قلوبنا مع إخواننا المستضعفين في غزة
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
حمد الحضرمي **
الحرب الوحشية والاعتداء الغاشم والظلم والاضطهاد الذي يتعرض له إخواننا وأهلنا في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م، من الصهاينة المعتدين قد تجاوز الحدود، وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان لارتكاب مجازر بشعة ضد الإنسانية؛ حيث شنَّ الصهاينة على قطاع غزة حرباً صليبية شعواء، وارتكبوا فيها جرائم حرب وإبادة جماعية قضت على الأخضر واليابس، فقتل الآلاف من الأبرياء المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، وتم تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد، دون أي اعتبار للقيم والأخلاق الإنسانية والأنظمة والقوانين والمواثيق الدولية.
وتمَّ تدمير قطاعات المياه والكهرباء والوقود والاتصالات، ومنع دخول المساعدات الإنسانية لتجويع وقتل أهل غزة، وقصفت المستشفيات وسيارات الإسعاف، فمات المرضى والأطفال بسبب استحالة علاجهم لسوء الأوضاع الصحية، وتم اغتصاب عشرات النساء وتعذيب وسجن وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين بأسلوب صهيوني ممنهج من المعاملة المجرمة، واستخدام أسلحة ممنوعة ومحرمة دوليًا، دون حسيب أو رقيب أو تدخل من المؤسسات والمنظمات الحقوقية، وفي صمت دولي وخذلان عربي.
إنَّ ما يحدث على أرض غزة من جرائم ليس لها مثيل في التاريخ الحديث، فقد اتحدت قوى الشر مع الصهاينة بكل قدراتهم وإمكانياتهم المادية والعسكرية ضد فئة قليلة محاصرة من كل الجهات منذ عشرين سنة، والصهاينة يفعلون الأفاعيل دون توقف وبلا رحمة ولا شفقة في قلوبهم المريضة القاسية، وقد آن الأوان أن تتوقف هذه الحرب الظالمة لغايات إنسانية على أقل تقدير، حتى يتم رفع المعاناة عن إخواننا وأهلنا في غزة، الذين أصبحوا يعيشون في أوضاع إنسانية صعبة ومؤلمة، ورغم شدة المعاناة تجدهم في صبر وثبات وإيمان راسخ، وقدموا وما زالوا يقدمون تضحيات كبيرة لأجل الدفاع عن الوطن والمقدسات، ليعيشوا في وطنهم بعزة وكرامة.
ويتوجب علينا واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا وشرعيًا نصرة إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين، نظرًا للظروف القاسية التي تمر عليهم من قصف متواصل وقتل للمدنيين الأبرياء وهدم البيوت على ساكنيها وسلب أراضيهم وتهجيرهم من وطنهم، فقد ضاقت الدنيا عليهم بما رحبت، وتكالبت عليهم قوى الظلم وانتهكت حرماتهم وأعراضهم واستبيحت دماؤهم وأموالهم وقتل أطفالهم ونسائهم بدم بارد من الصهاينة المعتدين الظالمين، فيتوجب علينا نصرتهم ومساندتهم وعدم التخلي عنهم، وإننا على يقين بأن الله العظيم سينصر عباده المؤمنين المظلومين والنصر سيتحقق لا محالة، لأن نصر الله لأوليائه سنة ثابتة لا تتغير، فكم من قرية ظالمة اهلكها الله بعزته وقدرته وجبروته.
وامتثالًا لقيم التضامن والتراحم والنجدة وإغاثة الملهوف والجهاد بأنواعه، فإننا نناشد الأمة العربية والإسلامية بضرورة استنهاض هممها وتوحيد صفوفها وطاقاتها ومساعدة ومساندة إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين الذين يطلبون منَّا العون والنصرة، فعلينا الوقوف بجانبهم وعدم التخلي عنهم، ومد يد العون للمقاومة الفلسطينية ماديًا ومعنويًا وإعلاميًا لتثبيت أقدامهم ونصرتهم على عدوهم دفاعًا عن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين
لقد مرت أيام العيد على أغلبنا بفرحة ناقصة وحزن وألم يعتصر قلوبنا لما يتعرض له أهلنا في غزة من ويلات الحرب والدمار والخراب، فقد سرق الصهاينة فرحة العيد من أطفال غزة ومن الأسر والعائلات، وقد عايشنا نحن هذه الأوضاع المُؤلمة بحزن وألم كبير، فكيف عاش أهل غزة هذه الأيام وكيف يفرحون بالعيد، وهم لديهم في كل بيت قتيل أو جريح، يعيشون بين الركام بلا مأوى ولا طعام ولا شراب ولا دواء ولا علاج، وقد تشتت الأسر والعائلات، ولم يسلم من الآلة العسكرية الصهيونية الوحشية لا بشر ولا شجر ولا حجر، وما زالت بعض جثث الأبرياء تحت الأنقاض، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر رحمة ربه تنزل عليه.
إنَّ هذه الحرب حرب عمياء لم ترحم الصغير ولا الكبير، وقد سجل التاريخ هذا الظلم والعدوان والمجازر الدموية في صفحاته، وسيأتي يوم القصاص العادل عاجلًا أم أجلًا، والذي سينصف الله المظلوم من الظالم، ويرجع له حقوقه كاملة غير منقوصة، والله يمهل ولا يهمل. وسيبقى أهل غزة المجاهدون الأحرار الصامدون أبطال يفتخر بهم كل إنسان حر شريف، لأنهم واجهوا العدو الصهيوني بكل شجاعة وفداء، وصبروا على الشدائد وقاوموا المحتل المعتدي بكل قوة وإيمان وبسالة، وستبقى دماء الشهداء منارة في طريق النصر والتحرير والخلاص من الصهاينة المجرمين المعتدين المحتلين.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإعلام والحرب: “الرسالة دي للقائد الأمير حميدتي حفظه الله وصولها ليهو” (2-2)
لم ينجح إعلامنا في بناء رسالة ملحاحة للعالم في لغاته تحمله على الاقتناع بأن “الدعم السريع” منظمة إرهابية حقاً بينما حقيقة إرهابها هي كل ما في جعبتها.
أثار تعيين إعلاميين في كل من سفارة السودان في القاهرة وأديس أبابا مسألة الإعلام في الحرب من أكأب زواياها وهي فقه الوظيفة لا رسالتها. ومن بين رسائل الإعلام دعوة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة تصويب الجهود السياسة والإعلامية ليرى العالم قوات الدعم السريع كما هي في حقيقتها: طاقة إرهابية لا جيشاً في مقابل القوات المسلحة كما طرأ لمجتمع دولي كسير ذابل.
ونواصل حديث الأمس:
من جهة أخرى ليست الحرب القائمة في السودان حرباً لمن أراد الاحتكام إلى قانون الحرب. فقام هذا القانون على افتراض أن الحرب مما يقع بين قوتين عسكريتين، وشدد على المهنية لأنها مدار تقليل فداحة الحرب لا على المدنيين كما ينبغي وحسب، بل حتى على العسكريين أيضاً. فيحكم القانون ضرب حتى الهدف العسكري، ناهيك بالمدني، بضوابط معروفة بالتناسب، فعلى القوة التي انتخبت هدفاً عسكرياً لضربه أن تحسب بدقة قوة النيران الكافية لغرضها لتصيبه بلا تفريط يتعدى الأثر إلى غيره. ويريد القانون بالتناسب أن تصيب هدفك لغرض ساعتك بلا زيادة. وشرط إحسان التناسب هو المهنية. فالقانون يطلبها نصاً بقوله إن على المتحاربين أن يكونوا على قدر كبير من التدريب في الفن العسكري ليحسنوا إدارة عملية ضرب الأهداف بتناسب. وينوه بأن تتمتع الأطراف المتحاربة باستخبارات ذكية تقع على الهدف العسكري بمهنية لا رجماً. بل شدد القانون على هذا التدريب نفسه ليحول دون السرقة والنهب في الحرب، فما وقع النهب والسلب، في قول التقرير، حتى دل ذلك على بؤس في تدريب القوة العسكرية المعنية وضعف قادتها الذين ينتهزون سانحة الفوضى العاقبة للمعارك فتمتد يدهم إلى أشياء من لا حول لهم لردهم.
فلم نرَ هذه المهنية في “الدعم” لنعدهم قوة محاربة ينطبق عليها قانون الحرب، فأول ما ينقصه هو سلسلة القيادة التي تضبط إدارته، ويشاهد السودانيون منذ الحرب فيديوهات فيها بيان كافٍ عن انحلال تلك السلسلة، ولكنهم يصرفونها كـ”هرج جاهلين” بينما هي بينة مرموقة على الطبيعة المليشياوية لـ”الدعم السريع”.
فيظهر أي جندي منهم بحديث مباشر للقائد محمد حمدان دقلو يبثه شكواه واحتجاجه، بل وخطته المثلى لإدارة الحرب. فتسمع ممن يريده تغيير وجهة الحرب من الخرطوم إلى ولاية النيل والشمالية، أو من يبث شكواه عن إهمالهم حتى إنهم يعالجون جرحاهم من المعارك على حسابهم. ويشتكي آخر في معركة الخرطوم أن عربات السلاح لم تدخل المعركة لأنها بطرف قادتهم الذين هم بين أزواجهم في دور غيرهم. بل اشتكى أحدهم للقائد حميدتي من سوء توزيع العربات القتالية. فهي في قوله راكزة في الصحراء بكبار القادة يسفيها الرمل بينما كانت الحاجة إليها ماسة في الخرطوم. وكان من رأيه أن تكون في طريقها لاحتلال بورتسودان مقر حكومة الفلول بدلاً من ضلالها عن الحرب في الخلاء، بل زاد قائلاً إن هذه الحرب في “دار صباح” (وهي لغة في الشرق عند أهل الغرب في السودان) داخلتها “ملعوبية” من الفلول الكيزان.
وجاء آخر بفيديو غاضب موجه للقائد دقلو إثر هزيمة قواتهم من الخرطوم. قال إنهم لم يجدوا معهم في ميدان القتال سوى لواءين بالاسم، أما الآخرون فغابوا بسياراتهم والذخائر التي نفدت بين أيديهم ولم يجدوا مدداً. وقال لحميدتي إنه قائم بالأمر كما ينبغي ولو نقصت فالكمال لله، وقال إنهم لم يجدوا من يمدهم بالسلاح أو الذخيرة في حر المعركة، ولم يشوش أحد على مسيرات الجيش التي قرضت الناس، واشتكى غياب السيارات ذات المدافع عن المعركة لأنها بيد قادة فضلوا أن يلازموا بيوتهم الجديدة في حي المنشية الراقي بالخرطوم.
وتجد في هذه الفيديوهات من يعبر عن قبيلته صريحاً مقابل قبيلة أخرى وبخاصة ما كان بين قبيلة المسيرية (كردفان) والماهرية (دارفور)، فقال أحدهم إنه من الفرقة 40، فرقة الجنرال جلحة، الذي كانت قتلته القوات المسلحة قبل شهرين أو نحوه، وهي فرقة مسيرية خالصة. وبدا أن المتهمين بالاستفراد بالسيارات هم من الماهرية. فقال الدعامي المسيري إن هذه السيارات للدواس ولا سبب لتكون في غير ميدانها الذي راح ضحيته منهم بالنتيجة 52 قتيلاً. وجاء بأسماء قادتهم ممن لقوا حتفهم. وقال إنهم لم ينسحبوا من كوبري المنشية بالخرطوم إلا بعد إطلاق آخر رصاصة بجعبتهم. ولم يتورع من القول إن هزيمتهم ثمرة خيانة. فوراؤها “لعبة” بينما هم أهل قضية.
وفي إشارة إلى استقلالهم كمسيرية في “الدعم السريع” قال إن فرقتهم خسرت سبع عربات في المعركة وهي ملك للفرقة 40 لا لـ”الدعم السريع”. وبدا للرجل كأن القتال صار على مثلهم لا غيرهم، وبدا كمن يقول إن شعب المسيرية هو من وقع عليه القتال بينما توارى آخرون، وربما قصد جماعة الماهرية الذين هم من خاصة أهل حميدتي. وتكررت الشكوى من اعتزالهم القتال وتمتعهم بما وقع لهم من حظ منه.
من الصعب بالطبع وصف هذه العلاقة بين الجند الدعامة والقيادة بأنها مما يستأهل به “الدعم السريع” أن يكون قوة عسكرية مما رأينا اشتراطاتها في قانون الحرب. فليس بينهم وبين قيادتهم “ضبط وربط” الذي هو ميسم المهنية. فبدا أن لكل دعامي خطة الحرب غير ما اتفق لقيادته، بل ويطلق الواحد منهم لسانه على الملأ عن “ملعوبية” في الحرب أوردتهم موارد التهلكة. وعلى هذا فالقول إن حرب السودان هي بين قوتين عسكريتين من فضول القول، فبنية “الدعم السريع” خلت من النظامية والمهنية، وبدت كطاقة إرهابية فقط.
مما يسعد أن يستعيد الإعلام موقعين في سفارتين مركزيتين للسودان في القاهرة وأديس أبابا. وليس بشارة أن غلب فقه الوظيفة في تناول هذا التعيين على فقه وظيفة الإعلام لدولة تخوض حرب موت أو حياة في عالم ذابل. ولا من يغالط أن إعلام الحكومة لم ينم تقليداً في المبادأة والطلاقة لأنه ربيب نظم حكم ديكتاتورية طال أمدها. فصار بها بوقاً لحكومة الوقت. واحتاجت حكومة الوقت في يومنا، وفي شرط الحرب، كما لم تحتج حكومة قبلها إلى إعلام بلا ضفاف لإذاعة قضيتها في الحرب برصانة. وسيحتاج إعلامها بهذا إلى الاشتباك مع العالم في منصاته ومعارفه وأعرافه بسرديات مخدومة يخرج به سيفاً لدولة لا بوقاً:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتساب