انتعاش درامي وتطور ملحوظ.. الدراما اليمنية تجسد هموم الشعب
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
يمن مونيتور/هبة التبعي
يجتمع أبناء القرية رجالا ونساء عند جارهم المغترب الذي يمتلك تلفاز أتى به من خارج البلاد، ليشهدوا بزوغ فجر الثقافة والدراما في اليمن لأول مرة ، كل يوم في ذات الميعاد يتوافدون بشغف ليشاهدوا مسلسل ” الوجه المستعار” باللون الأبيض والأسود في التلفزيون اليمني عام 1976.
بعد سبعة أعوام تمامًا أنتج التلفزيون اليمني مسلسلا آخر ” دحباش” أي في عام 1983، وبعد ثمانية أعوام أنتج ” حكاية دحباش” أي في عام 1991.
في تلك الحقبة الزمنية كان يعد إنتاج مسلسل في التلفزيون ظاهرة نادرة الحدوث، ينتظرها اليمنيون أعوام كثيرة بحماس وترقب.
ومن عصر التسعينات والإنتاج الدرامي يتزايد مع تزايد عدد ظهور قنوات فضائية يمنية، تنوعت مواضيع المسلسلات لتشمل التاريخ والسياسة والكوميديا، وظهرت أسماء فنية بارزة مثل عبدالناصر العزاني وفاطمة الحارثي.
تقول مرجانة الشرعبي التي تبلغ من العمر 80 عامًا لموقع يمن مونيتور:” حينما ظهر أول مسلسل كان حديث الناس هنا في القرية، كنا نجتمع كل مجموعة في منزل من المنازل الذين يمتلكون تلفازا، كون التلفاز كان نادرا ما نملكه، كنا حينها نعتقد أن هذه المسلسلات حقيقة، وأحداثها وأشخاصها وعلاقتهم حقيقية ولا ندرك ما معنى التمثيل إطلاقا”.
لم يكونوا لديهم معرفة إطلاقا بعالم الفنون والثقافة والسينما، ويعايشيون ما يعرض على التلفاز وكأنه حقيقة ولا يعرفون الجيد من الردئ ولا السلبي من الإيجابي، حسب ما تقول الشرعبي.
وفي عهد الألفية الجديدة، تطورت تقنيات الإنتاج وازدياد جودة المسلسلات اليمنية وبدأت الدراما اليمنية تشارك في المهرجانات العربية والعالمية، ومن أشهر الأعمال في هذه الفترة ” همي همك” عام ( 2007) و مسلسل ” غربة البن ” عام (2019).
ولكن منذ عدة أعوام سابقة، من زمن الحرب تحديدًا والآراء تتصاعد وتتصارع حول أفكار ومواضيع المسلسلات الدرامية التي تعرضها القنوات التلفزيونية اليمنية، تزامنا مع تزايد وسائل التعبير وتبادل الآراء ” منصات التواصل الإجتماعي” ، حيث أتاحت له هذه المنصات والمواقع الالكترونية تدفق الكثير من الأعمال الدرامية والسينمائية العربية والعالمية فأكتسب المجتمع اليمني وعيًا دراميًا يجعله يقتنص للأخطاء ويرتصد للفهوات لتصبح حديث اليمنيين في كل موسم.
يؤكد قائد غيلان، ناقد وكاتب يمني، أنه أصبح هنالك وعي عند المتلقي بسبب انفتاحه على الأعمال العربية والعالمية، لذلك ينتقد بكل قسوة الأعمال التي تُعْرَض عليه؛ لذا فهي مجبرة أن تطور من نفسها وتساير التغيير والتطور، فلا يمكنها أن تقنع المشاهد بوسائلها القديمة وشخصياتها القديمة وطريقتها النمطية المملة.
نقلة صارخة
“يجد المتابع للدارما اليمنية تطورا ملحوظا في الثلاث السنوات الأخيرة سواء على مستوى الموضوع أو التقنيات الفنية، وقد كانت أول نقلة نوعية في مسلسل سد الغريب، الذي انتجته شركة دوت نوشن قبل ثلاث سنوات، بعد ذلك وجدنا تطورًا سريعًا في شكل وأسلوب المسلسلات اليمنية، أصبحوا يناقشون قضايا جادة، ويستخدمون أساليب إخراجية مختلفة وتقنيات عالية في التصوير والإضاءة واختيار أماكن التصوير وتنويع اللقطات”، يوضح قائد غيلان، أستاذ مساعد في جامعة دار السلام الدولية في صنعاء.
تقول رواية الحسيني إحدى المتابعات لدراما لموقع ” يمن مونيتور”: ” لا أعلم كيف استطاعت الدراما اليمنية هذا العام أن تشعرنا أنها حقيقة، إنني اتأثر بمشاهدها وأحزن بشدة في كل مشهد محزن، الأعمال هذا العام فاجأتني بشدة، بالرغم أنني لم أكن أحبذها أبدا منذُ فترة الحرب، لقد كنت أطلق عليها المسخرة اليمنية عوضا عن الدراما اليمنية”.
الدراما مثلت الواقع، لمست الكثير من المشاهد قلب الحسيني وما تعايشه هي وأسرتها وجيرانها؛ لذا أنسجمت مع المسلسلات وتشيد بها بشكل كبير، حسبما تقول.
وتكتب أشواق الغيالي، مهتمة بالدراما على صفحتها في الفيسبوك ” الدراما اليمنية تتعافى وتعود إلى الساحة اليمنية وتأخذ مساحتها المستحقة بجهود كادر متمكن وبإبهار أنيق واستثنائي”.
الكثير من الردود الإيجابية غير المسبوقة تتصدر هذا العام، كتب الكُتاب وأشاد بها النقُاد، أجتاح المشاهد اليمني كمية رضى عن الدراما المحلية بخلاف الأعوام السابقة حيث أنتقدت الدراما اليمنية أكثر من الازم.
ما سبب هذا التطور المفاجئ؟!
يرى زيدون العابدين، مخرج وممثل يمني أن تعدد القنوات التلفزيونية بسبب تعدد الأحزاب، حيث كل حزب سياسي في اليمن لديه أكثر من قناة، فأحدث هذا تنافس كبير في الدراما اليمنية أدى إلى تطورها بشكل إيجابي.
ويتفق معه جمال حسن، ناقد وكاتب يمني، حيث يقول:” تنافس المنتجين على إنتاج أفكار جديدة ومتطورة يحسب لنجاح الدراما ولو بشكل بطيء”.
ويضيف جمال أن السبب أيضا في تناول الدراما الواقع اليمني وتنوع المواضيع، ولأن المشاهد اليمني يرغب أساسا منذ أن تشكلت ذائقته الدرامية في دراما تمثل واقعه وتعالج قضاياه وتناقشها بأسلوب درامي سلس.
” حتى الجانب الكوميدي الذي تقلص هذا العام بخلاف السنوات الأخيرة التي ركزت على الكوميديا، تطورت برغم أن هناك القليل من المبالغات والتعابير التضخميمية والمفتعلة، لكن من الصعب أن يتخلى عنها الممثل اليمني كونه أنغمس فيها طيلة أعوام كثيؤة سابقة”، يرى جمال.
ويقول مروان المخلافي، أستاذ مساعد في قسم الإعلام وعلوم الإتصال في جامعة تعز، أن مضمون الأعمال هذا العام يحاكي الواقع، وتعدد الشخوص من الممثليين والمنتجين والمخرجين، بالإضافة إلى المعالجة التي ركزت عليها الدراما أي أصبح لدى كل مشهد مبررات منطقية، كما أن هناك شخصيات إيجابية يبحث عنها الناس وتوجههم بشكل غير مباشر.
إبهار بصري
يعبر منتصر الخليدي، مخرج ومصور يمني، لموقع ” يمن مونيتور”:” المسلسلات اليمنية موسمية وتنتظر القنوات اليمنية في كل رمضان للتنافس، وفي هذا العام بالتحديد أهتمت بالجانب التقني والفني بشكل ملحوظ”
تميز مسلسل ” ماء الذهب” ومسلسل “قرية الوعل” بالجانب التقني والفني أكثر من غيرهم بسبب وجود الكوادر الفنية المتميزة والإهتمام بالإضاءة والزوايا الفنية، كل هذا كان مساعد لرواية القصة بشكل سلس وممتع، فكل جانب فني في العمل يعبر عن شيء طرحه المخرج ويخدم القصة، حسب الخليدي وهو صانع أفلام.
ويسترسل مسلسل ” ماء الذهب” انتجته شركة ” دوت نوشن” وهذه الشركو دائما تسعى للإبهار البصري وتعتني بالعنصر الفني بشكل كبير، مما سجل نقطة إيجابية لصالح الدراما اليمنية.
مواكبة العصر
“التحديث يفرض نفسه على صناع الدراما، وبسببه نرى هذا التغيير في المواضيع والقضايا والأساليب، وبسببه أيضا نشهد هذا التنافس الجميل والمثمر، فالمشاهد لم يعد مجبرا على متابعة مسلسلك كيفما كان، عنده خيارات متعددة”، يفيد غيلان
ويواصل حديثه لـ” يمن مونيتور”، على الدراما أن تقنع المشاهد، بعمل يشده ويجذبه أو سيتركك ويذهب يشاهد مسلسلا آخر، ما نشاهده من تنافس في العامين الأخيرين يبشر بمستقبل مشرق ومشرّف للدراما اليمنية، وقد بدأنا نرى مؤشرات إيجابية رائعة فيما عُرِض العام الماضي وما يعرض هذا العام .
أهمية الدراما
يقول مروان المخلافي، وهو أيضا ممثل يمني، لموقع “يمن مونيتور”:” الدراما أحد أهم الوسائل لتوصيل الفكرة والرؤيا والرسالة، خصوصا الدراما اليمنية، تنبع أهميتها لمدى حاجة المشاهد لدراما تمثل الواقع والقضايا، فهناك الكثير من القضايا في المجتمع اليمني سواء كانت سياسية أو إجتماعية أو ثقافية أو فنية وكذلك قضايا المرأة والطفل والشباب، بحاجة إلى ترجمة من خلال الدراما”
ويضيف المخلافي، أن رمضان هو موسم الدراما اليمنية والمشاهدين متعطشين لدراما استثنائية وينتظرون من العام إلى عام ويرغبون أم تكون لسان حالهم، والفكرة التي لا يجيدون التعبير عنها.
الدراما عنصر تثقيفي ومؤثر، يعنى بالمساعدة على تجذير وتعميق كثير من القيم الوطنية والإجتماعية، ويساهم على نقد ظاهرة اجتماعية سيئة بطرق مباشرة وغير مباشرة، خصوصًا إذا قل فيها الخطاب وكثرت فيها المشاهد والأحداث التي تعكس الظاهرة وتعمقها في مجريات الأحداث دون الحاجة إلى الخطاب المباشر والموعظة والنصائح، يسرد جمال حسن.
مزيد من الدراما مزيدا من التحديات
الحرب والصراعات السياسية أدت إلى تراجع الإنتاج الدرامي وصعوبة التنفيذ في كثير من المناطق، يرى الناقد جمال حسن أن الفجوة المتكررة في الدراما اليمنية تكمن بالإعتماد على العامل السياسي الذي يوجه مضمون العمل، فالجهات الحكومية والخاصة أخر ما قد تدعمه هي الدراما والفن.
تحتاج الكوادر الفنية إلى مزيد من التدريب وتطوير المهارات إلا أننا نفتقر إلى المدارس الدرامية والسينمائية في البلاد، فالدراما اليمنية تحتاج إلى نص قوي، وإنتاج مادي ترتب راحة الفنان وتوفر له بيئة خصبة للإبداع وتستفحل خيال الكتاب لينسجوا لنا قصص وأعمال تنافس الدراما العربية والعالمية، حسب المخلافي.
يمكن لدراما اليمنية أن تنطلق بشكل أكبر وتتوسع قاعدة المشاهدين العرب والعالميين، فبرغم كل التحديات إلا أن هناك نقاط قوية تحسب لدراما اليمنية، إذا أحسنت استغلالها ووجد الداعم الذي يساعدها على ذلك.
لدى اليمن ثراء في التاريخ ثقافة يمنية غنية، ما إذا اسُتغل هذا الجانب لتمكنت الدراما من تناول مواضيع تطلقها عالميا وتعرف الآخرين بتاريخنا وثقافتنا بشكل كبير، ناهيك عن شغف الموهوبين وتطلعاتهم الفنية الكبير.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الدراما اليمن العربیة والعالمیة الدراما الیمنیة یمن مونیتور الکثیر من هذا العام
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري يكشف عن تحول وتطور جديد في المواجهة الأمريكية تجاه الحوثيين ولماذا استخدمت واشنطن قاذفات B2 وبدأت بقصف أهداف متحركة؟
قال الباحث بالشؤون العسكرية علي الذهب ان هناك تحول في المواجهة بين الولايات المتحدة والحوثيين، وان اميركا ستضاعف الهجمات على الحوثيين وتركز بشكل أكبر على تحركات الجماعة خارج صنعاء.
علي الذهب، تحدث للأناضول إن "التطورات تشير إلى تحول في المواجهة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي".
وأضاف: "هناك تطور ملحوظ في آلية المواجهة الأمريكية تجاه الحوثيين، وهو الانتقال إلى تعقب التهديدات المتحركة".
وأوضح: "بمعنى البدء في تزاوج الاستهداف لتشمل معاقل أو مناطق المنشآت المحصنة التي تضم طائرات غير مأهولة أو صواريخ بالستية أو مجنحة أو أي قذائف أخرى تهدد الشحن البحري وكذلك تشمل في الوقت نفسه منصات متحركة أو وسائل نقل المقذوفات والقادة والمدربين الخبراء المعنيين بهذه التقنيات".
الذهب عزا التحول في المواجهة إلى "توفر مزيد من المعلومات الاستخبارية الأمريكية عن مصادر التهديد الثابتة والمتحركة والمعاقل التي توجد فيها المقذوفات".
ورأى أن "الأمريكيين استفادوا خلال عام مضى من جمع بيانات عن الحوثيين وانتقلوا إلى المواجهة".
وبشأن دلائل التحول، قال الذهب إن "الولايات المتحدة لجأت مؤخرا إلى استخدام قاذفات ’بي 2’ (B2 الاستراتيجية)، لأن الهدف يحتاج إلى ذخيرة انفجارية شديدة وأكثر فاعلية".
واستطرد: "الهدف المراد ضربه محصن تحصينا شديدا وعلى مسافة كبيرة تحت الأرض، واستخدام هذه القاذفات تؤدي إلى هذا الغرض".
وعن مستقبل المواجهات، رجح الذهب أن "الولايات المتحدة ستضاعف الهجمات على الحوثيين وتركز بشكل أكبر على تحركات الجماعة خارج العاصمة صنعاء".
وتابع مبينا: "أي استهداف مناطق إعداد وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في المحافظات خصوصا تعز (جنوب غرب)، والحديدة وريمة (غرب)، والبيضاء (وسط)، والمناطق القريبة من البحر الأحمر".
وتصاعدت خلال الأيام الماضية المواجهات العسكرية بين التحالف الأمريكي وجماعة الحوثي اليمنية، بعد نحو عام من بدء الأخيرة هجماتها البحرية "إسنادا" لقطاع غزة الذي يتعرض بدعم أمريكي لحرب إبادة إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلنت جماعة الحوثي تنفيذ "عمليتين عسكريتين نوعيتين" بصواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيّرة استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية "إبراهام لينكولن" في البحر العربي ومدمرتين أمريكيتين في البحر الأحمر.
وأكد متحدث وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاغون" بات رايدر، في اليوم نفسه، أن الحوثيين أطلقوا صواريخ ومسيّرات باتجاه مدمّرتين أمريكيين أثناء عبورهما مضيق باب المندب.
وأوضح أن المدمرتين "تعرّضتا لهجوم استُخدمت خلاله 8 طائرات مسيرة و5 صواريخ بالستية مضادة للسفن و3 صواريخ كروز مضادة للسفن، وتمّ التعامل معها بنجاح"، دون إيضاحات.
وجاء هذا الهجوم بعد أن شنت الولايات المتحدة في 9 و10 نوفمبر الجاري، سلسلة هجمات على مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن.
وادعت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، في بيان، أن قواتها "نفذت في هذين اليومين سلسلة ضربات جوية دقيقة على منشآت لتخزين أسلحة في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين".