يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاقه لذخائر الفسفور الأبيض، عبر الحدود على جنوب لبنان، على مدار الأشهر الستة الماضية، فيما يقول إن "استخدامه لهذا السلاح المثير للجدل ضد المسلحين في كل من غزة ولبنان أمر قانوني". 

وباعتباره غازا ساما، يضر العينين والرئتين ويمكن أن يسبب حروقا شديدة، تؤكد عدّة جماعات حقوق الإنسان على أنه يجب التحقيق في الأمر باعتباره جريمة حرب.

فيما يقول الأمريكيون إنّهم سوف يحققون في استخدام دولة الاحتلال الإسرائيلي للفسفور الأبيض في كلا البلدين.

رائحة الثوم
ويقول علي أحمد أبو سمرة، وهو مزارع يبلغ من العمر 48 عاماً من جنوب لبنان، إنه وجد نفسه محاطاً بسحابة كثيفة من الدخان الأبيض في 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، موضّحا: "إنه يحلق مثل الضباب الأبيض. ولكن عندما يصطدم بالأرض، يتحول إلى مسحوق".

ويتابع المتحدث نفسه، في حديثه لـ"بي بي سي عربية": "يقولون إنّ رائحته تشبه رائحة الثوم، لكنّها أسوأ من ذلك بكثير، كانت الرائحة لا تطاق. أسوأ من مياه الصرف الصحي"، هكذا وصف علي الهجوم بالفسفور الأبيض.

ويؤكد علي، المنحدر من قرية الظهيرة: "بدأت المياه تتدفق من أعيننا.. لولا أننا كنا نغطي أفواهنا وأنوفنا بقطع قماش مبللة، لما كنّا على قيد الحياة اليوم".

تجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، تصاعد العنف على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ما تسبّب في سقوط ضحايا من الجانبين وتشريد آلاف الأشخاص.

ويتفاعل الفوسفور الأبيض مع الأكسجين عندما يُطلقُ من قذيفته، لتكوين ستارة دخان سميكة، وهذا يوفر غطاءً فوريا تقريبا للقوات الموجودة على الأرض، ما يحجب الرؤية عن الأعداء. مما يُعتبر تكتيك عسكري وقانوني في ظل ظروف معينة، ومع ذلك، فإنّه بموجب القانون الدولي، تقع على عاتق جميع الأطراف مسؤولية حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.

وفي السياق نفسه، يقول الدكتور محمد مصطفى، إنه عالج العديد من المرضى الذين تعرضوا للفسفور الأبيض، حيث كانوا "يصلون وقد ظهرت عليهم علامات الاختناق الشديد، والتعرق الغزير والقيء المزمن وعدم انتظام ضربات القلب.. كانت تفوح منهم رائحة الثوم. وأكدت نتائج الدم تعرضهم للفسفور الأبيض".


من جهتها تقول منظمة العفو الدولية إن "الهجوم على قرية الظهيرة يجب التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب، لأنّه كان هجوما عشوائيا أدى إلى إصابة تسعة مدنيين على الأقل، وألحق أضرارا بأهداف مدنية، وبالتالي كان غير قانوني".

الفوسفور فوق قرية مأهولة
بدأت التقارير تظهر على الإنترنت، مباشرة بعد الهجوم على قرية علي (الظهيرة)، فيما نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي، في البداية، استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، لكنّه تراجع لاحقا واعترف باستخدامه ولكن "ضمن القوانين الدولية".

إلى ذلك تمكنت "بي بي سي" من التحقّق بشكل مستقل، بعد فحص جميع الأدلة المتاحة، من استخدام الفسفور الأبيض فوق الظهيرة، بالإضافة إلى ثلاث قرى أخرى على طول الحدود في الأشهر الستة الماضية.



وحصلت "بي بي سي" في قرية "كفر كلا"، على شظية قذيفة سقطت بين منزلين مدنيين، حيث أجرت عليها اختبارات كيميائية. أُجري التحليل من قبل أستاذ كيمياء شهير. ولدواع أمنية، طلب عدم الكشف عن هويته.

ويقول البروفيسور، وهو يرتدي قناع غاز ومعدات حماية شخصية كاملة، ويفحص عدة كتل لزجة داكنة على الحافة الداخلية للشظيّة المعدنية: "هذا جزء من قذيفة هاوتزر عيار 155 ملم، تشير العلامة M825A1 إلى أنها ذخيرة فوسفور أبيض، إنّها صناعة أمريكية".

وفيما يحمل ولاّعة حتى يصل إلى الكتل اللزجة، التي اشتعلت فيها النيران على الفور. يردف: "تخيل أنّك تحاول إزالة هذه المادة من ملابسك وهي تحترق وتلتصق بجلدك؛ إنّه حتى بعد مرور 30 يوما، لا يزال من الممكن أن تشتعل بقايا الفسفور الأبيض".


وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة بخصوص الأسلحة التقليدية، هناك قيود على الأسلحة المصممة في المقام الأول لإشعال الحرائق أو حرق الناس. ومع ذلك، فإن غالبية الدول، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي، تتفق على أنه إذا تم استخدام الفوسفور الأبيض في المقام الأول لخلق ستائر من الدخان، وليس الحرائق (حتى لو حدثت عرضيا)، فإن قانون الأسلحة الحارقة لا يعد ساريا.


ومع ذلك، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش لا توافق على هذا الرأي. وتقول إن هناك الكثير من "الثغرات" في اتفاقية الأسلحة التقليدية. فيما يقول رمزي قيس، وهو الباحث في هيومن رايتس ووتش "إن اتفاقية الأسلحة التقليدية تحتوي على ثغرات، لا سيما فيما يتعلق بتعريفها للأسلحة الحارقة".

ويتابع: "ولكن بموجب القانون الإنساني الدولي، يجب على جميع أطراف النزاع اتخاذ الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين. خاصة عند استخدام الذخائر التي تحتوي على الفسفور الأبيض".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية لبنان غزة لبنان غزة الفسفور الابيض المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الفسفور الأبیض

إقرأ أيضاً:

لماذا يستمر الجيش الإسرائيلي في تخفيض أعداد قتلى حماس؟

قالت صحيفة جورزاليم بوست إن الجيش الإسرائيلي فكك 24 كتيبة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأعلن أنه قتل 17 ألفا من جنودها، ومع التوقع بأن يصل العدد إلى 19 ألفا، لكن مصادر في الجيش قالت مؤخرا إن عدد قتلى حماس يبلغ حوالي 15 ألفا، فكيف عاد حوالي 4 آلاف من نشطاء حماس إلى الحياة في الأشهر الأربعة الماضية؟

وأشارت الصحيفة -في تحليل بقلم يوناه جيريمي بوب- إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يضطر فيها الجيش الإسرائيلي أو الحكومة إلى التراجع عن الإحصائيات، فقد قال الجيش في فبراير/شباط إنه قتل نحو 10 آلاف، وبعدها بأيام قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي قتل 12 ألفا من عناصر حماس، فاضطر الجيش خلال أيام لتغيير أرقامه ليتوافق مع ما قاله نتنياهو علنا.

وتساءلت الصحيفة: كيف يمكن لإسرائيل وجيشها أن يقيما مستقبل الحرب؟ وكيف يمكنهما تحديد الوقت الكافي لإلحاق الهزيمة بحماس بعد أي وقف لإطلاق النار دون الحصول على أرقام واقعية دقيقة لا تستند إلى تفكير متفائل؟

قد يكون الجيش الإسرائيلي قادرا على القضاء على حماس كقوة مقاتلة إذا أعطي فترة زمنية غير محدودة، كما يقول الكاتب، ولكن الوقت ليس بلا حدود، لأن العالم كله تقريبا تحول ضد إسرائيل باستثناء الولايات المتحدة، وحتى الولايات المتحدة أحجمت عن استخدام حق النقض الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن ينتقد إسرائيل، وأعلن رئيسها صراحة تجميد بعض الذخائر التي تحتاجها تل أبيب.

إلى جانب كل ذلك، أوضح المرشحان الرئاسيان، الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، أنهما يريدان أن تنتهي الحرب، كما أن جزءا كبيرا من الجمهور الإسرائيلي يريد أن تنتهي الحرب قريبا، وكثير منهم أرادوا أن تنتهي في أواخر الربيع كجزء من صفقة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس.

ونبهت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن رفع الإحصائيات قليلا كجزء من الحرب النفسية انقضى وقته، وكان لزاما على الجيش الإسرائيلي أن يراجع هذه الأرقام إلى أعلى مستوى ممكن من الدقة، ودعت إلى أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يراجع فيها الجيش إحصاءاته لعدد مقاتلي حماس الذين قتلوا.

وذكرت جورزاليم بوست بأن المراجعة المستمرة للأرقام لا تثير الشكوك حول مصداقية الجيش الإسرائيلي في الإبلاغ عن إحصاءات الحرب الأساسية فحسب، بل تلحق الضرر أيضا بحرب العلاقات العامة التي تشنها إسرائيل لتقليص عدد المدنيين الفلسطينيين الذين يمكن لمنتقديها أن يقولوا إنهم قتلوا.

مقالات مشابهة

  • قرية هندية تصلي لفوز هاريس في الانتخابات الأميركية.. هل تصل «الحفيدة» إلى البيت الأبيض؟
  • لماذا يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فوز ترامب بالانتخابات الأميركية؟
  • تنتهك القوانين الدولية في غزة ولبنان.. مطالبات بوقف نقل الأسلحة إلى إسرائيل وضمان حماية المدنيين
  • لماذا يستمر الجيش الإسرائيلي في تخفيض أعداد قتلى حماس؟
  • حزب الله اللبناني يستهدف تجمعات للجيش الإسرائيلي في البغدادي ومستوطنة المطلة
  • لماذا يُدمّر جنود الاحتلال المساجد في غزة ولبنان؟
  • حزب الله يشن هجمات صاروخية ضد شمال إسرائيل وجيش الاحتلال
  • نتنياهو من الحدود مع لبنان: سنرد بشكل حازم على هجمات حزب الله (شاهد)
  • لماذا يراهن ترامب على بنسلفانيا وجورجيا للعودة إلى البيت الأبيض؟
  • مقتل 10 فلسطينيين في هجمات إسرائيلية على غزة