بيروت- تعذيب وضرب أطفال بإحدى دور الحضانة، ومقتل طفلة على إثر اغتصابها ببيت عائلتها وتوقيف جدها للاشتباه به، والاعتداء الجنسي على طفلتين بالبقاع وطفل بعكار.. كانت هذه أمثلة على انتهاكات وجرائم عدة شهدها شهر يوليو/تموز فقط، بحق الأطفال والقاصرين في لبنان، امتلأت بها وسائل الإعلام اللبنانية وأحدثت وقائعها صدمة لدى الرأي العام، لأن معظمها صدرت من أفراد ومؤسسات يُفترض أنها ملاذ آمن لهم.

وبينما يربط خبراء تنامي هذا العنف بالانهيار الاقتصادي وانحلال الدولة، يدقون ناقوس الخطر بالسؤال عن مسؤولية الجهات الرسمية وغير الحكومية المتولية حماية الأطفال والفئات الأكثر ضعفا.

ومن الجرائم التي ظهرت للإعلام بيوليو/تموز أيضا: عثور كلب شارد على طفلة رضيعة مرمية بكيس أسود بطرابلس، والعثور على طفلين رضيعين بجبيل، وحكم قضائي بحق رئيسة دار للإيواء تُدعى "قرية المحبة والسلام" ومتورطين آخرين بتهم عدة كالاتجار الجنسي بالقاصرات، وإجبار الأطفال على تعاطي المخدرات، والاتجار بالبشر عبر عرض رُضع للتبني غير المشروع.. وغيرها من القصص حول عنف يلاحق الأطفال بالمنازل والمدارس ودور الحضانة والرعاية والمساحات العامة.

وتُذكّر هذه الجرائم بأخرى كثيرة ضجّ بها لبنان في 2022، كإلقاء القبض على أب يكبّل ويعذّب طفله البالغ سنة واحدة، واغتصاب أطفال لبنانيين وسوريين وغيرها.

طفل لاجئ من عائلة سورية بلبنان يعمل في ورشة بناء مع والده (رويترز) تفاقم العنف

وفي أحدث تقرير لمنظمة اليونيسيف الدولية بعنوان "أزمة لبنان المتفاقمة تحطم آمال الأطفال"، في يونيو/حزيران 2023، تحدث البعض عن ضغوطات هائلة تنتج مشاعر غضب تجاه الأطفال.

وأعربت اليونيسيف مطلع يوليو/تموز عن قلقها من تفاقم أشكال العنف الشديدة ضد الأطفال، وحثت على منع نشر أسماء وصور الضحايا، حفاظا على خصوصيتهم، ولعدم خلق حواجز تحول دون الإبلاغ عن العنف خوفا من وصمة العار.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، أظهر مسح لليونيسيف أن طفلا من كل اثنين بلبنان معرض لخطر العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي.

فهل الأزمة الاقتصادية سبّبت تصاعد الجرائم والانتهاكات؟ أم ثمة جذور لتنامي الظاهرة مرتبطة بقوانين وسياسات رعاية الأطفال؟

مواثيق وقوانين

ينطلق الخبير الدستوري والعميد بالجامعة الدولية للأعمال بستراسبورغ بول مرقص، من المواثيق والمعاهدات الدولية التي يلتزم بها لبنان بعد مصادقته على "الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل" منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1990، والتزامه بـ"الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونموه" في العام نفسه.

يقول مرقص للجزيرة نت، إن هناك جهات حكومية وقضائية مسؤولة عن رعاية حقوق الأطفال، ومنها: وزارتا الشؤون الاجتماعية والصحة، ووزارة العدل بالإشراف على المحاكم القضائية، وهيئة حقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للطفولة، والقوى الأمنية. ويذكر قوانين لبنانية مرتبطة بحقوق الطفل:

قانون حماية الطفل 422/2002 الذي يتصدى لمختلف أشكال العنف والإساءة إليهم. قانون العمل 828/1996، وينظم عمل الأطفال ويحظر توظيفهم بالأعمال الخطيرة. قانون الأحوال الشخصية، المرتبط بالنسب والولاية والحضانة الأسرية. قانون العقوبات، ويعاقب على كافة أشكال العنف والاعتداء على الأطفال.

لكن مرقص يرى أن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي يؤثر على تطبيق المواثيق والقوانين. ويرصد ظواهر عززت العنف بحق الأطفال، ومنها: النزاعات المسلحة التي شهدها لبنان تاريخيا، والاتجار بالبشر، وعمالة الأطفال، والاستغلال والاعتداء الجنسي في البيئات غير الآمنة، والعنف الأسري وتخلي آلاف الأسر عن أطفالها، وواقع اللجوء الذي جعل أطفال اللاجئين السوريين والفلسطينيين عرضة للمخاطر عينها.

بالمقابل، يربط خبراء المشكلة بعدم إلزام الجمعيات العاملة بمجال الرعاية بالخضوع لسلطة وزارة الشؤون الاجتماعية الرقابية.

وهنا، يقرّ رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب ميشال موسى، بضرورة فرض الحكومة رقابة إلزامية وشروطا صارمة بمنح التراخيص للمؤسسات الاجتماعية والرعائية. ويقول للجزيرة نت إن "الجرائم بحق الأطفال، هي جرائم أخلاقية غير مبررة حتى بالمناخ الاقتصادي والمعيشي للبنان".

ويرفض النائب تحميل البرلمان مسؤولية عدم تشريع قوانين جديدة للحد من الجريمة، معتبرا أن القوانين قائمة ومعدلة، و"المطلوب الحكم القضائي بأقصى درجات العقوبة".

الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان تخلق أرضية خصبة للعنف ضد الفئات الضعيفة (الفرنسية) غياب الثقة بالدولة

تربط الخبيرة الدولية بمجال حماية الطفل زينة علوش، تصاعد الجرائم بتراجع ثقة المواطنين بالدولة، إضافة لعامل الأزمة الاقتصادية.

وتعتبر، في حديث للجزيرة نت، أن مرتكبي الجرائم بحق الأطفال تحديدا، يتفلتون من الضوابط القانونية والاجتماعية والأخلاقية، و"تعزز هذا مع الموقف من الدولة كجهة لم تحمِ المواطنين من عملية السطو على أموالهم بالمصارف ولم توفر الأمان لهم".

وترى زينة علوش أن فورة الانتهاكات والأذى بحق الأطفال والنساء أيضا، "ردة فعل غير طبيعية، ولكن لها جذورها، مع تدني مستوى أداء الدولة تجاه شعبها".

ويستدعى الأذى الصادم بحق الأطفال برأي زينة، إعلان حالة طوارئ من الدولة والمنظمات الدولية والمحلية والأهلية. وتقول "ثمة أرض خصبة للانقضاض على الفئات الضعيفة، حيث يبحث كل قوي عمن هو أضعف منه لممارسة سلطته عليه، فصار الأطفال فريسة سهلة بغياب نظام حماية متكامل".

وتتساءل زينة علوش: أين ملايين الدولارات التي تنفق على الجمعيات الفاعلة بمجال الرعاية والحماية الاجتماعية؟ فبعد سنوات من العمل على تعزيز حماية الأطفال، "نكتشف مرارا قصور الدولة أولا، وكذلك الجمعيات بالاستجابة السريعة والوقاية الاستباقية".

وتدعو الإعلام للامتناع عن اختراق خصوصية الأطفال الضحايا، مقابل فضح المعتدين، حتى يعبر الأطفال للنجاة بمستويين: الاقتصاص من الجاني، وتوفير شبكة أمان تتعامل مع الأطفال لمداواة الأذى على المدى الطويل.

حلول مفقودة

يعتقد مرقص أن حماية الأطفال مسؤولية حكومية تتطلب تشريعات صارمة وآليات قضائية فعالة، وفرض عقوبات رادعة لمرتكبي الجرائم.

بالتوازي، تعتبر زينة علوش أن الحل الجذري يتحقق فقط بتحمّل الدولة مسؤولياتها في حماية الأطفال، بتوفير الخدمات الأساسية؛ كالتعليم الإلزامي والمجاني، والرعاية الاجتماعية والصحية العادلة، ومحاربة عمالة الأطفال، ودعم الأسر المهددة والفقيرة ليس بالمال فحسب بل بتوفير خدمات متعددة الأبعاد، وتفعيل دور فرق عمل متعددة الاختصاصات للمراقبة والمتابعة، حيث "لا يمكن فصل واقع الأطفال عن تحلل للدولة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حمایة الأطفال بحق الأطفال

إقرأ أيضاً:

الحكومة اليمنية: «الحوثي» ارتكبت أبشع الجرائم والانتهاكات

عدن (الاتحاد)

أخبار ذات صلة طاقمان أوروبيان في «خليجي 26» مساعٍ لتوسيع العمليات الأممية ضد الحوثيين بالبحر الأحمر

أكدت الحكومة اليمنية أن جماعة الحوثي ارتكبت منذ انقلابها وسيطرتها بالقوة على العاصمة المختطفة ‎صنعاء، أفظع الجرائم والانتهاكات وسلبت من اليمنيين حياتهم وأرواحهم، وأمنهم، وغذاءهم ومستقبلهم، وعمدت إلى إنتاج الحروب والأزمات، وافتعلت المآسي والانقسام، وزرعت الفوضى في كل مناطق سيطرتها.  
وقال وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني في تصريح صحفي، إن جماعة الحوثي استهدفت بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، والأسلحة الثقيلة والمتوسطة، والمدافع، والقناصة، الأهداف المدنية في المدن المكتظة بالسكان، المدارس، المستشفيات، الأسواق، والمساجد، وهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها، وأدت إلى مقتل وجرح مئات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من النساء، الأطفال، وكبار السن، في مشهد إنساني مرعب.
وأضاف: «ارتكبت جماعة الحوثي جرائم اختطاف وإخفاء قسري طالت عشرات الآلاف من اليمنيين، بينهم سياسيون، صحفيون، أكاديميون، وناشطون، فضلاً عن النساء والأطفال، ومارست ضدهم أبشع الانتهاكات من احتجاز تعسفي، وتعذيب نفسي وجسدي. 
وأشار الإرياني إلى أن جماعة الحوثي مستمرة في استدراج الأطفال إلى معسكرات الموت، حيث حولت المدارس إلى معسكرات قتالية، وفصول الدراسة إلى ساحات لتدريب الأطفال على استخدام الأسلحة وتعبئتهم بأفكار متطرفة، في أكبر عملية تجنيد قسري في التاريخ الحديث.
وقال: «من خلال زرع الألغام، التي لم تشهد البشرية مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، حولت الحوثي المدن والقرى إلى حقول موت، تلك الألغام التي تمت زراعتها بشكل عشوائي في المنازل، المدارس، الأسواق، الطرق، وفي كل مكان ممكن، تسببت في مقتل وجرح الآلاف من الأبرياء وتركهم بإعاقات دائمة».
ولفت الإرياني إلى أن هذه الممارسات تسببت في أكبر موجة نزوح تشهدها اليمن في تاريخها، حيث اضطر ملايين اليمنيين للهرب إلى مخيمات النزوح في المناطق المحررة أو اللجوء إلى الخارج، وتحولت حياتهم إلى جحيم يومي في ظل ظروف معيشية مروعة.
كما اتبعت الحوثي سياسة إفقار وتجويع ممنهج لليمنيين من خلال قطع المرتبات، وفرض الجبايات والإتاوات، ونهب الممتلكات الخاصة والعامة، ونهب الأراضي والمنازل تحت ذريعة «الحارس القضائي»، وإيجاد اقتصاد موازٍ متحكم دمر فرص العمل والتعليم، بهدف إفقار الشعب.
وأكد الإرياني أن الحوثي لم تكتفِ بذلك، بل سعت إلى استهداف السلم الأهلي وتمزيق النسيج الاجتماعي في اليمن، من خلال تغذية النزعات المناطقية، واستهداف الأقليات، وحاولت من خلال المدارس والمناهج ودور العبادة، فرض ثقافة عدائية ضد الهوية الوطنية.

مقالات مشابهة

  • الفوضى تهدد مستقبل البلاد.. هل تستطيع سوريا الصمود أو تتجه نحو المزيد من العنف والدمار؟
  • الحكومة اليمنية: «الحوثي» ارتكبت أبشع الجرائم والانتهاكات
  • انقسام آراء الكنائس عالميا حول المثلية يؤدي إلى تصاعد العنف المفضي إلى القتل.. ماذا حصل في نيجيريا؟
  • شرطة أبوظبي تدعو إلى حماية الأطفال من مخاطر السقوط عبر النوافذ
  • شرطة أبوظبي تدعو الأسر إلى حماية الأطفال من مخاطر السقوط عبر النوافذ والشرفات
  • نقابة خبراء التخمين في لبنان تتقدم باعتراض على قرار وزير العدل
  • مَن المتسبب في انتشار ظاهرة المذابح الأسرية؟ خبراء يكشفون الأسباب والحلول
  • القصة الكاملة .. مجدي الهواري يكشف أخطر الجرائم التي هزت المجتمع المصري
  • القضية السكانية المخاطر والحلول .. ندوة بكلية الخدمة الاجتماعية ببني سويف
  • الزغاوة هم القوى الاجتماعية الوحيدة في دارفور التي رفضت الجنجويد وصارعتهم مرتين