تداعيات طوفان الأقصى على أنماط التدين.. من الفردانية إلى دائرة الأمة
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
كان لعملية طوفان الأقصى انعكاسات وتداعيات عديدة، فقد حرّكت في الأمة الإسلامية مشاعر الأخوة الإيمانية الجامعة، وعززت معاني وقيم التراحم والتضامن والتعاطف، وكان لمشاهد القتل والدمار والإبادة الجماعية التي يواقعها جيش الاحتلال الإسرائيلي يوميا في قطاع غزة أصداء كبيرة في كثير من العواصم والمدن العربية والإسلامية والعالمية.
بعد إجهاض الربيع العربي، وعودة السلطوية العربية إلى ممارسة القمع والملاحقات والاعتقالات، تراجع نمط التدين الذي يعلي من شأن التدين المجتمعي، ويحفل كثيرا بمفهوم مركزية الأمة، ويدفع أبناء الأمة إلى الانخراط في الهمّ العام، وتبني اطروحات الإسلام الحركي النهضوي الحضاري، لصالح التدين الشخصي والخلاص الفردي حسب مراقبين.
وبقي الحال على ما هو عليه، حتى جاءت عملية طوفان الأقصى، التي أشعرت الأمة بقدرة رجالاتها على الفعل والإنجاز، وأيقظت فيها روح الأمة الإسلامية الواحدة، على عكس ما أصابها بعد إجهاض الربيع العربي، ووفقا للكاتب الأردني، حاتم الهرش فـ"خلال عشرية مضت من انتكاسة الثورات وما رافقها من تحولات دينية باتجاه التدين الفردي، برزت حالة علمائية على مواقع التواصل الاجتماعي غذت هذا التوجه".
وتابع في منشور عبر صفحته على الفيسبوك، اطلعت "عربي21" عليه "في أغلب الحالات نمت هذه الظواهر كحالات مناوئة للإسلام السياسي الذي فقد كثيرا من رصيده مع هزائمه السياسية". لكن "مع الطوفان لا يستعيد الإسلام السياسي مكانته السابقة فحسب، بل ويكتسب زخما عظيما سوف يُترجمه عقد مقبل من الزمن، تحديدا للفئة العمرية ما دون الثامنة عشرة".
ولاحظ أن "هذه العودة لن تكتسب شرعيتها من انتصار حماس فقط بوصفها رافعة لهذا المشروع، أو ليس لأنها باتت دالّة على انتصار سياسي فقط، وإنما لشرعية انتصار ثقافي للإسلام السياسي، فهي شرعية مركبة.. انتصار ثقافي بمعنى أن هناك حالة من التيقن لدى شرائح واسعة، وتحديدا تلك الفئات العمرية الصاعدة، بأن كل الخطابات الدينية التي انتشرت في العقد الأخير لا تلبي حاجة الأمة، وأنها غير قادرة على الاستجابة".
الكاتب الهرش توقع بلغة جازمة أن "الطوفان سيجرف كل أنماط التدين غير المثمرة، وسيعيد حضور مشروع الإسلام السياسي إلى الواجهة، بوصفه تدينا مُنتجا للإنسان السوي، والمجتمع الحيّ، وأمة الشهود الحضاري، لكن التحدي يبقى في مدى قدرة الإسلاميين على بناء تجارب سياسية ناجحة".
وفي ذات الإطار رأى الأكاديمي المصري، الدكتور مصطفى السواحلي أن معركة طوفان الأقصى "كان لها تأثير جذري على أنماط التدين السائد، فقد رأى الشباب بأم أعينهم كيف قامت فصائل محاصرة منذ بضعة عشر عاما بما عجزت عنه جيوش نظامية أُنفقت عليها المليارات، وليس لدى هذه الفصائل من مقومات الصمود الأسطوري سوى الإيمان الراسخ والعقيدة الصحيحة"ز
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "وهذا ضرب التيار المدخلي في مقتل، الذي دأب على التسبيح بحمد الحكام، وإن كانوا ظالمين فاسقين، كما ضرب في مقتل التيارات الصوفية المغيبة عن الواقع في سراديب الأوهام والمسدلة حجبا من غشاوات التعلق بأعتاب من يسمونهم الأولياء إراحة لنفوسهم عن مواجهة الواقع".
د. مصطفى السواحلي.. أكاديمي مصري
وتابع: "ولم تسلم من السهام الصائبة لتلك المعركة المباركة كثير من التيارات السلفية التي رأى الشباب أنها تصرفهم بتلك الجدليات العقدية العقيمة عن واقع متجهم يحتاج إلى فهم أكثر نضجا ووعيا وحركية، وفقها للواقع".
وأكدّ السواحلي أنه "ومهما تكن نتائج الثورة المضادة التي قادتها أنظمة عميلة، والتي أصابت جماهير عريضة من الشباب باليأس، فقد جاءت هذه المعركة لتحيي فيهم الأمل الموءود، وتكشف عن فجر صادق يوشك أن ينسخ أحلك ساعات الليلة ظلمة، وهو قادم لا محالة بمشيئته تعالى".
من جانبه أشار الكاتب والمحامي الأردني، محمد العودات إلى أن "الدراسات المستقبلية بعد الربيع العربي توقعت أن الإسلام السياسي سيكون في أشد حالات ضعفه في عام 2022، وهذا ما حصل فعلا إذ فقد الإسلام السياسي السني آخر معاقله ومواقعه التي اكتسبها بعد الربيع العربي فخسر انتخابات المغرب وتراجع من حزب حاكم إلى حزب أقلية معزولة، ومن ثم تم الانقلاب على الإسلام السياسي في تونس".
وأردف: "إلا أن الدراسات كانت تتوقع أن الإسلام السياسي سوف يبقى على قيد الحياة، ويستمد أسباب البقاء لفترة أطول من عدة عوامل، من أبرزها حالة التدين العام الموجودة في البيئة العربية، ووجود حركات المقاومة الفلسطينية الإسلامية، كحركة حماس والجهاد الإسلامي، بما تعطيه من قوة للإسلام السياسي في الشارع وتمده بأسباب البقاء".
ورأى العودات في حواره مع "عربي21" أن "معركة طوفان الأقصى بالنسبة للإسلام السياسي السني هي معركة حياة أو موت، معركة وجود أو فناء، فصمود المقاومة يعني أن تعاد الحياة إلى الإسلام السياسي أو تعني تأخر تراجعه عقد من الزمان على أقل تقدير، وتمنحه فرصة لإعادة إنتاج ذاته".
وتابع: "وهزيمة المقاومة تعني انهيار أيدولوجيا الإسلام السياسي وصعود فكر جديد، ولا يعني سقوط الإسلام السياسي السني في المنطقة أن تستقر المنطقة للاستبداد، أو يستقر الاحتلال وإنما يعني صعود أيدولوجيا ما بعد الإسلام السياسي، وهذه الأيدولوجيا قد تكون: تيار الإسلام م الديمقراطي الذي يؤمن بالديمقراطية، وبناء الدولة الحديثة.. أو صعود تيار ما يعرف بالعلمانية المؤمنة المتصالحة مع الدين".
وطبقا للعودات فإن "إسلام الخلاص الفردي سيتقدم سواء انتصرت المقاومة أو انهزمت لعدة أسباب: منها أن الأنظمة المستبدة وجدت في حركات الخلاص الفردي بديلا مناسبا عن الإسلام السياسي، فتدين الخلاص الفردي يحقق أشواق الشعوب في إشباع حاجة التدين الموجودة في النفوس، وكذلك بديل آمن اتجاه الاستبداد يمكن تسخيره ليكون ذراعا روحيا للمستبد لإحكام سيطرته على الشعوب".
محمد العودات كاتب ومحامي أردني
بدوره لاحظ الكاتب والأديب اليمني، خالد بريه أنه "ومنذ ارتدادات الرَّبيع العربي، حصل تغير واضح في أنماط التدين، واضمحل بريق الصحوة، ومضى الناس نحو الخلاص الفردي، والركون إلى البعد الروحي العاطفي، هروبا من استحقاقات الواقع، بل وصل الأمر ببعضهم تجاوز مفاهيم البعد الإسلامي، والإغراق في الطرح الإنساني أو الإنسانوي".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "وصنعوا خلطة غريبة تترافق مع الواقع الجديد الذي تخلّق من رحم الربيع العربي المطارد، وفي ظل هذا الواقع الضبابي تلاشت مفاهيم الأمة، والروح الجامعة، ونُسيت أو كادت أن تُنسى القضية المركزية الكبرى، وهرع الجميع إلى التطبيع لتدفن القضية بآخر نفطة حبر من توقيع النسيان" على حد قوله.
وتابع: "ولكم أن تعلموا أن قيامة السابع من أكتوبر، أحيت ما اندثر في النفوس من معاني التحرر، أحيت رابطة الأخوة التي أضعفتها صوارف السنين، أعادت القضية إلى الواجهة، صفعت التطبيع على قفاه، وكشفت المستور عن المواقف والرجال، وظهر الغرب (المتحضر) بوجهه القبيح، واكتشف أحرار العالم ـ فجأة ـ أن إسرائيل دولة قبيحة، بشعة، تحيا على الموت والدماء"ز
وعن آثار وتداعيات الطوفان على أنماط التدين السائدة، لفت بريه إلى أن "الجميع أفاق بعد واقعة الطوفان على صدمة أعادته إلى قلب المعركة، وسحبته من مربع الفردانية إلى دائرة الأمة، وإعادة الوهج للقضية الأم، وأثرت بصورة مباشرة على طريقة التفكير، ووضعت الجيل الصاعد في وجه الحقيقة التي غفل عنها".
وأكمل بالقول: "ومن محامد الطوفان؛ انكشاف الزيف الإنسانوي الذي صدره الغرب لسنوات طوال، على حساب التدين الجمعي المشتغل بقضايا أمته، وفجأة اكتشف الجميع انحياز الغرب وعنصريته، وهشاشة البنى الأخلاقية له، وقد ظل المفكرون والأحرار يحذرون من هذا الانحياز المكشوف، لكن أحدا لم يستمع، حتى أتت معركة غزة".
وأكدّ في ختام حديثه أن "معركة غزة اختصرت المسافة، وعرَّت شجرة الإنسانية، فأدرك الناس ما غفلوا عنه منذ عقود، وحضرت المفاهيم التي أُريد لها النسيان، فقد كان الطوفان طوفانا لتغيير كل شيء، وقد نجح في عودة الضمير الجمعي المغيب للتمركز حول قضيتهم الأولى، وثاب الناس إلى هويتهم التي بدأت في الذوبان، وكفى بها مكرمة".
خالد بريه كاتب وأديب يمني
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير غزة الفلسطينية فلسطين غزة تداعيات طوفان الاقصي تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة للإسلام السیاسی الإسلام السیاسی الربیع العربی طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
القسام تؤكد مقتل قائد أركانها محمد الضيف ونائبه وعدد من أعضاء المجلس العسكري في معركة طوفان الأقصى
في بيانٍ مُفصّلٍ، أعلن أبو عبيدة، الناطق الرسمي باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عن مقتل قائد أركانها محمد الضيف، إلى جانب عددٍ من القيادات البارزة في المجلس العسكري.
اعلانجاء ذلك خلال كلمةٍ مصوّرة مساء اليوم، حيث أكد أبو عبيدة أن مقتل هؤلاء القادة تم بعد إتمام التحقق الأمني واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة التي تفرضها "ظروف المعركة والميدان"، دون الكشف عن التوقيت الدقيق لمقتلهم.
وفيما يلي قائمة بأسماء القادة البارزين الذين أعلن أبو عبيدة عن مقتلهم، وهم:محمد الضيف: قائد هيئة أركان كتائب القسام
مروان عيسى: نائب قائد أركان القسام
غازي أبو طماعة: قائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية
رائد ثابت: قائد ركن القوى البشرية
رافع سلامة: قائد لواء خان يونس.
أحمد الغندور: قائد لواء الشمال
أيمن نوفل: قائد لواء المحافظة الوسطى
Related"فشل آخر لنجوم المخابرات؟" صحيفة عبرية تكشف أن محمد الضيف بصحة جيدة خلافاً لتقديرات إسرائيلالرجل الذي أفلت من قبضة إسرائيل لربع قرن.. من هو محمد الضيف؟إسرائيل تعلن مقتل قائد كتائب عز الدين القسام محمد الضيف في غارة الشهر الماضي على غزةنتنياهو: لا تأكيد بشأن مقتل القائد العسكري لحماس محمد الضيفقائد أركان كتاب القسام محمد الضيف ونائبه مروان عيسى وقادة آخرون من المجلس العسكري للذراع العسكري لحماسحساب كتائب القسام على تلغرامواختتم أبو عبيدة كلمته برسالة إلى الجيش الإسرائيلي، حيث قال: "مهما بلغت خسائرنا.. فسنكون أقسى ممّا تتخيّلون"، مُؤكدًا أن القسام "لا تزال على العدّ والقسم"، في إشارة إلى قدرتها على مواصلة العمليات العسكرية.
يُذكر أن محمد الضيف كان قد تعرض لمحاولات اغتيال من قبل إسرائيل عدة مرات، ويعدّ أحد أبرز القادة الغامضين في حركة حماس، حيث تُحيط السرية الشديدة بتحركاته منذ عقود. فيما وصف مروان عيسى بـ"عقل التخطيط الاستراتيجي" لكتائب القسام.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية خلال لقاء مع حماس.. إردوغان يأمل في نجاح المرحلتين الثانية والثالثة في اتفاق وقف إطلاق النار حماس عززت صفوفها رغم الخسائر.. 15 ألف مقاتل جديد منذ بدء الحرب الإسرائيلية وفق التقديرات الأمريكية حماس: طوفان الأقصى سيظل منعطفًا في تاريخ القضية الفلسطينية وقطاع غزة يمرّ بمرحلة جديدة قطاع غزةحركة حماسقصفطوفان الأقصىإسرائيلاغتيالاعلاناخترنا لكيعرض الآنNextعاجل. حماس تؤكد مقتل محمد الضيف قائد أركان كتائب القسام وعدد من أعضاء المجلس العسكري في معركة طوفان الأقصى يعرض الآنNext مقتل 6 أشخاص بهجوم روسي بمسيرة على بناية سكنية في سومي شمال شرق أوكرانيا يعرض الآنNext شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمها للصليب الأحمر في خان يونس يعرض الآنNext "حياتي ليست أقل قيمة".. غضب في الأرجنتين من خطط ميلي لإلغاء تجريم قتل الإناث يعرض الآنNext الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات "رافال" الفرنسية في صفقة بلغت 16.6 مليار يورو اعلانالاكثر قراءة في رد صارم على مخطط ترامب لنقل سكان القطاع .. الأردن ومصر: "تهجير الفلسطينيين سيضر بجهود التطبيع" كارثة على ضفاف الأنهار المقدّسة: عشرات القتلى والجرحى أثناء تجمع 150 مليون هندوسي في الهند لطي صفحات الماضي وتجاوز "الأخطاء".. الشرع يطالب موسكو بتسليم بشار الأسد بالصور.. كل ما تحتاج معرفته عن عام الثعبان: رأس السنة الصينية 2025 ترامب: تحدثت مع الرئيس المصري وسيوافق كما سيوافق ملك الأردن على استقبال الفلسطينيين.. والسيسي ينفي اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبحركة حماسغزةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيلقطاع غزةسوريابشار الأسدأبو محمد الجولاني وقف إطلاق الناروسائل التواصل الاجتماعي تقاليدالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025