د. محمد بن عوض المشيخي **
استخراج النفط ثم تصديره هو الطريق الأسهل لجني الإيرادات المالية الكبيرة في منطقتنا؛ إذ وجدت النظم الاقتصادية نفسها على بحيرات ما يُعرف بـ"الذهب الأسود" دون أي جهد يذكر في أي عملية إنتاجية أو اقتصادية، فقد وجدت شركات التنقيب عن النفط الغربية نفسها تعيش عصرها الذهبي من خلال تقاسمها هذه الثروة مع زعماء هذه الدول.
لعنة أو إدمان النفط من المفاهيم الاقتصادية الجديدة التي ظهرت في العقود الأخيرة، نتيجة إخفاق معظم الدول التي تعتمد في دخلها الريعي على صادرات النفط، في تأسيس قاعدة اقتصادية قوية ومتنوعة في مصادر الدخل القومي؛ مما ترتب على ذلك تعرضها للأزمات والنكسات عند نزول أسعار النفط. وتأتي في مقدمة هذه المنظومات دول منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، وذلك لفشل معظمها في استخدام إيرادات النفط التي تقدر بمليارات الدولارات خاصة في عقد التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة عندما وصل سعر برميل النفط إلى مستوى قياسي؛ إذ كانت الفرصة سانحة لهذه الدول للعمل على إيجاد مصادر دخل بديلة للنفط، وذلك بإقامة صناعات وطنية ترفد الأسواق المحلية بما تحتاجه، بدلًا من الاستيراد من الخارج، وكذلك الاستثمار في القطاعات الواعدة، مثل: السياحة والزراعة والثروة السمكية. لكن على عكس ذلك، اتجهت هذه الدول- خاصة الخليجية منها- إلى استثمار مئات المليارات في السندات وكذلك الإيداع في البنوك الغربية.
ومن المفارقات العجيبة أن الدول ذات النظام الجمهوري المعروفة بالاقتصاد النفطي يعاني مواطنوها الأمرين بسبب الفقر، فتجدهم هائمون في اصقاع الارض يبحثون عن لقمة العيش، على الرغم من الثروات الطائلة التي تم جنيها من النفط والغاز في تلك الجمهوريات؛ إذ تبددت هذه الاموال في النزاعات الخارجية والداخلية، وكذلك طالها الفساد المالي من بعض المتنفذين.
كما كان الغائب الأبرز هو الاهتمام الحقيقي بالعقول وتنمية الموارد البشرية في هذه الدول النفطية، فقد أرسلت أبناءها للدراسة في أعرق الجامعات في الغرب والشرق في بداية عهدها ببيع النفط، ولكن عند رجوع هذه النخب، لم يوضع أغلبهم في مواقعهم الصحيحة، وذلك لعدم وجود خطط وطنية تحتضن هذه الكفاءات وتضعها في المكان الذي يليق بها.
صحيحٌ أن دول الخليج العربية استفادت في تحرير شعوبها من الأمية ونشر التعليم العام في كل قرية ومدينة بنجاح، باستخدامها إيرادات النفط في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ثم اتجهت لتأسيس الجامعات؛ حيث تخرجت فيها أعداد كبيرة من حملة الشهادات الجامعية والعليا في مختلف التخصصات العلمية والأدبية، ولكن مع مرور السنوات أصبح الكثير هذه المخرجات يبحثون عن عمل ولا يجدونه؛ فالفشل كان حليف القائمين على توظيف المخرجات في إقناع أصحاب الشركات الكبيرة التي يسيطر عليها الوافدون، فكان من المفترض والأجدر بصناع القرار في هذه الدول التنسيق بين وزارتي التعليم العالي والعمل لتخريج كوادر بشروط المتعنتين في قطاع الأعمال الذي يعج بعدد من الرؤساء التنفيذين يوازي أعداد الباحثين عن عمل في هذه الدول. كما كان هناك اخفاق واضح في إعداد جيل من المتعلمين، لرفد السوق بابتكارات وبراءات اختراع في المصانع والحاضنات التي تفتقد لمثل تلك الكوادر، على أن توفر الجهات التي تُموّل هذه الأفكار وتحولها إلى مشاريع إنتاجية لرفد الاقتصاد الوطني بمصادر بديلة عن النفط، وهو ما يعرف باقتصاد المعرفة الذي جعل من دول مثل الصين واليابان وسنغافورة في مقدمة دول العالم من حيث الدخل القومي والرخاء الاقتصادي. غير أن الواقع المُر في هذه المؤسسات التعليمية، أنها لم توفق بعد في إيجاد كوادر تواكب متطلبات السوق، والسبب في ذلك التخطيط العشوائي من جانب القائمين على صنع القرارات في وزارتي التعليم العالي والعمل في الدول المُدمنة للنفط، وكذلك وجود سبب آخر يتمثل في تفضيل الأجانب على المواطن في الشركات العائلية في بعض الدول.
لا شك أن تجربة مملكة النرويج فريدة من نوعها في العالم، فقد قررت الحكومة اتباع سياسة مغايرة لما هو متبع في الدول التي تعاني من لعنة النفط؛ حيث تتمثل هذه التجربة بتحويل 96% من إيرادات النفط للصندوق السيادي للأجيال المستقبلية في هذا البلد الذي يقع شمال أوروبا، فقد وصلت أصول الصندوق النرويجي 1.6 تريليون دولار في 2022، ليكون أكبر صندوق سيادي في العالم متجاوزًا الصين التي حلّت في المركز الثاني من حيث حجم الأصول.
عُمانيًا.. أدرك صناع القرار في السلطنة، خطورة الاعتماد على مصدر دخل أحادي قابل للنضوب منذ فترة مبكرة لكون هذه السلعة عرضة للأزمات السياسية والاقتصادية؛ بل والتوترات السياسية والعسكرية في المنطقة. لذا كانت هناك محاولات جادة لتنويع مصادر الدخل منذ العقد الأول للنهضة العُمانية، ثم تبلورت هذه الأفكار بظهور رؤية "عُمان 2020" وكان الهدف الأساسي لتلك الرؤية تنويع مصادر الدخل القومي، وتقليل الاعتماد على النفط بشكل جرئي بحلول 2020. وعلى الرغم من ذلك، هناك شبه إجماع بين معظم العُمانيين على أن تلك الرؤية لم تحقق الكثير من أهدافها، والسبب الحقيقي في ذلك يعود إلى الظروف والأقدار التي أزاحت الذين وضعوا وأسسوا لتلك الرؤية من الساحة الاقتصادية؛ فهناك من غيّبه الموت، بينما البعض خرجوا من عضوية مجلس الوزراء. وهُنا قلَّ الحماس لمتابعة وتنفيذ الخطة من الذين تولوا المتابعة والتنفيذ، فقد جَرَت العادة في دول العالم النامي عدم الحماس للمشاريع والخطط التي وضعها أشخاص رحلوا عن مناصبهم!
يراودني أمل كبير، وأنا أكتب هذه السطور أن يتحقق لنا النجاح هذه المرة، وقد قطعنا 3 سنوات من عمر الرؤية المستقبلية الجديدة "عُمان 2040"، والتي من المتوقع أن يُسهم قطاع النفط فيها بـ7% من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة فقط بنهاية الخطة، وعليه نقترح أن يشترك في تنفيذ هذه الخطة علماء متمرسون من خارج الفريق الحكومي، فلا خيارَ آخرَ أمامنا غير نجاح هذه الرؤية الطموحة التي ينتظرها كل عُماني؛ لتكون بمثابة طوق النجاة من تحديات المعيشة وقلة فرص العمل في هذا البلد العزيز.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
يديعوت: هذه هي الملفات التي سيناقشها نتنياهو مع ترامب
من المتوقع أن يغادر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد المقبل في زيارة سياسية إلى الولايات المتحدة، حيث ستكون النقطة الأهم فيها هي لقاء شخصي مع الرئيس دونالد ترامب.
وجاء في تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أعده مراسلها السيسي إيتمار آيخنر، أنه وفي هذا اللقاء المرتقب "سيحاول الزعيمان وضع سياسة مشتركة بشأن العديد من المواضيع، بما في ذلك إيران ومستقبل قطاع غزة".
وذكر التقرير أنه "في إسرائيل يُعطى هذا الاجتماع أهمية كبيرة ويُنظر إليه كفرصة لصياغة سياسة تجاه المنطقة، حيث أن ترامب على الرغم من أن له غريزته الخاصة ويتحدث عن الشرق الأوسط قبل توليه المنصب وبعده، إلا أن العديد من القرارات لم تُتخذ بعد في إدارته، لذلك، يأمل نتنياهو أن يتمكن من التأثير على صياغة سياسة ترامب خلال الاجتماع".
وأوضح أن "الموضوع الأول من حيث الأهمية بالنسبة لإسرائيل هو التهديد الوجودي من إيران، بينما بالنسبة لترامب، فإن القضية الإيرانية تُدرج ضمن الهيكلية الإقليمية، وفي الوقت نفسه، تعتبر وضعية طهران وأوضاعها مهمة أيضًا بالنسبة لدول أخرى في الشرق الأوسط، مثل السعودية والإمارات والبحرين، ولدى الولايات المتحدة التزامات بشأن هذه القضية لا تتعلق فقط بإسرائيل".
ويذكر أن "إسرائيل" ترغب في رؤية عقوبات أمريكية قاسية ضد إيران، مع وجود خيار عسكري موثوق.
خلال ولايته السابقة، فرض ترامب عقوبات صارمة على إيران، ولكن لم يُقِم تهديدا عسكريا موازيا، في الوقت نفسه، الرسالة التي أرسلها ترامب هي أن طهران لن تحصل على قنبلة نووية، والنقاش يدور حول كيفية ضمان تحقيق هذا الهدف.
وأكد التقرير إنه "من غير المتوقع أن يبدأ ترامب في القيام بعمل عسكري ضد إيران، لأنه في رؤيته لا يريد فتح حروب وإيران ليست حربه، لكنه بالتأكيد يمكنه مساعدتهم في حروب الآخرين، وبذلك يحرر ترامب نفسه من التناقض بين الرغبة في أن يكون صانع سلام وقدرته على مساعدة إسرائيل في الفوز في حروبها".
وأضاف أنه "في إسرائيل، يتوقعون سماع خطط ترامب بشأن القضية الإيرانية، وهل ينوي الدخول في حوار دبلوماسي معهم في محاولة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، والقضية الإيرانية مرتبطة أيضًا بخطط ترامب بشأن السعودية، وفقًا لرغبة الأمريكيين في توسيع اتفاقات أبراهام، ومندوب ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، زار السعودية هذا الأسبوع، بعد أسبوع من تنصيبه".
وأشار التقرير إلى أن "الموضوع المركزي الآخر الذي سيُطرح هو الأسرى ومستقبل قطاع غزة، إذ يُعتبرون قضية ملحة، مقارنة برؤية عامة حول غزة، لأنه من الواضح للجميع أن قضية القطاع لن تُحل في غضون 19 يومًا، وهي الفترة المخصصة للمفاوضات حول المرحلة الثانية من صفقة الأسرى، من اليوم الـ16 حتى اليوم الـ35 من قرار وقف إطلاق النار، وحتى ويتكوف لم يحدد موقفه بعد بشأن الموضوع، ويكرر الأمريكيون موقفهم بأنه يجب التأكد من أن غزة لن تكون ملاذًا آمنًا للإرهابيين، في ظل الحاجة الملحة لإنقاذ جميع الأسرى".
من المتوقع أن يحاول ترامب ونتنياهو التوصل إلى تفاهم حول التوتر بين الموضوعين خلال اجتماعهما.
ويذكر أن الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، والرئيس الجديد ترامب تعهدا أمام نتنياهو (شفهيًا وكتابيًا) أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن استمرار صفقة الأسرى، فلن تُعتبر العودة إلى القتال انتهاكًا للاتفاق.
ومع ذلك، من الواضح لجميع الأطراف أن الموضوع أكثر تعقيدًا: الأمريكيون منشغلون ببناء أعمدة السياسة الاستراتيجية، حيث أن كل قضية تتداخل مع الأخرى، ويريد ترامب التحدث مع نتنياهو بشأن الأمور لتشكيل السياسة العامة، ومن المحتمل جدا أن يطلب منه عدم العودة إلى القتال، على الأقل لفترة زمنية معينة.
وأكد التقرير "في إسرائيل تفاجأوا جدًا من تصريحات ترامب حول إمكانية نقل نصف سكان غزة إلى الأردن أو مصر لإعادة إعمار القطاع، ولم تتم مناقشة هذا السيناريو بجدية في إسرائيل، وليس من الواضح مدى إيمان ترامب بأن هذه الخيار واقعي، وربما هو يطلق بالون اختبار ليرى ردود الفعل على الفكرة، والتي قوبلت في العالم العربي والإسلامي ببرود شديد حتى الآن، بينما يعتزم ترامب مناقشة موضوع ما بعد القتال مع نتنياهو، ومن المتوقع أن يسأله بشكل صريح: "ما هي خططك؟".
وأضاف التقرير "أوضح السعوديون لإسرائيل أنهم لن يتمكنوا من المضي قدمًا في التطبيع دون وقف إطلاق النار، والآن بعد أن تم التوصل إلى وقف إطلاق نار هش، سيكون السعوديون في موقف صعب إذا عادت إسرائيل إلى القتال، وسط توقعات إسرائيلية من ترامب تحرك وفريقه حول وضع الموضوع السعودي بالتحديد، بينما يعتقد كبار المسؤولين في إسرائيل أنه قد يكون من الصعب إغلاق التطبيع قبل إتمام المرحلة الأولى من الصفقة".
ومن المتوقع أن يناقش ترامب ونتنياهو أيضًا أوامر الاعتقال الصادرة ضده وضد وزير الحرب السابق، يوآف غالانت، من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وكذلك فرض العقوبات على المدعي العام، كريم خان، وأعضاء فريقه.
وسيناقش الطرفان أيضا استمرار نقل الأسلحة من الولايات المتحدة إلى "إسرائيل"، ووقف إطلاق النار في لبنان، وكذلك الحكومة الجديدة في سوريا.