مؤرخ وفيلسوف اجتماعي وسياسي، أحد أبرز علماء القرون الوسطى، ومن أكبر المؤرخين العرب. ينسب إليه تأسيس علم الاجتماع، وهو واضع أصول فسلفة التاريخ، أنتج موسوعة تاريخية اعتبرت واحدة من أهم مصادر الفكر العالمي، إضافة إلى كتابه "المقدمة" الذي اكتسب بها شهرة عبر العصور.  تقلب في مراكز الحكم والسلطان، وعرف المجد والشهرة، وابتلي بالسجن والنفي والتشريد، وذاق مرارة الاغتراب.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن بن خلدون يوم 27 مايو/أيار1332م، الموافق للأول من رمضان 732هـ، في مدينة تونس زمن الدوّلة الحفصية.

كُنِّيَ "أبا زيد" حين صار أبا، ولُقّب "وَلِيُّ الدِّين" حين أصبح قاضيا في مصر، وطغى اسمه "ابن خلدون" على سائر العائلة التي تنسب إلى خالد بن عثمان، وقد عرف جدهم هذا بـ"خلدون" بإضافة واو ونون إلى اسمه، حيث كان ذلك من علامات التعظيم عند أهل الأندلس والمغرب.

ينتمي عبد الرحمن إلى أسرة عريقة من عرب اليمن في حَضْرمَوت، يمتد نسبها إلى الصحابي "وائل بن حجر"، وقيل إن عائلته دخلت الأندلس بعد الفتح الإسلامي، واستقرت في اشبيلية وصارت من ذوي الجاه والسلطة.

كان لعبد الرحمن أربعة إخوة، وكان والده عالما وفقيها، زهد في الحياة السياسية وآثر العلم والدرس.

توفي والداه بالطاعون عام 1349م، عندما كان في الـ18عاما، ولم يبقَ حوله إلا شقيقاه الأكبر والأصغر، كما نُكب بفَقد زوجته وأبنائه غرقا في البحر، وهم في طريقهم إليه من تونس إلى مصر عام 1394م.

عاش ابن خلدون حياة مضطربة، لم ينعم فيها بالهدوء والاستقرار، إذ "كان كثير التنقل كالظّل"، كما كتب عنه السلطان المغربي مولاي زيدان آنذاك. إذ قضى في ترحاله الجغرافي 24 سنة في تونس، و26 سنة متنقلا بين أرجاء المغرب والأندلس، و24 سنة في مصر والشام والحجاز.

ومن وصف المؤرخين له، أنه كان لا يستقر على حال، صعب المقادة، قوي الجأش، يعوزه حسن التأني.

الدراسة والتكوين العلمي

بدأ سليل الأسرة الراسخة في العلم فاتحة دراسته في البيت تحت إشراف والده الذي كان معلمه الأول، وأخذ عنه بعض المعارف الأولى.

قرأ القرآن وحفظه وجوّده على محمد بن سعيد بن برّال بالقراءات السبع، ودرس "الشاطبية" في القراءات و"العقلية" في رسم المصحف، كما قرأ القرآن على أبي العباس أحمد الزواوي إمام المقرئين في المغرب.

أقبل على العلوم بشغف، وأخذ يتردَّدُ على مجالسة كبار علماء عصره في جامع الزيتونة، وانفتحت له آفاق جديدة وواسعة للتعلم؛ في مجالس كبار شيوخ العلم، الذين كانوا في موكب سلطان بني مرين فترة استيلائه على تونس سنة 748هـ/1347م.

أثناء مُقامه في مدينة فاس، استأنف الدرس في جامع القرويين على جماعة من أكابر العلماء الوافدين من الأندلس وباقي أقطار المغرب.

ألمّ بكتب اللغة العربية، وذكر منها "التسهيل" لابن مالك والمعلَّقات و"الحماسة" للأعلم وديوان أبي تمام وبعضا من شعر المتنبي ومن أشعار كتاب الأغاني، كما درس معظم كتب الحديث والفقه المالكي على الخصوص، وأخذ العلوم العقلية والمنطق.

ولما بلغ الـ17 أجازه مشاهير العلماء في الحديث والفقه، بالإجازة العامة والخاصة، وأنهى مرحلة التلمذة في سن العشرين.

كان قد عني بذكر أسماء أساتذته ومعلميه ومكانة علومهم ومؤلفاتهم، وأبرزهم عبد المهيمن الحضرمي إمام المحدثين والنحاة في المغرب، وعمر بن إبراهيم الآبلي، الذي وصفه بـ "شيخ العلوم العقلية".

كان الفتى ابن العصر الأخير من عصور الثقافة العربية الإسلامية في القرن الـ15م، إذ نهض الفكر وتنوعت مداخله الثقافية، بفضل انتشار المكتبات ودور العلم، وتشجيع العلماء والأدباء ما كان له أكبر الأثر على تكوينه الفكري والمعرفي.

غلاف مقدمة ابن خلدون (الجزيرة) الحياة المهنية

كانت المرحلة الثانية من حياة ابن خلدون مرتبطة بالوظائف الديوانية والسياسية، التي استأثرت بمعظم جهوده ووقته زهاء 25 عاما.

بدأ حياته العملية مبكرا، إذ لم يكد يستوفي سن العشرين حتى تم تعيينه بمنصب صاحب "العلامة" في بلاط أبي إسحاق الحفصي في تونس، مسؤولا عن كتابة توقيعه في آخر الوثائق الرسمية، والقيام بمهمات دبلوماسية أيضا. كانت وظيفته تشير آنذاك إلى رئيس المستشارين، وهي في المرتبة الثالثة ضمن وظائف الدولة بعد الوزير والحاجب.

استقر في ظل دولة أبي عنان المريني في فاس عام 1355م، حيث ضَمّه السلطان إلى مجلسه وتولّى الكتابة مؤرخا لعهده لبضع سنوات.

وفي عام 1359م، عيّنه أبو سليم المريني في منصب كاتب السِّر وتولى مخاطباته زهاء عامين، ثم ولاّه "خطة المظالم" عام 1361م، ويقول في وصفها "هي وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونَصْفة القضاء".

في الأندلس، تولّى منصب الوزير عام 1362م، عندما حلّ وافدا على السلطان ابن الأحمر بغرناطة، وكان أيضا سفيره إلى إشبيلية لدى ملك قشتالة.

وعام 1364م تقلّد منصب الحاجب في بلاط أمير بجاية، وعرّف تلك الوظيفة بأنها تمنح صاحبها "الاستقلال في الدولة والوساطة بين السلطان وأهل دولته، لا يشاركه في ذلك أحد". تولَّى شؤون الخطابة والتدريس في جامع "القصبة" التابع للبلاط.

عندما استقرّ في تلمسان تفرغ للعلم والتدريس، وعيّنه حاكمها حاجبا عام 1368م. كما عيّنه حكام بَني مَرين في منصب الحاجب (1370م – 1374م)، وعندما عاد إلى تونس أصبح أمين سرّ أبي العباس الحفصي، عام 1378م.

في السنوات الـ24 الأخيرة من حياته، تولّى مهام التدريس بجامع الأزهر في مصر، وكذلك بمدرسة القَمْحية للفقهاء المالكية، وأصبح أستاذ الفقه المالكي في المدرسة الظاهرية البرقوقية سنة افتتاحها.

تمثال ابن خلدون في قلب العاصمة تونس (الجزيرة)

تولّى منصب كرسي الحديث في مدرسة "صرغتمتش"، وأضيفت إليه وظيفة ناظر خانقاه بيربس (وهي تكية لبعض فرق الصوفية)، فزاد بذلك رزقه واتسعت موارده.

كما تقلَّد ابن خلدون خطة قضاء المالكية وقد لقب بـ"المالكي" نسبة إلى مذهبه الفقهي.

رجل السلاطين

اقتحم ابن خلدون منذ شبابه غمار السياسة، وشغل أكثر من وظيفة سياسية في بلاط سلاطين شمال أفريقيا، خلال حكم السلالة الحفصية في تونس، وحكم المرينيين في المغرب، وسلالة بني عبد الواد غرب الجزائر.

تقول المصادر التاريخية إنه كان وزيرا في بداية مهامه لدى الحاكم الحفصي لتونس، وبعد أن انهزم السلطان أمام جيش حاكم قسنطينة المجاورة، نزح ابن خلدون إلى مدينة بسكرة (في الجزائر).

عاد إلى تونس لفترة قبل أن يرحل إلى مدينة فاس المغربية، وأصبح مقربا لدى السلطان المريني أبي عنان، لكنه تعرّض على يديه للسجن أول مرة، بسبب دسائس خصومه داخل البلاط حسب روايته، حيث اتهم بالتآمر مع أمير بجاية ضد أبي عنان، ولم يُنْهِ سجنه الذي دام زهاء سنتين، سوى موت السلطان.

رحل إلى الأندلس، وتقلد أعلى المناصب السياسية في بلاط سلطان غرناطة "محمد الخامس"، وما فتئ أن رحل من جديد بعد أن ساءت العلاقة بينه وبين الوزير لسان الدين ابن الخطيب، ليتخذ وجهته إلى بجاية الجزائرية، حين أصبحت تحت سيطرة صديقه الأمير الحفصي "أبي عبد الله"، و تولى أعلى منصب سياسي في بلاطه.

غير أن أحد رجال السلطان ارتاب في تآمره مع سلطان تلمسان "أبي حمو الزياني"، فحاول القبض عليه، ما جعل ابن خلدون يلجأ إلى "بسكرة" لدى حاكمها "أحمد بن مزني"، وهناك تولى مهام ميدانية في المجال العسكري لأول مرة.

ابن خلدون عاش حياة غير مستقرة ما بين تونس والمغرب والأندلس ومصر والشام والحجاز (مواقع التواصل الإجتماعي)

بعد اشتداد الهجوم المريني ضد تلمسان، خشي ابن خلدون سوء العاقبة وحاول الرحيل من جديد، لكن قوات بني مرين تعقبته.

سعيا إلى تحرير نفسه اعتذر وأطلق سراحه، وقبل بمهمة الانقلاب على صديقه القديم أبي حمو، وشارك في حملة مطاردته. ولم يلبث أن وجد نفسه ضحية فتنة داخلية شهدها بيت حكم المرينيين، فسُجن في فاس لفترة قصيرة، ثم عاد للتنقل بين الأندلس وتلمسان.

اتخذ من قلعة بن سلامة النائية ملاذا من بطش حاكم تلمسان لما يقارب أربع سنوات، وقد كلفه بمهمة دبلوماسية ورفض اعتذاره عنها.

في المرحلة الأخيرة من مسيرته ومغامراته السياسية، تذرع برغبته في أداء مناسك الحج، ليفر من اضطراب السياسة وويلاتها، حيث غادر تونس نهائيا، وكانت بلاد مصر ملاذه من المحن المتلاحقة التي عاشها.

استقر في القاهرة في عهد السلطان برقوق، وأصبحت منطلق رحلاته اللاحقة إلى الحجاز والشام. وفي هذه الفترة زار معالم بيت المقدس في فلسطين، وحين كان ضمن القضاة المُرافقين للسلطان المملوكي الناصر زين الدين فرج إلى الشام، استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم المغولي تيمورلنك.

ميلاد موسوعة

بدأ ابن خلدون بعمر الـ45 عاما في تدوين مؤلفه التاريخي، وهو في عزلة فرضها على نفسه بعد حياة سياسية مليئة بالعواصف، وسيرة ومسيرة نضجت فيها تجاربه واتسعت معارفه ومشاهداته.

وفي عام 1394م أخرج النسخة الأولى من كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، الذي يعرف اختصارا بـ " كتاب العبر".

وذكر أنه رتب مؤلفه على مقدمة وثلاثة كتب، إذ بدأه بمقدمة في فضل علم التاريخ، "أتمها بالوضع والتأليف قبل التنقيح والتهذيب في مدة خمسة أشهر" بتعبيره، وألحقها بالكتاب الأول "في العمران"، وهما اللذان (المقدمة والكتاب الأول) يشكلان مع خطبة الكتاب ما يسمى "مقدمة ابن خلدون"، وبعدهما كان الكتاب الثاني في أخبار العرب وأجيالهم، والثالث في أخبار البربر ومواليهم.

غلاف كتاب رحلة ابن خلدون (الجزيرة)

ومنذ أن فرغ من كتابة مشروعه الأصلي وحتى وفاته في القاهرة، ظل يعاود النظر في المقدمة والكتاب، حيث أكمل النسخة الأولى بعد التنقيح والتهذيب في تونس، وأهداها إلى خزانة سلطانها أبي العباس الحفصي، وتسمى "النسخة التونسية".

وطوال إقامته الطويلة في مصر، ظل التنقيح يلاحق كتاب "العبر" مع "المقدمة"، إذ أضاف فصولا وأبحاثا تاريخية موسعة، في مرحلته المشرقية.

ونقح كتاب "التعريف" فسماه أولا "التعريف بابن خلدون مؤلف هذا الكتاب"، ثم أدخل عليه تعديلات وزيادات، وأضاف تاريخ المراحل الأخيرة من حياته، فغير اسمه إلى "التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب ورحلته غربا وشرقا"، ويطلق عليه اختصارا "رحلة ابن خلدون".

قدم نسخة من الكتاب كاملا إلى الملك الظاهر برقوق، وهي النسخة التي سماها "كتاب الظاهري"، ثم أرسل نسخة أخرى مهداة إلى سلطان المغرب أبي فارس عبد العزيز، وأوقفها على خزانة الكتب في جامع القرويين بفاس، وعرفت بـ "النسخة الفارسية".

ومن هذه النسخة نقلت جميع الطبعات المتداولة في العالم العربي، ويطلق الآن اسم "مقدمة ابن خلدون" على المجلد الأول، من كتاب "العبر" المعروف بـ "تاريخ ابن خلدون".

وقد حفظت مكتبتا "أيا صوفيا" و" السلطان أحمد الثالث" بإسطنبول، نسختين من كتاب "العبر"، عدها الدراسون من أوثق النسخ.

أبو علم الاجتماع

كانت "مقدمة ابن خلدون"، أكثر شهرة وأهمية في تراثه الفكري. إذ صنفت نوعا من الموسوعات، ودراسة في النقد التاريخي، وفلسفة للتاريخ أو تاريخا للحضارة، ورأى فيها آخرون فلسفة اجتماعية.

اعتبر الدارسون المقدمة كتابا منفصلا، وبسببها عدّ العلماء مُؤلفها واضع علم التاريخ وفلسفته، ومُؤسسا لعلم دعاه علم العمران، ويعني الاجتماع الإنساني.

وهكذا يكون العلم الذي قدمه ابن خلدون هو علم الاجتماع أو السوسيولوجيا كما أطلق عليه المعاصرون، خلال القرن الـ19م.

غلاف الترجمة الإنجليزية لكتاب ابن خلدون "المقدّمة" للمترجم فرانز روزنثال (الجزيرة)

وجاء في المقدمة الشهيرة عرض لمبادئ هذا العلم وأصوله، كما تصورها وشرحها، قبل "محاضرات الفلسفة الوضعية" للفيلسوف أوغست كونت بـ 450 عاما.

واستحق وصف "الجد الأعلى" للعلماء الاجتماعيين المحدثين مثل "تارد" أو المستشرق "غوبينو"، كما قال المستشرق كارادوفو في كتاب "مفكرو الإسلام".

وقد قسم ابن خلدون مقدمته إلى ستة أبواب رئيسية، احتوت نظرا في الاجتماع البشري العام، واجتماعات البدوي، وعلم الاجتماع السياسي، والمدن والأمصار واجتماعات حياة الحضر، وعلم الاجتماع الاقتصادي، ثم بحث العلوم والتعليم ويشمل نظريات تدخل في علم الاجتماع الأدبي.

أثبت الفكر الخلدوني في هذه البحوث، ما أتى به علماء أوروبا في نظرية النشوء والارتقاء بعده بخمسة قرون، وما يسمى الاقتصاد السياسي، الذي صارت بعض من مبادئه نواة لما دونه المفكر الألماني كارل ماركس في كتاب "رأس المال".

وقد أكد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان أنه درس في شبابه الاقتصاد عن الحكيم ابن خلدون، والذي قال إنّ الإمبراطوريات في بداياتها تكون لديها الضرائب منخفضة والإيرادات عالية، وعند انهيارها تكون ضرائبها عالية وإيراداتها منخفضة.

يُعتبر ابن خلدون أوّل عالمٍ دوّن سيرته الشخصية كاملةً، حيث برع في أحد فنون التاريخ المسمى "السيرة الذاتية" أي "ترجمة المؤلف لنفسه"، وسبق في ذلك ياقوت الحموي في كتابه "معجم الأدباء" ولسان الدين ابن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة".

ووفق غالبية الدارسين، اعتمد ابن خلدون المنهج الاستقرائي منهجا علميا، مستخدما التاريخ أداة رئيسية للبحث، لذلك يلقب بـ"رائد المدرسة التاريخية" قبل المؤرخ والفيلسوف الإيطالي فيكو، وعالم الاقتصاد الالماني فون شمولر.

وهناك من يقول إن ابن خلدون اعتمد منهج الاستنباط بدرجة كبيرة، فيما يقول فريق آخر بأنه اعتمد المنهجين معا (الاستقراء والاستنباط).

ابن خلدون شغل أكثر من وظيفة سياسية في بلاط سلاطين شمال أفريقيا (مواقع التواصل الاجتماعي) الاهتمام بإرث ابن خلدون

بقي تأثير ابن خلدون محدودا في عصره، وفي أوروبا تركز الاهتمام بالإرث الخلدوني في القرن الـ19م، وبرز حين كتب المفكر الروسي أنوتشين بأن لينين اهتم بمقدمة الفيلسوف العربي ابن خلدون، الذي يتناول دور العوامل الاقتصادية.

وكان المستشرق الفرنسي كاترومير أول من طبع مقدمة ابن خلدون في باريس عام 1858م، ومنها ظهرت ترجمة المستشرق دي سلان الفرنسية، وهي عمدة ترجمة المستشرقين.

وعام 1958، ظهرت ترجمة روزنتال إلى الإنجليزية، وترجمة صبحي بن شامان إلى التركية، وترجمة أخرى حديثة ليوسف خوري إلى اللغة البرتغالية في ثلاثة مجلدات بين 1958 و1960.

وعام 1858م، نشرت في مصر لأول مرة نسخة مخطوطة من المقدمة، ثم نشرت في بيروت سنة 1879، وتوالى بعد ذلك نشرها.

ابن خلدون الشاعر

نظم ابن خلدون عدة قصائد في صباه وشبابه، وأورد في مواطن متفرقة من كتاباته، نماذج من سبع قصائد نظمها في مرحلة وظائفه الديوانية والسياسية، وهي :

قصيدة طويلة على نحو مئتي بيت أنشدها للسلطان أبي عنان المريني، يستعطفه فيها لإخراجه من المعتقل. قصيدتان نظمهما للسلطان المريني أبي سالم في ليلة المولد النبوي، وعندما وصلته هدية ملك السودان. والرابعة أنشدها في طلب سماح الوزير عمر بن عبد الله بمغادرة البلاد. ولسلطان غرناطة بن الأحمر، أنشد قصيدتين بمناسبة المولد النبوي، والسابعة بمناسبة ختان ولديه.

بعد ذلك ظل ابن خلدون ينظم الشعر حتى منتصف العقد الخامس من عمره، وذكر في كتابه "التعريف" نماذج ثلاث قصائد: الأولى هنأ بها أبا العباس سلطان تونس بعد شفائه من مرض أصابه، وأخرى أرفقها مع كتابه "العبر" المهدى إليه، أما الثالثة فاعتذر فيها إلى سلطان مصر، عن فتوى أرغم على كتابتها ضده في فترة الفتنة الناصرية.

مؤلفاته الصغرى

على الرغم من أن اسم ابن خلدون ارتبط بـ "المقدمة"، إلا أنه كتب مؤلفات أخرى قبلها، وذكرها لسان الدين ابن الخطيب في كتاب "الإحاطة"، وتشمل:

كتاب "لباب المحصل في أصول الدين"، نشر أول مرة في تطوان شمال المغرب عام 1952، ويرجح أنه كان باكورة أعماله، ولم يبق منه غير نسخة بخطه، محفوظة في مكتبة الأسكوريال، وكانت من مقتنيات مولاي زيدان سلطان مراكش، الذي ذيل بخطه في صفحة المخطوط النهائية تعليقا عن صفات المؤرخ ابن خلدون. تلخيص كتب كثيرة لابن رشد (لم يحدد ابن الخطيب ما هي هذه الكتب). تقييد في المنطق، قال ابن الخطيب "وعلق للسلطان أيام نظره في العقليات، تقييدا مفيدا في المنطق". كتاب في الحساب. شرح "رجز في أصول الفقه"، وذكره المقري أيضا في "أزهار الرياض في أخبار عياض". شرح قصيدة البردة، وقال ابن الخطيب "شرح البردة شرحا بديعا، دل به على انفساح فكره وتفنن إدراكه وغزارة حفظه". "شفاء السائل لتهذيب المسائل"، وهي رد على بعض أسئلة الصوفية، توجد منه مخطوطتان، الأولى في ملكية أبي بكر التطواني الكتبي في سلا بالمغرب، والثانية يملكها أحمد بن المليح الفاسي كتبت منقحة للأولى بعد 95 عاما. ونشرهما عام 1958 محمد بن تاويت الطنجي أستاذ الإلهيات بأنقرة، ومهد لهما بمقدمة تناول فيها تحقيق نسبة الكتاب إلى ابن خلدون. الوفاة

توفي ابن خلدون يوم 16 مارس/أذار1406م، الموافق 25 رمضان 808هـ، عن عمر ناهز 76 سنة.

دُفِنَ بإحدى مقابر الصوفية خارج باب النصر بالقاهرة في اتجاه الريدانية (العباسية حديثا)، ولا يعرف على وجه اليقين أين يقع قبره.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات علم الاجتماع ابن الخطیب فی أخبار فی کتاب من کتاب فی تونس فی بلاط فی جامع فی مصر

إقرأ أيضاً:

أزمة زيت الزيتون في تونس: الشعبوية المدمّرة

تعيش تونس منذ أسابيع على وقع أزمة حادة في قطاع زيت الزيتون، أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني. انهارت أسعار الزيت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تدنى سعر اللتر في المعاصِر إلى أقل من 10 دنانير (3.2 دولارات)، بعد أن كان يُباع في الموسم الماضي بسعر يصل إلى 25 دينارًا (8 دولارات).

مع تعطُّل البيع والشراء وتكدُّس الإنتاج في المعاصر، بات الفلاحون يعانون من غياب السيولة وانعدام الطلب، مما دفعهم إلى تعليق تجميع الزيتون، في انتظار حلول قد تأتي متأخرة. وقد أفضى ذلك إلى موجة احتجاجات في مختلف المناطق الريفية، تُنذر بمزيد من الاحتقان الاجتماعي.

أسباب الأزمة: حرب ضد الفساد بمآرب أخرى

الأزمة الحالية فاجأت الجميع، بعد أن ساد انطباع عند بداية موسم الجني أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أن البلاد ستشهد هذه السنة موسمًا استثنائيًا، سيتجاوز فيه محصول الزيتون 350 ألف طن، وتتحقق فيه بالتالي إيرادات قياسية للدولة من العملة الصعبة، ولشركات تصدير الزيتون والمعاصر والفلاحين.

وبدأت ملامح الأزمة تظهر بعد أيام معدودة من إيقاف صاحب كبرى الشركات المصدرة للزيت في تونس يوم 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، في إطار تحقيقات بخصوص ملفات فساد، ما أدى إلى توقف شركته عن اقتناء الزيت من الفلاحين، مما أربك السوق تمامًا.

إعلان

جاءت هذه الخطوة على خلفية زيارة الرئيس قيس سعيد للمركب الفلاحي "هنشير الشعال" يوم 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإلقائه سيلًا من الاتهامات بالفساد ضد المرتبطين بتلك التجاوزات، مع توعده بالمحاسبة لكل من تورط في هذه المخالفات. وطبعًا، كانت الزيارة فرصة جديدة لإلقاء خطاب شعبوي، تعهّد فيه بمواصلة "حربه المقدسة لتطهير البلاد من الفساد".

استهداف صاحب أبرز شركة خاصة في قطاع زيت الزيتون في البلاد بإجراءات اعتباطية مستعجلة، قبل فتح تحقيقات جدية، ودون الاكتراث بدراسة التداعيات الاقتصادية في بداية موسم واعد لأهم قطاع يدخل موارد للدولة، قاد إلى شلل القطاع بأكمله. إذ توقفت شركة CHO، الرائدة في التصدير، عن العمل، ما ألقى بظلاله على قدرة تونس على تصدير فائض إنتاجها.

في ذات السياق، يعاني الهيكل الرسمي المعني بالإشراف على قطاع الزيت، أي الديوان الوطني للزيت، من أوضاع كارثية هيكلية، جعلته غير قادر على التدخل بشكل فعال لإنقاذ القطاع، حيث لا تتجاوز طاقة التخزين في مراكزه 60 ألف طن، وهي كمية تقف عاجزة أمام محصول قياسي متوقع يفوق 350 ألف طن.

كما أن وضعه المالي الكارثي وعدم توفره على السيولة اللازمة لشراء كميات كبيرة من الزيت بسعر معقول يضمن الحد الأدنى من ربح الفلاحين، حال دون إدماجها في حصة تونس السنوية المخصصة للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي، والتي تتراوح بين 60 و100 ألف طن سنويًا من الزيت السائب والمعلب.

أرقام تكشف عمق الكارثة

تُعتبر تونس من أكبر المنتجين العالميين لزيت الزيتون، حيث تضم البلاد قرابة 110 ملايين شجرة زيتون، أي بمعدل 10 شجرات لكل مواطن. وتُغطّي زراعة الزيتون مليوني هكتار، أي حوالي 45% من الأراضي الصالحة للزراعة.

يُساهم القطاع بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر 50 مليون يوم عمل سنويًا لأكثر من 250 ألف عامل، نسبة كبيرة منهم نساء. لكن هذه الأرقام الإيجابية تُخفي وراءها أزمات هيكلية، وأي أزمة تحصل في القطاع تنعكس سلبًا على أكثر من 300 ألف عائلة تونسية ترتكز في معيشتها على زيت الزيتون.

إعلان

الديوان الوطني للزيت، الذي يُفترض أن يكون صمام الأمان للقطاع، يعيش وضعية إفلاس غير معلن، حيث بلغت الخسائر المتراكمة 423 مليون دينار (135 مليون دولار) بنهاية 2022. وتدهورت الأموال الذاتية في تلك الفترة لتصل إلى حوالي 365 مليون دينار (116 مليون دولار) بالسلب. رغم أن الديوان يتلقى سنويًا دعمًا يقارب 360 مليون دينار (114 مليون دولار) لدعم الزيت النباتي المستورد، الذي لا يكاد يظهر في الأسواق بكميات قليلة حتى يختفي في المسالك الموازية.

وقد أدت هذه الوضعية إلى توقف البنوك التونسية عن تمويل عمليات الديوان، بينما يستمر الرئيس في إطلاق شعارات فضفاضة حول ضرورة استعادة الديوان الوطني للزيت دوره التاريخي، دون تقديم حلول عملية، لتمكين الديوان من موارده المتراكمة المستحقة لدى الدولة، والتي تبلغ ما يقارب 430 مليون دينار (137 مليون دولار)، أو لضمان تطوير حوكمة الديوان ومنظوماته المعلوماتية، والتصدي للفساد الخطير الذي ينخره، والاختراقات من طرف اللوبيات المحلية والمافيات الدولية.

مافيا الزيت العالمية: بصمة واضحة

الأزمة لم تكن محلية فقط، بل كشفت أيضًا عن صراع دولي على الأسواق. تونس، التي تفوقت في السنوات الأخيرة على إيطاليا في تصدير زيت الزيتون، أصبحت هدفًا للمنافسة غير الشريفة من طرف عديد الشركات الإيطالية التي فقدت أسواقها، والتي يرتبط بعضها بما يُعرف بـ”الأغرومافيا” الإيطالية، وهي شبكات للجريمة المنظمة في إيطاليا تتغلغل في قطاع الفلاحة وسلاسل التوريد الغذائي.

تسعى هذه المافيا للسيطرة على الأسواق من خلال ممارسات غير قانونية، منها التلاعب بجودة المنتجات واستهداف الشركات المنافسة لافتكاك أسواقها.

شركة CHO، الرائدة في السوق الأميركية (التي تمثل 35% من السوق العالمية لتوريد زيت الزيتون)، والسوق الكندية (5% من السوق العالمية)، مستهدفة منذ أشهر طويلة بسلسلة من الأعمال الإجرامية والسرقات الممنهجة في تلك الأسواق، شملت شحنات بمئات الآلاف من زجاجات زيت الزيتون البكر الممتاز.

إعلان

أضف إلى ذلك، تعرض شحنات من الزيت المصدّر إلى أميركا أثناء توقفها في ميناء أوروبي إلى عملية تسميم عبر زرع دودة تم اكتشافها في التحليل الصحي المنجز عند وصول الشحنات إلى ميناء أميركي. ما أثار تساؤلات حول تورط جهات خارجية في ضرب سمعة الزيت التونسي لإعادة الأسواق التي افتكها بجودته العالية.

تونس اليوم تنافس الكبار الذين بدؤُوا في التقهقر في سوق الزيت العالمي، حيث بدأت تحتل منذ سنوات قليلة المرتبة الثانية عالميًا في تصدير الزيت بعد إسبانيا. وهو ما يضعها في مواجهة مباشرة مع دول تحاول حماية مكانتها التاريخية بشتى الوسائل. إيطاليا، التي لطالما سيطرت على جزء كبير من السوق العالمية، تسعى لاستعادة نفوذها من خلال استغلال أي اضطراب في الإنتاج أو التصدير التونسي.

تزامن مريب

وقد طرح تزامن اشتداد الحملة الأجنبية ضد أهم علامة تجارية تونسية في قطاع الزيت، لضرب مكاسبها في السوق العالمية – خاصة في أميركا الشمالية، والحديث عن عرض من إحدى الشركات الإيطالية لشرائها، مع الإجراءات الاستثنائية الاستعجالية المتخذة ضد مالك تلك الشركة في تونس بشكل استعراضي من طرف أعلى هرم الدولة، ومع حملة إعلامية داخلية شعواء – شكوكًا عديدة لدى جهات متابعة.

ووصل البعض إلى اتهام الدوائر الرسمية بافتعال التتبعات ضد "إمبراطور الزيت" في تونس، وتعطيل عمل شركته في بداية موسم واعد، خدمة لمصالح إيطاليا على حساب المصلحة الوطنية العليا، وهناك من قبض الثمن. بالضبط كما كانت معالجة قضية المهاجرين السريين الأفارقة ومنع تسللهم عبر البحر مع القبول بتوطينهم في تونس، تمامًا في خدمة الجار الشمالي ضمن اتفاقيات سرية تم إخفاؤها عن التونسيين.

في حين اعتبر البعض الآخر أن الغرض الحقيقي من افتعال الأزمة هو تدمير النخبة الاقتصادية القديمة، التي يعتبرها الرئيس غير منخرطة في مشروعه الوطني، لتعويضها بنخبة اقتصادية جديدة من "أنصار المسار" المؤيدين للرئيس، وذلك عبر منظومة "الشركات الأهلية" التي يدفع الرئيس إلى ضخ موارد عديدة لأجل إنجاحها ونشرها في مختلف الجهات والقطاعات، مع تمكينها من التصرف في أراضي الدولة ومنشآتها.

إعلان قصور مقاربة الدولة وضعف الإجراءات

تعاني الدولة من قصور واضح في مقاربة الأزمة، حيث اقتصرت الإجراءات على إصدار بلاغات فضفاضة لا تتضمن خططًا تنفيذية واضحة. فقد أعلنت السلطات عن نيتها شراء الزيت بأسعار تُراعي السوق العالمية، لكنها لم تحدد آليات التنفيذ أو التمويل. كما أنها أعلنت تشجيع تخزين الكميات الجاهزة من الزيت، لإفراغ المعاصر وتمكينها من استقبال الكميات القادمة، خاصة أثناء عطلة نهاية السنة، التي تنضم فيها عشرات الآلاف من العائلات، بكبارها وصغارها، إلى عملية جمع الزيتون.

لكن ضعف طاقة التخزين لدى الديوان (قرابة 15٪ من الصابة المنتظرة)، وتعقُّد إجراءات التنقل إلى العدد المحدود جدًا من مراكز التخزين، والتكلفة العالية للنقل، وتعقُّد إجراءات الخلاص وتأخره، وغياب الحوافز، كلها عوامل أدت إلى عزوف المنتجين عن التعامل مع ديوان الزيت.

الديوان الوطني للزيت، الذي كان يُفترض أن يكون جزءًا من الحل، بات اليوم جزءًا من المشكلة، وتحول من أداة لدعم الفلاحين وتعديل السوق إلى عبء على القطاع بأكمله.

والأزمة تواصل الاستفحال، لأنه لا أحد في الدولة يجرؤ على اتخاذ قرارات جدية تقطع مع الشعارات الشعبوية الفارغة؛ خوفًا من الإقالة أو التعرض للتشهير. الجميع مطالب بتبني السردية الرسمية التي يقدّمها الرئيس، بأن الأزمة مفتعلة وتقف وراءها لوبيات الفساد التي تتآمر مع الخونة لأجل تعطيل "حربه المقدسة لتطهير البلاد من الفساد".

ما يحصل اليوم من ارتباك من طرف أجهزة الدولة المعنية بقطاع الزيت، يبين بوضوح كيف أن الشعبوية تدمّر روح المبادرة والمسؤولية، وتضرب المصلحة الوطنية.

حلول لإنقاذ القطاع: بين العقلانية والمسؤولية

لحل أزمة قطاع زيت الزيتون في تونس، يتطلب الأمر تبني نهج شامل ومتكامل يجمع بين التدخلات الفورية والإصلاحات طويلة المدى.

على المدى القريب، يجب أن تعمل الدولة على تخصيص ميزانية استثنائية لدعم ديوان الزيت والشركات المصدرة، مع تحديد أسعار دنيا مضمونة للزيت، مما يضمن استقرار السوق ويخفف من أعباء الفلاحين. بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير سيولة طارئة للديوان الوطني للزيت، وتوسيع طاقاته التخزينية عبر الاستفادة من المنشآت العامة المتاحة. كما ينبغي أن تُطلق الدولة حملات ترويجية عالمية لتسويق زيت الزيتون التونسي، تبرز فيها جودته وتعيد بناء سمعة العلامة التجارية الوطنية.

إعلان

أما على المدى الطويل، فإن الإصلاحات الهيكلية ضرورية لتعزيز الحوكمة داخل ديوان الزيت، والشركة الخاصة التي أنشأها للإشراف على تصدير الزيت، بالاستفادة من الامتيازات الممنوحة للشركات الخاصة المصدرة، وضمان الشفافية والكفاءة في عملياتهما.

يجب أن يترافق ذلك مع تطوير البنية التحتية للنقل والتخزين لتحسين كفاءة الإنتاج والتصدير، مع تعزيز الرقابة على عمليات الصادرات لمنع الهيمنة الأجنبية وحماية المنتجين المحليين. على الصعيد الدولي، ينبغي على تونس التفاوض مع الشركاء الأوروبيين لحماية حصتها في الأسواق العالمية، مع وضع قوانين صارمة لمواجهة الممارسات الاحتكارية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتونس تعزيز دور التمثيليات الدبلوماسية في دعم مصالح المصدرين وفتح أسواق جديدة. هذه الخطوات مجتمعة يمكن أن تشكل خارطة طريق لإنقاذ القطاع، وتحويل الأزمة إلى فرصة لتطوير صناعة زيت الزيتون، وتحقيق نقلة نوعية في موقع تونس التنافسي عالميًا.

الأزمة تلد الفرصة

أزمة زيت الزيتون في تونس ليست مجرد أزمة اقتصادية، بل هي نقطة تحول حاسمة تكشف عن مدى قدرة الدولة على حماية مواردها وتحقيق التنمية المستدامة. الحل لن يكون ممكنًا إلا من خلال التخلي عن الشعبوية والخطابات الجوفاء، وتبني سياسات عقلانية قائمة على الشراكة بين القطاعين؛ العام والخاص، مع إشراك المجتمع المدني والخبراء في صياغة الحلول.

من الأمثلة الملهمة التي يمكن لتونس أن تستفيد منها، تجربة إسبانيا، حيث نجحت في تعزيز موقعها في الأسواق العالمية بفضل الاستثمار في الجودة، وتطوير العلامات التجارية الوطنية، واعتماد تقنيات حديثة في الإنتاج والتعبئة. هذه التجربة تثبت أن الإرادة السياسية والإدارة الحكيمة يمكن أن تحوّلا التحديات إلى فرص ذهبية.

في هذا السياق، يجب على تونس أن تستغل هذه الأزمة لتعزيز تنافسيتها الدولية عبر تحسين جودة منتجاتها وتوسيع شبكة توزيعها العالمية. الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، وتطوير أساليب التعبئة والتسويق لا يقلان أهمية عن تحسين الحوكمة وتعزيز الشفافية داخل المؤسسات الوطنية.

إعلان

في النهاية، تقع المسؤولية التاريخية على عاتق القيادة السياسية، التي يجب أن تتجاوز الشعارات الرنانة وتتحمل دورها في إعادة بناء القطاع. تونس تمتلك كل المقومات لتصبح رائدة عالمية في إنتاج زيت الزيتون، ولكن النجاح يتطلب رؤية بعيدة المدى وإستراتيجيات مدروسة.

بدون تلك الرؤية، وبمواصلة التخبط الشعبوي، سيتواصل الانهيار، مصداقًا لقول الفيلسوف الروماني سينيكا: "عندما لا نعرف إلى أي ميناء نتجه، تصبح جميع الرياح غير مواتية".

تونس الآن بحاجة إلى رُبان يقود سفينتها نحو بر الأمان، حيث تتحول التحديات إلى فرص، وتصبح أزمة الزيتون نقطة انطلاق لنهضة اقتصادية جديدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ابتزاز سوريا بحقوق الإنسان
  • عاجل - 300 مليار جنيه أصول العاصمة الإدارية الجديدة و55 مليار أرباح في 5 سنوات.. أرقام تُفند الشائعات (تفاصيل)
  • خالد عباس: العاصمة الإدارية تملك أصولًا تتجاوز الـ300 مليار جنيه
  • 325.9 مليار جنيه قيمة أصول شركات التأمين حاليا.. بزيادة 34.6%
  • الفلسفة الجوانيَّة.. نحو فلسفة عربية-إسلامية أصيلة
  • محافظ القليوبية يستقبل رئيس وزراء أذربيجان لوضع إكليل من الزهور على تمثال مؤسس دولتهم
  • الأخلاق في فلسفة كانط مقاربة إسلاميَّة
  • إدانة مستشار بقتل مؤسس تطبيق Cash App بوب لي
  • أزمة زيت الزيتون في تونس: الشعبوية المدمّرة
  • تحت شعار «استلهام»| أعمال 238 فنانًا شابًا تُزين قصر الفنون بالدورة الـ35 لصالون الشباب.. والفائزون بالجوائز يتحدثون لـ«البوابة نيوز» عن فلسفة أعمالهم