لجريدة عمان:
2024-11-22@16:05:55 GMT

«في بيت أحمد أمين» كيف رأى الابن أباه؟

تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT

(1)

أعادتني هذه الطبعة الجديدة الصادرة عن دار الكرمة للنشر والتوزيع، من كتاب «في بيت أحمد أمين» بقلم ابنه السفير والكاتب الراحل حسين أحمد أمين، أقول أعادتني هذه الطبعة إلى ثلاثة عقود مضت من عمري!

نعم، فقد كنتُ ممن قرأ الكتاب في طبعته الأولى الصادرة عن سلسلة كتاب الهلال (يوليو 1985) بقطعها الصغير المميز، وفتنت به وبالعالم الذي صوره في تفاصيله ودقائقه عن واحدٍ من أهم وأكبر مثقفينا في العصر الحديث، والذي قادني بعد ذلك إلى قراءة سيرته الذاتية (حياتي) التي أراها من أهم وأجمل وأصدق السير الذاتية العربية التي كتبت منتصف القرن الماضي.

وأذكر جيدًا حينما اقتنيت هذا الكتاب في طبعة الجيب عن دار الهلال، لم أتركه حتى أتممته، كان ممتعًا وشائقًا وجذابًا للدرجة التي لا تمل فيها أبدًا من قراءته مرة واثنتين وثلاثا، وظلَّ هذا الكتاب لا يفارقني وأعود إليه مرارًا خاصة أنه يمثل «تقريبًا» المصدر الأوفى والأوثق عن الحياة الشخصية والتفاصيل اليومية الحياتية عن أحمد أمين (وبخاصة في سنواته الأخيرة)، وكذلك عن أفراد أسرته الذين سيحترف بعضهم الكتابة ويبرع فيها ويصدر الكتب والمؤلفات!

(2)

أعود إلى الكتاب في طبعته الجديدة، خاصة أنها تأتي ضمن اختيارات (دار الكرمة) الذكية، وفق رؤية ثقافية طموحة وسياسة تحريرية دقيقة، وقد وضعت هذا الكتاب في بؤرة اهتمامها لتكمل به تلك «المجموعة» الممتازة من كتب السيرة التي أصدرتها عن (آل أمين) إذا جاز التعبير أو جوانب من السيرة الذاتية لأشهر أفراد هذه الأسرة التي احتلت مكانة مميزة في تاريخ الحركة الفكرية والأدبية والثقافية المصرية في القرن العشرين.

وقد اشتهر مؤسس هذه الأسرة وبعض أبنائه (وبعض أحفاده أيضًا) بمحبة الأدب والانخراط في إنتاج وجه أو أكثر من وجوه الثقافة المعاصرة، ومنهم من احترف الكتابة جنبًا إلى جنب التخصص الذي درسوه وتحصلوا فيه على دراساتهم العليا (جلال أمين تخصص في الاقتصاد، وظل يدرِّسه طوال عمره بالجامعة، وحسين أمين كان دبلوماسيًا وسفيرًا حتى أحيل إلى التقاعد).

سبق وأن أصدرت (دار الكرمة) كتاب «مكتوب على الجبين»، وهو استكمالات للسيرة الذاتية التي كتبها المرحوم جلال أمين (وصدرت في جزءين سابقا عن دار الشروق)، ثم أصدرت الكرمة تاليا مجلدين قيّمين يضمان «المراسلات والخطابات» التي جرى بها القلم بين الأخوين جلال أمين، وحسين أحمد أمين، وقد كانا قريبين في العمر والميول وحب الأدب، والرغبة في الكتابة، وفي المكاشفة الصريحة والبوح الجريء الذي يكاد يصل إلى مستويات ربما تكون غير مسبوقة في أوساط المثقفين المصريين.

واستكمالًا لهذه الكتب الرائعة، تضيف «الكرمة» إلى هذه الباقة الكتاب الأسبق والأمتع والأكثر ثراء واقترابا من عالم وتفاصيل رأس الأسرة و«عميدها»، وصانع مجدها، وصاحب الصيت الأكبر والأشهر الرائد النهضوي العلّامة أحمد أمين (1886-1954) بقلم ابنه حسين أحمد أمين.

(3)

يتميز كتاب «في بيت أحمد أمين» بأنه أكثر حيوية ونضارة وسلاسة في السرد، وأقل تحفظًا وتحررًا من رصانة أحمد أمين و«جدِّيَّته» الشديدة التي لم تفارقه طيلة حياته، وبرزت كأوضح ما يكون في سيرته الرائعة (حياتي).

نحن هنا نراه بعيني ابن من أبنائه (كان من أصغرهم فيما أتذكر)، وربما كان أقربهم إليه في حب الأدب والفكر والثقافة، وأكثرهم نهمًا للقراءة وطلبًا للكتب وكلفًا بها. يرسم الكتاب صورة رائعة بل غاية في الروعة للجانب الأكثر غموضًا وبعدًا عن الأضواء في حياة أحمد أمين، أقصد حياته الشخصية في منزله وبين أبنائه، ذلك الجانب الذي لم يكن يعرفه أحد سواهم بطبيعة الحال.

في بيت أحمد أمين نراه على سجيته بين زوجه وأبنائه، في أحوال تخففه من المهام والرسميات والمسؤوليات الثقال، وفي الوقت نفسه نرى وجوه أحمد أمين الأخرى، نراه زوجًا وأبًا وصديقًا، بعد أن عرفناه وشهدناه قاضيًا وعالمًا جليلًا وأستاذًا جامعيًا رصينًا وباحثًا قديرًا وممتازًا في الإسلاميات بل مؤسسًا لها أيضًا في الثقافة العربية.

قيمة أخرى للكتاب تبرز من كونه المساحة التي تقاطع فيها جيلان ورؤيتان للعالم وثقافتان، فالكتاب بقلم حسين الابن الذي يسجل بدقة ورهافة ما كان يدور في البيت الذي نشأ وعاش وأمضى شطرا من طفولته وشبابه فيه، ورصد بوعي كامل تفاصيل تلك المرحلة مازجا بين أسلوب الاعترافات الخاصة وأسلوب التسجيل والتوثيق الدقيق، ما يجعلنا شركاء بالكامل في شهود تطوره الذهني والروحي في الوقت ذاته.

ولعل هذه الخصيصة هي ما أضفت على الكتاب حيوية وسلاسة رائعة جعلته سريع القراءة، فقد أضفى حسين الابن على سرديته عن أبيه الكثير من «حيويته» التي اشتهر بها في الكتابة، واشتهر بها أسلوبه، وقد كان راويًا وشاهد عيان وليس مجرد ناقل أو مستمع أو مشاهد «محايد»، صحيح كما يقول حسين في كتابه: «الروح واحدة، وبالتأكيد أنا أمثل نفس المدرسة، فالمثل يقول: التفاحة لا تقع بعيدًا عن الشجرة»، لكنه يعود ليؤكد في الوقت ذاته أنه لا يلصق بأبيه أي مسؤولية عما يقوله هو اليوم، فهو قد تشرب روحه وفكره، ثم مضى في سبيله ينشد مسايرة هذا الفكر وهذه الروح لاحتياجات عصره التي تغيرت بكل تأكيد عن احتياجات عصر أبيه.

(4)

ونعرف من الكتاب أيضًا أن «حسين» ورث عن أبيه ذلك المزج الهادئ الرصين بين الثقافتين العربية والغربية، وإن كانت مطالعات وقراءات حسين بحكم الزمن والتطور الطبيعي أكثر انفتاحًا واتساعًا (بخاصة الأدب الروسي، والأدب الإنجليزي، والفرنسي، وقد اضطلع بنقل وترجمة عدد من مسرحيات شكسبير إلى اللغة العربية).

ويكشف حسين أحمد أمين، في هذا الكتاب «الشهادة/ الوثيقة»، عن أثر والده العظيم في مرحلة التكوين والإعداد الثقافي، فيقول:

(ويمكن هنا أن أذكر لك كيف أني طلب مني في المدرسة الثانوية، وأنا في سن الثانية عشرة، إعداد بحث عن «الصراع بين الأمين والمأمون»، فكتبته، وأريته لوالدي، فسمعت منه يومهـا درسًا لم أنسه، وكان له فضل عظيم في توجيهي في تناولي للموضوعات الإسلامية. قال لي: «المصادر الوحيدة الخاصة بالصراع بين الأمين والمأمون أربعة لا غير، ابن طباطبا وهو شيعي، والطبري وهو فارسي، واليعقوبي وهو شيعي، وأبو حنيفة الدينوري وهو فارسي، فإذا كان الفرس والشيعة هـما المرجعان الوحيدان لقصة الخلاف بين الأمين والمأمون، وعرفنا أن أم المأمون كانت أمة جارية فارسية، بينما أم الأمين -زبيدة- قرشية عربية، والمأمون كانت مشاعره مع الشيعة في بداية عهده، وميالًا إلى الفرس، ومشاعر الأمين سنية، أدركنا على الفور أن هناك تحيزًا من جانب المصادر للمأمون دون الأمين، وبالتالي، نأخذ تصوير شخصية الأمين بعين الحذر، لأن هناك تشويهًا متعمدًا لصورته، وتحيزًا كاملًا إلى جانب المأمون، وذلك من خلال معرفتنا بالمصادر. فهذا الدرس الذي تلقيته من والدي -مبكرًا- جعلني شديد الاهتمام بمسألة المصادر أو ما نسميه بـ«العنعنة» وتمحيص هوية هذه المصادر قبل الاعتماد على حكمها).

(5) لقد عاش حسين الابن في بيتٍ تردد عليه أعاظم الشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية في مصر، في السنوات الأخيرة من عمر أحمد أمين (1945-1954) وسمع بأذنه ما كان يدور من مناقشات ويولد من أفكار ويثار من موضوعات في حجرة مكتب والده العظيم، رأى وسمع طه حسين، والعقاد، وزكي نجيب محمود، ومحمد فريد أبو حديد، ومثقفين من العراق والمغرب والعالم الإسلامي.

لقد شهد حسين أحمد أمين واحدة من أهم نشاطات الحياة الثقافية المصرية والعربية في أوج تألقها وازدهارها في القرن العشرين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الکتاب الکتاب فی کتاب فی

إقرأ أيضاً:

الثقافة تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب بهيئة الكتاب

صدر حديثا عن وزارة الثقافة من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «كل النهايات حزينة» للكاتب عزمي عبد الوهاب.

ويتناول الكتاب اللحظات الأخيرة في حياة أبرز الكتاب والمبدعين في الأدب الإنساني، من بينهم دانتي أليجييري، وأنطونيو جرامشي، وفولتير، ولودفيك فتجنشتاين، وصادق هدايت، وأوسكار ويلد، وراينر نعمت مختار، وجويس منصور، وجورجيا آمادو، وثيربانتس، وغيرهم.

ويقول عزمي عبد الوهاب في تقديمه للكتاب: «ظللت مشغولاً بالنهايات لسنوات طويلة، لكن بداية أو مستهل كتاب "مذاهب غريبة" للكاتب الكبير كامل زهيري كان لها شأن آخر معي، فحين قرأت الفقرة الأولى في هذا الكتاب، تركته جانبا، لم أجرؤ على الاقتراب منه مرة أخرى، وكأن هذه الفقرة كانت كفيلة بإشباع رغبتي في القراءة آنذاك، أو كأنها تمتلك مفاتيح السحر، للدرجة التي جعلتني أتمنى أن أكتب كتابا شبيها بـ"مذاهب غريبة". 

تذكرت على الفور أوائل القراءات التي ارتبطت بكتاب محمد حسين هيكل "تراجم مصرية وغربية"، وبعدها ظلت قراءة المذكرات والذكريات تلقى هوى كبيرا لدي، كنت في ذلك الوقت لم أصدر كتابًا واحدًا، لكن ظلت تلك الأمنية أو الفكرة هاجسا، يطاردني لسنوات، إلى أن تراكم لدي من أثر القراءة كثير من مواقف النهايات، التي تتوافر فيها شروط درامية ما، وكلها يخص كتابا غربيًا؛ لأن حياة الأغلبية العظمى من كتابنا ومثقفينا تدفع إلى حافة السأم والتكرار والملل.

إنها حياة تخلو من المغامرة التي تصل حد الشطط، ربما يعود ذلك إلى طبيعة الثقافة العربية، التي تميل إلى التحفظ، وربما أن تلك الثقافة لم تكشف لي غرائب النهايات، هناك استثناءات بالطبع، شأن أية ظواهر في العالم، قد يكون الشاعر والمسرحي نجيب سرور مثالا لتلك الحياة المتوترة لإنسان عاش على حافة الخطر طوال الوقت، حتى وصل إلى ذروة الجنون، لكن دراما "نجيب سرور" مرتبطة بأسماء كبيرة وشخصيات مؤثرة، تنتمي إلى ثقافة: "اذكروا محاسن موتاكم" حتى لو كانت لعنة نجيب سرور ظلت تطارد ابنه من بعده، فقد مات غريبا في الهند مثلما عاش أبوه غريبا في مصر وروسيا والمجر».

ويضيف عبد الوهاب: «يمكن أن أسوق أسماء قديمة مثل "أبي حيان التوحيدي" الذي أحرق كتبه قبل موته، أو ذلك الكاتب الذي أغرق كتبه بالمياه، في إشارة دالة إلى تنصله مما كتب، أو ذلك الكاتب الذي أوصى بأن تدفن كتبه معه، وإذا كان الموت هو أعلى مراحل المأساة، فهناك بالطبع شعراء وكتاب عرب فقدوا حياتهم، بهذه الطريقة المأساوية كالانتحار ، مثل الشاعر السوداني "أبو ذكري" الذي ألقى بجسده من فوق إحدى البنايات، أثناء دراسته في الاتحاد السوفيتي السابق، والشاعر اللبناني "خليل حاوي" الذي أطلق الرصاص على رأسه في شرفة منزله، والروائي الأردني "تيسير سبول" الذي مات منتحرا بعد أن عاش فترة حرجة من عام 1939 إلى 1973.

لكن المختفي من جبل الجليد في تلك الحكايات، أكبر مما يبدو لنا على سطح الماء، خذ على سبيل المثال "خليل حاوي" فقد أشيع في البداية أن الرصاصات، التي أطلقها على رأسه، كانت إعلانًا للغضب، ومن ثم الاحتجاج على الصمت العربي المهين، إزاء اقتحام الآليات العسكرية الإسرائيلية للجنوب اللبناني، ومن ثم حصار بيروت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وفيما بعد، حين استفاق البعض من صدمة الحدث، قيل إن ما جرى كان نتاج علاقة حب معقدة، دفعت بالشاعر إلى معانقة يأسه والانتحار، فهل كان انتحار الروائي الأردني "تيسير سبول" صاحب أنت منذ اليوم أيضًا احتجاجا على ما جرى في العام 1967م؟

ربما يوجد كثير من النماذج، لكن تظل الأسماء الغربية الكبيرة، قادرة على إثارة الدهشة كما يقال، ونحن دائما مشغولون بالحكاية أكثر من المنجز، وكأن هذا من سمات ثقافتنا العربية، فالاسم الكبير تصنعه الحياة الغريبة لا الإنتاج الأدبي.

ومع ذلك يمكننا أن نتوقف أمام اسم كبير مثل "إدجار آلان بو" وكيف كان آخر مشهد له في الحياة، فهو أحد الكتاب الذين غادروا الحياة سريعا، وحين مات وجدوه في حالة مزرية، يرتدي ملابس لا تخصه، وحين تعرف عليه أحد الصحفيين، نقله إلى المستشفى، ومات وحيدا، بعد أربعة أيام، في السابع من أكتوبر عام ١٨٤٩م، ولم يعلم أقاربه بموته إلا من الصحف».

مقالات مشابهة

  • غير ملزمة بخدمة الأهل.. ضوابط التعامل مع زوجة الابن في الإسلام
  • أحمد أمين: عرفت نفسي كمُمثل بعد 35 عاما من عمري (فيديو)
  • أحمد أمين في ضيافة كاستنج.. اعرف موعد عرض الحلقة (صورة)
  • هيئة الكتاب تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب
  • الثقافة تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب بهيئة الكتاب
  • الأمين العام للأمم المتحدة يصل إلى أذربيجان
  • الأمين العام لـ"حزب الله" يضع شرطاً لقبول الهدنة
  • الأمين العام لحزب الله: وقف إطلاق النار الآن مرتبط بالرد الإسرائيلي
  • حسين لبيب يجتمع مع جوميز عقب لقاء المصري البورسعيدي لهذا السبب
  • خالد الجندي: يجوز تمييز الابن والابنة في العطايا والهدايا