جولة في “جمهورية الحب”.. رئيسها فنان.. مقر رئاسة الجمهورية ومقر البرلمان المقهى.. دستور اوزوبيس على الجدران.. “لكل الحق أن يصبح أكثر حكمة أو أكثر حمقا”

فيلنيوس- ليتوانيا- اسيا العتروس: هل سمعت عن دستور الحب؟ سؤال كثير ما تردد في أروقة المركز الإعلامي على مدى أشغال قمة الحلف الأطلسي المنعقدة قبل أسبوعين في العاصمة الليتوانية فيلنيوس.. نعم هناك بين التصريحات النارية لقادة الحلف والحروب الكلامية والصفقات العسكرية والاتهامات المتلاحقة لروسيا والصين بعسكرة العالم وتأجيج الحرب في أوكرانيا كان هناك حديث عن جمهورية خاصة جدا وعن دستور الحب الذي لم يكتبه مشرعون أو سياسيون أو نواب برلمانيون بل وضعه فنانون كتاب ومسرحيون اجتمعوا لتأسيس “الجمهورية  الفاضلة” وإخراجها من الكتب إلى أرض الواقع في عالم اليوم الذي تتقاذفه الصراعات والحروب .

. هي جمهورية يمكن الوصول إليها عبر نهر فيلينا الذي يشق العاصمة الليتوانية  فيلنيوس ومنه إلى شوارع جمهورية اوزوبيس الضيقة ومبانيها العتيقة وساحاتها المضيئة التي يتجه إليها الزوار لاستكشاف معالم هذه الجمهورية الواقعة داخل جمهورية ليتوانيا ذاتها والاطلاع على دستورها الذي طالما تحدث عنه الفنانون.. المثير انه ومن أهم شروط الانتماء إلى جمهورية اوزوبيس انه يتعين على المواطنين إلقاء همومهم ومشاكلهم وراء ظهورهم، وأفريل الماضي قبل أي خطوة على ارض جمهورية السعادة.. فلكل إنسان الحق في السعادة، طبعا هناك شروط أخرى لا مجال دونها للانضمام لجمهورية اوزوبيس ولكن هذا يبقى الشرط الأهم إلى جانب الإقرار بأنه لكل إنسان الحق ألا يشعر بالخوف.. وسيكون من المهم وقبل استعراض بقية الشروط الإشارة إلى أن تاريخ تأسيس جمهورية اوزوبيس على ارض الواقع ارتبط بغرة افريل أو كذبة افريل، ومع حلول هذه الذكرى السنوية يجتمع شعب اوزوبيس للاحتفال بذكرى إعلان جمهوريتهم منذ 1998. جمهورية ازوبيس ليست كذبة افريل وهي جمهورية قائمة على أرض الواقع وإن لم يكن لها موقع في المنظمات الدولية أو اعتراف منها. وجمهورية اوزونيس التي تغري الزائرين وتدفعهم للبحث في أسرارها جمهورية قائمة بدستورها وشعارها ونشيدها وعلمها ورئيسها وحكومتها وبرلمانها وهي بكل بساطة جزء من العاصمة الليتوانية فيلنيوس جمهورية لا يمكن لزائر هذا البلد ألا يتوقف عندها ويقرأ نص دستورها المعلق كالجدارية وقد ترجم إلى واحد وأربعين لغة حتى يطلع عليها الجميع.. كلمة أوزوبيس، تعني باللغة الليتوانية ما بعد النهر أو الضفة الأخرى للنهر، ومنها أطلق اسم الجمهورية التي تمتد على المنطقة المحيطة بنهر فيلنيا، الواقع أن جمهورية ازوبيس لا تشبه في شيء مملكة اطلنطيس الافتراضية فهي جمهورية حقيقية بحدودها ومعالمها ولكنها ليست عضوا في الأمم المتحدة رئيسها يستقبل شعبه في المقهي ويلتقي الصحفيين في الشارع.. هي بكل بساطة جمهورية الفن الحب والحرية.. ويمكن للزائر أن يكون سفيرا لها دون صفة رسمية أو تعيين.. جمهورية ازوبيس تمتد على مساحة اقل من كيلومتر مربع وتقع في الجزء القديم من مدينة فيلينيوس ويفصلها عن بقية المدينة نهر نهر فيلنيا الذي يمثل الحدود الطبيعية لجمهورية ازوبيس التي تمتد على مساحة أحد الأحياء الأكثر فقرا وتهميشا وإجراما والذي تحول اليوم إلى قبلة سياحية وجمهورية ثقافية بامتياز تحتضن الشعراء والفلاسفة والفنانين. رئيسها روماس ليليكس ووزير خارجيتها توماس سيبايتس وهما من رجال الفن ومن مؤسسي الجمهورية التي تمتد على حي مساحته أقل من كلم مربع واحد ضمن الجزء القديم من العاصمة الليتوانية فيلنيوس. ومع أن الجمهورية لا تمثيل لها في العالم وفي المنظمات الإقليمية والدولية فلديها أكثر من 350 سفيرا فخريا من دول مختلفة هم في أغلبهم من زوار المدينة الذين سيروجون لها لدى مختلف الشعوب ويعرفون بها وينشرون أفكارها ودستورها الذي ينضم بنودا لا تشبه أي دستور في العالم …

 

-الكف المقدسة  في ساحة أوزوبيس ينتصب تمثال رمز الجمهورية، وهو الملاك جبريل الذي ينفخ في بوق كناية عن نهضة سكانها، وعودة الحياة إلى الحي.وصانع التمثال هو النحات روماس فيلسياوسكاس، وقد جمعت كلفة التمثال من بيع نسخ مصغرة منه. علم الجمهورية الذي يحمل رسم “الكف المقدسة” فهو رسم لراحة يد مثقوبة على خلفية بيضاء. ويتغير لون الكف مع دورة الفصول بالتسلسل. الأزرق في الشتاء، والأخضر في الربيع، والأصفر في الصيف، والأحمر في الخريف، وذلك “لأننا نعيش في حلقة دورة الطبيعة” كما يقول ليليكس. وترمز الكف المفتوحة إلى الوضوح، وعدم إخفاء شيء، أما الثقب فيعني عدم قبول الرشاوى. إذا علمنا أن في جمهورية ازوبيس يقيم نحو ثمانية آلاف ساكن بينهم نحو 1000 فنان ومبدع ورسام وشاعر يمكن أن نفهم طبيعة هذه الجمهورية وخصوصياتها .. هي جمهورية ليست ملكا لأحد ولكنها ملك للجميع.. مقر رئاسة الجمهورية ومقر البرلمان هو المقهى الذي يجتمع فيه الكل لتولي أمور الجمهورية.. اختيار المسؤولين وأعضاء الحكومة يقوم على التطوع  الطريف أن عددا من الوزراء السابقين في جمهورية الحب والفن انضموا لاحقا إلى الحكومة الليتوانية.. تاريخيا كان الحي تجمعا لليهود الذين رحلوا أو قتلوا أثناء سيطرة المانيا النازية على ليتوانيا.. وتحول الحي لاحقا إلى تجمع للفئات الفقيرة المهمشة والمشردين وعرف خاصة بانتشار الجريمة  و كان الدخول  اليه في الليل اوالنهار يعد  مغامرة كبيرة و لكن خاصية الحي وهنا كلمة السر في جمهورية ازوبيس انه يجمع كل أنواع الفن والفنانين والكتاب والموسيقيين الذين اتفقوا على التعايش معا … -الفن في خدمة الشعب بعد ثماني سنوات على استقلال جمهورية ليتوانيا عن الاتحاد السوفييتي عام 1990، أعلن سكان أوزوبيس في 1 أفريل 1998 حيّهم جمهورية مستقلة، ومن أبرز الذين كانوا وراء هذه الفكرة روماس ليليكس المخرج والشاعر، وتوماس سباتيس وهو مترجم ومؤلف وموسيقي وكاتب مسرحي. يقول الرئيس الشاعر ليليكس “يوجد في أوزوبيس فقراء وأغنياء، وما يجمعنا هو الشعور بالوطن، وبما يمكن أن نفعله معا، لم تكن أمنيتنا أن نصبح أكثر ذكاء، ولا أغنى، وإنما أن نكون معا.رسميا  تظل أوزوبيس جزء من ليتوانيا وتابعة لحكومتها، ولا علاقات خارجية لها واستقلالها ثقافي وفكري واجتماعي.. الطريف انه في جوان 2004 وقع كل من ليليكس الرئيس الفنان ووزير الخارجية الليتواني حينها أنتاناس فاليونيس اتفاقية صداقة وتبادل ثقافي واحترام بين جمهورية أوزوبيس وحكومة ليتوانيا. تستقطب ازوبيس قادة وزعماء وسفراء تجذبهم إليها خصوصياتها المعمارية وتستهويهم خاصة أنشطتها الثقافية ومهرجانتها ومواعيدها الفكرية كما تستهويهم افكار وثقافة مسؤوليها باعتبارها “جمهورية المبدعين” في كل المجالات والعلاقات في جمهورية ازوبيس تقوم على الحوار والانفتاح … هكذا بدأت الحكاية خلال 1989، التقى  الرئيس الفنان ليليكس ووزير خارجيته المسرحي سيبايتس، وقررا كتابة دستور لجمهورية ازبيس يتضمن هذا الدستور41 بندا مرسومة على الجدران على ألواح عاكسة  معلق في شارع بوبيو وتمت ترجمة الدستور إلى 41 لغة بينها اللغة العربية.. والدستور الذي يعرف بدستور الحب يسمح بكل شيء ويرفض “العدوانية والظلم” ومن لا يحترم ذلك لا مكان له في جمهورية أزوبيس… “لكل إنسان الحق في أن يعيش على جانب نهر فيلنيا، ولنهر فيلنيا الحق في التدفق للجميع”هذا ما ينص عليه دستور ازوبيس الذي يقر أيضا “”لكل إنسان الحق في أن يرتكب الأخطاء”،وأن “لكل إنسان الحق في أن يموت، ولكن هذا ليس التزاما”، و”لكل إنسان الحق في أن يكون محبوبا، ولكن ليس بالضرورة”، و”لكل إنسان الحق في أن يحب القطط وأن يعتني بها”، و”القطة غير مجبرة على أن تحب صاحبها، لكن يجب عليها مساعدته وقت الحاجة”، و”للكلب الحق في أن يكون كلبا”، و”لكل إنسان الحق في أن يكون غير مميز وغير معروف”. وتوجد في أوزوبيس جامعة شعارها “لكل الحق في أن يصبح أكثر حكمة أو أكثر حماقة”، وهي تكتفي بمحاضرات عن مواضيع تتعلق باكتشاف الغنى الداخلي، وامتلاك صوت، وتحفيز الارتجال، والخيال، والشعر، والأحلام، وقراءة الكتب، وعميدها هو وزير الخارجية توماس سيبايتس. وفي البداية، كان للجمهورية جيش مؤلف من 10 أفراد، لكن تقرر حله عام 1999 انطلاقا من مبدأ السلام الذي تعتنقه أوزوبيس. جمهورية ازوبيس ليست بالمدينة الفاضلة وإن كانت تتطلع إلى ذلك، على ارض ازوبيس شعب يحلم بحياة خالية من ضغوطات الحياة اليومية.. هي بلاد توفر لأبنائها كل وسائل الترفيه وتسعى لإسعادهم ولا هدف لمؤسسيها غير ذلك وهي تفخر بكونها الجمهورية الأكثر سعادة، في العالم وأنه لا صراعات داخلية أو خارجية لها .. من شروط الانضمام لجمهورية اوزوبيس انه على  –على مواطنيها ألا يكونوا من أصحاب الهموم وألا يكون  لديهم مشكلات، أن يبتعدوا التفكير في الأحداث التي تدفع للإحساس بالغضب .. دستور جمهورية اوزوبيس المعلق في الشوارع ينص  أيضا على “أن لكل إنسان الحق أن يكون كسولا “، وألا يحمل احد هموما أو أحزانا .. من حق الجمهورية أن تطرد أي شخص عصبي لا يتحكم في أعصابه ويتسبب في حدوث مشكلة.. وأن تطرد أي شخص تسول له نفسه أن يضايق كلبا أو قطة في الشارع..، وفي جمهورية اوزوبيس ممنوع القيادة بسرعة ومن يتجاوز الأربعين كيلومترا في الساعة يطرد نهائيا …

المصدر: رأي اليوم