أخبارنا:
2025-01-08@22:33:35 GMT

الاستقامة على الطاعة بعد رمضان..

تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT

الاستقامة على الطاعة بعد رمضان..

جاء رمضان... وبسرعة ذهب رمضان.

وكان ولابد أن يأتي هذا السؤال، وهو ماذا يجب علينا بعد رمضان، بل وبعد كل موسم من مواسم الطاعة؟

ماذا بعد شهر الجد والاجتهاد والتشمير، بعد أن كان القرآن حياتنا، والصلاة والوقوف بين يدي الله لذتنا، وذكر الله غذاءنا؟

ماذا بعد الصيام والقيام والذِكْر والطاعات والدعوات والصدقات وقراءة القرآن وفعل الخيرات؟

ثم استقاموا

إنها الاستقامة.

. إنها العلاج، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}(فصلت:30).

أن تعتصم بالسير على الطريق، وأن لا تحيد عنه.

قال أبو بكر رضي الله عنه: "استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً".

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لم يروغوا روغان الثعالب".

فيحاول العبد أن يستقيم على طاعاته بعد رمضان، وألا ينقطع عنها كليا.

أسباب معينة

فالاستقامة هي الحل وهي السبيل، وهذه الاستقامة لا تتأتى بالأماني، وإنما لها شرائط وأسباب.. منها:

أولا: الاستعانة بالله:

أن تعلم أن الذي أقامك لعبادته في رمضان هو الله، وهو وحده القادر على أن يعينك على المداومة والاستمرارية فليست الاستقامة قوة منك ولا قدرة فيك، ولا فتوة في جنابك، وإنما هي محض منة الله وفضله أن يوفق عباده للطاعة ثم يتقبلها منهم، وهذا الاعتراف منك هو بداية الاستقامة. أما الناظر إلى عمله المحسن الظن بنفسه الذي يظن أن عبادته إنما هي بقدرته وقوته؛ فهذا يكله الله إلى نفسه، ومن وكله الله لنفسه هلك، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا) رواه أبو داود.

ثانيا: المجاهدة:

أن تعلم أن الاستقامة لا تتحصل بالهجوع في المضاجع، ولا بالاستمتاع بكل ما لذَّ وطاب من الشهوات والملذات، بل تتأتى بالمجاهدة والمثابرة والمصابرة.. مجاهدة للنفس، والهوى، والشيطان، ومثابرة على فعل المأمورات والإكثار من الطاعات، ومصابرة عن الشهوات والمنهيات، حتى تأتي بأمر الله على تمامه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت:69)، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}(السجدة:24).

قيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: إذا وضع قدمه في الجنة.

وقال الشافعي: لا ينبغي للرجل ذي المروءة أن يجد طعم الراحة، فإنما هو في هذه الحياة الدنيا في نَصَبٍ حتى يلقى الله.

إن الله لا يَمُنُّ عليك بالاستقامة ويذيقك لذتها ويعطيك ثوابها، إلا إذا ثابرت عليها وعملت لها ودعوت الناس إليها، وجاهدت حتى تصل إليها.

ثالثا: رفقة أهلها:

وهذا من أكبر العون عليها، ومن أعظم أسباب الثبات عليها، وقد قال جعفر بن محمد: "كنتُ إذا أصابتني فترة جئت فنظرت في وجه محمد بن واسع، فأعمل بها أسبوع ".. وإنما سهلت الطاعة في رمضان لكثرة الطائعين، ووجود القدوات ييسر الأعمال، وإنما الوحشة في التفرد والغفلة تركب الواحد وهي من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

علامات القبول:

إن من علامات قبول الطاعةِ الطاعة بعدها، فعلينا مواصلة الطاعات ومتابعة القربات، ولا يكن آخر العهد بالقرآن ختمة رمضان، ولا بالقيام آخر ليلة من لياليه، ولا بالبر والجود آخر يوم فيه.. وإذا كان رمضان قد انقضى فإن الصيام والقيام وتلاوة القرآن والعبادة والطاعة لم تنقض.. ومَنْ كان يعبد رمضان فإنه ينقضي ويفوت، ومَنْ كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.. وبئس العبد عبد لا يعرف ربه إلا في رمضان.

ولقد حذرنا الله تعالى أن نكون مثل بلعام بن باعوراء عالِم بني إسرائيل الذي أذاقة الله حلاوة الإيمان وآتاه أياته، ثم انقلب على عقبيه واشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، وانسلخ من آيات الله كما تنسلخ الحية من جلدها: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ}(الأعراف:175).

وحذَّرنا ربنا سبحانه أن نكون مثل "ريطة بنت سعد" امرأة مجنونة كانت بمكة، كانت تغزل طول يومها غزلاً قويًا محكما ثم آخر النهار تنقضه أنكاثا، أي: تفسده بعد إحكامه، فقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}(النحل:92).

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الطاعة بعد التعود عليها فقال لعبد الله بن عمرو: (يا عبْد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل). وسئلت عائشة رضي الله عنها عن عمله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان عمله ديمة) متفق عليه.. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل) رواه مسلم.

وهذه التحذيرات القرآنية تنطبق على من ذاق حلاوة طاعة الله تعالى في رمضان، فحافظ فيه على الواجبات وترك فيه المحرمات، حتى إذا انقضى الشهر المبارك انسلخ من آيات الله، ونقض غزله من بعد قوة أنكاثا.

وعلى الذين كانوا يحافظون على الصلاة فلما انقضى رمضان أضاعوها واتبعوا الشهوات.

وعلى الذين كانوا يجتنبون شرب المحرمات ومشاهدة المنكرات وسماع الأغنيات فلما غاب رمضان عادوا إليها.

وعلى الذين كانوا يعمرون المساجد ويداومون على قراءة القرآن فلما مضى رمضان هجروا المساجد وهجروا القرآن.

وقد قال أهل العلم إن من أعظم علامات الرد وعدم القبول عودة المرء إلى قبيح الأعمال بمجرد انتهاء زمان الطاعة .. نعوذ بالله من الخذلان.

عبادة حتى الموت

لقد علمنا ديننا أن العبادة لا تنقطع ولا تنقضي بانتهاء مواسمها.. فما يكاد ينتهي موسم إلا فتح الله لنا موسما آخر .. فبمجرد انتهاء آخر ليلة من رمضان بدأت بشائر موسم الحج، وهو الأشهر المعلومات في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات}(البقرة:197) .. وأولها باتفاق أهل العلم هو بداية شهر شوال.

وسنَّ لنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال كما جاء في صحيح مسلم عن أبي أيوب قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر). وليس لانقضاء العبادة غاية إلى الموت كما قال تعالى لنبيه: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}(الحجر:99).

اللهم إنا نسألك يا أكرم الأكرمين، كما مننتَ علينا بالطاعة في رمضان، أن تمن علينا بها بعد رمضان.. وكما وفقتنا للقرآن في رمضان أن توفقنا له بعد رمضان. وكما وفقتنا للقيام في رمضان، أن توفقنا له بعد رمضان. آمين.

عن اسلام ويب

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم بعد رمضان فی رمضان

إقرأ أيضاً:

د. محمد حسن معاذ يكتب: استقرار الأسرة أساس لبناء المجتمع في فكر الإمام محمد زكي إبراهيم

الحمد لله الغفور، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على سيدنا محمد نور النور، وبعدُ:
فإن الأمة الإسلامية أنتجت أئمةً فُضلاء وسادةً أتقياء، كان لهم الأثر في الحياة العامة والعالم الإسلامي بأسره، حملوا على عاتقهم نشر الرسالة المحمدية والطريقة النبوية بعد تهذيب نفوسهم وتربيتها بالآداب السّنيَّة، وكان من هؤلاء المربي العابد والصوفي الزاهد والمصلح والمفكر الرائد الإمام محمد زكي إبراهيم؛ أحد رموز الإصلاح في عصرنا الحديث، الذي لم يكتفِ بدراسة العلوم نقليِّها وعقليِّها فحسب، بل نزعت نفسه إلى التطلع حوله ومعايشة مشاكل بيئته والنظر إليها بعين فاحصة ناقدة؛ لتقديم رؤية عميقة للمجتمع الإنساني من منطلق ما درَسه ودرَّسه من ثوابت شرعية قررتها الشريعة الإسلامية وأحكامها المختلفة، هدف من هذه الرؤية إلى إقامة ذلك المجتمع على أساس ربَّاني شِيَمه الإصلاح والصلاح والرُّقي والتقدم والفلاح.
ومن الجوانب التي اعتنى بها لبناء المجتمع جانب الأسرة التي هي قوام المجتمع وأساسه المتين، حاثًّا على تماسكها وترابطها وقيام كل فرد من أفرادها بدوره الذي يتلاءم وطبيعته الجبليَّة التي جبله الله تعالى عليها، فيذكر رحمه الله أن «الحياة الدنيا رجل وامرأة إذا تمَّت لهما معًا معاني الإنسانية الخاصة بكل نوع على حسبه، وما هو مخلوق من أجله، تمَّت هذه الحياة وبدت في صورتها التي خلقها الله عليها، كاملة في كل وجوهها، ماضية في طريقها، تؤدي مهمتها كما هي، وكما يجب أن تكون».
ويُعدُّ الإمام الرائد رحمه الله تعالى في نظرته للمجتمع كالطبيب الذي ينظر إلى الأمراض المستشرية من حوله أو تُعرض عليه؛ ليصف العلاج المناسب لتلك الأمراض المجتمعية، وكان من تلك الأمراض الحياة الزوجية وما يكون فيها من مشكلات قد تعصف بالمجتمع، لذلك تجده يقرر أن «الأمراض الزوجية التي هي علة العلل في حياتنا الاجتماعية».   
ومن منطلق هذه النظرة وضع الإمام الرائد رحمه الله تعالى أُسسًا ثابتةً لبناء حياة زوجية خالية من المشاكل شيمتها الألفة والمودة والتراحم والحب بين الزوجين الذي وصفه رحمه الله تعالى بأنه «سر من أسرار الغيب المعجِز، تنبني عليه دعامة الإنسانية من طرف وتنهدم من طرف آخر، وهو قوام العمران في الاجتماع العالمي». 
ومن الأسس التي ذكرها لبناء الأسرة التي هي أهم لبنات المجتمع الرباني: التسامح، والتعاون، وتقدير الواجب أو الوفاء، وزنة المناسبات بوضع الرجل الأمور في نصابها الموضوع له في معاملته مع زوجته وكذلك الزوجة.
ويؤكد رحمه الله تعالى على أن الحب بين الزوجين أحد أسس بناء الحياة الزوجية.
ومن مظاهر تأكيده على استقرار الأسرة اعتنى بشقها المسئول عن تربية أبنائها والقيام على خدمة أفرادها؛ فأفرد كتابًا في بيان مظاهر المجتمع النسائي والتي أبرزها الإسلام وقررها لها، ومن ذلك بيان صفة لبسها ومظهرها وزينتها وعملها وتعاملها مع الآخر ومكانتها وتربية البنات والأخوات وتحديد النسل وتنظيم الأسرة وخروج الرجال من الأهل والأجانب البيوت على النساء في غياب الأزواج، وأحكام الزواج والخطبة، والصبر على فقد الأولاد، وفضل المرأة الصالحة ومكانتها، ولا شك أن مثل هذه الأمور تجعل الزوجة والمرأة على قدر كبير من الوعي بأمورها العامة التي كفلها لها الدين الإسلامي، فتنشأ وتتربى على حفظ حقوق الآخرين من حولها سواء كان زوجًا أو أخًا أو صديقًا، ينتج عن ذلك كله حرصها على استقرار حياتها وأسرتها وسعادة من حولها، فتكون حياة زوجها وأبنائها قائمة السعادة والتعقل والتفهم، وهذه كلها عوامل الاستقرار والبناء. 
وكذلك نجد الإمام الرائد يتناول أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية، ولكنه قبل أن يبدأ سرد تلك الأحكام بيَّن حقيقة مهمة صدَّر بها كلامه هذه الحقيقة تتمثل في بيانه أن الشريعة الإسلامية لم ترغب في الطلاق أو حثت أحد الزوجين على طلبه واعتباره الحل الأوحد في حلول المشكلات الأسرية، واستدل على ذلك بالأحاديث النبوية التي تؤكد هذا المعنى؛ مبينًا أن الطلاق الحكمة من مشروعية الطلاق هو أن يكون حلًّا شرعيًّا عن استحكام الخلاف واستحالة الحياة بين الزوجين ولا سبيل للعيش والاستقرار إلا بالفرقة والابتعاد المتمثل في الطلاق، الأمر الذي يدل على حرصه على استقرار الأسرة وبقاء بنائها قائمًا على أساس متين بعيدًا عن الفرقة والتشرذم بين أفرادها.
وأرشد رحمه الله تعالى المرأة إلى أن رسالتها في الحياة تتمثل فيما بيَّنه لها الشرع الإسلامي، وما أرشدها إليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن تبعلها لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته؛ وذلك بحسن إدارتها لبيتها عقليا وعمليا وعاطفيا واقتصاديا ودينيا، وهذا كله يمثل رسالتها العائلية المقدسة.
وحرص الإمام الرائد رحمه الله على بيان الحقوق التي على أحد الزوجين تجاه الآخر؛ ليلتزمها كل واحد منهما مما يؤدي إلى الحفاظ على الأسرة وبنائها شامخًا دون مشكلات تقض هذا البناء وعليه يتزعزع المجتمع ويخرج عن كونه ربانيًّا، ومن الأحكام التي ذكرها وتتعلق بحقوق الزوجين: حق النفقة التي ألزمها الشرع على الرجل تجاه زوجته وأبنائه، بله جعلها أولى النفقات المفروضة على الرجل بعد نفقة نفسه.
وتعرَّض الإمام رحمه الله تعالى لأمر في غاية الأهمية من شأنه أن ينشر بين أفراد الأسرة الود والحب والألفة والتعاون بعيدًا عن الحقد والغيرة المذمومة وقسوة المشاعر، هذا الأمر هو العدل في الأسرة الإسلامية- كما عنون له رحمه الله تعالى-، مبينًا صور تلك العدالة داخل الأسرة الواحدة؛ فبدأ بالإشارة إلى المعاشرة بالمعروف بين الزوجين كما أمر بها القرآن الكريم، والتي تشتمل على كل قول وعمل يزيد المودة والرحمة، ثم عدد أشكال هذا المعروف فذكر الابتسامة والكلمة الرقيقة والتغاضي عن بعض الأخطاء اليسيرة والشورى والتعاون وغير ذلك. 
اتضح مما سبق حرص الإمام الرائد رحمه الله تعالى ترابط واستقرار الحياة الأسرية التي هي من أهم المكونات المجتمعية، والتي من خلال صلاحها واستقرارها يتطرق الصلاح والاستقرار إلى المجتمع بأسره؛ ليكون مجتمعًا ربانيًّا.

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: الدعاء مستحب وفيه تضرع واففتار العبد لله تعالى
  • مفهوم الصدقة الجارية ومصارف أنفاق الأموال
  • من فعل ذنوبا كثيرة في رجب.. فعليه بهذا الدعاء
  • معنوياتٌ عالية وهاماتٌ ثابتة
  • الإفتاء: إعطاء الصدقات لغير المسلمين من قبيل التعاون والاستباق في الخير
  • حكم صلاة الفريضة في الطائرة ومدى صحتها
  • بين الدين والعلم
  • د. محمد حسن معاذ يكتب: استقرار الأسرة أساس لبناء المجتمع في فكر الإمام محمد زكي إبراهيم
  • كيف يرفع الله البلاء سريعا؟.. بذكر واحد تبتعد عنك المصائب
  • ماذا يفعل الرسول قبل الفجر في رجب؟.. 7 أعمال ودعاء تبشر بمعجزة قريبة