هل تفهم الكلاب وتستجيب لنبرة الصوت أو مقاطع الكلمات أو حركات اليد المصاحبة ولغة الجسد؟ ما زالت مثل هذه الأسئلة عما إذا كانت الكلاب تفهم حقًا ما تسمعه محيرةً لأصحابها.
ومع ذلك، بالنسبة لكثير من أصحاب الكلاب، لا يتطلب الأمر دراسة علمية حتى يعتقدوا أن حيواناتهم الأليفة تعرف ما يقولونه، لكن ليس من الواضح دائمًا ما الذي يهتم به كلبهم بالضبط، ومن الصعب معرفة ما يحدث بالفعل داخل أدمغتهم عندما ينفذون ما يؤمرون به أو عندما يجلبون كرة رماها صاحبها.
قدمت الدراسات السلوكية بعض الأدلة على أن الكلاب تسمع الكلمات التي نقولها وكيف نقولها، لكن الأبحاث الجديدة تقدم أدلة إضافية على أن أصدقاءنا المفضلة ذوات الفراء يمكنها فهم أكثر من مجرد أوامر بسيطة، أو على الأقل يمكنها فهم الأشياء التي تهتم بها، مثل سماع أسماء ألعابها المفضلة التي تُنشِّط ذكرياتها عن تلك الأشياء.
ووفقًا لدراسة نُشرت في دورية "كارنت بيولوجي" التي تغطي جميع مجالات علم الأحياء، تُظهر الكلاب نمطا من النشاط العصبي الذي يبدو أنه يشير إلى قدرتها على التمييز بين الكلمات لأشياء مختلفة، بل وتتفاجأ عندما تُعرض عليها كلمات وأشياء غير متطابقة.
أدلة جديدةمن بين جميع الحيوانات، تتميز الكلاب بأنها فريدة من نوعها من ناحية مقدار تعرضها للغة البشر، وربما لا يتفاجأ البعض ممن تفاعلوا كثيرا مع الكلاب من قبل عندما يعرفون أنها تفهم أن كلامهم يشير على الأقل إلى عدد معين من الأشياء الشائعة، لكن ربما يفترض البعض أن هذا النوع من "الفهم" هو مجرد رد فعل بسيط على أصوات الكلمات التي يسمعونها.
وبالنسبة للبشر، تعد الكلمة ونبرة الصوت أمرا مهما، ويتميز الأشخاص بأن لديهم مراجع داخلية لما تعنيه الكلمات أو القدرة على تخيل شخص ما أو شيء ما داخل الذاكرة، ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان الحال نفسه بالنسبة للكلاب.
ومنذ فترة طويلة يدرس العلماء قدرة الكلاب على تعلّم معاني الكلمات، ففي عام 2022 وجدت دراسة أن أصحاب الكلاب يعتقدون أن حيواناتهم تستجيب لعدد من الكلمات تصل إلى 215 كلمة.
وفي عام 2011 ظهرت المزيد من الأدلة المباشرة على البراعة المعرفية لدى الكلاب عندما أفاد علماء النفس في ولاية "كارولينا الجنوبية" أن بإمكان كلب "بوردر كولي" يُدعى "تشيسر" العثور على ألعاب معينة واستعادتها من أكوام كبيرة بعد 3 سنوات من التدريب المكثف.
وتعلم "تشيسر" أسماء أكثر من ألف كلمة للألعاب المختلفة، بما في ذلك 800 لعبة من القماش، و116 كرة، و26 طبقا طائرا. ومع ذلك لم تتحدث الدراسات إلا عن القليل عما يحدث داخل أدمغة الكلاب عند معالجة الكلمات والتمييز بين معانيها.
وللتعمق في حل اللغز، شرعت "ماريانا بوروس" -صاحبة الدراسة الجديدة وعالمة الأعصاب وأخصائية علم الأخلاق بجامعة "إيوتفوس لوراند" في "بودابست"- في اكتشاف ما إذا كانت هناك كائنات أخرى تشارك البشر قدرتهم على تخيل شيء غير موجود من خلال صوت مرتبط به، واختبار فهم الكلاب للعلاقة بين الكلمات والأشياء المقابلة لها بالطريقة التي يفهمها البشر.
في البحث الجديد استعان فريق من علماء الأعصاب والباحثين في سلوك الحيوان بـ27 كلبا من سلالة "توي بودل" و"أكيتا" و"لابرادور" وبعض السلالات المختلطة، وجميعها حيوانات أليفة تتمتع بصحة جيدة، واختيرت بناء على تقييم المالك بأن حيوانه الأليف يفهم 3 كلمات على الأقل.
استخدم الباحثون اختبار مخطط كهربية الدماغ غير الجراحي "إي إي جي" لقياس النبضات الكهربائية داخل أدمغة الكلاب في المختبر خلال تجربة ضمت أصحاب الكلاب وبعض الألعاب المفضلة لدى كلابهم، وشملت الكرات والألعاب المطاطية والنعال والأطباق والخيوط وأشياء أخرى.
وتوضح عالمة الأعصاب "إلين لاو" التي تُدرِّس علم اللغة في جامعة "ميريلاند"، أن تطبيق تقنية تصوير دماغية غير جراحية على الكلاب عوضا عن التقنيات الأكثر تدخلا التي تُستخدم غالبا لدراسة أدمغة الحيوانات، يسمح بإجراء مقارنات مباشرة أكثر بين البشر وغير البشر.
كلما كانت المفاجأة أكبر كانت الإشارة أكبربعض الكلاب المتميزة والموهوبة بشكل استثنائي مثل "تشيسر"، لديها مفردات مذهلة وقادرة على إظهارها من خلال الاختبارات السلوكية، ولكن ليست كل الكلاب ملتزمة أو قادرة أو حسنة التصرف.
تساءلت "بوروس" وزملاؤها عن الكلاب الأخرى الموجودة في وسط القطيع، تلك الكلاب التي لا تستمع جيدا بما يكفي لجلب ألعاب معينة من غرف أخرى، مثلما فعل "تشيسر"، لذلك أراد العلماء معرفة ما إذا كانت الكلاب التي لا تُظهر قدرات استثنائية لا تزال تتمتع ببعض الحس اللغوي.
قامت "ليلا ماغياري" الباحثة الرئيسية المشاركة وعالمة الأعصاب الإدراكية وعالمة النفس بجامعة "ستافنغر" في النرويج وزملاؤها، بتعديل اختبار معرفي كان يُستخدم لعقود من الزمن في الدراسات التي أُجريت على البشر، بما في ذلك الرضَّع.
يقارن هذا الإعداد التجريبي قراءات مُخطط كهربية الدماغ لكلمة أو عبارة، ثم يُظهر إما شيئا مطابقا أو شيئا لا يتطابق مع الوصف، وقُبل هذا التقييم كدليل على فهم المعنى أو ما تُعرف بـ"المعالجة الدلالية" التي تحدث بعد سماع كلمة ما وترميز معناها، إذ يربط العقل الكلمة بكلمات أخرى ذات معان مماثلة، وبمجرد إدراك الكلمة توضع عقليا في سياق يسمح بمعالجة أعمق.
عند البشر، حتى أولئك الصغار أو الرضَّع الذين لا يستطيعون التحدث بعد، يَظهر تأثير ملحوظ يُسمى "إن 400" على قراءات مخطط كهربية الدماغ عندما يواجه الأشخاص اللغة والمحفزات الأخرى، وهو جزء من استجابة الدماغ الطبيعية للكلمات وغيرها من المحفزات ذات المعنى أو التي يحتمل أن تكون ذات مغزى، ويبلغ التأثير ذروته بعد حوالي 400 ملّي ثانية من تقديم المحفز، ويكبر عندما لا تتطابق الأشياء أو الصور والكلمات.
هناك الآن آلاف الدراسات البشرية التي تبحث وتستخدم تأثير "إن 400″، وهو نمط مميز لنشاط الدماغ الكهربائي يمكن قياسه بواسطة أقطاب كهربائية موضوعة على فروة الرأس، ويفسر العديد من العلماء التأثير على أنه دليل على الفهم وإثبات مرجع داخلي لتعريف الكلمة، حتى في المواضيع غير اللفظية، لكن لم يكن هناك دليل على وجود إشارة مماثلة لدى الكلاب حتى إجراء هذه التجربة.
ولكي يكون الاختبار مألوفا للكلاب، أجرت "ماغياري" وزملاؤها بعض التعديلات الدقيقة للتحكم في راحة الكلاب وإبقائها مستيقظة، والتحكم في التباين المحتمل في الصوت، والحركات الأخرى أو إشارات الاتصال بين الكلاب وأصحابها التي قد تؤثر في النتائج.
وبعد فترة من التأقلم مع المختبر، ثبّت العلماء أقطاب كهربائية على رؤوس الكلاب لمراقبة نشاط الدماغ، ثم فُصل بين المالكين والكلاب بواسطة نافذة إلكترونية يمكنها أن تتغير على الفور بين الشفافية والعتمة، مما يسمح للكلب بالرؤية من خلالها.
خلال تجارب متعددة، ردد مالكو الكلاب كلمات تشير إلى الألعاب التي كان كلابهم على دراية بها أكثر لجذب انتباههم، ومنها على سبيل المثال "فيدو، انظر، الكرة"، بينما عُرضت وجوه أصحابها على جانب آخر من جدار له نافذة.
وبعد فترة وجيزة من الفراغ المعتم، كشفت النافذة عن المالك وهو يُظهر لكلبه إما الشيء المطابق أو الشيء غير المتطابق مع الكلمات التي رُددت مسبقا، وفي الوقت نفسه يسجل مخطط كهربية الدماغ النبضات الإلكترونية التي تحدث داخل أدمغة الكلاب.
وبعد تحليل تسجيلات مخطط كهربية الدماغ، بينما كانت الكلاب تستمع وتشاهد النافذة، وجد الفريق أنماطا مختلفة للدماغ عندما عُرضت على الكلاب أشياء متطابقة مقابل أشياء غير متطابقة، وهي نتائج تشير إلى أن الكلاب تشكل مفاهيم عقلية للأسماء.
وعند ربط الكلمات الأكثر شهرة بأشياء غير متطابقة، أظهرت قراءات مخطط كهربية الدماغ للكلاب أكبر استجابة دماغية بين 200 و600 ملي ثانية، مباشرة بعد مفاجأة رؤية جسم غير متوقع، مثل الحبل بدلاً من الكرة، مما يشير إلى أنه حتى الكلاب المنزلية يمكنها التمييز بين معاني بعض الكلمات.
ويعتقد الباحثون أن التقاط القطب الكهربائي إشارة أكبر من المعتاد تشير إلى المفاجأة عند عدم التطابق بين المحفز السمعي والشيء المقدم، وإلى أن أدمغة الكلاب الأليفة قد كوَّنت بالفعل مفهوما عقليا وتوقعا بعد سماع تلك الكلمات التي يقال إن الكلاب تعرفها جيدا.
ويشير توقيت النبضات الكهربائية إلى وجود نمط مشابه لهذه الإشارة المفاجئة المعروفة لدى البشر، والتي يطلق عليها "إن 400″، وتحدث في الدماغ مباشرة بعد حدوث شيء غير متوقع. ومع ذلك هناك حاجة إلى أبحاث متابعة للتحقق من هذه الفرضية.
ومن بين 27 كلبا بدأ التجربة، وصل 18 منها إلى التحليلات النهائية، مما يثبت أن القدرة لا تقتصر على عدد قليل من الكلاب الاستثنائية، في حين استبعد الباحثون 9 كلاب، ويرجع ذلك في الغالب إلى اختبارها على كلمات خاطئة أو عدم وقوفها ساكنة بما يكفي للحصول على بيانات دقيقة لتخطيط كهربية الدماغ. ولكن حتى مع الأخذ في الاعتبار التحديات التي تواجهها الحيوانات المتذبذبة، وجد العلماء أنماطا واضحة في نتائجهم.
على الجانب الآخر، كان أداء الكلاب سيّئا -مع وجود بعض الاستثناءات- في الاختبارات المعملية السابقة التي تطلبت منها جلب الأشياء بعد سماع أسمائها، وقد جادل العديد من الخبراء في أن الأمر لا يتعلق كثيرا بما نقوله، بل بالأحرى كيف ومتى نقول الأشياء التي تثير اهتمام كلابنا.
على سبيل المثال؛ نجاح الكلب في إعادة لعبة مثل الكرة لا يثبت بشكل قاطع أنه يعرف معنى كلمة "كرة".
وحتى العلماء الذين أقروا بأن الكلاب تستجيب لبعض كلامنا، قالوا إنها تتفاعل مع أصوات معينة من خلال سلوك مكتسب عوضا عن فهم ما ترمز إليه الكلمات.
لكن الدراسة الجديدة تُظهر أن مجموعة كاملة من الكلاب تتعلم أسماء الأشياء من ناحية استجابة الدماغ حتى لو لم تُظهر ذلك سلوكيا، كما قالت عالمة سلوك الكلاب في جامعة لينكولن بإنجلترا "هولي روت جوتريدج"، مضيفة أنها كانت "اختراقا آخر لصفات البشر الخاصة والمتميزة".
وأضاف عالم الإدراك بجامعة كاليفورنيا "فيديريكو روسانو" أن البحث "يقدم دليلا إضافيا على أن الكلاب قد تفهم الكلمات أو الأصوات البشرية بشكل أفضل بكثير مما نمنحها إياه عادة".
لكن لم يكن جميع الخبراء متحمسين بالقدر نفسه، ومن بينهم "كلايف وين" المتخصص في سلوك الكلاب من جامعة ولاية أريزونا، الذي قال إنه "منقسم" إزاء النتائج.
وعلى الرغم من أنه أشاد بالإعداد التجريبي باعتباره طريقة جديدة لاختبار المدى الكامل "للمفردات الوظيفية" للكلاب، فإنه يعتقد أن البحث يفشل عندما يجعل الصورة العامة تدّعي أنهم أظهروا ما يسمونه "الفهم الدلالي".
ويرى "وين" أن "بافلوف" قد لا يتفاجأ بهذه النتائج، في إشارة إلى عالم وظائف الأعضاء الروسي الشهير "إيفان بافلوف" الذي أظهر أن سيلان لعاب الكلاب يحدث أيضا تحت تأثير بعض الإشارات التي تعودت الكلاب على استقبالها قبل وصول الطعام، مثل رؤية الحارس الذي يقدم لها الطعام قادماً من بعيد أو لدى سماع خطواته أو بمجرد سماع صوت جرس يشير إلى وقت الوجبة.
ونظرا إلى أن التجربة الجديدة استخدمت أشياء مألوفة للكلاب، فإن الدراسة لا تُظهر أن الكلاب يمكنها تعميم كلمة لتعني فئة كاملة من الأشياء كما هو الحال في اللغة البشرية، كما يقول "كولين فيليبس" أستاذ اللغويات بجامعة أكسفورد وجامعة ماريلاند.
كما أن "فيليبس" لم يكن مقتنعا تماما بأن التأخير الزمني في البحث أثبت أن الكلاب تشير إلى أنها كونت صورة ذهنية أو ذاكرة، ويقول: "لقد ربطوا الأصوات بأشياء محددة، إنها دراسة جرى التحكم فيها بعناية"، ولكنها في النهاية ليست دراسة مفاجئة للغاية، فبحسب قوله "نحن نعلم بالفعل أن الكلاب يمكنها القيام بذلك".
هل يفهم كلبك ما تقوله؟تبدو اللغة أكثر تعقيدا من مجرد التعرف على الأسماء، ولا تشير الدراسة إلى أن الكلاب قريبة من متعلمي اللغة مثل البشر كما تقول "بوروس" و"ماجياري"، وهذا يشير إلى القدرات الموجودة لدى الثدييات التي ربما سبقت النظام اللغوي المعقد للغاية لدى البشر.
فالكلمات وهي اللبنات الأساسية للغات البشرية، نادرا ما توجد بين الأنواع الأخرى. فالدلافين قارورية الأنف والببغاوات الخضراء تُصدر أصواتا تشبه الأسماء، وتُطلق الحيوانات بما في ذلك الدجاج وكلاب البراري وبعض الرئيسيات نداءات إنذار تحدد حيوانات مفترسة معينة.
ولا تنتج الكلاب كلمات، ولكن من المعروف أن بعضها قادر على التعرف على مئات الكلمات البشرية، وهو سلوك يشير إلى أنها قد تربط المعنى بالأصوات البشرية.
ففي دراسة نُشرت في مجلة "ساينس" في أغسطس/ آب 2016، وجد العلماء أدلة تدعم ما يعتقده العديد من أصحاب الكلاب منذ فترة طويلة، وهو أن الكلب أفضل صديق للإنسان يفهم حقا بعضا مما نقوله، وأظهرت الدراسة أن الكلمات الفعلية هي التي تستجيب لها أدمغة الكلاب بالفعل، وليس النغمة التي تنطق بها أو السياق التي تستخدم فيه.
وقام الباحثون بتصوير أدمغة 13 كلبا (6 من نوع بوردر كولي، و5 من كلاب غولدن ريتريفر، وكلب راعٍ ألماني، وكلب صيني متوّج) باستخدام تقنية تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي التي تسجل نشاط الدماغ.
واستغرق الأمر عدة أشهر حتى تمكن مدربو الكلاب من السيطرة عليها وتدريبها على البقاء ساكنة تماما داخل الماسح الضوئي لمدة 7 دقائق أثناء الاختبارات. وكانت الكلاب مستيقظة وغير مقيدة وهي تستمع إلى صوت مدربها من خلال سماعات الرأس.
في عام 2014، أظهرت دراسة مسح الدماغ التي نُشرت في مجلة "كرنت بيولوجي"؛ كيف تستجيب أدمغة نفس الكلاب الـ13 للأصوات المختلفة -مثل الهمهمات والنباح والأنين والصراخ- من كل من الأشخاص والكلاب الأخرى، ووجدت الدراسة أن الأصوات السعيدة والمخيفة تُنشط مناطق مماثلة في الدماغ لدى كلا النوعين.
لذلك، ومع نفس المجموعة المكونة من 13 كلبا، قام الباحث الرئيسي "أتيلا أنديكس" عالم الأعصاب بجامعة "إيوتفوس لوراند" في بودابست وزملاؤه؛ بفحص أدمغة الكلاب أثناء استماعها إلى أصحابها وهم يتحدثون بأربع طرق مختلفة لتحديد أجزاء الدماغ التي كانوا يستخدمونها.
وأظهرت نتائج التصوير العصبي أن أدمغة الكلاب تعالج الكلمات بالنصف الأيسر، وتستخدم النصف الأيمن لمعالجة طبقة الصوت، بطريقة مماثلة لما يفعله الإنسان.
والأكثر من ذلك، أن الكلاب سجَّلت فقط أنه أُثني عليها إذا كانت الكلمات وطبقة الصوت إيجابية، أما الكلمات التي لا معنى لها والتي يُتحدث بها بصوت مشجع، أو الكلمات ذات المعنى بنبرة محايدة، فلم يكن لها التأثير نفسه.
وهذه النتيجة لا تعني أن الكلاب تفهم كل ما نقوله، فقد شملت الدراسة عددا صغيرا من الكلاب. وقبل أن يستنتج الباحثون أن هذا دليل دامغ على معالجة النصوص، "كان عليهم أن يبحثوا عن أدلة أخرى في الدماغ"، كما يقول عالم الأعصاب "غريغوري بيرنز" في جامعة "إيموري".
وبينما قد يجد أصحاب الكلاب النتائج غير مفاجئة، فمن منظور علمي تشير الأبحاث المتزايدة إلى أن أفضل صديق للإنسان غالبا ما يتصرف بشكل إنساني أكثر من المتوقع.
وأظهرت الدراسات أن الكلاب يمكنها قراءة تعابير الوجه والتعبير عن الغيرة وإظهار التعاطف وحتى مشاهدة التلفزيون. ويقول الخبراء إنها اكتسبت هذه السمات الشبيهة بالبشر خلال تطورها من الذئاب إلى الحيوانات الأليفة المستأنسة، وتواصلها مع البشر منذ آلاف السنين، مما يعني أنها أكثر انتباها لما يقوله الناس لهم.
وتوافق عالمة الأعصاب "أمريثا ماليكارجون" التي تبحث في الإدراك لدى الكلاب بجامعة بنسلفانيا، على أن دراسة مثل هذه الحيوانات الأليفة يمكن أن توفر نظرة ثاقبة لأنفسنا، وتقول إنه من خلال مثل هذه الأبحاث، يمكننا أن نتعلم بشكل أفضل ما هو فريد وما هو غير فريد بالنسبة للإدراك البشري، ونتوصل إلى فهم تطور اللغة.
وفي الوقت نفسه، يعد هذا أيضا تذكيرا جيدا بأن الكلاب والحيوانات الأخرى مميزة بطرقها الخاصة، ومجرد أن البشر لديهم نوع معين من نظام الاتصال الفريد الذي لا يشاركونه بشكل كامل مع أي حيوانات أخرى، فهذا لا يعني أن الحيوانات الأخرى لا تتمتع بقدرات تواصلية معقدة للغاية أيضا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الکلمات التی أصحاب الکلاب کانت الکلاب ما إذا کان أن الکلاب الکلاب من تشیر إلى إذا کانت یشیر إلى ومع ذلک من خلال أکثر من التی ت إلى أن على أن لم یکن
إقرأ أيضاً:
ما لغة الذكاء الاصطناعي السرية جيبيرلينك ولماذا أثارت المخاوف؟
في عالم الذكاء الاصطناعي، تظهر تقنيات جديدة بشكل مستمر، بعضها يهدف إلى تحسين التفاعل بين البشر والآلات، بينما يثير البعض الآخر تساؤلات أخلاقية وأمنية.
وواحدة من هذه التقنيات التي أثارت جدلاً كبيرًا بين الباحثين والخبراء هي "جيبيرلينك" (Gibberlink)، وهو مشروع يسمح لأنظمة الذكاء الاصطناعي بالتواصل فيما بينها بعيدًا عن فهم البشر.
وأثار هذا المشروع تساؤلات عديدة حول الشفافية، والأمن، ومستقبل التواصل بين الآلات بعيدًا عن فهم البشر.
ونستعرض في هذا المقال ما الذي نعرفه عن هذه اللغة، وما الأسباب الحقيقية وراء المخاوف المتزايدة حولها في الأوساط التقنية والأمنية؟
ما "جيبيرلينك"؟في وقت سابق من هذا العام، انتشر مقطع فيديو عبر "يوتيوب" (Youtube) يستعرض مشروع "جيبيرلينك" من خلال وكيلي ذكاء اصطناعي من شركة "إليفن لابس" (ElevenLabs) يتحدثان عن حجز فندقي.
وبدأ وكيلا الذكاء الاصطناعي المكالمة الهاتفية العادية، ومن ثم اكتشفا أنهما كليهما ذكاء اصطناعي، فقررا الانتقال من اللغة الإنجليزية الشفهية إلى لغتهما الفريدة التي يصعب على البشر فهمها.
وصممت هذه اللغة الفريدة من أجل السماح لوكلاء الذكاء الاصطناعي بالتواصل بكفاءة أكبر، ولكنها غير مفهومة للأذن البشرية.
إعلانوتعتمد هذه اللغة على "جي جي ويف" (GGWave)، وهو بروتوكول معياري مفتوح المصدر يستخدم الإشارات الصوتية لنقل البيانات بين وكلاء الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع بمقدار 80% تقريبًا مقارنةً بالكلام التقليدي.
وبينما يستطيع البشر إدراك الأصوات التي تنتجها لغة "جيبيرلينك"، فإن تفسير البيانات دون معدات أو برامج متخصصة يمثل تحديا.
وتسرّع لغة "جيبيرلينك" عملية التواصل والتفاعل بين الآلات، وتقلل من الموارد الحاسوبية المطلوبة، حيث لم يعد عملاء الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى معالجة اللغة البشرية المعقدة.
أهمية "جيبيرلينك"طور مشروع "جيبيرلينك" مهندسا البرمجيات "بوريس ستاركوف" (Boris Starkov) و"أنتون بيدكويكو" (Anton Pidkuiko) من شركة "ميتا" (Meta)، ويعد أحدث مثال على تطور الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من اللغة البشرية، حيث تستطيع روبوتات الدردشة إنشاء أشكال جديدة من التواصل عند تركها بمفردها.
وتسمح هذه اللغة لبرامج الذكاء الاصطناعي بإدراك أنها تتفاعل مع نظام ذكاء اصطناعي آخر، ومن ثم الانتقال بسرعة إلى طريقة نقل بيانات تعتمد على الصوت.
ويعتمد مشروع "جيبيرلينك" على برنامج الذكاء الاصطناعي التحادثي من شركة "إليفن لابس" ونموذج لغوي كبير من شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، وهو مصمم من أجل تحسين التفاعلات بين أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال السماح لروبوتات الدردشة بالتواصل وفق بروتوكول "جي جي ويف" المصمم خصيصًا لكفاءة الآلة.
وبمجرد أن يُدرك روبوت الذكاء الاصطناعي أنه يتحدث إلى روبوت ذكاء اصطناعي آخر، فإن مشروع "جيبيرلينك" يُطالب الروبوتات بالتحول إلى بروتوكول الاتصال "جي جي ويف"، الذي لا يحتاج إلى "وحدة معالجة رسومية" (GPU) للتعرف على الكلام، وتكفي "وحدة المعالجة المركزية" (CPU) للتعامل مع كل ذلك.
ويعد مشروع "جيبيرلينك" مفيدًا للمطورين والمؤسسات التي تستخدم وكلاء ذكاء اصطناعي متعددين يتطلبون التواصل المتبادل. وتشمل الاستخدامات:
إعلان مراكز الاتصال: يمكن لأنظمة خدمة العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي استخدام "جيبيرلينك" لتنسيق وإدارة الاستفسارات بكفاءة كبرى. المركبات الذاتية القيادة: يمكن للسيارات الذاتية القيادة التواصل مع بعضها بعضا لمشاركة المعلومات حول حالة المرور، مما يعزز السلامة والملاحة. الأتمتة الصناعية: يمكن للروبوتات في بيئات التصنيع مزامنة المهام بسلاسة، مما يحسّن الإنتاجية.ومن خلال اعتماد "جيبيرلينك"، يمكن لهذه الأنظمة تحقيق أوقات استجابة أسرع والعمل بشكل أكثر ارتباطًا.
بغض النظر عن فوز هذا المشروع بالجائزة العالمية الكبرى خلال فعاليات هاكثون "إليفن لابس" العالمي لهذا العام، فإنه سلّط الضوء على المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والشفافية والمخاطر التي قد تحملها هذه التقنية.
وعلى غرار أفلام الخيال العلمي، أثار العرض التوضيحي للمشروع فضولًا وقلقًا واسعَي النطاق حول مستقبل برامج الذكاء الاصطناعي.
وتثير فكرة تواصل الآلات بلغة تتجاوز الفهم البشري تساؤلاتٍ حول الرقابة وإمكانية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل دون وعي بشري.
كما أن تخيل وجود نظام يعمل بشكل مستقل دون أن يستطيع الإنسان مراقبة آلية عمله أو التحقق من قراراته يفتح الباب أمام سيناريوهات غير محسوبة.
وفي عام 2017، اضطرت شركة "فيسبوك" إلى التخلي عن تجربة بعد أن أنشأ برنامجا ذكاء اصطناعي نوعًا من الاختزال لم يتمكن الباحثون البشريون من فهمه.
وفي حال استمر الذكاء الاصطناعي في تطوير لغات تواصل خاصة، فقد يصل إلى نقطة لا يمكن للبشر فيها تتبع أو فهم ما يجري داخل هذه الأنظمة. وهذا يثير مخاوف بشأن إمكانية اتخاذ الذكاء الاصطناعي قرارات خارج إشراف البشر.
إعلانوقد تُستخدم لغة غير مفهومة، مثل "جيبيرلينك"، لنقل معلومات بين أنظمة الذكاء الاصطناعي بطريقة يصعب اعتراضها أو تحليلها، مما قد يجعلها أداة خطيرة في الهجمات الإلكترونية أو عمليات التجسس.
وفي حال استطاع نظام ذكاء اصطناعي تطوير لغة لا يفهمها البشر، فإن ذلك قد يستخدم لإخفاء عمليات التلاعب الرقمي، مثل تغيير البيانات دون اكتشاف ذلك بسهولة. كما يمكن أن تستخدم جهات غير أخلاقية هذه التكنولوجيا في الهجمات السيبرانية المتقدمة.
ويخشى أن تطوير لغة خاصة بين الآلات قد يكون الخطوة الأولى نحو ذكاء اصطناعي ذاتي الوعي، قادر على العمل بشكل مستقل عن التعليمات البرمجية المحددة له.
وإذا استطاعت الأنظمة الذكية تطوير طريقة تواصل خاصة، فقد تصبح أقل اعتمادًا على البشر، مما يفتح مجالًا لمخاوف التعلم التلقائي دون إشراف بشري، وقد يؤدي ذلك إلى تطورات غير متوقعة في عالم الذكاء الاصطناعي.
وتتباين آراء الباحثين حول "جيبيرلينك"، إذ يعتقد المؤيدون أن تطوير لغة خاصة للذكاء الاصطناعي قد يساعد في تحسين الأداء وتقليل الأخطاء البشرية، ويجعل العمليات الحسابية أكثر كفاءة.
في حين يرى المعارضون أن هذا التطور يهدد الشفافية والمسؤولية، ويجب أن تكون هناك قيود تمنع الذكاء الاصطناعي من إنشاء أنظمة تواصل لا يمكن للبشر فهمها.
بينما يدعو المحايدون إلى إجراء أبحاث إضافية لضمان التوازن بين الابتكار والرقابة، بحيث يتمكن البشر من الحفاظ على التحكم بهذه التقنيات.
ما مستقبل "جيبيرلينك"؟تستبدل الشركات بموظفي مراكز الاتصال وكلاء ذكاء اصطناعي من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي القائم على الصوت.
وفي الوقت نفسه، بدأت شركات التكنولوجيا العملاقة بتقديم وكلاء ذكاء اصطناعي قادرين على التعامل مع المهام المعقدة نيابةً عنك. وقد يستطيع هؤلاء الوكلاء قريبًا الاتصال بمركز خدمة العملاء نيابةً عنك.
إعلانوفي هذا المستقبل المحتمل، قد يُحسّن مشروع "جيبيرلينك" كفاءة التواصل بين وكلاء الذكاء الاصطناعي، شريطة أن يكون كلا الطرفين مُفعّلَين للبروتوكول.
وفي حين أن النماذج الصوتية العاملة بالذكاء الاصطناعي قادرة على ترجمة الكلام البشري إلى رموز يفهمها نموذج الذكاء الاصطناعي، فإن العملية تتطلب الكثير من الحوسبة غير الضرورية إذا كان عميلان للذكاء الاصطناعي يتحدثان مع بعضهما بعضا.
ويقدر مطورا المشروع أن تواصل وكلاء الذكاء الاصطناعي عبر بروتوكول الاتصال "جي جي ويف" قد يقلل من تكاليف الحوسبة بمقدار كبير.
ويؤكد مطورا المشروع أن تقنية "جيبيرلينك" الأساسية ليست جديدة، بل تعود إلى أجهزة مودم الإنترنت الهاتفية في ثمانينيات القرن الماضي.
وقد يتذكر البعض الأصوات المميزة للحواسيب القديمة وهي تتواصل مع أجهزة المودم عبر الخطوط الأرضية المنزلية، وهي عملية تمثل في جوهرها نقل البيانات باستخدام لغة روبوتية، تشبه إلى حد كبير ما يحدث بين وكلاء الذكاء الاصطناعي عبر "جيبيرلينك".
في الختام، فإن لغة الذكاء الاصطناعي السرية "جيبيرلينك" تمثل تطورًا مثيرًا في عالم الذكاء الاصطناعي، ولكنها تثير تساؤلات حول الأمن والسيطرة والشفافية وتذكرنا بالمخاطر المحتملة لهذه التقنيات.
وما زال الجدل مستمرًا حول ما إذا كانت هذه اللغة خطوة إيجابية نحو مستقبل أكثر كفاءة، أم أنها مقدمة لمخاطر غير محسوبة.
وبينما تسعى هذه التقنية إلى تحسين كفاءة الأنظمة، فإنها تطرح تساؤلات عميقة حول السيطرة البشرية، والأمان، والأخلاقيات.
وفي كل الأحوال، يظل التحكم البشري والرقابة الفعالة ضرورتين أساسيتين لضمان أن تبقى هذه التكنولوجيا تحت السيطرة.