منال الشرقاوي تكتب: الفن والذكاء الاصطناعي – شراكة أم تنافس؟
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
في مسيرة الحياة، التي تتشابك فيها أضواء العلم بأسرار الفن، تجلت على الدوام تلك العلاقة المعقدة بين الإبداع البشري وما صنعت يد الإنسان من آلات وأدوات، حتى وصلنا إلى عصر الذكاء الاصطناعي، ذلك العصر الذي بات فيه السؤال المحوري: هل العلاقة بين الفن والذكاء الاصطناعي – شراكة أم تنافس؟
إن الفن، بما هو تعبير عن أعمق مشاعر الإنسان وأرقى أفكاره، قد وجد في الذكاء الاصطناعي مسرحا جديدا للإبداع، فالذكاء الاصطناعي، بقدراته المدهشة، لم يعد مجرد أداة في يد الفنان، بل أصبح شريك يساهم في العملية الإبداعية، يفهم الأنماط، يتعلم من البيانات، ويخلق بدوره أعمالا يصعب على العقل البشري تخيلها.
لكن، وكما يرى البعض، فإن هذا التعاون لا يخلو من بعض أنواع التنافس، فبينما يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانات لا حدود لها للإبداع، يثار القلق حول مستقبل الفنانين البشر ومكانتهم في عالم يزداد فيه الإنتاج الفني الآلي يوما بعد يوم
وهنا يأتي السؤال، هل يمكن لما ينتجه الذكاء الاصطناعي أن يحمل نفس العمق العاطفي والفكري الذي تتسم به الأعمال البشرية؟
على الجانب الآخر، يرى البعض أن هذا التطور يمكن أن يعزز من دور الفنانين، مانحا إياهم أدوات جديدة تتيح لهم تجاوز الحدود التقليدية للإبداع، وفتح آفاق جديدة للتعبير عن الذات بطرق لم يكن من الممكن تصورها في السابق.
إن التحدي الذي يواجهنا في هذا العصر هو كيفية توظيف تلك التكنولوجيا الجديدة بطريقة تعزز القيمة الإنسانية للفن. ليس بإنكار الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في العملية الإبداعية، بل بالسعي إلى تحقيق توازن يضمن أن يظل الفن، في جوهره، تعبيرا عن الروح البشرية، مع احتضان الإمكانات الجديدة التي يفتحها هذا العصر، ولتحقيق هذا التوازن الراقي بين الفن وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ينبغي علينا أولا أن نعيد تعريف "الإبداع" في ضوء هذه التطورات الجديدة.
الإبداع ليس حكرا على الفكر البشري وحده، بل هو سعي دائم نحو الجديد والمبتكر، سواء كان ذلك من عقل إنساني أو من آلة تعلمت كيف تفكر.
من هنا، يجب على الفنانين والمبدعين أن يتعلموا كيف يعمل الذكاء الاصطناعي، وأن يستكشفوا الطرق التي يمكن بها دمج هذه التكنولوجيا في عملية الإبداع الفني. هذا لا يعني الاستسلام لهيمنة الآلة، بل العكس تماما؛ يعني استغلال قدراتها لتوسيع آفاق الإبداع البشري. يمكن للفنانين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الأعمال الفنية الكبيرة واستخلاص أنماط جديدة يمكن أن تلهم أعمال جديدة، أو استخدامه في خلق مواد فنية لم يكن من الممكن تخيلها بالطرق التقليدية. وبهذه الطريقة، يصبح الذكاء الاصطناعي أداة تعاونية تعزز من قدرة الفنان على التعبير عن ذاته بطرق مبتكرة.
كما يجب على المجتمعات الفنية والثقافية تشجيع الحوار بين الفنانين وعلماء الكمبيوتر والمهندسين، لخلق فهم مشترك حول كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بطريقة تحترم وتعزز القيم الإنسانية. يجب أن نسعى إلى إقامة ورش عمل وندوات ومعارض تجمع بين التكنولوجيا والفن، لتوفير منصة لتبادل الأفكار وتطوير طرق جديدة للتعاون.
وأخيرا، ينبغي على المؤسسات التعليمية دمج دراسة الذكاء الاصطناعي ضمن مناهج الفنون، لتزويد الجيل القادم من الفنانين بالأدوات والمعرفة اللازمة لاستخدام هذه التكنولوجيا بشكل إبداعي ومسؤول. إن تعليم الفنانين كيفية العمل مع الذكاء الاصطناعي، وليس ضده، سيفتح الباب أمام إمكانات لا حصر لها للتعبير الفني الذي يجسد، في النهاية، الروح الإنسانية بكل تجلياتها.
سيبقى الأمل معقودا على أن تكون العلاقة بين الفن والذكاء الاصطناعي شراكة تثري الإبداع البشري، بدلا من أن تكون تنافسا يهدد بإهمال الجانب الإنساني الذي يميز أعمالنا الفنية. لن نقف عند حد الدهشة من المزايا التي يوفرها هذا العصر الجديد، بل يجب أن نسعى دوما لاستخدام هذه الأدوات بطريقة تعمق من قدرتنا على الفهم والتعبير عن هذه الحياة بكل تعقيداتها وجمالها.
والآن، وقد تنقلنا في رحاب هذا الحديث الذي يجمع بين شطرين من الوجود، الفن والذكاء الاصطناعي، وقد استطلعنا آفاقا جديدة تفتحها هذه التكنولوجيا الفتية أمام الإبداع الإنساني، ينبغي علينا أن نقف وقفة تأمل، نزن فيها الأمور بميزان العقل والحكمة. ولنتذكر دائما أن الفن، في جوهره، هو تعبير عن الروح البشرية، هو ذلك النور الذي يضيء ظلمات الوجود، وهو الصوت الذي يحمل أعذب الألحان وأرق الهمسات.
إن الذكاء الاصطناعي، بكل ما يحمله من طاقات، يجب أن يكون أداة تساعد في توسيع هذا النور، وتعزيز هذا الصوت، لا أن يكون ستارا يحجبه أو يخفت.
ولنتذكر دائما أن في قلب كل منا مكانا لا يمكن لأي آلة أن تدركه، مكانا ينبض بالحب والجمال والإبداع، وهو ما يجعلنا حقا بشرا...
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الفن الفن والذكاء الاصطناعي الفن والذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی هذه التکنولوجیا بین الفن
إقرأ أيضاً:
كاوست تطلق مختبر روبوتات جديد لتعزيز قدرات المملكة في مجالي الروبوتات والذكاء الاصطناعي
البلاد (ثول)
أطلقت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مختبر الروبوتات (Robotics Bay)، وهو مرفق متكامل صُمِّم خصيصًا لتطوير الأنظمة الروبوتية والذاتية المتقدمة، واختبارها، وبناء نماذجها الأولية.
ويقع المرفق الذي افتتح في 13 أكتوبر 2025 في الحرم الجامعي على مساحة 1,000 متر مربع. ويمثّل إضافة استراتيجية تعزّز قدرات المملكة في مجالي الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتدعم في الوقت ذاته أهداف رؤية السعودية 2030 في تنويع الاقتصاد وبناء مجتمع قائم على المعرفة.
وقال البروفيسور جيانلوكا سيتي، عميد قسم العلوم والهندسة الحاسوبية والكهربائية والحسابية في كاوست “تُعَدّ الروبوتات والأتمتة عنصرين أساسيين في خطة التحول الرقمي للمملكة. ومن خلال إطلاق مختبر الروبوتات (Robotics Bay)، تؤكد كاوست التزامها بدفع عجلة الابتكار التقني وتقديم حلول تُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني”.
ويشرف على المرفق الجديد البروفيسور إيريك فيرون والبروفيسور المساعد شينكيو بارك، وهما من أعضاء هيئة التدريس في مجال الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في الجامعة. ويكرّس المرفق الجديد جهوده لخلق ثقافة بحثية وريادية في مجال الروبوتات، مما يرسّخ مكانة كاوست كمحرّك رئيسي للتحوّل التقني المتقدّم في المملكة.
ويؤكد البروفيسور فيرون أن “العنصر الأهم الذي يقدّمه مختبر (Robotics Bay) هو وجود مساحة تطوير مشتركة واستثنائية، يمكن لمجموعات من الباحثين العمل فيها بالتوازي، مع الاستفادة من الإلهام الإبداعي الناتج عن التفاعل مع بعضهم البعض”.
يتيح المرفق خدماته لأعضاء هيئة التدريس وطلبة كاوست والمتعاونين من مختلف التخصصات، كما يرحّب بالشركاء من المملكة الراغبين في تطوير الأنظمة الروبوتية واختبارها.
يضم المرفق ساحة تجارب مركزية واسعة للطائرات الروبوتية والروبوتات الأرضية، تحيط بها مختبرات متخصصة لدعم عمليات البحث والتطوير بقيادة أعضاء هيئة التدريس.
وقد صُمِّم المرفق لاستيعاب مجموعة واسعة من الأنظمة الروبوتية في الوقت نفسه، حيث يدعم التجارب على المنصات الجوية والأرضية وتحت الماء ضمن بيئة متكاملة واحدة.
ويقع المرفق في موقع مركزي داخل الحرم الجامعي لتسهيل وصول الباحثين إليه، كما زُوِّد بمنافذ كهربائية بقدرة 400 فولت لتشغيل الأنظمة الروبوتية كثيفة الطاقة وتجاربها. ويتيح نظام التقاط الحركة ومناطق الطيران المخصصة إجراء تجارب على الطائرات بدون طيار والأنظمة متعددة العوامل، بينما يدعم المرفق بنية تحتية خاصة بالروبوتات المتحركة والمستقلة والأنظمة المائية تساهم في توسيع نطاق الأبحاث.
ويوفر مختبر (Robotics Bay) أدوات النمذجة الأولية المتطور، مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد، وآلات التحكم الرقمي بالحاسوب (CNC)، ومحطات اللحام، التي تساعد على تطوير جيل جديد من الآلات الذكية بالتعاون مع الشركاء الوطنيين والصناعة وأعضاء هيئة التدريس والطلبة في كاوست. وبفضل هذه الأدوات، يربط المختبر بين البحث والتطبيق، مما يسرع مستقبل الروبوتات في المملكة العربية السعودية.
تمكين الأولويات الوطنية
يُسهِم مختبر الروبوتات في كاوست مباشرة في تطوير التقنيات الداعمة للمدن الذكية، والتنقّل الذاتي، والبنية التحتية المتقدمة، والخدمات العامة، وهي ركائز أساسية في مشروعات المملكة العملاقة.
وقال فيرون ” بوصفي باحثًا مختصًا في مجال الطيران والنقل، فإن مرفق (Robotics Bay) يقدّم مساحة مركزية واسعة مثالية لإجراء تجارب تنقّل مصغّرة ومتعددة الأنماط”.
وأشار إلى أن المختبر يتيح فرصًا للتكامل مع ” أرض التجارب لمستقبل النقل” – وهي أول منصة متقدمة لتقنيات النقل البري والجوي والبحري، وتقع أيضًا داخل الحرم الجامعي.
وأضاف “على سبيل المثال، يمكن أن يكون مختبر (Robotics Bay) المكان المثالي لبناء نموذج مصغّر من منصة أرض التجارب الخاصة بكاوست، مما يسمح للباحثين باختبار أفكارهم قبل تطبيقها في الخارج”.
ويعَد المرفق أيضًا مركز تدريب للجيل القادم من المتخصصين في الروبوتات والذكاء الاصطناعي، إذ يسهم في إعداد الكفاءات الوطنية في القطاعات التقنية المتقدمة، وتعزيز الخبرات المحلية، وتقليل الاعتماد على المعرفة المستوردة. كما يدعم تطوير تطبيقات روبوتية محلية تخدم قطاعات الخدمات اللوجستية والزراعة والفحص والدفاع على المستويين المحلي والوطني. ومن خلال توفير منشأة عالمية المستوى، تُعزّز كاوست مكانة المملكة الدولية في مجالات البحث العلمي والتقنية والهندسة.
مرفق عالمي
تتنوّع الأبحاث في مختبر الروبوتات في كاوست لتشمل الروبوتات الأرضية والجوية السريعة، والتعاون بين الإنسان والروبوت، وأسراب الروبوتات المتعددة، والروبوتات المخصّصة للعمليات البحرية. ويُقارَن المرفق بأبرز مراكز الروبوتات في العالم، مثل جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، ومعهد كاليفورنيا للتقنية (كالتيك)، وجامعة ميشيغان.
ويُعد المرفق مركزًا محوريًا للأبحاث والتجارب في مجال الروبوتات، إذ يوفّر بنية تحتية بحثية متقدّمة تدعم نمو ريادة الأعمال ويعزّز الربط بين الأوساط الأكاديمية والصناعة في المملكة.
وأشار فيرون إلى أن الأجهزة البحثية، مثل نظام التموضع الداخلي الذي طوّره البروفيسور بارك، يتميز بالمتانة وطول العمر، مما يمكّن كاوست من تحقيق مساهمات كبيرة في هذا المجال التقني المتقدّم.
وختم فيرون قائلًا: “إن حجم المرفق الهائل ونظام التموضع الداخلي فيه يجعلان مختبر الروبوتات (Robotics Bay) خيارًا مثاليًا لجميع أنشطة البحث المتعلقة بالروبوتات المتحركة، بما في ذلك الثورة الجارية في تقنيات التنقل الشخصي”.