لجريدة عمان:
2025-07-13@07:24:19 GMT

ماذا جنت فرنسا بعد عشرين سنة من منع الحجاب؟

تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT

في مطلع الألفية، قررت أن ألتزم بالنسوية، فانضممت إلى جماعة نسوية، واقتنعت بأنني عثرت على منظمة من شأنها أن تدافع عن حقوق كل النساء على قدم المساواة. في ذلك الوقت، استعر جدال وطني، إذ كانت فرنسا باسم اللائكية -أي العلمانية في نسختها الفرنسية- تشكِّك في حق التلميذات المسلمات في ارتداء أغطية الرأس في مدارس الدولة العلمانية.

وفي مارس 2004، بعد شهور من الجدال، صوّت البرلمان الفرنسي لصالح حظر الحجاب في المدارس بتجريم «الرموز أو الملابس التي تبين بوضوح انتماء التلميذ الديني».

إذ ذاك أدركت أن القرار كان يحظى بشعبية في الدوائر النسوية، ومن ذلك الجماعة التي كنت أنتمي إليها وكانت غالبيتها من البيضاوات. فقد رأى الكثير من النسويات البيضاوات أن مهمتهن هي المساعدة في تحرير النساء والفتيات المسلمات من نمط معين من النظام الأبوي المرتبط بالإسلام بصفة خاصة. تركت المجموعة. فلو كانت النساء المسلمات يعانين نوعا معينا من القهر الأبوي، وأنهن بلا قدرة أو إرادة حرة في ما يتعلق بارتداء الحجاب -وذلك ما لا أراه أنا- فكيف يكون عونًا لهن أن نستبعدهن من المدارس ونحرمهن فرصة نيل المعرفة القادرة على تحريرهن؟

بالنسبة لي، بدا الانشغال بالحجاب طريقة متعالية لتمييز جماعة غير بيضاء بالأساس من الإناث وكأنهن غير خاضعات لأثر الأشكال الأبوية نفسها التي تخضع لآثارها النساء الأخريات. كنت أرى أننا يجب أن نصغي لما تريده النساء والفتيات أنفسهن قبل أن نفسر تجربتهن عبر العدسة الثقافية المهيمنة.

كان قانون عام 1905 الذي أرسى مبدأ اللائكية للمرة الأولى في فرنسا يتعلق بضمان الحرية. فهو الذي أسَّس الفصل بين الكنيسة والدولة، وحرية ممارسة الدين للمواطنين الفرنسيين، واحترام جميع المواطنين أمام القانون، بغض النظر عن العقيدة. فقد فرضت العلمانية الحياد على الدولة الفرنسية وعلى المؤسسات العامة، لكنها لم تشترط الحياد الشخصي على المواطنين.

لكن سنة 2004 كانت تحولا مهما في فهم مبدأ العلمانية، بمطالبة مستعملي مدارس الدولة بأن يكونوا محايدين في ما يتعلق بالدين، أو على الأقل أن يكتموا أمر اعتقادهم. كان التعليم هو الخدمة العامة الوحيدة التي خضعت لقانون 2004.

في سياق ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وصعود رهاب الإسلام، دخلت فكرة ضرورة إخضاع المسلمين للسيطرة في متن الرأي العام الفرنسي والإعلام والطبقة السياسية. كان يجب على المؤسسات التعليمية العامة أن تحمي تلاميذها، بغض النظر عن الطريقة التي يرون تقديم أنفسهم بها. لكن مبدأ اللائكية كان قد تطور حتى بات يحتوي على مطالبة الأفراد بجعل معتقدهم مسألة خاصة تماما.

وفي حين أن قانون 2004 ظهر في إطار جعله يبدو حظرًا لكل الرموز الدينية «الواضحة»، ومنها الصلبان المسيحية الضخمة، فإنه عمليا كان يستهدف التعبيرات عن الإسلام. وبذلك فقد فتح على مدار السنوات العشرين الماضية الباب للسعي إلى رهاب الإسلام بلا هوادة، وتجسد ذلك في التركيز على مظهر النساء والفتيات المسلمات.

في عام 2023 أضافت حكومة ماكرون حظرا على العباءة (وهي ثوب نسائي طويل الكمين أصله من الشرق الأوسط) في مدارس الدولة، دونما تعريف للعباءة، بما ترك مساحة كبيرة للمدارس كي تتخذ قرارات اعتباطية. والحق أن التفرقة بين الفستان الطويل والعباءة أمر غير ممكن ببساطة. وكثير من الفتيات والنساء المسلمات يسترن أنفسهن بفساتين تباع في متاجر التجزئة العادية. ومن ثم فقد يعد زي معين دينيًّا إن ارتدته فتاة يفترض أنها مسلمة، ويعد محايدًا ومقبولًا إن ارتدته غير مسلمة. فماذا يكون هذا لو أنه ليس تنميطا على أساس عنصري؟

وبعيدا عن المدارس، في عام 2011 أصبح غير قانوني لأي أحد أن يغطي وجهه في مكان عام، وبدا أن ذلك الإجراء يستهدف البراقع الإسلامية. وفي عام 2016 بدأت السلطات المحلية حظر البوركيني في المسابح والشواطئ العامة. وفشلت محاولة لإلغاء هذه القاعدة في المحكمة سنة 2022.

في الوقت نفسه، تم استبعاد الرياضيات المحجبات من الفرق، ومنعن من ممارسة رياضاتهن، بل ومن أولمبياد باريس 2024. ومن المفارقات أنه في حين لن تستطيع الرياضيات الفرنسيات ارتداء الحجاب في بلدهن، فإن قواعد اللجنة الأولمبية الدولية سوف تتيح للنساء من البلاد الأخرى المنافسة وهن محجبات.

والأعمال التجارية الخاصة ليست ملزمة بقواعد العلمانية خلافًا للقطاع العام. ولكن الارتباك بلغ حد أنها تتصرف وكأنها كذلك، مثلما تبين من جدال هذا الأسبوع حول معاملة موظفة مؤقتة ترتدي الحجاب في متجر أحذية في ستراسبورج. لقد أصبحت اللائكية -التي يفترض أنها تحمي الحرية- أداة للتحرش والإذلال والإقصاء.

ويمكن أن نرصد جذور هذه الرعاية للنساء الملونات و«قهرهن» المفترض في الحقبة الاستعمارية الفرنسية. فقد كانت طقوس نزع الحجاب علنا عن الجزائريات المحتلات تتم على يد الجيش في خمسينيات القرن الماضي دعمًا لـ«الاندماج» بل ولـ«الحضارة». فكان كشف وجوه النساء طريقة لتأكيد السيطرة على كل من المستعمرة وأجسام الشعب المستعمر.

وفي حقبة ما بعد «وأنا أيضا» -MeToo-، تستحق الإجراءات التي تنتهك استقلال المرأة جسديا الإدانة القاطعة. يجب أن تكون للنساء حرية اختيار كيفية عرض أجسامهن، سواء رأين تغطيتها أم رأين غير ذلك.

لكن الرغبة في تتبع علامات التدين تعكس تعصبا مع المسلمين يتجاوز استهداف النساء. فاللحى تتعرض للتحدي هي الأخرى. كما تم رفض طلب رجل مسلم الالتحاق بالشرطة بسبب الطابع -tabâa - (أي علامة الجبهة الناجمة عن اعتياد السجود). وفي الآونة الأخيرة، قرر اتحاد كرة القدم الفرنسي عدم السماح للاعبين بالصيام في رمضان.

وإذن فالرسالة الموجهة إلى جميع المسلمين واضحة: اندمجوا أو ابتعدوا عن المجال العام. ولا عجب يذكر في أن عددا متزايدا من المسلمين ينسحبون تمامًا ويختارون مغادرة فرنسا.

فقد استقال ناظر مدرسة ثانوية أخيرا بعد تلقي تهديدات بالقتل عبر الإنترنت عقب مشاجرة مع طالبة طولبت بخلع حجابها. ردت الطالبة -التي يتجاوز عمرها ثمانية عشر عاما- باتهام بالاعتداء الجسدي، فرفض المحققون الاتهام. ثم تدخل رئيس الوزراء جابرييل آتال قائلًا: إن الدولة سوف تقاضي الطالبة بتهمة الاتهام الكاذب الموجه للناظر بإساءة المعاملة.

وإنها لإدانة لمنع الحجاب وللتعصب الأعمى الذي استهله ضد زي المسلمين أن نرى المدارس بعد عشرين سنة لا تزال تجد مشقة في تطبيق القانون. فكثير من المسلمين يرونه إجراء تمييزيا، وكثيرا ما يؤججون توترات تصل إلى أن تستوجب تدخلا حكوميا. وهذا حتى وفقًا لحسابات القانون نفسه فشل ذريع.

الخبر الإيجابي هو أن المسلمين، وخاصة نساءهم، وجدوا في السنوات العشرين الماضية طرقًا للمقاومة، بإقامتهم منظمات من قبيل منظمة لالاب Lallab التي تفند السرديات المتعلقة بالنساء المسلمات، ومنظمة «الأمهات جميعا متساويات» -Mamans Toutes Egales - التي تدعم إشراك الأمهات المحجبات في الحياة المدرسية لأطفالهن، وفريق Les hijabeuses لكرة القدم للنساء المحجبات.

ومن حسن الحظ أن الأجيال الأصغر تنزع إلى رفض الطريقة التي تم تحريف مبدأ اللائكية بها. فلنرجُ أن يتمكنوا من إقامة مستقبل احتوائي يرحب بكل مواطن، مهما كان ما يرى وضعه على رأسه. وفقط حينما يتحقق هذا، ستكون لدينا بالفعل دولة فرنسية أصيلة العلمانية وسيكون لدينا مجتمع حر.

رقية ديالو صحفية فرنسية وكاتبة وسينمائية وناشطة، وكاتبة عمود رأي في جارديان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السودان.. اختفاء النساء: قصص الحرب والألم والصمت

تقرير: عائشة السماني

 

منتدى الإعلام السوداني، (شبكة إعلاميات)– منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، أصبحت النساء السودانيات مفعولا به في هذه الحرب. حربٌ لم تترك لهن ما تبقّى من أحلامهن البسيطة؛ أحلام التعليم لأبنائهن وبناتهن، والصحة، والحياة الكريمة. لم يكنّ يتوقعن أن تأتي عليهن أيامٌ يكون فيها الموت هو الأرحم، وأصبحت الكرامة مستباحة، وأن يُذقن خلالها أبشع ألوان العذاب من اختطاف واغتصاب واستغلال.

في 26 يونيو 2023، وجدت السيدة سهام نفسها تعيش كابوسها للمرة الثانية، يشبه ما عاشته في طفولتها حين انفصلت عن أسرتها في ظروف مماثلة. واليوم، تعود المأساة لتطرق بابها من جديد، بعد أن فقدت ابنتها رقية، ذات الـ 19 سنة، التي خرجت من منزلهم في أم درمان لجلب بعض الاحتياجات، ولم تعد حتى هذه اللحظة.

تقول سهام “منذ اختفائها، وأنا أبحث في كل مكان… قلبي يتقطع عليها. ذهبت إلى مكان التجمعات العامة والمساجد، ووزعت الإعلانات. وخشية أن يكون قد حدث لها الأسوأ، طرقت أبواب المستشفيات، والمشارح، والأسواق. ظننا أنها ربما أصيبت برصاصة طائشة، لكن لا أثر لها… لا خبر”.
لم تيأس سهام، فلجأت إلى قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، متوسلة أن يساعدوها. أخذ جنود الدعم السريع صورة رقية ووعدوها بالبحث، وكذلك فعلت القوات المسلحة. لكن الأيام تحولت إلى أسابيع، والأسابيع إلى أشهر، دون أن يصلها أي خبر عن ابنتها.

تتابع سهام “”لم نترك مكانًا لم نبحث فيه. ذهبت إلى كل زاوية، على أمل أن أسمع شيئًا عن ابنتي… لكن دون جدوى.”

رغم مرور الوقت وتحول الأيام إلى أكثر من عام، لم تستسلم سهام. لا تزال تواصل البحث، مدفوعة بأملٍ لا ينطفئ. تقول: “مثلما وجدت أسرتي بعد سنوات طويلة، أنا مؤمنة أنني سأجد رقية. أراها في أحلامي، وهي ترتدي حقيبتها المدرسية، تستعد للامتحانات، وتحلم أن تدرس علوم الطيران لتصبح مضيفة، كما كانت تتمنى.”

ولم تقف سهام عند ذلك، بل طرقت أبواب المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وقضايا المفقودين. من بين تلك الأبواب، كان باب منظمة “صيحة”، التي تبنّت قصتها وساعدتها في مواصلة البحث عن رقية. وبالفعل، تم إنتاج فيلم توثيقي بعنوان “أين رقية؟” يوثق رحلة الألم والبحث، ويُسلّط الضوء على واحدة من مئات القصص المنسية في زحام الحرب.

أسر مكسورة

لم تكن قصة رقية استثناءً، بل هي واحدة من عشرات القصص لفتيات ونساء اختفين قسرًا منذ اندلاع الحرب.

فبحسب ما وثّقته المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (صيحة)، فقد تم تسجيل 291 حالة اختفاء قسري لنساء وفتيات وطفلات، منذ 15 أبريل 2023 وحتى يونيو 2025. وفي السياق ذاته، سجّل (المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام) 123 حالة اختفاء، بينها 7 حالات لقاصرات.
هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن إحصاءات، بل هي أوجاع يومية لأسر مفجوعة؛ أمهات وآباء وإخوة يعيشون على أمل اللقاء. لم تُغمض أعينهم منذ غياب بناتهم، ولم يذوقوا طعم الحياة ولا لونها. يلهثون كل صباح وكل مساء خلف أي بصيص أمل قد يدلّهم على أماكن وجودهن.
“هل هنّ على قيد الحياة؟ هل أكلن؟ هل شربن؟ هل هن بخير؟ أي شر يحيط بهن؟”
أسئلة تتردد بلا انقطاع في أذهان ذوي المفقودات، أسئلة تنهش القلوب وتسرق النوم.
في حديثه لصحيفة “مدنية نيوز”، قال المحامي شوقي يعقوب من المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام، إن عدد النساء المختفيات وفقًا لإحصاءات المركز بلغ 123 امرأة، من بينهن 7 قاصرات، موضحًا أن المركز تمكّن من التواصل مع أسر 39 منهن فقط.

ومن جهتها، قالت هديل جعفر فى حديثها مع “مدنية نيوز”، من وحدة مكافحة العنف الجنسي بشبكة صيحة، إن الشبكة وثّقت 291 حالة اختفاء قسري لنساء وفتيات وطفلات منذ بداية الحرب. وأضافت أن أصغر ضحية تم توثيقها كانت رضيعة تبلغ من العمر 5 أشهر، اختفت مع والدتها، بينما أكبرهن سيدة مسنّة تبلغ من العمر 80 عامً.
وفي السياق نفسه، أفاد مصدر مطّلع في إحدى ولايات السودان أنهم رصدوا 350 حالة اختفاء، معظمهن فتيات قاصرات تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عامًا. وأوضح المصدر أن 84 من هؤلاء النساء والفتيات قد عدن لاحقًا، إلا أن العديد منهن كشفن عن تعرضهن لاستغلال جنسي وحشي وأذى جسدي شديد على يد قوات الدعم السريع، بحسب شهاداتهن.

صمت الأسر
قال شوقي إنهم في المركز لرصد الاختفاء القسري يعتمدون على راصدين موجودين على الأرض، وأيضًا على البلاغات الواردة عبر موقع المركز الإلكتروني أو من الأسر. لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن الأسر تتخوف من العوامل الاجتماعية مثل الوصمة والعار، خاصة في المناطق الريفية، ولذلك يوجد تستر على اختفاء النساء والفتيات، ولا يتم الإبلاغ من قبل الأسر إلا في حالات نادرة.

وأوضح أنه توجد تحديات كبيرة لرصد الاختفاء القسري منها انقطاع شبكات الاتصال، توسع رقعة الحرب والتعتيم الإعلامي وفي ظل وجود الإعلام الموجه والمعلومات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي. مشيرًا إلى أن الاختفاء القسري أكبر في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات.

وفي ذات السياق ذكر تقرير أعدته شبكة صيحة عن المفقودات تحصلت “مدنية نيوز” على نسخه منه، أن جمع البيانات التي استند إليها هذا التقرير بشكل أساسي من مصادر علنية، بما في ذلك المعلومات التي شاركتها مبادرة “مفقود”.

ومنذ اندلاع الحرب الحالية، حيث ازدادت البلاغات عبر الإنترنت عن اختفاء الأشخاص، مما يعكس مدى تصاعد الأزمة في السودان.

وأوضح أن شبكة “صيحة” قامت برصد منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل مع عائلات النساء والفتيات المفقودات. مشيرا إلى أنها تواجه بتحديات كبيرة في التحقق من هذه الحالات، مثل: أرقام الهواتف التي لا يمكن الوصول إليها، وتخوّف الأسر من مشاركة المعلومات، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الخوف من الانتقام (خاصة لأولئك الذين ما زالوا يقيمون في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع). بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يتم حذف المنشورات عن النساء والفتيات المفقودات من وسائل التواصل الاجتماعي دون توضيح الأسباب، وقد يعود ذلك إلى الخوف والوصمة، مما يصعّب تأكيد حالتهن بدقة.
وفي حين أن معظم حالات الإبلاغ كانت من المراكز الحضرية، فإن حالات الإبلاغ الواردة من القرى والأرياف كانت أقل بكثير، على الرغم من وجود حالات فعلية تستوجب الإبلاغ. وفي ظل غياب التقارير الرسمية من هذه المناطق، فإن هذا الأمر يعتم على حجم الأزمة.

الاختفاء خلال الأيام الأولى للحرب

وفي ذات المنحى ذكر تقرير صيحة أن أنماط المفقودات التي حدثت حيث قال: “هنالك نمط متكرر تمت ملاحظته منذ اندلاع الحرب وهو الارتفاع الحاد في التقارير عن الأشخاص المفقودين في الأيام والأسابيع الأولى التي تعقب غزو قوات الدعم السريع لمنطقة جديدة.

وقد لُوحِظَ هذا النمط أولًا في العاصمة الخرطوم، ثم لاحقًا في ولايتي الجزيرة وسنار.”

وأشار التقرير في ولاية الخرطوم إلى أن معظم حالات الاختفاء وقعت بين شهري أبريل ومايو 2023، خلال المراحل الأولى من انتشار قوات الدعم السريع في العاصمة. وتضم الخرطوم العديد من الداخليات السكنية للطالبات الجامعيات التي تسكن فيها كثير من الشابات اللاتي يعشن بعيدًا عن أسرهن. وبالإضافة إلى ذلك، تسكن في الخرطوم أعداد كبيرة من النساء العازبات اللاتي يعملن ويعشن بشكل مستقل. وبمجرد اندلاع الحرب بدأت قوات الدعم السريع في اقتحام المساكن، مما أثار الهلع والرعب لدى هؤلاء النساء.

وأورد التقرير قصة، وذكر أنه في “يوم 28 مايو 2023، تم العثور على جثة هالة أحمد إسحاق – وهي شابة من منطقة الحاج يوسف – ملقاة في سيارة نهبتها قوات الدعم السريع، حيث وُجِدت السيارة مخترقة بآثار الطلقات النارية، وعليها جثة القتيلة هالة التي توفيت إثر إصابتها بطلق ناري في الرأس. وبما أن السيارة كانت تحت حيازة قوات الدعم السريع، فمن المرجح أنَّ القتيلة قد اُختُطِفَت من قبل قوات الدعم السريع قبل وفاتها المأساوية.”

الاختفاء أثناء التنقل
وتحدث العديد من حالات الاختفاء أثناء محاولة النساء الفرار من مناطق الصراع أو أثناء أداء الأنشطة اليومية الروتينية، مثل التنقل من موقع إلى آخر، أو الخروج لجلب الاحتياجات الأساسية. فمجرد خروج النساء والفتيات للحصول على الطعام أو الدواء أو الإمدادات الأخرى يمكن أن يؤدي إلى اختفائهن دون أن يتركن أثرًا.

على سبيل المثال، حصلت شبكة صيحة على معلومات من عائلة جهاد فضل الله سليمان ناصر، وهي أم في الثلاثينيات من عمرها، تشير إلى اختفاء جهاد في يوليو 2023 أثناء خروجها للبحث عن دواء لابنها. وقد كانت آخر مرة شُوهِدَت هي وصديقتها (وهلة) عندما كانتا على متن سيارة مع أحد أفراد قوات الدعم السريع. وعندما حاولت عائلتها الاتصال بذلك الفرد التابع للدعم السريع، ادعى أنهما قد تم إنزالهما من السيارة، وحَذَّرَ عائلتها من الاتصال به مرة أخرى. وفيما بعد بحثت عائلتها عنها في معسكر حطَّاب، حيث تم إبلاغهم بوقوع اشتباكات في المعسكر ومقتل فتاتين، على الرغم من عدم وجود تأكيد لهذه المزاعم.

الاستعباد القسري
من المقلق أن هناك تقارير مؤكدة عن إجبار النساء على العبودية من قبل قوات الدعم السريع بعد سيطرتهم على المنطقة. ففي مواقع متعددة في الخرطوم، يتم احتجاز النساء في منازلهن وإجبارهن على الطهي والتنظيف وأداء خدمات أخرى لجنود قوات الدعم السريع. فهؤلاء النساء يعتبرن مستعبدات، ومحاصرات في منازلهن ومجبرات على العمل تحت التهديد. وقد وردت تقارير مماثلة من ود مدني في ولاية الجزيرة. ويؤكد هذا النمط من الاستعباد القسري على الانتهاكات الجسيمة والإهانة التي تتعرض لها النساء، مما يضيف بُعدًا آخر إلى أزمة الاختفاء والاختطاف الخطيرة أصلًا.

تقاضي دولي
وقال يعقوب إن المركز له شبكة كبيرة من المحامين وأطباء الدعم النفسي وعبرهم يقدم المركز لأسر الضحايا الدعم القانوني والنفسي مع تنظيمه في مجموعات من أجل أن يستطيعون أن يطالبوا بحقوقهم وأيضًا عمل مناصر لقضيتهم مع مجموعات أخرى.

وأوضح شوقي أنهم أيضًا في المركز يلجأون إلى الآليات الإقليمية والدولية لموضوع التقاضي الاستراتيجي، مشيرًا إلى أنهم يساعدون الناجيات في أن يرفعوا قضاياهم إلى هذه الجهات، مبينًا أنهم أيضًا يتعاونون مع لجنة الاختفاء القسري في الأمم المتحدة لمخاطبة الحكومات الأخرى.
وقال شوقي: بالنسبة للنساء اللواتي عدن أو تم الإفراج عنهن من الاختفاء، لا توجد إحصائية مضبوطة لدى المركز، لكنه قال إن هنالك حالات عادت من الاختفاء.

إجراءات عاجلة
دعت شبكة “صيحة” في تقريرها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لحماية النساء والفتيات المفقودات، والضغط من أجل خطوات ملموسة لتحديد أماكنهن، ووضع تدابير فعّالة للحد من حالات الاختفاء القسري.

وشدد التقرير على ضرورة تحقيق العودة الفورية والعاجلة لجميع الأشخاص المفقودين، وخاصة النساء والفتيات اللاتي تعرضن للاختفاء القسري أو الاحتجاز غير القانوني أو الاختطاف أو الاعتقال من قبل الأطراف المتحاربة.
وأوصى التقرير بإنشاء شبكة من منظمات المجتمع المدني التي تكرس جهودها لتعزيز التوثيق الإلكتروني للأشخاص المفقودين ودعم الأسر المتضررة.

كما دعا إلى زيادة الجهود العامة المبذولة للحصول على معلومات حول أماكن وجود المختفين قسرًا لدى الأطراف المتحاربة.

وشدد على أهمية إنشاء أنظمة ومبادرات للحماية المجتمعية تهدف إلى منع الاختفاء القسري، وتبادل المعلومات حول المناطق الأكثر عرضة للخطر، لتجنبها، بالإضافة إلى متابعة آخر المستجدات بشأن عمليات البحث عن الأشخاص المفقودين.

وأكد التقرير أن على السلطات الحكومية المعنية تكثيف جهود التحقيق من أجل لم شمل العائلات المتضررة بأفرادها المفقودين، وتقديم الدعم اللازم للأسر في حال وقوع أي مأساة، بالإضافة إلى إحالة الجناة إلى العدالة، بما يتماشى مع التزامات الدولة بموجب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

ودعا التقرير إلى الحصول على المساعدة من الهيئات الدولية ذات الصلة، مثل فريق العمل المعني بحالات الاختفاء القسري، واللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، من أجل رصد الحالات وتسليط الضوء عليها، وإبراز صوت هذه الأزمة المتفاقمة.

وختامًا، شدد التقرير على أن مشاركة المجتمع المدني والجمهور يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا، إذ تعتمد حماية المفقودات وتحقيق عودتهن الآمنة إلى أسرهن على الجهود الجماعية واليقظة المستمرة.

ومن خلال تسليط الضوء على هذه القضية وحشد الدعم العام، يمكن العمل معًا لتخفيف الآثار المدمرة للاختفاء القسري على النساء والفتيات في السودان، وضمان حمايتهن وتعافيهن.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (شبكة إعلاميات) لمتابعة واحدة من أخطر تداعيات حرب السودان الحالية. تعكس المادة الآلام المقيمة للاختفاء القسري للنساء الذي حدث بأعداد مهولة وصلت إلى سجلات المنظمات والمؤسسات ذات الصلة، وهذا ما يتطلب العمل الدؤوب لدرء هذا العنف وتلافي آثاره المدمرة.

 

الوسومالجيش الحرب الدعم السريع السودان النساء شبكة إعلاميات شبكة صيحة منتدى الإعلام السوداني

مقالات مشابهة

  • نداء من الإخوان المسلمين لشيخ الأزهر للتدخل لوقف معاناة معتقلي سجن بدر 3
  • السودان.. اختفاء النساء: قصص الحرب والألم والصمت
  • "تعذر علاجه لعده أشهر" فريق طبي بجامعة أسيوط ينجح في إنهاء معاناة رضيع مصاب بفتق الحجاب الحاجز
  • قانون الأوقاف لعام 2025 تشريع أثار مخاوف المسلمين في الهند
  • برلماني: قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين حاجة إنسانية ويستحق الأولوية
  • كي تصبح الرحلة آمنة.. تاكسي للنساء فقط في لبنان!
  • الأزهر عن زيارة الأئمة الأوروبيين للكيان الصهيوني: "لا تمثل الإسلام ولا المسلمين"
  • الأزهر عن زيارة أئمة أوروبيين للكيان الصهيوني: لا ‏يمثلون الإسلام ولا ‏المسلمين‏
  • مرصد الأزهر يدين حملة فوكس ضد الحجاب ويشيد بموقف الحكومة الإسبانية
  • أستاذة تاريخ إسلامي: مراسم غسل الكعبة المشرفة تجسد عناية المسلمين بها عبر العصور