رشا عوض

الفترة من ١١ أبريل (يوم إسقاط البشير وتولي وزير دفاعه ورئيس اللجنة الأمنية العليا عوض ابن عوف رئاسة المجلس العسكري الأول) و١٣ أبريل (يوم الإطاحة بكامل أركان اللجنة الأمنية باستثناء عضو واحد فقط هو حميدتي وتشكيل المجلس العسكري الثاني برئاسة الفريق عبد الفتتاح البرهان) هي فترة حافلة بأحداث وتفاصيل كثيفة جدا وذات أهمية نوعية بدونها لن يكتمل التأريخ الدقيق للفصل الأخير في نظام الإنقاذ.

عند كتابة تاريخ ثورة ديسمبر المجيدة لا بد من تسليط الضوء على هذه التفاصيل لفهم التعقيدات والتحديات التي واجهت الثورة.

الكيزان سيكتبون روايتهم وحتما ستنطوي على كثير من الزيف، وحتما سيتعمدون كعادتهم حجب أجزاء مهمة جدا من الحقيقة لأنها ستدينهم. يجب أن لا نترك تاريخنا لمحاضر تحقيقات “الحركة الإسلامية” التي ترى في الكذب لصالح التنظيم عبادة لله.

منذ الآن بدأت ملامح التزوير تطل برأسها في شهادات البعض في اتجاه اختزال الحدث التاريخي الكبير ممثلا في ثورة ديسمبر في نظرية مؤامرة داخلية وأخرى إقليمية، وتهميش دور الجماهير التي ثارت وقدمت التضحيات، وإسقاط عوامل مهمة مثل مستوى الفساد والانهيار والعجز الذي بلغه النظام في كل المجالات بصورة تحتم سقوطه، وفي إطار نظرية المؤامرة الإقليمية نفسها سيتجاهل الإسلامويون أو بالأحرى سوف يتسترون على الخونة والعملاء داخل تنظيمهم الذين كان لهم الدور الحاسم في بيع التنظيم (بالقطاعي) لعدد من أجهزة المخابرات الإقليمية، ومثلما زعموا أن الدعم السريع الذي هو( صنيعتهم هم) ذراع سياسي لـ “قحت” و”تقدم” سيزعمون أن التدخلات الإقليمية الكثيفة في الشأن السوداني دخلت من باب القوى السياسية العميلة الخائنة.

يجب أن نحاول كتابة تاريخنا المعاصر بأمانة وموضوعية وشمول لكل وجهات النظر المتصارعة بما فيها وجهة نظر الكيزان، ولا نسمح بتلوين التاريخ بلون سياسوي أو أيدولوجي، وهذا يقتضي التوثيق الدقيق للأحداث بتسلسلها الزمني وسياقها العام والخاص.

حتى الآن كثيرون جدا يتحدثون عن أن الحرية والتغيير تفاوضت مع اللجنة الأمنية لنظام البشير وعقدت معها شراكة على أساس الوثيقة الدستورية، وهذا حديث غير صحيح بالمرة، اللجنة الأمنية العليا لنظام البشير هي مؤسسة من مؤسسات النظام منصوص عليها في دستور ٢٠٠٥ ، ومعروفة بشخوصها وهم قيادات أمنية وعسكرية وسياسية اكتسبوا عضويتهم في هذه اللجنة بحكم مناصبهم، وكان أبرزهم عشية سقوط البشير: وزير الدفاع (رئيس اللجنة) الفريق عوض ابن عوف، ورئيس هيئة الأركان في الجيش الفريق أول كمال عبد المعروف ونائبه، ورئيس الاستخبارات العسكرية الفريق أول مصطفى محمد مصطفى ونائبه، ومدير جهاز الأمن الفريق أمن صلاح قوش، ونائب مدير جهاز الأمن الفريق أمن جلال الشيخ، مدير عام الشرطة الفريق الطيب بابكر ونائبه، ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية عمر زين العابدين، وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد، وزير الداخلية بشارة جمعة ارو، وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الذي ألحقه البشير باللجنة.

بعد تشكيل المجلس العسكري الثاني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وهو لم يكن عضوا باللجنة الأمنية، ابتعدت أو استبعدت كل أركان اللجنة الأمنية باستثناء حميدتي، وحتى من استوعبهم مجلس البرهان – حميدتي من أعضاء اللجنة الأمنية العليا الأصليين مثل مصطفى محمد مصطفى وجلال الشيخ وعمر زين العابدين أو من الأعضاء الذين أضافهم عوض ابن عوف مثل الفريق طيار صلاح عبد الخالق والفريق الفرضي المطري غادروا في زمن قياسي ولم يتبق في المجلس العسكري الجديد سوى القادمين الجدد، شمس الدين الكباشي وياسر العطا وإبراهيم جابر وهؤلاء ليسوا من أعضاء اللجنة الامنية.

الحقيقة أن القيادات العسكرية والأمنية الإسلاموية أزيحت عن المشهد لصالح قيادات أخرى أقل ارتباطا بالإسلامويين ولذلك علت نبرة الحديث في أوساطهم عن ما يسمونه انقلاب 11 ابريل 2019 الذي يستوجب إجراء التحقيقات.

لماذا التحقيق؟ لأن التنظيم الإسلاموي كانت له خطة مرسومة للتحكم في مسار ثورة ديسمبر، خلاصتها أن تطيح اللجنة الأمنية بعمر البشير للتخلص من تركته الثقيلة خصوصا العقوبات وأمر القبض من محكمة الجنايات الدولية، ثم تستمر اللجنة الأمنية في حكم البلاد لفترة انتقالية قصيرة تعقبها انتخابات متعجلة وغير مستوفية لشروط النزاهة كي يعود الإسلامويون إلى المشهد بماركة جديدة، البرهان وحميدتي اختطفا من اللجنة الأمنية ذات مشروعها ممثلا في التحكم في الفترة الانتقالية وإجراء انتخابات متعجلة تحت البوت العسكري تأتي بموالين للعسكر، جربا تتنفيذ هذا المشروع بعد مجزرة فض الاعتصام وفشل بسبب تصاعد المد الثوري والضغوط الدولية، ثم أعادا الكرة في 25 أكتوبر عبر الانقلاب الذي فشل هو الآخر بالمقاومة الشعبية وباختلاف طرفيه حيث رفع حميدتي يده عن الانقلاب بعد أن رأى عودة الإسلامويين إلى صدارة المشهد وشعر بالتهديد، وفي خاتمة المطاف اشتعلت هذه الحرب كنتيجة طبيعية للسباق العسكري لحيازة السلطة.

الدرس الذي لا يريد الإسلامويون تعلمه هو أن الجماهير عندما تكسر جرة الاستبداد وتخرج على نظام لا يمكن للنظام بذات شخوصه أن يعود مجددا مهما بلغ من الاحتيال والتآمر، مشكلة الإسلامويين مع الثورة التي ختموها بهذه الحرب اللعينة هي أن تفكيرهم ظل منصبا على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء! على تحريك عجلة التاريخ إلى الخلف وهيهات!

 

الوسومالكيزان اللجنة الأمنية ثورة ديسمبر المجيدة نظام البشير

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الكيزان اللجنة الأمنية ثورة ديسمبر المجيدة نظام البشير

إقرأ أيضاً:

تحدي النهايات!!

صباح محمد الحسن طيف أول: الجرّة التي غرِقت في مياه بحر الطمع وخلّفت وراءها فقاعات الفشل ماكان قدرها أن تغرق لولا أن أثقلها “الذهب”!! والقُرب الذي يتباهى به الفريق عبد الفتاح البرهان في علاقته بفلول النظام المخلوع وعناصره الأمنية ، هو ذاته الذي يؤكد أن طريق النهاية يحتاج الي هذا التلاحم وحالة المواساة!! فالجهر بالشي والإقرار به في ساحات الإعتراف هي جرأة تغشى المذنب عندما يدرك أن لافرار له من العقاب او النهاية ، فالمتهم أحيانا عندما يدرك أن لاسبيل للنجاة يحلل الله عقدة لسانه ليعترف بكل شي دون تردد،وهو ذات الشعور الذي يسطير الآن على قائد الجيش و فلول النظام البائد للجهر بمعصية العلاقة التي تجمع بينها، المبنية على حصيلة دمار الوطن وقتل المواطنين و تقاسم المصالح والسلطة وأستمرار الفساد !! فالوقوف على جنازة أحد المتطرفين الأجانب الذي مات على ارض المعركة هي ليست مجرد فديوهات يترحم فيها الإمام على روح ميت ولكنها رسالة تحدي للعالم تتضمن الإستمرار في عملية الإرتباط المرفوض ، عنوان الرسالة أن ميادين الحرب تستعين بالتنظيم في الدول العربية!! أي أنها اصبحت ساحة “دواعش “ يتزامن هذا مع ظهور جديد لقائد كتائب البراء على واجهات المقار العسكرية ليحدث الناس عن إنجاز خالص لعناصر الأمن في إسترداد المقار العسكرية في محاولة ناجحة لسلب الرداء العسكري، التعدي الأخطر على المؤسسة ، بموافقة ورضا القائد الذي يقيم ايضا الإفطارات الرمضانية لعناصر الأمن وكتائب الإسلامين في حالة مجاهرة ثانية فهذه مجموعة من مظاهر الإستعراض الجديد في ختام مهرجان الحرب فبثلما كانت بداية الخطة الشيطانية للحرب على ساحة إفطار رمضاني، يبدو أن النهايات لزوال هذه العبثية ستكون من ساحة الإفطار ايضا عليه أن نشوة البدايات عندهم بحديث النفس بالإنتصار والعودة الفورية للحكم ، الشعور فيه لايفرق عن رعشة القلب عندما يصبح خاليا وخاويا ويفقد خاصية الأحساس بالأمل والتفاؤل عندما لاتتحقق هذه الأمنيات ، ووقتما يدرك أن النهاية قد دنت لايفرق التعبير عن كلاهما كثيرا فالطريق المسدود والمركب التي تاهت الآن في الأمواج دون أن تصل الي وجهتها العسكرية او السياسية يحتاج ركابها الي هذه ( المقالدة) والإلتحام ببعضهما البعض كعناق غريقين يعتقدان أن ذلك يخفف عليهما وطأة الموت!! والفريق البرهان الذي “جرته” الفلول الي الحرب وقيدّته بأصفادها يدرك أن لاسبيل له سوى أن يواصل هذا التكاتف الكارثي في تحدي النهايات فالقيادات الإسلامية ترى أنها وفي معركة” الكرامة المفقودة” قد تكون التضحية الأخيرة عندها أشبة بالمغامرة الأولى لخوض الحرب دون تخطيط حتى الوصول الي التعاضد الإنهزامي “نحيا معا او نموت معا” ولكن هذا العرض على منصة الأحداث الآن يعجل بالنهايات سيما أن حكومة البرهان عادت الي ادراجها بعد رحلة من المحاولات الدولية الفاشلة للبحث عن مقعد افريقي او دولي لتضمن المستقبل وعندما عجزت عن تحقيق غايتها وغُلقت الأبواب دونها، عادت “مغبونة” وحاولت ان تفعل أكثر مايستفز المجتمع الدولي وهو تأكيد علاقة الجيش بالٱخوان المسلمين والكشف صراحة عن كل مايزعج الخارج من وجود جماعات إرهابية بميادين الحرب وهذه الحماقات التي ترتكبها سلطة الجنرال ستعجّل بالنهايات التي يخشاها ولكن ألا ينتبه أنه على وشك” بلع الطُعم” فالمجتمع الدولي الذي طالب قوات الدعم السريع بالإنسحاب ، ماهو هدفه من هذه الغاية فربما يكون لإبعادها وحصر الميدان على فئتين “عسكرية وأمنية” خرجت من فئة !! لتتحمل وزر دمار المؤسسات والبنية التحتية وقتل المواطنين في مرحلة الحرب الآنية ، سيما إن خيمت عتمة الصراعات فيما بينها ودخلت الحرب مربع الإغتيالات والتصفيات، فستقع المسئولية على المسيطر على الأرض إذن ولربما يكون إبعاد الطرف الاول من الثاني هو عملية إظهار “الطرف الثالث” ليبدو جليا !! فصناعة دائرة محصورة ومغلقة على طرف واحد للصراع يتجزأ مابين المؤسسة والتنظيم وقد يتعارك فيما بينه تعني أن تحولا متوقعا في الميدان سيطرأ قريبا وستكون النتائج فيه واضحة لهذا فإن التمظهر بالتلاقى والإلتحام هذه الٱيام ربما تكون ترجمة لشعور التعاضد لمواجهة التلاشي، الذي قد يحررك من الشعور من متلازمة الخوف من الزوال لكن لايمنع وقوعه!! طيف أخير: بالأمس وفي جلسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة طالب ممثل جمعية التنمية الإفريقية “سوداني الجنسية” بالتحقيق مع الفريق البرهان لإستخدامه الأسلحة الكيمياوية و القيام بتجنيد الأطفال تحت قيادة الإخوان المسلمين ، وطالب ممثل الحكومة السودانية بحق الرد عليه أي أن كل طرف وجه إتهامات للآخر وبدأ اعضاء مجلس حقوق الإنسان يسمعون الي منتهكي حقوق الإنسان في السودان،كل واحد يعزز لإدانة الآخر!! غمضُ العين عن شرّ ضلالٌ *** وغضّ الطرف عن جورٍ غباءُ نقلاً عن صحيفة الجريدة السودانية الوسومصباح محمد الحسن

مقالات مشابهة

  • القناة السابعة الإسرائيلية: مدير «الشاباك» سيُغادر منصبه في 20 أبريل
  • جلسة لوجهاء وأعيان ناحيتي الدالية والقطيلبية في جبلة مع اللجنة الأمنية بهدف تسليم السلاح وحصره بيد الدولة
  • دينا البشير: استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي تهديد للأمن الإقليمي وتصعيد غير مسبوق
  • مدير المركز الألماني السوداني للسلام: ما يجري تبادل أدوار بين”البرهان وحميدتي” وليس حربا
  • اختل توازنه وسقط.. انتشال جثة مزارع من بحر وهبة فى الفيوم
  • تحدي النهايات!!
  • اعرف موعد الرد.. لجنة الهيئات والأندية بالأولمبية المصرية تبحث شكوى الأهلي
  • الأولمبية تعلن اللجنة المشكلة لبحث شكوى الأهلي
  • الدويش للنصر: الفريق الذي صنّفوه على رأس كرة الشرق مهزوم بسبعة
  • الأمن النيابية تستضيف مسؤولي الأجهزة الأمنية لبحث التطورات السورية