ما هو مستقبل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي؟
تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT
في اليوم 778 من الغزو الروسي لأوكرانيا والذي تتقدم فيه موسكو حاليا، سلطت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الضوء دور الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات الغربية، بالإضافة إلى أن قرار أوكرانيا منذ 10 سنوات بعدم الانضمام له والتقارب من الاتحاد الأوروبي يعتبر أبرز أسباب التوتر الذي أدى إلى الحرب الحالية.
وأوضحت المجلة أن مستقبل الكتلة على المدى البعيد يظل موضع شك، لاسيما مع تغير الكثير من الأمور منذ تشكيل الاتحاد الجمركي الأصلي الذي ضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان في عام 2009، والذي كان بمثابة الأساس للاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
ومع ذلك، أشارت المجلة إلى أن مشاريع تكامل سوق الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مستمرة، على الأقل في التصريحات الرسمية، مع التركيز على أسواق الطاقة والعمل. ويواصل رؤساء الدول الأعضاء الاجتماع سنويًا ويتحدثون عن فكرة الفضاء الاقتصادي الموحد.
ووفقا للمجلة، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عام 2011 أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي سيكون بمثابة اتحاد اقتصادي ديناميكي يوحد أوروبا وآسيا. وبعد فترة وجيزة، بدأت روسيا حملة ضغط قوية على دول سوفيتية سابقة أخرى للانضمام إلى الكتلة التجارية مع انزلاق منطقة اليورو إلى أزمة.
وذكرت أنه في السنوات التي تلت خروج الاتحاد الاقتصادي الأوراسي رسميًا من الاتحاد الجمركي في عام 2015، مع انضمام قيرغيزستان وأرمينيا كعضوين إضافيين، لم تحقق الكتلة التجارية الكثير فيما يتعلق بزيادة التجارة الداخلية.
وأوضحت أن البيانات الرسمية من بداية الحرب كشفت أن التجارة بين الدول الخمس الأعضاء يشكل 15 في المائة فقط من إجمالي حجم تجارتهم، وهو رقم أقل بكثير من الذي حققه الاتحاد الأوروبي، وهو رقم لم يتغير كثيرا في الفترة بين عامي 2015 و2021، ولم تشهد حجم تجارة روسيا مع الدول الأعضاء الأخرى تطورا ملحوظا.
وكانت إحدى الحجج الرئيسية لإنشاء الكتلة التجارية، حسبما ذكرت المجلة، هي توحيد أسواق العمل، حيث شكلت التحويلات المالية المرسلة من العمال الضيوف في روسيا تاريخياً نسبة كبيرة من اقتصادات دول ما بعد الاتحاد السوفيتي الأخرى.
لكن المجلة أوضحت أنه بينما زادت تدفقات العمالة من دول ما بعد الاتحاد السوفيتي في البداية في عام 2022 لتحل محل العمال الروس الذين هم الآن على الجبهة، أدى انخفاض قيمة الروبل إلى انخفاض بمعدل 40 في المائة في عدد العمال الضيوف الوافدين إلى روسيا في عام 2023، بما في ذلك انخفاض بنسبة 15 في المائة في عدد العمال الضيوف من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
كما لم تكتسب دول ما بعد الاتحاد السوفييتي في القوقاز وآسيا الوسطى المزيد من القدرة على الوصول إلى أسواق العمل في الشرق الأوسط وشرق آسيا، ما أدى إلى تقليل اعتمادها على روسيا.
وبالنظر إلى هذه النتائج، فليس من المستغرب، بحسب المجلة، أن الدول السوفييتية السابقة الأخرى تراجعت عن الكتلة التجارية.
وذكرت أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، شارك في الاجتماعات السنوية للهيئة الإدارية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، في مايو 2023 للمرة الأولى، لكن البلاد لم تعد شريك رسمي ولا مراقب.
وتجاهلت طاجيكستان موسكو برفضها مناقشة عضوية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في صيف عام 2023، رغم الزيارة الشخصية التي قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، واستمرار اعتماد الدولة الفقيرة في آسيا الوسطى على روسيا في التحويلات المالية.
وبعد صعود حكومة مؤيدة للغرب في عام 2023، ابتعدت مولدوفا عن موسكو من خلال الخروج من كومنولث الدول المستقلة، حيث أصبحت البلاد تدريجياً أقل اعتماداً على التحويلات المالية من العمال الضيوف في روسيا.
وحصلت أوزبكستان، التي ترسل عادةً معظم العمال الضيوف إلى روسيا، على وضع مراقب في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي منذ ديسمبر 2020 لكنها لم تسعى للحصول على العضوية الكاملة.
لكن المجلة أشارت إلى أن الاقتصاد الكبير الوحيد الذي يسعى بقوة إلى التكامل مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي هو إيران، إذ بدأت وفود الأعمال من روسيا في الوصول إلى إيران في الأشهر التي تلت الغزو لدراسة كيفية تعامل طهران مع عقود من العقوبات الغربية، وبدأت التجارة في الزيادة خاصة على المستوي العسكري، ما أدى إلى إنشاء منطقة تجارة حرة دائمة مع طهران في ديسمبر الماضي.
ومع ذلك، ترى المجلة أن إضافة إيران إلى الكتلة التجارية لن يفعل الكثير لتنويع القاعدة الصناعية للكتلة التجارية، مع تزايد التوترات بين إيران وروسيا.
لكن المجلة أوضحت أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أثبت أنه مفيد لموسكو في أعقاب الغزو، ما مكن من تجنب العقوبات وزيادة العمالة الأجنبية ليحلوا محل العمال الذين تم إرسالهم إلى الجبهة.
وذكرت أن بوتين يعتقد أن الكتلة ستقود التنمية العالمية جنبًا إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين، خاص أنه يدرك المنافسة المتزايدة على النفوذ في أوراسيا، ولذلك يكافح من أجل توسيع الكتلة التجارية وتسريع عمليات التكامل.
وبشكل عام، تعتقد المجلة أن المستقبل طويل المدى للكتلة، كأي شيء آخر غير ممر للسلع، لا يزال موضع شك، ويتفاعل جيران الكتلة التجارية وفقًا لذلك.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الاتحاد الاقتصادی الأوراسی فی عام
إقرأ أيضاً:
الشباب والتمكين الاقتصادي
د. صالح الفهدي
كان لافتًا وجود أطفالٍ هم في الحقيقة روَّادُ أعمالٍ صغار، وهم يتحدَّثون إلى الجمهور عن تجاربهم في إنشاء المشاريع، ولكن لم يكن ذلك مفاجئًا؛ إذ إنَّ أغلبهم كانَ من ولاية نزوى، وقد أتاح لي وجودي بينهم الاستماعَ إلى تجاربهم وقصصهم، وذلك في إطار فعالية نظَّمتها دائرة الشراكة وتنمية المجتمع بالمديرية العامة للتنمية الاجتماعية بمحافظة الداخلية.
الفكرةُ في حدِّ ذاتها رائعة: أن يتحدَّث صنَّاع محتوى إيجابي، أو نرى أطفالًا صغارًا وهم يتحدَّثون عن مشاريعهم التجارية. وإذ قلتُ بأنَّ أغلب الأطفال الذين تحدثوا عن مشاريعهم من نزوى وأن ذلك لم يكن مفاجئًا لسببِ ما عُرف عليه أهُل نزوى من مزاولة التجارة بأنفسهم، لهذا ينشأ أبنائهم على عادات آبائهم وأجدادهم، وقد وجدوا أن التجارة مصدرَ رزقٍ وفيرٍ، كما أنها توفِّر حريَّةً ماليةً وسيعة.
طُلبَ مني أن ألقي كلمةً تحدَّثتُ فيها عن السعادة التي غمرتني وأنا أستمع لأعمارٍ صغيرةٍ استطاعت أن تحسِّن الوضع المعيشي لأُسرها، وهي لم تبلغ بعد سنَّ الحلم، وتمنيت أن يجول هؤلاء الأطفال أرجاء السلطنة ليتحدثوا عن تجاربهم وقصصهم كي يُلهموا الآخرين بما يحملونه بين جوانحهم من طاقة إيجابية، ترى البياض الواسع المليء بالفرص.
بعد نهاية الفعالية جاءني أحد هؤلاء الأطفال أصحاب المشاريع فقال لي: لقد تحدَّثتَ بأنَّ على كل صاحب موهبة أن يستثمر في موهبته، فلماذا لا يركِّز التعليم على ذلك؟ واستطرد سائلًا: لماذا لا نجد موادًا دراسية تهتمُّ بتنمية المواهب والقدرات؟ لقد فتَحَتْ تساؤلاته ما كنتُ أكرِّره من أن التعليم يجب أن يُلامس الواقع، ويواكب مقتضياته، ويتوافق مع متغيِّراته، ولا يجب أن يظل رهينًا لنظام جامد دون تغيير عقودًا طويلة.
إنَّ مسألة تمكين الشباب لا تبدأ في مرحلة متأخرة؛ بل هي مما يعزَّز في مراحل مبكرةٍ من التعليم، وذلك عبر الاعتناء بالمواهب والقدرات وتحفيز التفكير، والإبداع، وتحمل المسؤولية، ولا جدال في أن المدرسة هي التي تصقلُ المواهب، وتعزز الطاقات والمهارات، وتسهم في تشكيل التوجُّه، والميول.
وغاية التعليم ليس أن يُحشى ذهنُ الطالب بالمعلومات حشوًا، فتظل في ذهنه حبيسة لا يعرف كيف يترجمها إلى الواقع، فالكثير من البشر يملكون المعرفة النظرية ويتحدثون بها حتى تقول لو أنَّ هؤلاء قرروا فتح مشاريع لنجحوا فيها نجاحًا باهرًا، ولكن ذلك ليس صحيحًا، إنَّما من يمارسُ التجربة في الواقع هو أدرى به، ولذلك يقول المثل الشعبي "اسأل مجرِّب ولا تسأل طبيب" والمقصد ترجيح صاحبُ التجربة وليس التقليل من شأنِ الطبيب إن نظرنا إلى الشقِّ الإيجابي في المثل.
قُلتُ في كلمتي وأنا أمسكُ بيدي ورقةً: "أن الشهادة ورقة تدلُّ على أنك متعلم، ولا تدلُّ على أنك فاهم" فالفهم الحقيقي يظهرُ في الاحتكاك بالواقع، وما لم يمزج التعليم النظري بالعملي، وما لم يُعتنى بالمهارات الحياتية والريادية مثل مهارة التواصل، والقيادة، واتخاذ القرار، وحل المشكلات، وما لم يُدرَّب الطلاب على مهارات الذكاء العاطفي فإن التعليم لن يحقِّق غاياته في تشكيل شخصية تستطيع أن تحوِّل المعلومة إلى معرفة فيما يُعرف بـ"اقتصاد المعرفة".
ذات مرَّة تحدَّثتُ إلى جهةٍ أطلقت مسابقة لإجراء بحوث زراعية، فقلتُ لهم: لِمَ بحوث؟ لِماذا لا تكون الأعمال المقدَّمة مشاريع حقيقية على أرض الواقع؟ مثل أن تكون المشاريع زراعية حتى وإن كانت تجارب زراعية لا تتعدَّى مساحة مترٍ مربِّع واحد، فذلك ما يُلهم المشاركين أفكارًا ذات اتصالٍ بالواقع.
الطلَّاب حين يدمجون في أعمال ترتبط بواقع المجتمع وسوق العمل، تتولَّدُ لهم أفكار خلَّاقة، ويكتشفون مهارات مخفيَّة فيهم، بل واتجاهات وميول مختلفة في مستقبلهم المهني. وفي هذا السياق، تدرسُ ابنتي في جامعة مسقط؛ حيث يقتضي نظام الجامعة أن يقضي الطلبة السنة الثالثة في تدريبٍ عمليٍّ بتنسيقٍ مع الجامعة، وهي فكرةٌ تتوافق مع طرحي الدائم حول إدماج المُتعلِّم في سوق العمل، حتى يستلهم الأفكار، ويكتشف ذاته، ويحدِّد نقاط القوة والضعف في مهاراته الشخصية.
في عالم اليوم يجب أن ينطلق التمكين الحقيقي من تحرير العقول، وتوجيهها نحو التفكير النقدي والإبداعي؛ فليس الهدف أن يحفظ الطالب المعلومة، بل أن يفكر فيها ويعيد إنتاجها. ويتحقق ذلك حين تُربط المناهج بحياة الطالب اليومية، فيشعر أن ما يتعلمه له أثر في بيئته ومجتمعه، وأن المعرفة ليست غاية في ذاتها؛ بل وسيلة للبناء.
ولكي تعزَّز قيم الهوية والانتماء الوطني، فإنَّ من المُهم أن يُتاح للطلبة فرص المشاركة في الأنشطة التطوعية والمبادرات الوطنية، وأن يُربط التعليم بخدمة المجتمع، عبر مشاريع بيئية أو ثقافية أو اجتماعية، ومحصَّلة ذلك أنَّه حين يعرف الطلبة تاريخهم ويعتزون بتراثهم، يصبحون أكثر استعدادًا لخدمة وطنهم، وتحمُّلًا للمسؤوليات والواجبات بهمَّةٍ عاليةٍ، وروح وثَّابة.
الشاهدُ أن التمكين هو عملية تأسيسية تنطلقُ في مراحل مبكرة، وفق سياقات تعليمية وعمليَّة تأخذُ في اعتبارها تعزيز القدرات الشخصية، واكتشاف المواهب، وتنمية المهارات. هذه العملية ستضمن نشوء جيلٍ قادرٍ على صنع القرار، وتحديد الاتجاه، وإنتاج المعرفة.
رابط مختصر