زواج العُمانية من أجنبي .. بين التحديات القانونية واضطراب الهوية والانتماء
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
مختصون: المتزوجة من أجنبي معرضة لمشكلات معقدة على الصعيدين النفسي والاجتماعي
ضرورة النظر في قانون منح الجنسية لأبناء المواطنة المتزوجة من أجنبي حماية لكيان الأسرة
قصص كثيرة، بعضها مؤلم، عن تداعيات الزواج من أجنبي والمشكلات التي تواجه تكوين الأسرة مع اختلاف الثقافة والعادات والتقاليد بين المتزوجين وما يعانيه الأبناء نتيجة هذا الزواج، وفي سلطنة عمان تم خلال السنة الماضية وحتى 13 فبراير الماضي تسجيل 190 وثيقة زواج عمانية من أجنبي.
ورغم التسهيلات.. تواجه المرأة العمانية المتزوجة من أجنبي صعوبة في حصول الأبناء على الجنسية، ودعت مواطنات إلى النظر في قانون منح الجنسية لأبناء العُمانية المتزوجة من أجنبي، مراعاة لأهمية هذا الأمر في المحافظة على كيان الأسرة وعدم تشتتها، وشعور المرأة بالأمان والاستقرار بحصول أطفالها على كافة الحقوق التي يحصل عليها المواطن آمنا مستقرا في وطنه.
وذكرت مواطنة متزوجة من أجنبي أن رحلة زواجها كانت معقدة جدا رغم أن عمرها وصل الثلاثين إلا أن الوضع استدعى الكثير من المطالبات بسبب أن والدها متوفى ورفض أعمامها أدى إلى تأخر إنهاء إجراءات استخراج التصريح.
وقالت: تكمن المشكلة الآن في إقامة أبنائي لأنها مرتبطة بوالدهم حيث يتطلب منا التجديد كل سنتين وهذا موضوع معقد، وأتساءل لماذا لا تكون الإقامة سارية ما دامت العلاقة الزوجية مستمرة، ولا أعلم بعد أن يكمل أبنائي سن 18 عاما ماذا سيكون وضعهم بالنسبة للإقامة، لأن القانون السابق تم إلغاؤه ولا يعطي الصلاحية للأبناء بعد سن البلوغ أن يكونوا تحت إقامة والديهم لأنهم سيكونون في مرحلة الجامعة أو العمل، وهناك الكثير من الحالات استدعت مغادرة الأبناء البلد.
ودعت المواطنة إلى أن يكون هناك تكافؤ في الفرص مع المواطن العماني المتزوج من أجنبية.. وقالت: هناك بعض التسهيلات المقدمة للأبناء من أب أجنبي كالعلاج الصحي في مؤسسات الرعاية الصحية والتحصين والتعليم بمبلغ مالي زهيد ولكن هناك بعض الجهات ما زالت تعقّد مسألة التعامل وتصعّب توفير الخدمة بحكم أنهم أجانب وليسوا مواطنين.
القانون وحقوق المرأة
حول زواج العمانية من أجنبي والقوانين والأنظمة التي تكفل حقوق المرأة والأطفال من أب غير عماني، والتحديات التي تواجهها تحدث في البداية المحامي والمستشار القانوني سرحان المحرزي قائلا: إن القانون العماني اشترط عددا من الشروط التي يجب أن تتوفر في من يريد الحصول على الجنسية العمانية، وأهم تلك الشروط أن يكون قد أقام في عمان إقامة مشروعة متواصلة لمدة لا تقل عن (٢٠) عاما، أو (١٥) خمسة عشر عامًا إذا كان متزوجا بعمانية على أن يكون زواجها قد تم بموافقة مسبقة من الوزارة، وله منها ولد، ولا يحول دون اعتبار إقامته متواصلة غيابه خلال العام الواحد مدة لا تزيد على (٦٠) ستين يوما.
وكما يشترط القانون أن يكون طالب الجنسية ملما باللغة العربية قراءة وكتابة وأن يكون حسن السيرة والسلوك، وألا يكون قد سبق الحكم عليه نهائيا بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولو رد إليه اعتباره.
وأضاف المحرزي: إن نص القانون اشترط على المتقدم بطلب الحصول على الجنسية أن يكون لائقًا صحيًا وخاليًا من الأمراض المعدية، وأن يكون لديه مصدر مشروع للرزق يدر عليه ما يكفي لسد حاجته وحاجة من يعولهم. ولكون القانون العماني لا يسمح بتعدد الجنسيات فلا بد أن يقر مقدم الطلب كتابة برغبته في التنازل عن جنسية الدولة التي يحملها، وأن يقدّم ما يثبت أن قانونها يجيز له ذلك. ويكتسب الأولاد القصر الجنسية العمانية تبعًا لأبيهم إذا كانت ولادتهم في عمان، أو كانت إقامتهم العادية فيها.
وقالت المحامية والمستشارة القانونية خلود بنت محمود الخضورية: في سلطنة عمان منظومة تشريعية تضمن أن للطفل حقوقا ترتبط بحقوق والده بغض النظر عن حقوق والدته العمانية، ولا يستنقص التشريع شيئا من الناحية القانونية فيما يتعلق بممارسته لجميع الحقوق الأخرى عدا ما يستلزمه القانون من واجبات.
وحول كثرة الحديث في الفترة الأخيرة عن وجود بعض المشاكل في حضانة الأطفال بسبب زواج المرأة من أجنبي والعكس قالت المحامية: من المهم أولًا أن نفهم أن هذه المشاكل ليست فقط متعلقة بزواج المرأة من أجنبي، بل قد تنشأ من أي تغيير في حالة الأسرة، بما في ذلك زواج الرجل من أجنبية أيضًا، يمكن أن تكون هذه المشاكل متعلقة بالتكيف مع التغييرات في الحياة اليومية والدينية والثقافية.
ومن الضروري أن يتم التعامل مع هذه المشاكل باحترام لحقوق الجميع، ويجب على الأطراف المعنية، بما في ذلك الآباء والأمهات والمعلمون والمجتمع بشكل عام، التفكير في مصلحة الأطفال أولًا والعمل على إيجاد حلول تساهم في تحسين الوضع لهم.
ويمكن أن تشمل هذه الحلول توفير دورات توعية للآباء والأمهات حول كيفية التعامل مع التحديات التي قد تنشأ من التغيرات الزوجية، بالإضافة إلى تقديم دعم للأطفال لمساعدتهم على التكيف مع الوضع الجديد.
كما يمكن للحضانات والمؤسسات التعليمية أن تلعب دورًا مهمًا في توفير بيئة داعمة ومساعدة الأطفال على فهم ومواجهة التحديات التي قد يواجهونها.
بشكل عام، يجب أن يكون التعامل مع هذه القضايا بحكمة وفهم، مع التركيز على مصلحة الأطفال وتوفير الدعم اللازم لهم لينموا ويتطوروا بشكل صحي وسعيد.
البيئة الاجتماعية
ومن جانبه تحدث الدكتور ناصر بن محمد العوفي عضو لجنة دعم الأعضاء بجمعية الاجتماعيين العُمانية: في المجتمع العُماني حدث تغيُّر في نمط الزواج من الزواج الداخلي المقترن بالعائلة والقبيلة إلى الزواج الخارجي من خارج العائلة والقرية والمدينة والدولة، وظهر في الفترة الأخيرة زواج المرأة العُمانية من الأجنبي، والذي يأتي في نطاق رفض أسرة الفتاة رفضًا نهائيًا؛ مما يدفع بعضهن للزواج وقطع علاقتها بأسرتها الأساسية، الذي كلّفها في حالة الطلاق من الزوج الأجنبي عدم التقبل من أفراد أسرتها، وفي حالة فشل هذه العلاقة الزوجية؛ فإن المرأة تتأثر من حيث الوصمة الاجتماعية وانخفاض الثقة بالنفس والقلق ناهيك عن الصراع في مجال حضانة الأطفال والجنسية التي سوف يحصلون عليها والآثار الاقتصادية التي ستكون على عاتق المرأة العُمانية مثل: الإنفاق على الأولاد وفقدان الأم لأطفالها ودخولها على المحاكم؛ بالإضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية على المرأة المطلقة مثل لوم الذات والانطواء ومضايقات الأهل، وتحديات في تربية الأبناء.
ويضيف الدكتور ناصر: الطلاق يمكن أن يكون له أثر كبير على حياة الأبناء، سواء اجتماعيًّا أو نفسيًّا مثل تغيُّر البيئة الاجتماعية؛ حيث يضطر الأطفال إلى التكيُّف مع البيئة الجديدة التي ينتج عنها تغيُّر في المدرسة والأصدقاء والجيران وصعوبة الاندماج مع المجتمع الجديد بسبب تغير ظروفهم الاجتماعية والأسرية، وقد يشعر الأطفال بالقلق والاكتئاب بسبب الطلاق وتغيرات الحياة التي قد تحدث بعد ذلك، وانخفاض ثقة الأطفال بأنفسهم وفي أدائهم الدراسي بسبب التوترات والضغوط الناجمة عن الطلاق، وقد تؤدي التغيُّرات العاطفية والاجتماعية المرتبطة بالطلاق إلى صعوبات في البناء والحفاظ على العلاقات الشخصية، وتزداد المعاناة أكثر إذا تأثر الأولاد بثقافة الأب الذي ربما يكون مختلفًا في الدين والعادات والتقاليد؛ مما يجعل الأولاد في حالة من الاغتراب الثقافي والاجتماعي، وانفصال عن الهوية العُمانية المُشبعة بالدين الإسلامي والعادات والتقاليد العُمانية الأصيلة.
نظرة المجتمع
ترى ليلى بنت عمير الهنائية من لجنة الخدمات الاجتماعية والتوعية بجمعية الاجتماعيين العُمانية أن نظرة المجتمع السلبية حول المرأة المتزوجة من الخارج هو أمر متوقع خاصة أننا في مجتمع محافظ له عاداته وتقاليده وقواعده التي قد تُفرَض أحيانا على المرأة أكثر من الرجل، والأثر النفسي الذي تتركه نظرة المجتمع على المرأة يكون أشد إذا افتقدت للدعم المعنوي من الأسرة، لذلك فإن دعم الأسرة مهم ويساعد المرأة على التعامل مع التحديات المتوقعة من زواجها بأجنبي.
كما أن الدعم الذاتي وتمتع المرأة بالصلابة النفسية وقوة الأيمان ودعم الأصدقاء يساعدها على التخفيف من حدة الضغوط ويمنحها مساحة للتعبير الصحي عن مشاعرها. أيضا من المهم طلب المشورة من ذوي الخبرة والاختصاص واللجوء إلى مراكز الإرشاد الأسري والزواجي لتعلُّم مهارات التعامل مع المشاعر الذاتية والتعامل مع نظرة المجتمع السلبية.
وعن الآلية التي تتعامل معها الأم لاحتواء أبنائها في حدوث انفصال بعد زواجها من رجل أجنبي والخوف عليهم من المستقبل خاصة أنَّ الأنظمةَ والقوانين لا تمنحُ الأطفال جنسية الأم، أوضحت الهنائية: من وجهة نظري كأخصائية اجتماعية مهتمة بالمجال الأسري أنه عند الانفصال تقع على كلا الوالدين مسؤولية احتواء الأبناء، ولكن دور الأم مهم جدا كون حضانة الأبناء عادة تكون لها.
هنا يأتي دورها كحاضنة في اتخاذ القرارات السليمة التي تصب في صالح أبنائها، فمثلًا من المهم أن تكون قريبة بحيث يستطيع الأبناء رؤية والدهم والتمتع بحقوقهم التي يكفلها لهم بلد الزوج الأجنبي لينعم الأبناء بمستقبل آمن ولا يشعرون بالتشتت نتيجة الانفصال.
وتابعت بقولها: كما تجب مراعاة أن الطفل قد يتعرض بعد الانفصال لصدمة عاطفية لذلك على الأم تخفيف هذه الصدمة وشرح سبب الطلاق للطفل وتأكيد محبتهم له وأن كلا الوالدين سيكون موجودًا ولن يرحل بعيدا، وأن يضمن الوالدان كذلك أن لا يتغير الروتين الذي تعود عليه الطفل، وأن يتشارك كلاهما في التربية واتخاذ القرارات التي تخص الطفل وأن يوفرا له بيئة تربوية صحية وآمنة بعيدا عن الأنانية والقرارات الناتجة عن دوافع كيدية وانتقامية.
تحديات معيشية
وعن الآثار النفسية والاجتماعية لزواج المرأة من الخارج، أكدت هنية بنت سعيد الصبحية عضوة لجنة الدراسات والبحوث بجمعية الاجتماعيين العمانية أن المرأة العمانية المتزوجة من أجنبي تعاني من تحديات جسيمة ومعقدة، تؤثر على نفسها وأبنائها على الصعيدين النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويُرتبط ذلك بصعوبة حصول الزوجة وأبنائها على الجنسية وجواز السفر العماني.
من بين المشكلات الشائعة هو عدم تمكن الأطفال من الحصول على الجنسية، ما يُسبب أعباء اقتصادية ويُقيد فرص العمل ويزيد من نفقات التعليم الخاص باللغتين. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الأسر تحديات في تسجيل أبنائها في المدارس الحكومية وتضطر إلى العيش في المدن مع تأثيرات على الخدمات الصحية ومصاريف المعيشة، كما قد يعاني الأطفال من صعوبات في الاندماج الثقافي والاجتماعي، خاصة إذا كان هناك اختلاف كبير بين ثقافة الأبوين، مما يؤدي إلى اضطرابات في الهوية والانتماء. وأحيانا ما تتسبب هذه المشكلات في توترات في العلاقة بين الزوجين أو مع أسرة الزوج، مما يؤثر على بيئة الأسرة ورعاية الأطفال.
ويعاني الأطفال أيضًا من الاغتراب الثقافي وصعوبات في التواصل والتي قد يتعرض الأطفال للتنمر أو الاستهزاء بسبب اختلاف جنسيتهم أو ثقافتهم، مما يؤدي إلى مشاعر الحزن والانعزال.
تتضمن المخاوف التي تواجه المرأة العمانية مغادرة الزوج للوطن بشكل مفاجئ وخطر اختطاف الأطفال، مما يستدعي التدخل السريع من الحكومة لدعم الأسر المتضررة وتوفير الحلول المناسبة للتكامل الاجتماعي والنفسي لهؤلاء الأفراد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: نظرة المجتمع على الجنسیة زواج المرأة التعامل مع المرأة الع الع مانیة مانیة من التی قد فی حالة أن یکون
إقرأ أيضاً:
جدلية الخطاب الأبوي بين المسؤولية والاعتذار
أحمد بن محمد العامري
الأسرة هي الخلية الأولى التي يتكون فيها الإنسان وفيها تنشأ أولى علاقاته الاجتماعية والنفسية، فالعلاقة بين الزوجين تشكل العمود الفقرى لهذه المؤسسة حيث يتشاركان مسؤولية التربية والرعاية بما يضمن لأفراد الأسرة بيئة صحية ومستقرة. ومع ذلك، يظهر في هذه العلاقة أحياناً خطاب يعكس اختلافات في التصورات بين الزوجين حول دور كل منهما في حياة الأبناء، ومن أكثر العبارات لفتاً للانتباه هو خطاب الزوجة الذي يتبدل بين "أولادك" عند الحديث عن المشكلات أو الأعباء، و"أولادي" عند الحديث عن الإنجازات أو اللحظات المشرقة أو العكس، هذا التباين الظاهري في اللغة يعبر عن أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية عميقة تستحق التأمل.
عندما تلجأ الزوجة إلى استخدام عبارة "أولادك" أثناء مواجهة المشكلات أو تحمل أعباء المصاريف فإنها تعبر عن محاولة نفسية لتخفيف الضغط الواقع عليها، علم النفس يفسر ذلك على أنه آلية دفاعية تُعرف بالإسقاط، حيث يُلقى جزء من المسؤولية على الطرف الآخر لتخفيف الشعور بالعبء أو الفشل، هذا الخطاب قد يعكس كذلك شعوراً بعدم التوازن في تقسيم المهام داخل الأسرة، حيث تحمل الأم العبء الأكبر من العناية اليومية بالأبناء وتنتظر من الأب أن يشارك بشكل أكبر عند ظهور التحديات.
على الجانب الآخر، عندما تقول الزوجة "أولادي" في لحظات الفخر أو الاعتزاز بإنجازات الأبناء فإنها تعبر عن ارتباط عاطفي عميق معهم وشعور بأنها المساهم الأكبر في تربيتهم ونجاحهم، هذه اللغة تتماشى مع ما يُعرف في علم النفس بنظرية الإنجاز الذاتي، التي تبرز كيف يرى الفرد إنجازات الآخرين، خاصة المقربين منه، كامتداد لجهوده الشخصية وهويته، هذا الفخر ينبع أيضاً من القرب اليومي والعاطفي الذي يربط الأم بالأبناء، وهو نتاج الدور التقليدي الذي يجعلها الأقرب إلى تفاصيل حياتهم.
على المستوى الاجتماعي، يعكس هذا الخطاب توزيع الأدوار داخل الأسرة كما تحدده الثقافة، كثير من المجتمعات تُعتبر الأم الحاضن العاطفي الأول للأبناء والمسؤولة عن تفاصيل حياتهم اليومية، بينما يُنظر إلى الأب كمصدر للسلطة والمسؤول عن توفير الموارد وحل الأزمات. لذلك، عندما تواجه الأم تحديات مع الأبناء، ترى في الأب شريكاً يتحمل المسؤولية عن الأزمات التي لا تستطيع السيطرة عليها بمفردها، مما يجعل عبارة "أولادك" أداة ضمنية لدعوته إلى التدخل. في المقابل، يُبرز استخدام "أولادي" في اللحظات الإيجابية شعوراً بأن الأم هي الأقدر على فهم الأبناء ورؤية جهودها في نجاحاتهم.
لكن الأثر الحقيقي لهذا الخطاب لا يتوقف عند الزوجين، بل يمتد ليطال الأبناء أنفسهم. اللغة التي يُخاطب بها الأبناء تؤثر بشكل كبير على تكوين شخصيتهم وشعورهم بالانتماء داخل الأسرة، فعندما يسمع الأبناء عبارة "أولادك" في سياقات سلبية قد يشعرون بأنهم عبء أو مصدر للمشكلات، مما يضعف ثقتهم بأنفسهم أو يعزز شعورهم بالانفصال عن أحد الوالدين. على النقيض، استخدام "أولادي" في سياقات إيجابية يعزز شعور الأبناء بالفخر والانتماء لكنه قد يُشعرهم أحياناً بأن العلاقة بينهم وبين الأب أقل قوة إذا لم يُظهر الأب نفس التقدير.
إن الخطاب الأبوي المتوازن يلعب دوراً محورياً في تعزيز استقرار الأسرة وبناء الثقة بين أفرادها، واستخدام لغة تشاركية مثل "أولادنا" يعكس إحساساً مشتركاً بالمسؤولية ويُظهر للأبناء أنهم ثمرة شراكة بين الوالدين، كما أن إظهار التقدير المتبادل بين الزوجين لجهود كل منهما في التربية يعزز روح التعاون ويُزيل أي شعور بالتنافس أو تحميل المسؤولية. من المهم أيضاً أن يتم التعامل مع المشكلات المتعلقة بالأبناء كقضايا مشتركة بعيداً عن إلقاء اللوم، ما يُظهر نموذجاً إيجابياً للأبناء حول كيفية حل المشكلات بطريقة بناءة.
الثقافة المجتمعية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل هذا الخطاب، حيث تحدد معايير الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة. في المجتمعات التي تتبنى نماذج تشاركية حديثة، يظهر خطاب أكثر توازناً بين الزوجين، بينما في الثقافات التقليدية قد يميل الخطاب إلى تقسيم الأدوار بشكل يبرز الفروقات بين الأب والأم، ولكن مع تطور المفاهيم الأسرية وتزايد الدعوات للمساواة في الأدوار، يمكن تعزيز خطاب أكثر تشاركية يعكس تغيرات إيجابية في بنية الأسرة.
في النهاية، حديث الزوجة مع الزوج حول الأبناء بين "أولادك" و"أولادي" ليس مجرد تفصيل يومي عابر، بل هو مرآة تعكس التفاعلات النفسية والاجتماعية داخل الأسرة، ومن خلال العمل على تطوير هذا الخطاب ليكون أكثر شمولية وتوازناً، يمكن تعزيز الروابط الأسرية وضمان بيئة إيجابية لنمو الأبناء.
الأبناء ليسوا مجرد مسؤولية فردية، بل هم ثمرة شراكة تحمل في طياتها تحديات وإنجازات مشتركة، والنجاح الحقيقي في التربية يتحقق عندما يشعر كل فرد في الأسرة، سواء كان أباً أو أماً أو ابناً، بأنه جزء من كيان واحد يُبنى على الحب والدعم والمسؤولية المشتركة.
ahmedalameri@live.com