طبول الحرب الإقليمية لم تدق بعد، ومحاولة نتانياهو للمرة الألف جر إيران لحرب شرق أوسطية واسعة يحدد هو توقيتها.. ستلقى في الغالب الفشل نفسه الذي مُنيت به سابقا.

لكن ترجيح عدم حدوثها الآن الذي يستند إلى حسابات معقدة لحقائق القوة هو نفسه الذي يجعلنا نرجح وبقوة أنه ومع تغير هذه الحسابات فإن قيام حرب إقليمية في المستقبل سيكون احتمالًا كبيرًا وجسيمًا.

الأخطر وما يثير القلق أن هذه الحرب إذا وقعت قد يتطاير شررها إلى منطقة الخليج بل وقد تكون ضفتاها ساحة مواجهة رئيسية من ساحاتها!!

سيكون هناك رد إيراني على الهجوم الإسرائيلي الاستفزازي على القنصلية الإيرانية بدمشق الذي أودى بحياة قيادات إيرانية، وربما يكون هذا الرد قد وقع عند نشر هذا المقال وربما يتأخر قليلًا لكن من المؤكد أن هذا الرد سيكون بعيدا تماما عن كل فرضيات الحملة الإعلامية الأمريكية في الأيام الأخيرة. إن كذبة أن إيران ستهاجم مباشرة أهدافًا أمريكية لن تحدث. وكذبة أن صواريخ باليستية سيتم إطلاقها مباشرة من إيران نحو مدن إسرائيل الكبرى لتدميرها مثل غزة هي كذبة أكبر لن تحدث.

الرد سيكون في إطار ما يسميه البعض حرب «الظل» المستمرة منذ نحو عقدين بين إيران وحلفائها الإقليميين من ناحية وأمريكا وإسرائيل وحلفائها من الدول العربية المعتدلة من ناحية أخرى. لن تنتقل طهران فجأة في هذه المرحلة من قواعد حرب الظل أو حرب الوكالة إلى حرب العلن أو الحرب المباشرة.

لا يتعلق الأمر فحسب بما يسميه البعض بفضيلة «الصبر الاستراتيجي» الذي تتمتع به الدولة الإيرانية والذي يعد أكبر نموذج له هو الاعتراف الدولي لها في حرب غزة بأنها أهم لاعب إقليمي يحسب الجميع حسابه إذ كان بيدها وحدها تحويل هذه الحرب لحرب إقليمية شاملة أو حصره -كما فعلت في نطاق محدود- ولكن يتعلق أيضا بقرارات استراتيجية، وعناصر ردع، وسوابق خبرة تاريخية.

القرار الاستراتيجي الإيراني الأول هو أن لا تدخل إيران باختيارها في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة ما لم تفرض عليها هذه الحرب بغزو أمريكي للأراضي الإيرانية وهو خيار مستبعد أمريكيا؛ لأن كل حسابات البنتاجون تقول: إن غزوًا لإيران على النمط العراقي والأفغاني قد يقود لهزيمة مذلة لا تقل عن حرب فيتنام.

القرار الثاني هو عدم التورط في حرب مباشرة مع إسرائيل ولدى الأخيرة هذا التفوق العسكري الخطير خاصة الجوي. وفي كل الأحوال لا حرب قبل أن يكتمل البرنامج النووي الإيراني فلن تعطي طهران فرصة لتل أبيب أن تنقض على برنامجها النووي وتدمره قبل أن يكتمل كما فعلت مع العراق وليبيا وسوريا.

صبر وصبر حتى ينفد صبر الآخرين سيتفادى أي مواجهة شاملة حتى الاطمئنان لولوج «النادي» الذهبي وإنهاء احتكار إسرائيل للخيار النووي إقليميا.

القرار الثالث هو مجموع الاثنين السابقين فإذا كانت إيران قررت عدم مواجهة أمريكا مباشرة وعدم مواجهة إسرائيل مباشرة قبل ولادة ابنها النووي فمن البديهي أنها لن تخاطر بمواجهة مع الطرفين يكونان متحدين فيها ضدها وهو ما وضعته واشنطن أمام أعين طهران بكل الطرق الممكنة خطرًا داهمًا لا يجب أن تشك لحظة في حدوثه إذا ما خرج ردها على قواعد حرب الظل.

هنا تأتي عناصر الردع الأمريكية التي يمكن تلخيص بعضها في تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكية عن جدية احتمال مشاركة القوات الأمريكية في حرب قد تشنها إيران على إسرائيل. طهران تعلم الآن من هذا التصريح ومن تحريك القطع والطائرات للمنطقة ومن الرسائل العارية من المكياج التي نقلتها لها عواصم عدة أن واشنطن لن تتردد لحظة واحدة في استعمال قوتها الشاملة ضد إيران لو هاجمت إسرائيل.

في الخبرة التاريخية فإن إيران التي ردت بشكل محسوب على قتل الأمريكيين الجنرال قاسم سليماني أهم قائد عسكري لها والتي رأت ما يزيد عن ١٢٠ ألف شهيد وجريح ومفقود في غزة ولم تتزحزح عن اختيار متى وكيف تحارب إسرائيل والنفوذ الأمريكي «وليس أمريكا».. هي نفسها البلد الذي لن ينجر لرد يوفر لنتنياهو فرصة للبقاء السياسي ويرفع شعبيته لدى غالبية متطرفة من الشعب الإسرائيلي مدعيا عودة ذراع إسرائيل الطويلة التي عرتها المقاومة في طوفان الأقصى.

لكن عدم حدوث الحرب اليوم لا يعني أنها لن تحدث في المستقبل. مصادر هذه الحرب تختمر، تتراكم كلها في اتجاه تصاعدي مستمر ينذر بأشد الخطر. علينا أن نضع نصب أعيننا إمكانية تكرار الخبرة المريرة للحرب العراقية-الإيرانية ٧٩-٨٨ التي تراكمت أسبابها طويلًا وتأخرت كثيرٍا ولكنها حدثت في نهاية المطاف..

ما الذي يختمر في قلب الشرق الأوسط والخليج ويجعل احتمالات نشوب حرب إقليمية في المستقبل احتمالات جدية بل ومرجحة؟

إذا كان لحرب طوفان الأقصى من فضل فإنها كشفت حقيقة أن بايدن عبر صفقة بهارات للتطبيع الشامل وتكوين تحالف أمني عربي/ إسرائيلي لمواجهة إيران كان يستكمل عمليا ما بدأه ترامب في التحول من استراتيجية «إدارة» الصراع العربي-الإسرائيلي والصراع الإقليمي إلى استراتيجية «حسم» الصراع لصالح إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية.

اعتراض حماس في ٧ أكتوبر طريق المشروع الأمريكي لقتل القضية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.. استفز واشنطن وأطراف مشروع تعميم «نموذج» السلام الإبراهيمي وجعلهم مصممين على سحق المقاومة وإزاحتها من الطريق بل ومحوها من خريطة المنطقة.

بمقتضى هذا المشروع ستدمج إسرائيل في المنطقة وأقسام واسعة من الضفة العربية للخليج ليس فقط اقتصاديًا وإنما عسكريًا وأمنيًا. وقد تنتشر كالفطر محطات الرادار والتنصت والأسلحة الإسرائيلية وخبرائها الأمنيين في المنطقة. سيمثل إدخال العامل الإسرائيلي عبر التطبيع الإبراهيمي المأمول أمريكيًا إلى زيادة مصادر التوتر وتشعل الاستخبارات الإسرائيلية مصادر النزاع القديمة الحدودية البرية والبحرية والتي تشمل خلافات لم تحل ليس فقط بين الضفة الفارسية والضفة العربية بل في الضفة العربية نفسها بين الدول حديثة التكوين بعد خروج الإنجليز من الخليج وشرق السويس في ١٩٦٨. ستستقوي بإسرائيل دول في المنطقة تبحث عن دور أكبر يلائم ثرواتها ولكن لا يلائم أبدا تاريخها وقدراتها الحقيقية. ستستعمل إسرائيل سلاحها واقتصادها المدعوم أمريكيًا وأوروبيًا في التلاعب بالعلاقات البينية بين إيران وعرب الخليج وبين عرب الخليج أنفسهم تماما كما فعلت في الشمال الإفريقي في السنوات الأربع الأخيرة.إيران التي لم تتغير استراتيجية أمنها القومي التي بلورتها بوضوح منذ نحو ١٠٠ عام تقريبا وهي أن تكون القوة الرئيسية المؤثرة على الملاحة والأمن في الخليج لن تقبل أن تكون محاصرة بتحالف معادٍ يخترق فيه الإسرائيليون -من بعض أقرب المواقع عند جيرانها- كل أسرار أمنها. إذا مضت خطة تعميم التطبيع الإبراهيمي دون أن يسبقها حل شامل لدولة فلسطينية على حدود ٦٧ وعاصمتها القدس.. تكون واشنطن قد أعدت المسرح لانفجار حرب إقليمية كبيرة في المستقبل لن تقتصر حدودها على غزة والأراضي الفلسطينية بل قد يمتد شرر نيرانها ليشمل المشرق العربي والخليج.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حرب إقلیمیة فی المستقبل هذه الحرب فی حرب

إقرأ أيضاً:

التايمز: إيران معرضة للخطر.. وتخشى من انتقام إسرائيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن إيران تعاني من حالة من القلق إزاء احتمال شنّ إسرائيل هجمات انتقامية، بعد أن قللت طهران من أهمية الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت العاصمة طهران في أواخر أكتوبر الماضي، ووصفت إيران الغارات بأنها "محدودة"، لكنها تعهدت بالرد "بحسم".

ووفقا لتقرير "التايمز"، فإن هذا التهديد الإيراني قد لا يتجسد على أرض الواقع، فقد كشفت مصادر غربية مطلعة على الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية، وأن الضربات دمرت جميع بطاريات الدفاع الجوي الروسية من طراز إس-٣٠٠، بالإضافة إلى العديد من منشآت الرادار على طول مسارٍ يعرض إيران لهجمات إسرائيلية مستقبلية.

وأوضح المسئول الغربي بحسب الصحيفة أن "إعادة بناء الدفاعات الجوية الإيرانية ستستغرق عامًا كاملًا، وهذا سيُرغم طهران على التفكير مليًا قبل شن أي هجوم على إسرائيل".

وجاءت الغارات الجوية الإسرائيلية ردًا على إطلاق إيران مئات الصواريخ الباليستية على أهداف عسكرية إسرائيلية. وقد سبق هذا الهجوم الإيراني اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ومسئول عسكري إيراني كبير، خلال هجوم إسرائيلي على ميليشيات مدعومة من إيران.

وأثار هذان الاغتيالان إحراجًا كبيرًا لطهران، حيث واجهت انتقادات حادة من أنصارها بسبب عدم تدخلها الفعّال.

وتشير "التايمز" إلى أنّ التفاوت في القوة بين إسرائيل وإيران أصبح واضحًا بشكلٍ كبير. فقد نجحت إسرائيل، في غارة جوية واحدة، في شلّ الدفاعات الجوية الإيرانية وعرقلة برنامجها لتصنيع الصواريخ.

ومع ذلك، فإن إيران تخشى أنّ الضربة الإسرائيلية التالية قد تكون أكثر جرأة، خاصة مع إشارات إسرائيلية مُحتملة إلى استهداف منشآتها النووية.

وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع بأن إحدى الضربات التي نفذت في أكتوبر الماضي، استهدفت "مكونًا" في البرنامج النووي الإيراني، في إشارة إلى منشأة بارشين، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفت أن هذه المنشأة نووية.

مخاوف إيران

وأشارت الصحيفة إلى أن مخاوف إيران تتجاوز برنامجها النووي، فقد حث نتنياهو، في خطابين مسجلين بالفيديو، الشعب الإيراني على الثورة ضد النظام الحاكم، مستغلًّا التوترات الداخلية في إيران، وخاصةً مسألة الخلافة المقبلة للمرشد الأعلى آية الله خامنئي (٨٥ عاما).
ويفيد التقرير أن خامنئي يفضل ابنه مجتبى للخلافة، بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية في وقت سابق من هذا العام، ويضيف أن الصراع مع إسرائيل في ظل التحضيرات للخلافة يُزيد من حدة التوترات الداخلية.

وتبين "التايمز" أن النظام الإيراني يواجه صراعًا على جبهتين: جبهة خارجية ضد إسرائيل من خلال وكلائها الذين تضاءلت قوتهم، وجبهة داخلية ضد غالبية الشعب الإيراني الذين يعارضون حكمه الإسلامي المتشدد.

وشهدت إيران موجةً من الاضطرابات الاجتماعية بعد وفاة مهسا أميني في عام ٢٠٢٢، إضافةً إلى أزمة اقتصادية حادة ناتجة عن إعادة فرض العقوبات الأمريكية، وزيادة الضرائب، وعجزٍ كبير في الميزانية، مما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى ما يقارب ٤٠٪. كما سجّلت الانتخابات الأخيرة رقمًا قياسيًا في انخفاض نسبة المشاركة، بسبب دعوات المعارضة إلى المقاطعة.

 

مقالات مشابهة

  • ما السلاح الإسرائيلي السري الذي ضرب إيران؟.. إليك تفاصيله
  • بعد مجزرة بيروت.. من هو الشبح الذي تزعم إسرائيل اغتياله؟
  • هذه أسباب استقرار سعر الصرف رغم الحرب... ولكن هل هو ثابت؟
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • التايمز: إيران معرضة للخطر.. وتخشى من انتقام إسرائيل
  • نيويورك تايمز: ما الذي يمنع اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وإيران؟
  • لا إيران تنهي الحزب ولا إسرائيل تنهي الحرب
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • ميليشيا حشدوية:سنقاتل إسرائيل حتى الموت من أجل الدفاع عن إيران
  • التايمز: إيران "المكشوفة" تخشى الانتقام من إسرائيل