مسقط- العُمانية

الراصد لواقع الهوية الثقافية في الفن التشكيلي في أي مجتمع من المجتمعات، سيجده ذا أثر في الفن الحديث، فهو يتوافق مع مجموعة من المفاهيم المعاصرة بما فيها الانتماء والمواطنة، والثقافة بصفتها محركًا رئيسًا للعديد من المفاهيم في المجتمع الواحد، فإنها تشكل أداة لترسيخ مفاهيم الهوية، خاصة فيما يتعلق بالتوجهات الفكرية والثقافية والفنية.

وفي هذا السياق تتحدث مجموعة من المختصين في شأن الفن التشكيلي في سلطنة عُمان عن جملة من المحاور، بما فيها ملامح واقع الهوية الثقافية في الفن التشكيلي وما يعزز حضورها من خلال الممكنات الفنية، والعلاقة بين الفنان التشكيلي في سلطنة عُمان وتفاصيل مجتمعه وثقافة أرضه، وأبرز ملامح تلك العلاقة وما وصلت إليه اليوم، ونقل تلك الهوية إلى الأجيال الجديدة بالمفاهيم المبتكرة التي تعين الفنان دائما على إيصال فكرته وإيصال صوته الفني.

ويقول أ. د. محمد بن حمود العامري أستاذ الفن والتربية بجامعة السُّلطان قابوس، إن الهوية الثقافية تشكل أهمية كبرى في النسيج العُماني الذي عُرف بملامحه وخصائصه التي تميزه عن غيره من المجتمعات رغم تشابه المشهد الثقافي والاجتماعي في دول مجلس التعاون؛ غير أنها لها حضور في شتى مناحي الحياة. وتجسدت الهوية الثقافية العمانية البصرية في قطاع الفنون بتنوعاته، فمنذ اليوم الأولى للنهضة العمانية كانت الهوية حاضرة في أعمال الفن التشكيلي وبأشكال وهيئات مختلفة سواء أكانت تلك الملامح مباشرة بالنسبة للمتلقي أو على هيئة استعارات فنية رمزية أو على هيئة تقليدية أو في شكل حديث ومعاصر؛ فالمتتبع للحراك التشكيلي يجد الهوية في البداية قد تمثلت في التعبير البصري المباشر من حيث وجود القلاع والحصون ومفردات التراث مثل الخنجر والحلي والفضيات والرموز الأخرى غير المادية مثل الشعر والأمثال والحكايات الشعبية التي تجسدت في أعمال الفنانين التشكيليين؛ غير أن جماليات وروعة التعبير حفظت الكثير من تلك الهوية الواضحة الملامح وجعلتها خالدة في صور بصرية تشهد على قوة الهوية العُمانية وعمقها التاريخيّ التي تضرب بجذورها في حضارات ثقافية تشهد وبقوة على أصالتها؛ تمثلت في أشكال وأساليب بصرية معاصرة حيث إن فنون ما بعد الحداثة والفنون المعاصرة كان لها حضور في فن الفيديو وفن الأداء والفن المفاهيمي وفن التجهيز في الفراغ، وهناك أمثلة ونماذج رائعة تشهد على حضور الهوية بثوب معاصر وبتقنيات فنية عالية.

ويضيف أن العلاقة بين الفنان التشكيلي العُماني وتفاصيل مجتمعه علاقة جمالية ذات تأصيل مفاهيمي يتصف بجذور الثقافة والهوية المادية وغير المادية؛ لأنها تركز على التعبير الحرّ لرموز الثقافة وتعبر عن جماليات من نوع آخر يمكننا أن نراها أو نسمعها أو يمكننا لمسها.

وتقول الفنانة التشكيلية الدكتورة حنان بنت إبراهيم الشحية إن للفنون دورًا كبيرًا في بناء الهوية الثقافية لأي مجتمع فهي وسيلة ينقل عبرها الفنان تجاربه وانتماءاته وعقائده ومكوناته الثقافية ويطرح قضايا مجتمعه، وإذا نظرنا إلى الفن التشكيلي في سلطنه عُمان بمفهومه المعاصر نجد أن ملامح الهوية الثقافية كانت حاضرة فيه منذ بدء تشكله على الرغم من أنه قد تشكل حديثا مع بدء نهضة التعليم وإدخال مادة التربية الفنية كمنهاج في المدارس بالإضافة إلى إنشاء المؤسسات التي ساعدت في تبلور الحركة التشكيلية ومكنت من إبراز الفنانين العُمانيين وصقل مواهبهم، فعلى الرغم من أن الفنانين التشكيليين العُمانيين شأنهم شأن باقي الفنانين التشكيليين عموما عرفوا الفن من خلال نماذج الفن البصري الغربي والاوروبي بالتحديد، كمدارس الفن التشكيلي الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة هيمنت على الحركة التشكيلية العالمية وفرضت هوية ثقافية غربية نوعا ما، إلّا أن الفنانين العُمانيين تمكنوا من تطوير تجاربهم الفنية وصنع نماذج فكرية مستقلة وتقديم إضافة إلى الإبداع العالمي عبر إبراز هويتهم العُمانية؛ سواء كان ذلك باستحداث أدوات وخامات وعناصر ذات مرجعية ثقافية محلية أو بالتعبير في موضوعات أعمالهم عن محتوى محلي يعكس البيئة والحياة العُمانية.

وتشير إلى أنه لا يمكن للفنان التشكيلي العُماني أن ينفصل على هويته الثقافية، فحتى إن تبع أسلوبه لمدارس فنية حداثية ومعاصرة، تظل ريشته ناقلة للجمال في محيطه وتستمر مكونات عمله في الدلالة على رموز ثقافة مجتمعه الغنية والعريقة، وهذا ما يجعله متفردا ومتميزا.

وتؤكد أن الهوية الثقافية الراسخة والمؤثرة للبلد تعزز التلاحم والتماسك بين أفراد المجتمع وتقوي روح الانتماء لديهم وتبقي الذاكرة الجماعية حية، وتنعكس إيجابيًا على سمعة البلد وصورته الدولية وهو ما يسمى بالقوة الناعمة.

وترى الدكتورة نجلاء بنت سالم السعدية أستاذ مساعد بجامعة السّلطان قابوس أن الهوية الثقافية في سلطنة عُمان تتأثر بتنوع وترابط العديد من العناصر الثقافية المتمثلة في العناصر الثقافية والتاريخية والاجتماعية، ويعد التراث العماني جزءا مهمًّا من الهوية الثقافية ويتضمن الفنون والصناعات التقليدية والأسلوب المعماري التقليدي والفنون الشعبية بمختلف أنواعها، والهوية الثقافية تعد مصدر إلهام مهم للفنانين العُمانيين تساعدهم على إثراء النسج الفكري والإبداعي في إنتاج العمل الفني وتعكس علاقة الفنان بالهوية.

وتؤكد السعدية أنه يمكن للفنانين استخدام تقنيات مبتكرة مثل الفن الرقمي، والوسائط المتعددة، والتفاعلية لإيصال رسائلهم وتعبيرهم عن الهوية الثقافية بطرق جديدة ومثيرة، علاوة على ذلك، يمكن استخدام الفن لإحياء القصص والتقاليد التراثية من خلال تطبيقها على سياقات حديثة وإضافة عناصر مبتكرة لتجديدها وجعلها أكثر قربًا وتفاعلا مع الأجيال الجديدة، ويمكن أن يكون العمل الفني وسيلة فعالة لتشجيع الحوار والتفاعل بين الأجيال المختلفة وتعزيز الفهم والاحترام المتبادل للتنوع الثقافي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الهویة الثقافیة فی الفن التشکیلی التشکیلی فی الع مانیین الع مانیة

إقرأ أيضاً:

ذكرى ميلاد "عاشق الفن".. الفنان الراحل سامي العدل (تقرير)

 

 

يحل اليوم الموافق 2 نوفمبر ذكرى ميلاد الفنان الراحل سامي العدل، الذي ينتمي إلى عائلة عريقة هي عائلة العدل، والذي يعد واحدًا من أبرز مشاهير الفن الحديث، حيث قام بتقديم مجموعة من أبرز الأدوار في مشواره الفني، مما جعله راسخًا في ذاكرة الجمهور، ويعود ذلك ليس فقط لأعماله، بل أيضًا لشخصيته المميزة التي عُرفت بجدعنتها وطيبتها، مما جعله محبوبًا بين زملائه، واعتبره أشقاؤه بمثابة الأب الروحي لهم، ويخصصون له أي نجاح يظهر على تترات أعمالهم بإهداء إلى روحه.

 

و يبرز الفجر الفني في هذا التقرير أبرز المحطات الفنية في حياة الفنان الراحل سامي العدل، وأشهر أعماله ووصيته الأخيرة:

 

 

عرض برنامج "صباح الخير يا مصر"، المُذاع عبر القناة الأولى، والفضائية المصرية، من تقديم الإعلاميين محمد الشاذلي ودينا شرف، تقريرًا بعنوان  ذكرى ميلاد "عاشق الفن".. الفنان الراحل سامي العدل.


مسيرة الفنان سامي العدل

يعد الفنان سامي العدل، ممثل ومنتج مصري، حيث ولد في مدينة المنصورة في عام 1946، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية، وبدأ العمل كممثل منذ أوائل السبعينات من خلال فيلم (كلمة شرف) في عام 1972، وشارك منذ ذلك الوقت بالعمل في السينما والتليفزيون والمسرح، ولكن كان أكثر عمله حتى مطلع الألفية الثالثة في السينما.

 

أشهر أعمال الفنان سامي العدل

ومن أشهر أعمال سامي العدل: حرب الفراولة، أمريكا شيكا بيكا، هستيريا، شورت وفانلة وكاب، أحلى الأوقات. وتركز أغلب نشاطه في السنوات الأخيرة في التليفزيون، ومن مسلسلاته: ريا وسكينة، محمود المصري، قضية رأي عام، رمانة الميزان، الداعية، وقام سامي العدل بانتاج العديد من الأعمال السينمائية من خلال شركة (العدل جروب) التي يملكها مع أشقائه.

 

 

وصية سامي العدل الأخيرة:

تمكن من اكتشاف العديد من النجوم وإدخالهم إلى الساحة الفنية، فهو أول من قدم الفنان مصطفى قمر في السينما، ولم يكن مصطفى قمر هو الوحيد، بل قدّم أيضًا الفنان مصطفى شعبان من خلال فيلم "خلي الدماغ صاحي"، بالإضافة إلى الفنان أحمد عيد والفنان فتحي عبد الوهاب في فيلم وثائقي.

وكانت آخر وصاياه لصناع السينما في مصر هي ضرورة إنتاج أعمال هادفة تحمل مضمونًا، مؤكدًا على أهمية إدراكهم أنهم يخاطبون جمهورًا واعيًا وذكيًا لا يقبل على سلعة رديئة.

مقالات مشابهة

  • 400 لوحة في معرض بانوراما الفنّ التشكيلي الجزائري 1954-2024
  • علي صبحي ينضم لأبطال مسلسل "ناقص ضلع" بطولة نيللي كريم رمضان 2025
  • فنانون رفضوا تجسيد المرأة في الأعمال الفنية وعبروا عن مواقفهم من قضايا الهوية والتنوع (تقرير)
  • عزاء الفنان الراحل مصطفى فهمى بمسجد عمر مكرم.. اليوم
  • وفاء مكي: حسن يوسف كان فنانًا عظيمًا وهادئًا وخلوقًا
  • منال سلامة لـ صدى البلد: حسن يوسف كان هادئا وخلوقا
  • أبرزهم يسرا ونبيلة عبيد.. نجوم الفن في عزاء حسن يوسف
  • حسين فهمي يقدم واجب العزاء في حسن يوسف
  • توغي تؤكد أهمية التراث السمعي البصري في تشكيل الهوية الثقافية وحفظ الذاكرة الجماعية
  • ذكرى ميلاد "عاشق الفن".. الفنان الراحل سامي العدل (تقرير)