هل يستطيع السودان مقاضاة بريطانيا على حملة كتشنر 1898م ؟
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
سأتناول هذا الموضوع الذي طالما طرقه الكثير منا وهو ما يعرف مجازا بين السودانيين بحملة كتشنر ؛ وهي في تسميتها الأدق تاريخيا وبموجب القانون الدولي وقتها : حملة الاسترداد ، وتعني إسترداد حكمدارية السودان النيلي للسيادة العثمانية من خلال الولاية المصرية.
ولا بد من خلفية تاريخية سريعة :
في 1820م 1821م دخلت السودان حملة ضم قادمة من مصر وكانت تحت حكم الوالي محمد علي باشا وكانت مصر بدورها ولاية تابعة للدولة العثمانية.
صار السودان حكمدارية تابعة لمصر وتعاقب على حكمه حتى سنة 1881م عدد كبير من الحكمداريين وتراكمت المظالم حتى قيام الثورة المهدية انطلاقا من الجزيرة ابا.
بالتزامن مع الثورة المهدية كانت حركة الضابط احمد عرابي ورفاقه ضد الخديوي محمد توفيق مطالبة باصلاحات في نظام الحكم والمزيد من المشاركة الشعبية في ادارة الحكم الا انها لم تسع لتقويض سلطة اسرة محمد علي او الخروج من شرعية التبعية للدولة العثمانية.
تدخلت بريطانيا وفرنسا بدعوى الحفاظ على سلطة الخديوي ولكن بريطانيا انفردت بالتدخل والغزو العسكري بدءا من قصف الاسكندرية انتهاءا باحتلال القاهرة وسوق عرابي ورفاقه للمنفى بعد محاكمة صورية ؛ بينما ابقت على وجود وسلطة الخديوي ظاهريا وقانونيا.
اما الدولة العثمانية الام فلم تحاول التدخل لحماية ولايتها المصرية ؛ وتم تعريف الاحتلال البريطاني لمصر باستعمار حماية وليس ضم ؛ وفي هذه الحالة تحملت الخزينة المصرية كل التكاليف بما فيها تكاليف التدخل البريطاني.
اصدر الخديوي توفيق قرارا بحل الجيش المصري وتسريح ضباطه ؛ وتم البدء في تشكيل جيش جديد بقيادة ضباط بريطانيين متعاقدين مع نظارة الحربية المصرية ؛ ومن هؤلاء كان الضابط الشاب كتشنر الذي تم توظيفه كضابط مخابرات لاجادته اللغة العربية.
في هذا الوقت 1883م كانت الثورة المهدية في السودان تحقق اكبر انتصاراتها في شيكان ضد جيش بقيادة هكس باشا الضابط البريطاني المتعاقد هو وزملائه مع نظارة الحربية المصرية وللاسف تم تشكيل ذلك الجيش من الجنود المسرحين من جيش عرابي والذين تم تسفيرهم مقيدين بالسلاسل ؛ وهو الامر الذي اعتبره بعض البريطانيين المتعاطفين مع عرابي مثل الفريد سكاونت بلنت جريمة ابادة خطط لها الخديوي محمد توفيق للانتقام من الجيش الذي ثار ضده ؛ وعقب شيكان فإن الدولة المهدية صارت امرا واقعا في السودان وليس بتحرير الخرطوم في 26 يناير 1885م.
في العام 1884م كان كتشنر نشطا في التحرك في بلدات شمال السودان ؛ حلفا ؛ دنقلا حتى كورتي وكان بتنكره واجادته للغة العربية قادرا على خداع شيوخ القبائل وايهامهم بأنه تركي لدرجة انه ذكر في احدى تقاريره انه ظل لمدة ثلاث ساعات معهم وصلى معهم كذلك .. صلاة المسلمين.
التوصيف القانوني لوضع الدولة المهدية في السودان : ظلت بموجب القوانين وخرائط الدول المعترف بها تعتبر جزءا خارجا عن سلطة الدولة المصرية ؛ ويجدر بنا أن نؤكد هنا أن الدولة المصرية نفسها كانت تعتبر دولة تابعة Vasal State للدولة العثمانية برغم وجود جيش الاحتلال البريطاني وما يتبعه من نفوذ سياسي.
صار في مصر جيشان :
الجيش المصري الجديد بقيادة الضباط البريطانيين المتعاقدين ومنهم كتشنر وكانوا زيهم الرسمي هو زي الجيش المصري بالطربوش التركي.
الجيش الثاني :جيش الاحتلال البريطاني .
اجتهدت بريطانيا في فرض حصار تجاري من جهة حلفا وحصار بحري من جهة سواكن ؛ وخلال كل سنوات حكم الخليفة عبد الله بن السيد محمد من يونيو 1885م ظلت الاستعدادات وتأهيل الجيش المصري بقيادته البريطانية لحملة الاسترداد على قدم وساق… بينما كان كتشنر قد صار سنة 1896م القائد للجيش المصري.
1896م بدأت الحملة التحرك من حلفا نحو دنقلا في المرحلة الاولى ؛ وقانونيا و ماديا توفرت لها تغطية مصرية كاملة و ارتدى كتشنر ورفاقه البريطانيين الزي العسكري المصري والطربوش ؛ وفي 2 سبتمبر 1898م كانت موقعة كرري وما تلاها من تجريد مصر من كل المكاسب السياسية المفترضة لحملة الاسترداد.
ان ما عرف في تاريخنا بحملة كتشنر هو في حقيقته من اكبر عمليات التغطية القانونية بحيث يصعب معها اية محاولة ملاحقة قانونية ؛ بل ان حملة كتشنر 1898م لا تذكر في الارشيف العسكري البريطاني في الشبكة العنكبوتية باعتبارها من معارك القوات البريطانية التاريخية ؛ ويمكنك ان تلاحظ ان كتشنر وعقب كرري تم استدعائه لقيادة القوات البريطانية في جنوب افريقيا في الحرب التي تعرف بحرب البوير ضد الهولنديين ؛ وهذه حرب تذخر اراشيفهم الاسفيرية بتفاصيلها لأنها كانت حربهم ؛ قانونيا !
ساتناول في الختام مسألة هامشية يحلو لكثير منا تكرارها كل حين ؛ وهي التركيز على مدفع المكسيم والاعتقاد بانه استخدم في كرري 1898م لأول مرة.
هذا ليس صحيحا.
استخدم المكسيم لاول مرة سنة 1887م في ما عرف بحملة انقاذ امين باشا حكمدار الدولة المصرية في حكمدارية خط الاستواء ؛ وكانت الحملة بقيادة الامريكي هنري مورتون ستانلي ؛ وبسبب مدفعين من المكسيم تبرع بهما مخترع المكسيم للحملة على سبيل التجربة ابيد الالآف من رجال القبائل في خط سير الحملة من رأس بنانا على ساحل الكونغو على المحيط الاطلسي مرورا بادغال الكونغو وصولا الى الضفة الغربية لبحيرة البرت.
تلك قصة اخرى.
#كمال_حامد ????
مكرر من 4 يونيو 2016م
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الجیش المصری
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: كيف يمكن للمحكمة مقاضاة نتنياهو وغالانت؟
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن 120 دولة التي صادقت على نظام روما الأساسي، هي أعضاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، رغم أن اختصاصات المحكمة يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم إيف سامبسون ومارليز سيمونز- أن تقديم المحكمة مذكرات اعتقال أصدرتها هذا الأسبوع بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بسبب الجرائم التي يتهمان بارتكابها في قطاع غزة، يقدم رؤى مهمة حول مدى اختصاص المحكمة وحدود سلطتها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودانlist 2 of 2صحيفتان بريطانيتان: قرار الجنائية الدولية زلزال هز العالمend of list محكمة مختصةتأسست المحكمة منذ أكثر من عقدين لمقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم العدوان، وقد اتهمت نتنياهو وغالانت باستخدام التجويع من بين تهم أخرى كسلاح حرب، في حرب إسرائيل على غزة، واتهمت قائد كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- محمد الضيف (الذي زعمت إسرائيل أنها قتلته)، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وذكرت الصحيفة أن الدول القوية كروسيا والولايات المتحدة والصين، لا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية، ولم تصادق على نظام روما الأساسي، ولا تحترم المذكرات الدولية الصادرة عن المحكمة ولن تسلم مواطنيها لها، كما أن إسرائيل ليست عضو في المحكمة، ولكن قادة السلطة الفلسطينية وقعوا عليها، رغم أن العديد من الدول لا تعترف بدولة فلسطين.
ومن الأهمية بمكان لسلطة المحكمة أن ولايتها القضائية يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء، لأن نظام روما الأساسي يمنح مجلس الأمن، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، سلطة إحالة الفظائع المرتكبة في أي دولة عضو أو غير عضو في المحكمة، إلى الهيئة القانونية للتحقيق.
اختلال مجلس الأمنغير أن التوترات الحالية بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن من غير المرجح -حسب الخبراء- أن تسمح للمجلس بإحالة أي فرد بالإجماع إلى المحكمة في وقت قريب، وقال ديفيد شيفر، السفير الأميركي السابق والمفاوض الرئيس في النظام الأساسي الذي أنشأ المحكمة: "نظرا للطبيعة المختلة لمجلس الأمن في السنوات الأخيرة، من غير المرجح أن تنجو أي إحالة مقترحة في العالم من حق النقض".
ومع أن روسيا ليست عضوا في المحكمة، فقد أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2023، ومذكرات اعتقال بحق الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير والعقيد الليبي السابق معمر القذافي.
وبدأت التحقيق عام 2017 في تهم بجرائم حرب في أفغانستان، ربما ارتكبها الأميركيون، ولكن واشنطن فرضت عقوبات على المدعية العامة آنذاك فاتو بنسودا، وألغت تأشيرة دخولها، وفي النهاية أسقطت المحكمة تحقيقاتها.
تنفيذ أوامر الاعتقالومع أن نطاق المحكمة عالمي تقريبا من الناحية النظرية -كما تقول الصحيفة- فإن قوتها في نهاية المطاف في أيدي أعضائها، ولا يمكنها محاكمة المتهمين بجرائم غيابيا وليست لديها آلية لمحاكمة المتهمين، ولكنها تعتمد على الدول الأعضاء في التنفيذ واحتجاز المشتبه وإن كانت الدول الأعضاء في الاتفاقية لا تلتزم جميعها بذلك.
وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إنه دعا نتنياهو لزيارة بلاده، وهي عضو في المحكمة، وأكد أنه سيتجاهل التزامه الرسمي بالتصرف بناء على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة.
وسبق أن زار بوتين منغوليا وهي عضو في المحكمة من دون أن يتم اعتقاله، كما زار البشير جنوب أفريقيا، وهي أيضا عضو أيضا، ولكنه غادر على عجل هربا من الأوامر الوشيكة من محكمة محلية.