لجريدة عمان:
2025-04-29@03:23:02 GMT

الحرب الرقمية وأزمة الوعي المجتمعي

تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT

سبق أن تحدثنا في مقالات سابقة عن بعض مستجدات الأنظمة الرقمية التي تُستعمل في الحروب المباشرة وغير المباشرة مثل بعض نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعمل على التزييف المرئي والسمعي عبر صناعة مقاطع مرئية أو سمعية غير حقيقية لشخصيات مشهورة خصوصا في نطاق السياسة، وثمّة خوارزميات ذكية تحلّ محل المؤسسات الأمنية في مراقبة الأفراد والمجتمعات عبر جمع البيانات الشخصية والعامة من وسائل التواصل الاجتماعي وتحليلها للخروج بنتائج تخدم الأهداف السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وكذلك عبر المراقبة المرئية وتحليل الصور من وجوه الأشخاص الذي يدخل في بعض حالاته في نطاق الحماية الأمنية المشروعة وفي نطاقات أخرى يتجاوز الأمر إلى اختراق الخصوصيات وحريات الأفراد والمجتمعات.

نجد أنفسنا أمام مستجدات رقمية أخرى أخذت وتيرة تطوراتها واستعمالاتها تتسارع في خضم الحروب الحالية التي ستكون حديث مقالنا هذا.

أظهرت لنا حرب غزة الحالية التي طال أمد طغيان الكيان الصهيوني فيها دورَ الأنظمة الرقمية في مضاعفة محن هذه الحرب؛ إذ تُظهر كثير من التقارير الإعلامية -مثل الذي عرضته قناة الجزيرة وصحف غربية- عن دور خوارزميات الذكاء الاصطناعي في حرب غزة من حيث استعمالاتها من قبل الوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية «8200» -وحدة أمنية استخباراتية تابعة للكيان الصهيوني تختص في استخبارات الإشارات وفك التشفير، وتعمل على التجسس الرقمي وعمليات الأمن السيبراني، وجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليل البيانات، ووُجّه كثيرٌ من منتسبيها إلى تأسيس شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني التي تتعاقد معها -لاحقا- وحدات الأمن الإسرائيلي في مراقبة الفلسطينيين وتحليل بياناتهم المتعددة مثل المرئية والصوتية التي تجمعها عبر طائرتها المسيّرة التي تحلّق دون توقف على سماء غزة؛ فتجمع بيانات ضخمة تتولى الخوارزميات الذكية تحليلها وبناء توصيات ترشد آلات القتل الصهيونية في تحديد أهدافها، وكذلك تواطؤ شركة جوجل في توفيرها لتقنيات ذكاء اصطناعي خاصة في تحديد الوجوه وتحليلها التي استعملها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة لقتل فلسطينيين واعتقالهم وتعذيبهم بناءً على توصيات نماذج الذكاء الاصطناعي.

في نطاق خارج ميدان الحرب المباشرة، يُلحظ أيضا دور هذه الخوارزميات في مراقبة آراء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مثل منصات «فيسبوك» و«إكس» و«إنستجرام» خصوصا المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحرب غزة، وقيام هذه الخوارزميات بتحليل هذه الآراء وفقا لمصادرها الجغرافية وتوجهاتها السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والفئات العمرية، وبناءً على هذه المعلومات تتوجه نماذج الذكاء الاصطناعي في تحديد بعض التوصيات والإرشادات للمؤسسات الأمنية التي تنتهج عدّة أساليب منها تزييف الأحداث والحقائق ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة في تقييد حرية التعبير عبر حظر بعض الكلمات والمصطلحات المعنية بدعم القضية الفلسطينية، وعبر محاصرة بعض الحسابات النشطة بواسطة البلاغات أو الحظر المباشر للحسابات، ويكون ذلك في أغلب الحالات عن طريق التعاون مع الشركات المالكة للمنصات مثل شركة جوجل كما أوردنا ذلك آنفا. انخرطت كذلك الوحدة الصهيونية «8200» بشكل ملحوظ -بناء على نتائج تحليلات خوارزميات الذكاء الاصطناعي- في اتباع السياسة الإنجليزية «فَرّقْ تَسُدْ» عن طريق إنشاء حسابات -معظمها وهمية- في منصات التواصل الاجتماعي والمشاركة بها وفقا لتوزيع جغرافي وثقافي محددَيْن؛ فتجد حسابات يحمل بعضها معرفات وصورا لشخصيات إما معروفة أو لوجوه مصطنعة عبر نماذج الذكاء الاصطناعي، وتعمل على المشاركة في هذه المنصات وفق منهجية محيّرة في بعض حالاتها؛ فتجدها حينا تتحدث في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بدولة معيّنة سواء بالسلب أو الإيجاب، وتتفاعل مع المستخدمين في المجتمع حتى تنال حظوةً من الشهرة، وتراها حينا آخر تركّز على بث سموم الفرقة بين الدول والمجتمعات، وتصاعد دورها مؤخرًا ليشمل الدفاع المستميت -باسم دول وشعوب محددة- عن الكيان الصهيوني، وإظهار الحقد على الفلسطينيين ومقاومتهم وما يتصل بها، ويأتي كل هذا في فترة غفلة من المجتمع الرقمي -الذي سبق أن نبهنا بالمخاطر الرقمية التي تحدق بها في مقالات سابقة- وجهله بأساليب الحروب الرقمية التي لم تعدْ مهماتها حكرا على البشر بل أوكلت المهمة أيضا إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياتها؛ لتنظيم عمل هذه الحسابات واستعمالها بشكل يصعب كشف زيفها، ولتُنجز الأهداف بدقة عالية وسرعة متناهية.

يقودنا ارتفاع درجات وعينا بهذه الحروب الرقمية بتعدد أساليبها إلى الدفع بالعمل على رفع مستويات أنظمتنا الدفاعية وتحديثها التي تبدأ بمضاعفة تنمية الوعي المجتمعي بالواقع الرقمي وفهم أنماط المجتمع الرقمي وسبل التحكم به وترويضه عبر المؤسسات الرقمية؛ إذ كنا نتداول -سابقا- مفهوم المجتمع التقليدي الذي يمكن التفاعل مع عالم أفكاره عبر مؤسسات الإعلام -وإن كان تأثيرها محدودا مقارنة بتأثير أدوات المجتمع الرقمي الحالي- ولكننا اليوم مع أزمة تمس الوعي الإنساني وتربك أفكاره واستقراره في الحياة، وهذا ما يستدعي توظيف وسائل الإعلام في ضخ جرعات عالية من الوعي فيما يخص الثقافة الرقمية ومشروعاتها المتصاعدة، ويأتي كذلك دور المؤسسات المعنية في تحديد أنظمة الدفاع الرقمية المناسبة لدحر أيّ هجوم رقمي مثل الذي عرضناه في الفقرات السابقة، ويكون ذلك عبر تطوير وسائل رقمية دفاعية مضادة مثل تسخير خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على جمع البيانات وتحليلها وفرزها لتميز الخبيث من الطيب؛ ويمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تقوم بدورها الدفاعي المذكور، وأن تتفاعل مع أنظمة رقمية أخرى مثل الأنظمة المتعلقة بالحماية الرقمية؛ منها الأمن السيبراني والتشفير المتقدم المرتبط بالحوسبة الكوانتمية، وقد سبق مناقشة هذه التقنيات السيبرانية والكوانتمية في مقال نُشر في الملحق العلمي في جريدة عُمان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: نماذج الذکاء الاصطناعی التواصل الاجتماعی فی تحدید

إقرأ أيضاً:

عالم : سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشرية قد يصل لواحد من كل 5

أميرة خالد

توقع العالم والفيزيائي جيفري هينتون، الحائز جائزة نوبل في الفيزياء،أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على البشرية لدرجة تصل إلى واحد من كل خمسة.

وأكد الملقب بـ”عراب الذكاء الاصطناعي” أنه تفق مع إيلون ماسك في الرأي، ويتراوح احتمال سيطرة هذه الأنظمة بين 10% و20%، لكن هذا مجرد تخمين.

ويرى هينتون أن الذكاء الاصطناعي سيصل قريبا إلى مرحلة يمكنه فيها القيام بأكثر من مجرد تقديم المشروبات، كما سيحدث ثورة في مجالات التعليم والطب.

وتابع : “في مجالات مثل الرعاية الصحية، سيكون الذكاء الاصطناعي أفضل بكثير في قراءة الصور الطبية. لقد توقعت منذ سنوات أنه سيصل إلى مستوى الخبراء.. يمكن لأحد هذه الأجهزة فحص ملايين صور الأشعة السينية والتعلم منها، بينما لا يستطيع الطبيب القيام بذلك”.

وأكد هينتون أن الذكاء الاصطناعي سيصبح في نهاية المطاف “أفضل بكثير من أطباء العائلة”، حيث سيكون قادرا على التعلم من التاريخ الطبي للعائلة وتشخيص المرضى بدقة أكبر، متوقعا أن الذكاء الاصطناعي سيتحول إلى معلم خصوصي متفوق، قادر على مساعدة الطلاب في تعلم المواد بسرعة أكبر.

و انتقد هينتون بعض الشركات الكبرى مثل غوغل وxAI وOpenAI بسبب تركيزها على الأرباح على حساب السلامة، مبديا خيبة أمله من غوغل، حيث كان يعمل سابقا، لتراجعها عن وعدها بعدم دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكرية.

يذكر أن هينتون يبلغ من العمر 77 عاما، على جائزة نوبل في الفيزياء العام الماضي تقديرا لعمله الاستثنائي في مجال الشبكات العصبية، وهي نماذج تعلم آلي تحاكي وظائف الدماغ البشري. وقدم هينتون هذه الفكرة لأول مرة في عام 1986، ودمجت الآن في أشهر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهذا هو السبب في شعور الكثيرين عند التفاعل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وكأنهم يتحدثون مع إنسان آخر.

مقالات مشابهة

  • عالم : سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشرية قد يصل لواحد من كل 5
  • الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل
  • هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي
  • كيف خسرت آبل عرش الذكاء الاصطناعي لصالح ميتا؟
  • عسكرة الذكاء الاصطناعي .. كيف تتحول التكنولوجيا إلى أداة قتل عمياء؟
  • حزب الوعي ردًّا على ترامب: لن تمر فوق مياه مصر إلا السفن التي تحترم القانون
  • الإمارات.. نموذج عالمي في تطوير البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي
  • الصرخةُ.. سلاحُ الوعيِ الذي أرعبَ الأساطيلَ
  • الصحة تشارك في فعاليات مبادرة شباب سوهاج الرقمية للذكاء الاصطناعي
  • الرئيس الصيني: الذكاء الاصطناعي سيغير أسلوب الحياة البشرية بشكل جذري