أستاذ بجامعة الأزهر: الأزهر علم الإنسانية الوسطية الفكرية والسماحة والإعتدال
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
أكد الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف أن هناك محاولات إبراز الأزهر الشريف، بأنه لم يعرف سوى الفكر الصوفي فقط على مدار التاريخ، تُجافي الحقيقة التاريخية، وذلك لأن الأزهر كان مليئا بأفكار وفسلسفات أخرى.
وأضاف باستثناء الفترة الأولى في تاريخ الأزهر الشريف، وهي التي كان الأزهر يتبنى فيها الفكر الشيعي، بحكم كونه خاضعا لسلطان الدولة الفاطمية العبيدية، فإن الأزهر منذ أن تحوَّل إلى المذهب السُّنِّي في عهد السلطان الصالح صلاح الدين الأيوبي، وهو يدين بالفكر الأشعري اعتقادا، والمذهبي فقها، والصوفي سلوكات، فصلاح الدين نفسه كان أشعريا شافعيا صوفيا، على طريقة سيدي عبد القادر الجيلاني، والحق أن صلاح الدين الأيوبي، بعد أن قضى على الدولة الفاطمية، أغلق الجامع الأزهر أكثر من قرن من الزمان، طول مدة الدولة الأيوبية، ومنع الخطبة والصلاة فيه، وأزال مراسم الشيعة منه، واستبدله بمدارس أخرى في القاهرة، على المنهج السني الأشعري المذهبي الصوفي.
وتابع أعيد افتتاح الأزهر للدراسة على المنهج ذاته أيام دولة المماليك، على يد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، وأعيدت رواتب المدرسين، وعاد الأزهر مدرسة للسنة، والفقه، التصوف، ثم جاءت الدولة العثمانية، فسارت بالأزهر على المنهج ذاته، حتى دخل التصوف النظري، بوصفه مقررا أساسيا ضمن المقررات التي يدرسها طالب الأزهر في المرحلة الجامعية وما بعدها، على يد شيخ الإسلام والمسلمين العارف بالله تعالى الدكتور عبد الحليم محمود رضي الله عنه، وظل الحال هكذا كل شيوخ الأزهر وطلابه على المنهج الأشعري اعتقادا، المذهبي فقها، الصوفي سلوكات، حتى ظهرت الجماعات الدينية السياسية، وأقدمها منذ نحو مئتي سنة، وهي الحركة الوهابية، وآخرها جماعة الإخوان، فحاولت تغيير منهج الأزهر إلى مناهجها، لكنها لم تفلح، وبالرغم من هذا فقد احتالت بالقوة الناعمة، لتغيير منهج الأزهر، وذلك عن طريق إدخال أبنائهم الأزهر للتشويش عليه، واستقطاب بعض أبناء الأزهر، وإغرائهم بالمال، ومع هذا ظل الأزهر صامدا متمسكا بهذا المنهج، الذي أثبت أنه أكثر المناهج ثراء وأمنا وتسامحا وتوازنا وتمثيلا لجوهر الإسلام، بدليل أنه كان ولا يزال المعهد العلمي الوحيد الذي تتوجه إليه أنظار العالم الإسلامي، وتثق فيه الدول، حتى الدول التي تدين بمناهج أخرى.
وأضاف.. لا نعلم شيخا تولى مشيخة الأزهر، أو درَس فيه أو درَّس، إلا وهو صوفي، ومن لم يكن منهم متصوفا فلم يكن ذلك عداء منه للمنهج، بل لأن طبيعته لا تميل إلى التصوف، وربما كان متصوفا تصوفا عمليا، من غير انتماء إلى طريقة، حتى جماعة الإخوان التي انتشرت خلاياها في الأزهر في فترة من الفترات، كان مؤسسها رجلا صوفيا، وكان أفرادها يمارسون التصوف بطريقة عملية، وإن لم ينتسبوا إلى طريقة صوفية، هذا استعراض تاريخي موجز لعلاقة الأزهر بالتصوف، فأين الأفكار الأخرى التي زاحمت فكرة التصوف؟.
وقال على أن التصوف الصحيح ليس فكرة ولا فلسفة قابلة للنقاش، ولكنه من الدين نفسه، بل أعلى مراتب الدين، وذروة سَنامه، فهو مرتبة الإحسان من الدين، على ما قرره أئمة التصوف، وفقا لما ورد في حديث جبريل، فجَعْلُ التصوف فكرة، ومقارنتها بغيرها من الأفكار، لا يستقيم في المنهج العلمي، ولا يخطرن ببالك أن تصوف الأزهر هو هذا المسخ من التصوف المشوه والمشبوه الذي تراه اليوم من أكثر الطُّرُقية، بل تصوف الأزهر هو تصوف السلف الصالح، بدءا من الصحابة، ومرورا بالتابعين، فمن بعدهم على ما قرره أبو نُعيم في (حِلية الأولياء وطبقات الأصفياء) وابن الجوزي في (صفة الصفوة) وهو اختصار لكتاب أبي نُعيم، والشعراني في (الطبقات) وغيرهم - وانتهاء بنحو عبد الحليم محمود، وصالح الجعفري، ومحمد زكي إبراهيم، ومحمد خليل الخطيب، وغيرهم من السادة الأئمة الأعلام، الذين ملؤوا الدنيا بأنوار أهل الله، المستمدة من أنوار الكتاب والسنة.
ولم يكتف الأزهر بتدريس التصوف في كتب التصوف، بل درَّسه في كتب العقيدة، وأوجب اتباعه، حتى قال الشيخ اللَّقَانِيُّ في نظم (جوهرة التوحيد) وهو من الكتب المعتمدة للدراسة في الأزهر الشريف:
ومالكٌ وسائرُ الأئمةْ
كذا أبو القاسمْ هُداةُ الأمةْ!
فواجبٌ تقليدُ حَبْرٍ منهمو
كذا حكى القومُ بلفظٍ يُفْهَمُ!
ومعنى البيتين: أنه يجب اتباع أحد أئمة الشريعة، كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وغيرهم، ممن دُوِّنت مذاهبهم وحُرِّرَت وضُبطت، وكذا يجب اتباع طريقة أبي القاسم الجُنيد في التصوف، لأنها موافقة للسنة، وعليها وقع الإجماع، حتى من ابن تيمية، الذي أثنى على طريقة الإمام الجنيد، ورفع من شأنه جدا، كما أثنى على طريقة سيدي عبد القادر الجِيلاني، وكان شديد التعظيم له.
وقال شيخنا الخطيب في عقيدته المسماة ب (الجُنَّة في عقيدة أهل الجَنَّة):
والأشعريَّ في العقائدِ اتْبَعِ
وللجُنيدِ في التصوفِ اسْمَعِ!
واختتم حديثة هكذا وضع الأزهر لأبنائه منهجا منضبطا رشيدا يسيرون عليه، معتمدا على الجمع بين الشريعة والحقيقة والطريقة على وجه التناغم والانسجام، ليشبع الكيان الإنساني كله، فهو روح الإسلام وجوهره، الذي جاء لإصلاح الإنسان، جسدا وعقلا وروحا، ودينا ودنيا وآخرة، وبهذا تفرد الأزهر، وسبق غيره من المدارس، ونرجو أن يبقى كذلك، وأن يهيء الله له من يصون الأمانة، حتى يؤديها كما هي للأجيال القادمة، من غير تغيير ولا تبديل ولا إخلال، وما ذلك على الله بعزيز.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأزهر استاذ بجامعة الأزهر الإنسانية الوسطية الفكرية السماحة الإعتدال الأزهر الشریف على المنهج
إقرأ أيضاً:
عضو بـ«الأزهر للفتوى»: الدين ليس عبادات فقط.. ولا يجوز إهانة أو ضرب الزوجة
أكدت هبة إبراهيم، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، في ردها على سؤال متصلة بشأن أن زوجها يؤوم الناس في الصلاة ويصوم ولكنه يضربها منذ 9 سنوات، أن الضرب لا يتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي، حتى لو كان الزوج ملتزمًا بالصلاة أو غيرها.
أصل الدين المعاملة الطيبةوأضافت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، خلال حوار مع الإعلامية سالي سالم، ببرنامج «حواء»، المذاع على قناة الناس، اليوم الاثنين: «أحيانًا يكون الناس غير مدركين أن أصل الدين هو المعاملة الطيبة مع الآخرين، فالدين ليس مجرد عبادات أو شعائر فقط، بل هو أيضًا معاملة حسنة مع الناس، إذا كان الزوج يلتزم بالصلاة ويؤدي الفروض، فهذا شيء جيد، لكن لا بد أن ينعكس ذلك على معاملته مع زوجته، فالدين يطلب من المسلم أن يحسن معاملة أهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، لذلك لا يجوز أبدًا أن يضرب الزوج زوجته أو يهينها، سواء بالكلام أو بالفعل».
وتابعت: «سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب أحدًا قط، لا إنسانًا ولا حتى حيوانًا، والزوجة حقها على زوجها هو المعاملة بالرفق والرحمة، ولا يمكن تبرير ضرب الزوجة تحت أي ظرف كان، لأن ذلك لا يتماشى مع تعاليم الدين، الإسلام يدعونا إلى الرفق في التعامل مع الأهل، ويجب أن يكون هذا هو الأساس في العلاقة بين الزوجين».
وتابعت: «من المهم أن تتواصل السيدة مع مركز الأزهر العالمي للفتوى على الرقم 19906، حيث يمكننا التدخل لحل هذه المشكلة بطريقة فعّالة، نحن هنا لمساعدتها في الوصول إلى حل يرضي الله ويراعي حقوقها كزوجة، ويُصلح الوضع مع زوجها».
كيفية التعامل مع المشكلات الزوجيةوأضافت: «لكن في البداية يجب دائمًا محاولة التعامل مع المشكلة بهدوء، وعدم التصعيد إذا كان الزوج في حالة عصبية أو انفعال، ومع الوقت قد يكون هناك مجال لإقناعه بأن هذه التصرفات غير مقبولة في الإسلام، وأن المعاملة الطيبة هي التي يجب أن تسود».
واختتمت: «أدعو هذه السيدة وكل امرأة تعاني من مثل هذه المشكلات أن تتواصل معنا، الضرب والإهانة لا يجوزان في أي حال من الأحوال، والدين يوجب على الرجل أن يكون لطيفًا ورحيمًا مع زوجته، يجب أن تعيش الأسرة في جو من الاحترام المتبادل والتفاهم، وأي تصرف مخالف لذلك لا يتماشى مع قيم الإسلام».