متمردو الدعم السريع والحرب الهجينة في السودان
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
يشهد القرن الحادي والعشرون تنامي الحروب، وتتطور فنونها وأدواتها وطرق إدارتها التي تتطور عبر التاريخ من جيل إلى جيل شأنها شأن أي تطور طبيعي يطرأ على مناحي الحياة المختلفة، فهي أصبحت بمثابة قدر محتوم على البشرية منذ قديم الأزل ووفقا لمبررات مختلفة، فتكون حينا واقعا مفروضا للدفاع عن الأرض والعرض وتكون، في حين آخر لتحقيق مطلب وحق استعصى نيله بالطرق السلمية أو لتحقيق مصالح قومية للاستعمار في ثوبه الجديد، وفي ظل هذا النسق من المبررات نشبت الحروب المتعاقبة وتطورت متخذة أجيالا مختلفة لتلبي الاحتياجات المتزايدة لإدارة تلك الصراعات بمبرراتها المختلفة في شتى أنحاء العالم؛ وبذلك انتقلت أجيال الحروب عبر السنين من مرحلة إلى أخرى في تطور طبيعي حمل أفكارا ورؤى أدت إلى تحديث كل منظومة الحروب من تدريب الأفراد إلى نوعية السلاح المستخدم إلى النظريات والخطط العسكرية المتبعة فيها.
ومن هذا المنطلق صنف خبراء الفكر العسكري الحروب تصنيفا دقيقا حسب الفترات التي دارت فيها وكذلك بحسب المعدات التي استخدمت فيها، بلغ هذا التصنيف ستة أجيال ولكل جيل منها سمات مميزة، ونستعرض في هذه المساهمة بعض سمات أجيال الحروب في القرن الحادي والعشرين الذي اشتِهر بما يُعرف بحروب الجيل الخامس ونركز على إحدى سماته وهي الحرب الهجينة وإسقاط بعض سماتها على ما يجري في السودان من حرب ضد كل السودان يُستخدم فيها متمردي الدعم السريع بالوكالة لتحقيق أجندة دول طامعة في السودان، فما هي الحرب الهجينة؟
*الحرب الهجينة:*
أصدر “فرانك هوفمان” في عام 2005 كتابا بعنوان Conflict in the 21 st Century: The Rise of Hybrid Wars ( “النزاعات في القرن الواحد والعشرين: صعود الحروب الهجينة”)، وعرف فيه الحرب الهجينة بأنها “المزج ما بين تكتيك حرب العصابات والجماعات الإرهابية وامتلاك قدرات تقليدية وأسلحة تشبه تلك التي كانت حصرا للجيوش النظامية” وفي هذا السياق يتم “استخدام الأنماط المختلفة من الحرب، بما في ذلك القدرات التقليدية، والتكتيكات غير التقليدية، والأفعال الإرهابية، بالإضافة إلى نشر الفوضى التي تساعد على تفشي الجريمة، العنف العشوائي والإكراه والفوضى الإجرامية”. ووفقا لرؤيته، فإن الدول والجماعات من غير الدول، تسعى لتطوير قدرات جديدة (تكنولوجية وتكتيكات غير متوقعة) من أجل تحقيق ميزة استراتيجية وتجنب المواجهة المباشرة مع الخصم المتفوق عسكريا.
بالنظر لهذا التعريف، فإنه يمكن القول بأن الحرب التي تجري في السودان ليس بالتبسيط والتقزيم المخل الذي يتلاعب به صناع الرأي العام الدولي والإقليمي والمحلي من أجل تحقيق أغراض سياسية مثل وصفها بأنها حرب جنرالين يتنافسان على السلطة أو حرب يقودها الإسلاميون من أجل العودة إلى السلطة أو حرب من أجل الديمقراطية أو ضد دولة 56 وغيره من التبرير الفطير، فكلما جاء في التعريف أعلاه يمكن إسقاطه على تصرفات التمرد من تكتيك العصابات وممارسة الإرهاب على المدنيين واغتصاب ممتلكاتهم وإكراههم على مغادرة منازلهم ونشر الفوضى والجريمة من خلال إخلاء السجون ونهب المحال والشركات التجارية والمصارف واحتلال الأعيان المدنية واتخاذها ثكنات عسكرية لتجنب المواجهات العسكرية مع الجيش وكل هذه الجرائم ترتكب يوميا في المناطق التي يهاجمها التمرد.
*دور الإعلام في الحرب الهجينة:*
تجدر الإشارة إلى أنه في ظل التطور التقني خاصة ما يتصل بالاتصال الجماهيري، يلعب الإعلام دورا محوريا في الحرب الهجينة، ربما بما يوازي أهمية آلة القتال ذاتها، يلعب هذا الإعلام دورا فعلا في توجيه الرأي العام والتأثير في الروح المعنوية للشعوب لدرجة تكون كفيلة بخسارة الحرب قبل أن تبدأ، وهذا ما استخدمته الولايات المتحدة في أثناء حربها على العراق في عام 2003 ولعل هناك الكثير من الأمثلة على ذلك أيضا فنظام القذافي لم يسقط في البداية، ولكن سقط عندما سقطت طرابلس على الفضائيات، وليس على أرض الواقع، إضافة لسقوط الموصل أكبر مدن العراق في يد داعش بعدما تم قصفها بفعل التغريدات على تويتر افتراضيا ليدب الذعر في صفوف القوات الحكومية العراقية، وتنسحب من المدينة دون قتال.
ومثل هذا الدور يلعبه أيضا الإعلام المساند للتمرد في السودان بتصوريه للتمرد على أنه يسيطر على عدد من الولايات ادعاء باطلا مع أن حقيقة الأمر أن وجود شرذمة من المتمردين تهاجم المدنيين وترهبهم وتخرجهم من ديارهم لا يعد سيطرة بل نوعا من جرائم العصابات، صحيح أن للتمرد وجودا على بعض المناطق في السودان سواء في الشوارع العامة أو بعض المدن وبعض المناطق الاستراتيجية التي كان فيها قبل اندلاع الحرب حينما أؤتمن على تأمينها، ولكن ذلك لا يعني البتة سيادة التمرد وسيطرته الفعلية، ولكسب الحرب إعلامياً استُخدِمت وتُستخدم الحرب الهجينة لدعم حرب التمرد وبمساعدة قنوات إعلامية في المنطقة – مثل القناة التي بثت التقرير الكاذب المزيف عن الإرهاب في السودان مؤخراً – وقنوان أخرى لبث الإشاعة بغرض التأثير على الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي على وجه الادعاء لتحقيق نصر مزيف بعيد المنال.
يتضح لنا من خلال ذلك السرد المبسط مدى تأثير الإعلام وكيف يمكن أن تتحول بعض وسائل الإعلام في الحرب الهجينة إلى بنادق وقاذفات قنابل، لتلعب بذلك دور آلة الحرب، وقد تفوق هذا الدور في بعض الأحيان؛ وبذلك استطاعت تقويض دول وزعزعة أركان دول أخرى كما في العراق وليبيا وكما تفعل في السودان حاليا، ولمجابهة الدور الإعلامي السالب في الحرب الهجينة يتحتم على وسائل الإعلام الحديثة الوطنية وبدور يلعبه الشرفاء من إعلاميي السودان ملاحقة وفضح كذب وتلفيق وتزييف وتضليل إعلام التمرد المأجور ومن يقفون خلفه، كما لا ننسي أن للمواطنين دوراً محورياُ أيضاُ في فضح جرائم التمرد خاصة أن وسائل التواصل الحديثة يسرت الأمر فيمكن توثيق وبث المعلومات في بضع ثوان، من خلال ما يعرف *بصحافة المواطن* الذي ينشر تلك الأخبار خاصة الفيديوهات والصور في الفضاء الافتراضي من أجل تحقيق أغراض وطنية ذات مصداقية نشرا للحقيقة ومجابهة الإعلام المُغرض، بمعنى أنه يجب أن تُدعم المقاومة الشعبية أيضا بعمل إعلامي شعبي مؤثر يكون له دور حيوي في عملية جمع، وتحليل الأخبار وبثها بغرض مد وسائل الإعلام العالمية خاصة وسائل التواصل الاجتماعي بمعلومات دقيقة وموثوق بها ومستقلة تستجيب لتسارع الأحداث وتطورها ولعلها أيضا تسد العجز في الإعلامي الرسمي للدولة.
د. أحمد عبد الباقي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی السودان من أجل
إقرأ أيضاً:
هجرة جماعية من عدة قرى حول الفاشر بعد تصاعد هجمات الدعم السريع
أعلنت منظمة الهجرة الدولية، الثلاثاء، عن نزوح 3960 أسرة من قرى مختلفة حول مدينة الفاشر غربي السودان خلال الـ3 أيام الماضية، جراء زيادة هجمات قوات "الدعم السريع".
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة في بيان الثلاثاء، بأن "3960 أسرة نزحت من قرى في الفاشر بولاية شمال دارفور خلال الفترة بين 25 إلى 27 كانون الثاني/ يناير الجاري".
وأضافت: "حدث النزوح بسبب زيادة الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع في جميع أنحاء الفاشر، يومي الجمعة والسبت الماضيين".
وقالت إن الأسر "نزحت من قرى شقرة، كويم، جوكي وترتورة سنابو (غرب الفاشر) إلى مواقع أخرى داخل المدينة".
وخلال الأيام القليلة الماضية، كثفت "الدعم السريع" من هجماتها على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي يسيطر عليها الجيش السوداني.
ومنذ 10 مايو/ أيار 2024، تشهد الفاشر اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع"، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
وفي السياق، قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كلمنتين نكويتا سلامي، إنه "بعد مرور ما يقرب عامين من الصراع في السودان، لاتزال الأزمة الإنسانية في البلاد تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وخفض التصعيد، والوصول غير المقيد للمساعدات والتمويل الدولي الفوري".
وأضافت سلامي: "تسعى خطتنا الإنسانية لعام 2025 إلى توفير 4.2 مليار دولار لمساعدة 21 مليون شخص محتاج".
والسبت، اتهمت وزارة الخارجية السودانية قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة، طالت المرضى بالمستشفى السعودي بالفاشر، وراح ضحيتها أكثر من 70 من المدنيين الذين يتلقون العلاج ومعظمهم من النساء والأطفال.
وقالت الوزارة في بيان، إن ارتكاب هذه المجزرة "يأتي لعدم خشية المليشيا من العقاب، وهو أحد نتائج التراخي الدولي تجاه المليشيا ورعاتها، وعجز مجلس الأمن عن متابعة تنفيذ قراره 2736 (2024)، وإلزام المليشيا بتنفيذ إعلان جدة مايو 2023، مطالبة المؤسسات الشرعية والعدالة الدولية بمحاسبة رعاة المليشيا باعتبارها شريكا كاملا للمليشيا في إرهابها وجرائمها".
وأضافت أن "هذه الجريمة البشعة تجسيد جديد لاستراتيجية الإبادة الجماعية التي تنفذها المليشيا ضد الشعب السوداني".
ويخوض الجيش و"الدعم السريع" منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.