لجريدة عمان:
2025-04-07@08:50:19 GMT

الحرب الرقمية وأزمة الوعي المجتمعي

تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT

سبق أن تحدثنا في مقالات سابقة عن بعض مستجدات الأنظمة الرقمية التي تُستعمل في الحروب المباشرة وغير المباشرة مثل بعض نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعمل على التزييف المرئي والسمعي عبر صناعة مقاطع مرئية أو سمعية غير حقيقية لشخصيات مشهورة خصوصا في نطاق السياسة، وثمّة خوارزميات ذكية تحلّ محل المؤسسات الأمنية في مراقبة الأفراد والمجتمعات عبر جمع البيانات الشخصية والعامة من وسائل التواصل الاجتماعي وتحليلها للخروج بنتائج تخدم الأهداف السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وكذلك عبر المراقبة المرئية وتحليل الصور من وجوه الأشخاص الذي يدخل في بعض حالاته في نطاق الحماية الأمنية المشروعة وفي نطاقات أخرى يتجاوز الأمر إلى اختراق الخصوصيات وحريات الأفراد والمجتمعات.

نجد أنفسنا أمام مستجدات رقمية أخرى أخذت وتيرة تطوراتها واستعمالاتها تتسارع في خضم الحروب الحالية التي ستكون حديث مقالنا هذا.

أظهرت لنا حرب غزة الحالية التي طال أمد طغيان الكيان الصهيوني فيها دورَ الأنظمة الرقمية في مضاعفة محن هذه الحرب؛ إذ تُظهر كثير من التقارير الإعلامية -مثل الذي عرضته قناة الجزيرة وصحف غربية- عن دور خوارزميات الذكاء الاصطناعي في حرب غزة من حيث استعمالاتها من قبل الوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية «8200» -وحدة أمنية استخباراتية تابعة للكيان الصهيوني تختص في استخبارات الإشارات وفك التشفير، وتعمل على التجسس الرقمي وعمليات الأمن السيبراني، وجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليل البيانات، ووُجّه كثيرٌ من منتسبيها إلى تأسيس شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني التي تتعاقد معها -لاحقا- وحدات الأمن الإسرائيلي في مراقبة الفلسطينيين وتحليل بياناتهم المتعددة مثل المرئية والصوتية التي تجمعها عبر طائرتها المسيّرة التي تحلّق دون توقف على سماء غزة؛ فتجمع بيانات ضخمة تتولى الخوارزميات الذكية تحليلها وبناء توصيات ترشد آلات القتل الصهيونية في تحديد أهدافها، وكذلك تواطؤ شركة جوجل في توفيرها لتقنيات ذكاء اصطناعي خاصة في تحديد الوجوه وتحليلها التي استعملها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة لقتل فلسطينيين واعتقالهم وتعذيبهم بناءً على توصيات نماذج الذكاء الاصطناعي.

في نطاق خارج ميدان الحرب المباشرة، يُلحظ أيضا دور هذه الخوارزميات في مراقبة آراء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مثل منصات «فيسبوك» و«إكس» و«إنستجرام» خصوصا المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحرب غزة، وقيام هذه الخوارزميات بتحليل هذه الآراء وفقا لمصادرها الجغرافية وتوجهاتها السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والفئات العمرية، وبناءً على هذه المعلومات تتوجه نماذج الذكاء الاصطناعي في تحديد بعض التوصيات والإرشادات للمؤسسات الأمنية التي تنتهج عدّة أساليب منها تزييف الأحداث والحقائق ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة في تقييد حرية التعبير عبر حظر بعض الكلمات والمصطلحات المعنية بدعم القضية الفلسطينية، وعبر محاصرة بعض الحسابات النشطة بواسطة البلاغات أو الحظر المباشر للحسابات، ويكون ذلك في أغلب الحالات عن طريق التعاون مع الشركات المالكة للمنصات مثل شركة جوجل كما أوردنا ذلك آنفا. انخرطت كذلك الوحدة الصهيونية «8200» بشكل ملحوظ -بناء على نتائج تحليلات خوارزميات الذكاء الاصطناعي- في اتباع السياسة الإنجليزية «فَرّقْ تَسُدْ» عن طريق إنشاء حسابات -معظمها وهمية- في منصات التواصل الاجتماعي والمشاركة بها وفقا لتوزيع جغرافي وثقافي محددَيْن؛ فتجد حسابات يحمل بعضها معرفات وصورا لشخصيات إما معروفة أو لوجوه مصطنعة عبر نماذج الذكاء الاصطناعي، وتعمل على المشاركة في هذه المنصات وفق منهجية محيّرة في بعض حالاتها؛ فتجدها حينا تتحدث في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بدولة معيّنة سواء بالسلب أو الإيجاب، وتتفاعل مع المستخدمين في المجتمع حتى تنال حظوةً من الشهرة، وتراها حينا آخر تركّز على بث سموم الفرقة بين الدول والمجتمعات، وتصاعد دورها مؤخرًا ليشمل الدفاع المستميت -باسم دول وشعوب محددة- عن الكيان الصهيوني، وإظهار الحقد على الفلسطينيين ومقاومتهم وما يتصل بها، ويأتي كل هذا في فترة غفلة من المجتمع الرقمي -الذي سبق أن نبهنا بالمخاطر الرقمية التي تحدق بها في مقالات سابقة- وجهله بأساليب الحروب الرقمية التي لم تعدْ مهماتها حكرا على البشر بل أوكلت المهمة أيضا إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياتها؛ لتنظيم عمل هذه الحسابات واستعمالها بشكل يصعب كشف زيفها، ولتُنجز الأهداف بدقة عالية وسرعة متناهية.

يقودنا ارتفاع درجات وعينا بهذه الحروب الرقمية بتعدد أساليبها إلى الدفع بالعمل على رفع مستويات أنظمتنا الدفاعية وتحديثها التي تبدأ بمضاعفة تنمية الوعي المجتمعي بالواقع الرقمي وفهم أنماط المجتمع الرقمي وسبل التحكم به وترويضه عبر المؤسسات الرقمية؛ إذ كنا نتداول -سابقا- مفهوم المجتمع التقليدي الذي يمكن التفاعل مع عالم أفكاره عبر مؤسسات الإعلام -وإن كان تأثيرها محدودا مقارنة بتأثير أدوات المجتمع الرقمي الحالي- ولكننا اليوم مع أزمة تمس الوعي الإنساني وتربك أفكاره واستقراره في الحياة، وهذا ما يستدعي توظيف وسائل الإعلام في ضخ جرعات عالية من الوعي فيما يخص الثقافة الرقمية ومشروعاتها المتصاعدة، ويأتي كذلك دور المؤسسات المعنية في تحديد أنظمة الدفاع الرقمية المناسبة لدحر أيّ هجوم رقمي مثل الذي عرضناه في الفقرات السابقة، ويكون ذلك عبر تطوير وسائل رقمية دفاعية مضادة مثل تسخير خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على جمع البيانات وتحليلها وفرزها لتميز الخبيث من الطيب؛ ويمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تقوم بدورها الدفاعي المذكور، وأن تتفاعل مع أنظمة رقمية أخرى مثل الأنظمة المتعلقة بالحماية الرقمية؛ منها الأمن السيبراني والتشفير المتقدم المرتبط بالحوسبة الكوانتمية، وقد سبق مناقشة هذه التقنيات السيبرانية والكوانتمية في مقال نُشر في الملحق العلمي في جريدة عُمان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: نماذج الذکاء الاصطناعی التواصل الاجتماعی فی تحدید

إقرأ أيضاً:

تقرير أممي يحذر من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الوظائف

توقعت وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن يشهد سوق الذكاء الاصطناعي نموًا كبيرًا ليصل حجمه إلى 4.8 تريليون دولار بحلول عام 2033، وهو رقم يقترب من حجم الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا، إحدى أكبر اقتصادات العالم. التحذير جاء ضمن تقرير حديث صدر عن الوكالة، وأشار إلى أن هذه الطفرة التقنية قد يكون لها تأثير مباشر على نحو نصف الوظائف حول العالم.

وبينما يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه محرك لتحول اقتصادي كبير، نبه التقرير إلى مخاطره المحتملة، خصوصًا ما يتعلق بتوسيع الفجوات بين الدول والفئات، ما قد يؤدي إلى تعميق أوجه عدم المساواة، رغم الفرص الواسعة التي يخلقها.



وبحسب التقرير، فإن الذكاء الاصطناعي قد يطال تأثيره نحو 40% من الوظائف عالميًا، معززًا الكفاءة والإنتاج، لكنه يثير القلق من تزايد الاعتماد على التكنولوجيا وإمكانية إحلال الآلة مكان الإنسان في عدد كبير من الوظائف.

وعلى عكس موجات التقدم التكنولوجي السابقة التي أثرت بالأساس على الوظائف اليدوية، يُتوقع أن تتركز تأثيرات الذكاء الاصطناعي على المهن المعرفية والمكتبية، ما يجعل الاقتصادات المتقدمة أكثر عرضة للخطر، رغم أنها في موقع أفضل لاستثمار هذه التكنولوجيا مقارنة بالدول النامية.

كما أوضح التقرير أن العوائد الاقتصادية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي عادةً ما تصب في مصلحة أصحاب رؤوس الأموال، وليس العمال، وهو ما قد يُضعف من الميزة النسبية للعمالة الرخيصة في البلدان الفقيرة ويزيد من فجوة التفاوت.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي العام (AGI) الخطوة التالية لقطاع التكنولوجيا..ما المخاطر؟!
  • خدعة أبريل التي صدّقها الذكاء الاصطناعي
  • ثقافة البحيرة تعقد سلسلة من الأنشطة الفنية والإجتماعية لتعزيز الوعي المجتمعي
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • بيل غيتس يكشف عن 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي جريمة معلوماتية!
  • تقرير أممي يحذر من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الوظائف
  • غيتس يحدد المهن التي ستبقى خارج سيطرة الذكاء الاصطناعي
  • كيف وقع الذكاء الاصطناعي ضحية كذبة أبريل؟
  • بيل غيتس يكشف المهن التي ستظل بعيدة عن تأثير الذكاء الاصطناعي: 3 فقط