السوداني:

في الوقت الذي كانت تمتلئ وتكتظ فيه الأسواق بالرجال والنساء والأطفال لشراء مستلزمات العيد من حلوى وملابس ولُعب للأطفال، كان على الطرف الآخر من سوق “العتبة” بالعاصمة المصرية القاهرة، كانت تجلس على طرف الرصيف السيدة السودانية (نور)، في العقد الخامس من العمر برفقة أطفالها الأربعة، وهي تحمل بين يديها “مناديل ورق” للبيع، وسط تلك الزحمة تارة ما تقع منها على الأرض وتارة أخرى تعتريها حالة من التعب والانهيار، لفتني الموقف ووصلت ناحيتها ومن الوهلة الأولى وهي تنظر نحوي بدهشة قالت (سودانية مُش؟)، ثم أردفت: (شوفي الزمن يا بتي عمل فينا شنو؟ أنا كنت مديرة مدرسة، وزوجي المات في الخرطوم بـ”دانة” كان موظفاً في شركة، بيتنا اتسرق قبل ما ينهدم وأسرتي، أمي وأختي، مصابتان في مستشفى النو بأم درمان، جينا هنا بالتهريب وسكنا مع أسرة برضو تعبانة بقيت أبيع المناديل والدنيا قبايل عيد…)، هنا لم تتمالك السيدة نفسها وانخرطت في موجة بكاء حارة بعد أن التف صغارها من حولها كأنما يبحثون عن الأمان بعد أن جار عليهم الزمان بسبب الحرب التي أكملت عامها الأول ولا حل يلوح في الأفق.



تبدل الأحوال

(ارحموا عزيز قوم ذل)، ينطبق هذا المثل الآن فعلياً مع عدد كبير من السودانيين الذين لجأوا إلى مصر بسبب الحرب ودخلوها بـ(خُفي حنين) بعد أن فقدوا كل ما يملكون، بعد أن كانوا أعزاء أصحاب شأن في بلدهم.

تبدل الحال من حال لآخر أكثر قسوة ووحشية، جعل أكثرهم يبحثون عن مسكن يأويهم أو لقمة عيش يسكتون بها جوع بطونهم أو جرعة دواء يُسكِّنون بها آلامهم وأوجاعهم أو قطعة ملابس يسترون بها عوراتهم.

قبيل عيد الفطر بأيامٍ، رصدت (السوداني) بمنطقة 6 أكتوبر شارع الحُصري الإستوب المؤدي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالقاهرة، عشرات السيدات يجلسن برفقة أطفالهن في حال يُرثى له وثياب بالية وممزقة وهن يمددن أياديهن للغاشي والماشي بإصرار وإلحاح شديد لمساعدتهن قبل أن يكشفن عن وضعهن لكل من يسألوهن ما قبل المجئ لمصر بسبب الحرب اللعينة كأنهن يردن قول (نحن حالنا أصلاً ما كان كده) كنوع من عزة النفس، وإن الحوجة فرضتها الظروف.

تحدثت معي إحداهن وهي مُلثمة وجهها بطرف ثوبها قائلةً: (يا بتي الدنيا قبايل عيد وما عندي حق الملابس ولا حق كيس الحلاوة، أول مرة في حياتنا يحصل معانا كده، في السودان وقبل الحرب كنا ساكنين في الديم، زوجي متوفي، لكن كنت شغّالة معلمة في رياض أطفال وبتي الكبيرة كانت شغّالة كاشير في مول الواحة، قبل أيام من العيد كنا زي الوقت ده بنكون اشترينا الملابس والملايات وخبزنا، جينا مصر تهريب بملابسنا فقط ساكنين في غرفة غفير ببئر السلم مع أولادي التلاتة ما حاسين بالعيد غير إحساسنا بالوجع والذل بعد أن تبدل حالنا وبقينا نشحد حق الأكل والشراب).

عَبرة ودموع في شوارع الغربة

عدد من الموسيقيين الذين أتوا الى مصر بالتهريب بسبب الحرب أكدوا لـ(السوداني) أنهم ولأول مرة منذ وجودهم في هذه الحياة يأتي العيد ويجدهم وأسرهم بلا مال ولا جديد من ملابس وحلوى، بالإضافة لعدم وجود عمل يقتاتون منه – حسب وصفهم – في الوقت الذي سدت فيه العَبرة حلق عدد منهم، مُعبرين عن حالهم بالدموع.

شوارع أحياء فيصل والمهندسين والدقي والعجوزة ومدينة نصر، أصبحت تمتلئ بالمتسولين من الرجال والنساء والشابات، كل يحكي ظرفه الحالي الذي أجبره على التسول، بعضهن يشحدن أجرة إيجار الشقة، وآخرون يمدون أياديهم من أجل إطعام أطفالهم الجوعى، والبعض الآخر يسأل حق الدواء والفحوصات الطبية، والبعض تقطّعت بهم السبل وصار الشارع مسكنهم بعد عدم تمكنهم من سداد الإيجار.

ما رصدناه من معاناة السودانيين الفارين من جحيم الحرب في السودان هو جزء من واقع ووجع كبير جداً أكبر من الشرح والسرد، كانت الدموع هي سيدة الموقف، والحوجة هي السمة الأبرز، والعطاء هو الكنز المفقود، بعد أن تعددت الحالات وتمددت في شوارع الغربة تكتسيها الوحشة والحوجة والدموع.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بسبب الحرب بعد أن

إقرأ أيضاً:

مبدعون سودانيون يدينون العنف ضد المدنيين ويدعون لحماية حقوق الإنسان في شطري السودان

وصف بيان صادر عن المبدعين هذه الانتهاكات بأنها تهديد خطير للنسيج الاجتماعي وخرق واضح للكرامة الإنسانية.

الخرطوم: التغيير

أعرب مبدعون سودانيون عن قلقهم البالغ إزاء التصعيد الخطير للعنف ضد المدنيين في السودان وجنوب السودان، مؤكدين إدانتهم للاعتداءات الممنهجة التي استهدفت مدنيين من جنوب السودان في مدينة ود مدني بالسودان، وأخرى تعرض لها مواطنون سودانيون في مدن جوبا وأويل بجنوب السودان.

ووصف بيان صادر عن المبدعين هذه الانتهاكات بأنها تهديد خطير للنسيج الاجتماعي وخرق واضح للكرامة الإنسانية، داعيًا إلى رفض جميع أشكال العنف ضد المدنيين، سواء كانت على أسس عرقية أو دينية أو قومية.

كما أعرب الموقعون عن شكرهم لحكومة جنوب السودان على دورها الإيجابي في حماية المواطنين السودانيين هناك.

وطالب البيان حكومتي السودان وجنوب السودان باتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين، وإجراء تحقيقات شفافة في هذه الحوادث، وتقديم المسؤولين عنها للعدالة.

ودعا إلى إنشاء لجان مشتركة لمراقبة الأوضاع الإنسانية، وترسيخ سيادة القانون، وتعزيز التعاون بين البلدين.

وشدد البيان على أهمية دور المجتمع المدني في تعزيز التعايش السلمي وإطلاق مبادرات ثقافية وفنية تدعم الحوار والتفاهم المشترك.

كما حثّ الاتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية على تقديم الدعم لتحقيق السلام والاستقرار، وتوفير المساعدات الإنسانية للمتضررين.

وأكد المبدعون السودانيون على التزامهم باستخدام الفن والثقافة كوسائل لتعزيز السلام والعدالة، وبناء مستقبل يقوم على احترام حقوق الإنسان والكرامة للجميع.

الوسومآثار الحرب في السودان العنف المرتبط بالنزاع انتهاكات الجيش السوداني انتهاكات الدعم السريع جنوب السودان مبدعون سودانيون

مقالات مشابهة

  • ترامب يعلنها صراحة: حان الوقت لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا
  • عودة بحث مع زواره في الاوضاع العامة
  • هل أشعلت الحرب عقول الشباب السوداني؟
  • ترامب يطالب بإنهاء حرب أوكرانيا ويتوعد روسيا بعقوبات قاسية
  • عاجل. ترامب: على بوتين وروسيا إيقاف الحرب السخيفة وعلاقتي بالرئيس الروسي كانت جيدة للغاية
  • 471 يوما من العدوان.. تامر أمين: الحرب على غزة كانت جحيما لا يطاق
  • مبدعون سودانيون يدينون العنف ضد المدنيين ويدعون لحماية حقوق الإنسان في شطري السودان
  • محلل سياسي: عملية جنين العسكرية كانت متوقعة في ظل التحضيرات الإسرائيلية
  • محلل سياسي: العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين كانت متوقعة
  • ضبط 3 رجال يتسولون في الرياض.. فيديو