن الأفريقي.
وهناك قوى إقليمية ترى أن مصالحها أو بالأحرى مطامعها لن تحصل عليها إلا عبر "البندقية المأجورة" المتمثلة في المليشيا، وأن تصنيفها منظمة إرهابية لن يمكنها من استعمالها لأهدافها.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك تنسيقًا سياسيًا مع بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تجد في المليشيا "بندقية مأجورة" غير مباشرة يمكن استخدامها في تحقيق أهداف معينة في السودان، والمنطقة، مما يدفعها إلى عدم السعي لتصنيفها منظمة إرهابية. فضلًا عن أن واشنطن هي وحدها صاحبة "حق الملكية" لمصطلح الإرهاب تستخدمه سياسيًا متى تشاء، وكيفما تشاء.
كذلك سبق للاتحاد الأوروبي استعمال هذه المليشيات "بندقية مأجورة" للحد من الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي نحو أوروبا عبر السودان. هذا التعاون الأمني جعل بعض الدول الأوروبية تتردد في تصنيفها منظمة إرهابية؛ خشية فقدان شريك محوري في مكافحة الهجرة.
ففي 2016 عقد معها الاتحاد الأوروبي اتفاقًا تحت جنح الظلام؛ لوقف تدفق اللاجئين من أفريقيا عبر السودان بقيمة (110) ملايين يورو، حسب تأكيدات الخارجية السودانية حينذاك. وردت منظمة "هيومن رايتس ووتش" غاضبة في بيان لها: إن "من السخرية تعاون الاتحاد الأوروبي الذي تأسس على قاعدة من القيم، مع حكومات مستبدة تحتقر الحقوق الإنسانية، لمجرد الرغبة في منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا".
إن القوى الدولية، والإقليمية الممانعة لتصنيف المليشيا منظمة إرهابية سخّرت آلتها الإعلامية لتبني سردية متعلقة بالدور العسكري، والسياسي داخليًا؛ بغرض دفع الآخرين للوقوف في صفّ الممانعة أو على الأقلّ تأخير، ومماطلة تحقيق تلك الخطوة المهمة.
وتقول تلك السردية التي تغلف باطلًا بحق إن المليشيا أصبحت جزءًا من البنية السياسية، والعسكرية في السودان، ولها نفوذ في البلاد. لذا، يُخشى من أن يؤدي تصنيفها منظمة إرهابية إلى تفاقم الأزمة السياسية، والأمنية في السودان، وإضعاف الحكومة المركزية.
كذلك يشيع الممانعون، ويخوفون من التبعات الاقتصادية للتصنيف الإرهابي للمليشيا، إذ سيؤدي إلى زيادة المخاطر على شركات التعدين، والنفط في المناطق التقليدية للمليشيا، وحواضنها الاجتماعية.
ويقولون إن فرض عقوبات أو تصنيفها منظمة إرهابية، سيؤدي إلى تعقيدات قانونية بالنسبة للشركات الدولية التي تعمل في هذه المناطق، مما يضر بالمصالح الاقتصادية لهذه الشركات، والدول التي تقف خلفها.
لعلّ الممانعين لو اكتفوا بالقول إن تصنيف المليشيا منظمة إرهابية، سيؤدي إلى تفككها إلى مجموعات إرهابية صغيرة كما يبدو عليه حالها اليوم بعد الضربات القوية التي سببها لها الجيش، فإن ذلك كان سيبدو منطقيًا، ومقبولًا ويبعد عنهم شبهة النوايا السيئة التي تقف حجر عثرة في إقرار تصنيف دولي للمليشيا باعتبارها منظمة إرهابية، يسهم في القضاء المبرم عليها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية