الكتابة عن عمل فنى ليست أمراً سهلاً، لا سيما إذا كان المكتوب عنه بطله غول تمثيل بقيمة يحيى الفخرانى، صاحب التاريخ الدرامى الضخم، فما بالك لو قلت لك إن مايسترو العمل هو مجدى أبوعميرة، مخرج الروائع، اللذين بمجرد سماع اسميهما معاً، يشدو فى أذنيك «يا روايح الزمن الجميل هفهفى وخدينا للماضى وسحره الخفى»، ويجعلك تفكر ألف مرة قبل أن يخط قلمك حرفاً عن مسلسلهما الجديد «عتبات البهجة» فى 2024 خوفاً من أن يجانبك الصواب.

وبالمثل القائل «ما هكذا يا سعد تورد الإبل»، أخذت أهمس لنفسى، كلما قرأت التعليقات بشأن المسلسل، فلا أفهم أن يحكم ناقد فنى أو أى مشاهد -بالمناسبة- بامتلاكه الحقيقة المطلقة فى الحكم على العمل الدرامى، وأن «كلمته مش ممكن تنزل الأرض أبداً»، وأن غيره خاطئ؛ وأتمنى لو أخبره قائلاً يا عزيزى، الفن أساسه اختلاف الآراء، وكل ما يكتب عن الأعمال الدرامية «حلوه ومره»، لا تعده «آفة»، ويجب أن نراه «صحياً»، فالعمل السيئ لا يتحمل النقاشات ولا يستفز طاقات الكتابة فينا ولو لسطر واحد. وعلى أى حال لا أبالغ إذا قلت إن مسلسل «عتبات البهجة» من أجمل المسلسلات التى رأيتها ولا تسألنى على أى أساس أطلقت حكمك؟ فيمكن أن أجيبك بـ«رأيى وأنا حر»؛ لكن سأقول لك نظريتى وراء ذلك؛ وهى أن تجعل ما يهمك يتلخص فى ماذا يقدم العمل الدرامى وكيف، وتشاهد المسلسل بشكل كامل؛ حتى لا تُصدر رأياً من مشاهدة حلقة أو أكثر دون تكوين رؤية عامة عن الحلقات؛ وهذا ما تتبعه غالبية الآراء -للأسف- على مواقع التواصل الاجتماعى، فلا تزيد عن وجهة نظر انطباعية و«عوم مع الرايجة» وليس لها علاقة بفهم عميق بعد مشاهدة حقيقية.

وبشكل عام، أرى أن المنطق السائد فى معظم الأعمال الحالية، فى التحليل الأخير له، هو توصيل رسالة إلى الأسرة المصرية بكل فئاتها مفادها إدراك القيم وعودتها لمجتمعنا سواء برد فعل أخلاقى مباشر أو بذكر الضد ومآلاته السلبية؛ وهذا يسهم فى النهاية فى رفعة الذوق الفنى؛ وكأن الإبداع المصرى يقوم بعملية «تطهر» -بالمعنى الأرسطى- ليعيد التوازن للمشاهد على غرار المسلسلات الخالدة فى ذاكرتنا.

ومن الأعمال التى نجحت فى الموسم الحالى من تحقيق الرؤية السابقة، جاء مسلسل عتبات البهجة للفنان الكبير يحيى الفخرانى، الذى يعود به بعد غياب عامين عن آخر أعماله نجيب زاهى زركش فى 2021، ليقدم وجبة درامية جديدة بتوقيع مدحت العدل عن رواية للكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، وإخراج مجدى أبوعميرة الذى قدم روائع لا تنسى فى الدراما المصرية، مثل: «الضوء الشارد والمال والبنون والراية البيضا»، ومجرد وجود اسمه يعطى شهادة نجاح للعمل.

المضمون الدرامى على مدى أحداث مسلسل عتبات البهجة جاء متناسقاً، فلم يحدث خلل يجعل المشاهد يمل أو يشعر بعدم السببية بين نهاية كل حلقة وأخرى؛ وظهرت الشخصيات بشكل يتجسد فيه أداء السهل الممتنع الذى يجعلك تشعر أن ما يعرض أمامك واقع حى وليس تمثيلاً، وهو ما انعكس أيضاً على تناسق ملابسهم مع طبيعة شخصياتهم وأسلوب الحوار البسيط الذى تفهمه وتتقبله كل الأعمار؛ وهو ما يؤكد أنه عمل موجه للأسرة المصرية وكُتب ليكون بطعم البيوت؛ ولذا كان تصنيفه جمهوراً عاماً. استطاع صانع البهجة، يحيى الفخرانى، أن يجسد شخصية «الجد» بأبعادها المختلفة بحرفية شديدة، فظهر وقوراً حكيماً، وإن جاءت لغته خطابية مباشرة، فأراها تتسق مع الخط الدرامى، الذى أراد توجيه عدة رسائل بين رفض التحرش، والدعوة لنشر الحب والتسامح؛ ومواجهة البدائل غير الأخلاقية لتحقيق السعادة كاتجاه الشباب لطريق المخدرات، وكلها دعوات لاستعادة أخلاقنا الجميلة مع محبة الحياة، فى زمن يشهد تطوراً تكنولوجياً سريعاً وزيادة الفجوة بين الأجيال، وإن انتصر بهجت الأنصارى للماضى فيقول فى أول مشهد من المسلسل: «تخيلوا الفرق بين زماننا اللى إحنا عشناه والزمن اللى إحنا عايشينه دلوقتى عرفتوا ليه بقى سموه الزمن الجميل»، فإن النهاية كانت دعوة للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة.

وعلى سيرة أعمالنا الخالدة، وبما أن الشىء بالشىء يذكر، فمن الوهلة الأولى عند مشاهدتى لـ«عتبات البهجة»، تذكرت مسلسل «ضمير أبلة حكمت»، الذى عُرض لأول مرة عام 1991 من قصة أسامة أنور عكاشة، هذا الربط جعلنى مع كل ظهور للعبقرى يحيى الفخرانى على الشاشة ومناقشاته مع أبطال العمل لحل مشكلة ما -كأننى أرى نفس طريقة تعامل أبلة حكمت «فاتن حمامة» الناظرة الوقورة مع تلاميذها- أردد: نحتاج لـ«ضمير أستاذ بهجت» لنصل للسعادة فى حياتنا، فالمفارقة أن كلا المسلسلين من 15 حلقة، ويناقشان قضية التعليم وصراع الأجيال الناجم عن الهوة الثقافية بين الجيلين القديم والجديد، ومحاولات البحث عن جسور التواصل برقى بينهما مع الحفاظ على خصوصية كل جيل، ورغم مرور أكثر من 30 عاماً بين العملين، يطبق أستاذ بهجت رسالته التربوية مع أحفاده وطلابه لتحقيق فلسفة الحق والخير والجمال واحترام أن لكل جيل لغته وشخصيته، ليثبت أن الرقى لا يسقط بالتقادم، فجاء محتواه كـ«بلوجر» تمثيلاً لمبدئه وضميره.

أظن رسالة المسلسل أشد ما نحتاج لتقديمه الآن، وعلى المستوى البعيد، فى ظل توحش السوشيال ميديا وتهديدها للأسر، وأستطيع القول فى النهاية إن كتابة ورشة حواديت والمعالجة الدرامية لمدحت العدل، طمحت إلى السير على خُطى الأعمال الخالدة فأخذتنا فى رحلة درامية ممتعة بدأت باستمرار البحث عن لؤلؤة المستحيل الفريدة «البهجة» وألا نتوقف عن المحاولة، وانتهت برباعية عظيمة لصلاح جاهين كرسالة لنفهم أن البهجة فى الرحلة، وتذكرنا بعبارة نجيب محفوظ: «الحقيقة بحث وليست وصولاً»:

أنا اللى بالأمر المحال اغتوى.. شفت القمر نطيت لفوق فى الهوا.. طلته ماطلتوش إيه أنا يهمنى.. وليه ما دام بالنشوة قلبى ارتوى.. وعجبى!

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: دراما رمضان المتحدة عتبات البهجة یحیى الفخرانى عتبات البهجة

إقرأ أيضاً:

"أمير البهجة" في نادي سينما الإسماعيلية.. عرض ومناقشة حول حياة الفنان محمد فوزي

ينظم المركز القومي للسينما بالتعاون مع مكتبة مصر العامة فعالية جديدة من فعاليات "نادي سينما الإسماعيلية"، وذلك يوم الأربعاء 27 نوفمبر الجاري في تمام الساعة السابعة مساء.

 

ستُعرض خلال الفعالية الفيلم الوثائقي "أمير البهجة" للمخرج ومدير التصوير حسين بكر، الذي يتناول حياة وأعمال الفنان الراحل محمد فوزي.

فيلم "أمير البهجة": رحلة في حياة الفنان محمد فوزي

 

يركز فيلم "أمير البهجة" على مسيرة الفنان الكبير محمد فوزي، حيث يعرض شهادات عدد من الشخصيات البارزة التي عايشت فوزي وشاركت في حياته الفنية. من بين المشاركين في الفيلم الموسيقار عمار الشريعي، والناقد السينمائي إمام عمر، والمطرب أحمد إبراهيم، ومنير فوزي، نجل الفنان الراحل، بالإضافة إلى المخرج القدير سمير سيف.

 

كما أسهم المخرج التسجيلي سامي محمد علي في المونتاج كهدية، فيما قام المايسترو أحمد عاطف بالإعداد الموسيقي للفيلم.

ندوة نقاشية بعد عرض الفيلم

 

بعد عرض الفيلم، ستُعقد ندوة سينمائية لإثراء النقاش حول الفيلم وأثر محمد فوزي في الساحة الفنية. ستدير الندوة الناقدة السينمائية شاهندة محمد علي، والناقد السينمائي إسلام أحمد علي، حيث سيتم فتح المجال للجمهور للمشاركة في مناقشة الفيلم واستعراض تفاصيل حياة الفنان الراحل وأعماله الموسيقية.

 

ختامًا، يعد هذا الحدث فرصة رائعة لعشاق الفن السابع للاستمتاع بفيلم وثائقي قيم حول أحد أعلام الموسيقى في مصر، وتبادل الآراء حول إرث محمد فوزي الفني.

مقالات مشابهة

  • إنجي كيوان وياسمين عبد العزيز تجتمعان في "وتقابل حبيب" رمضان 2025
  • سفيرة الولايات المتحدة بالقاهرة: الاستثمار في النساء ومساعدتهن أولوية قصوى للحكومة الأمريكية
  • تداول تسجيل صوتي للراحلة سوزان تميم تكشف عن معاناتها من هشام طلعت.. وتلقيها تهديدات
  • وفاة «عصمت رشيد».. مطرب الزمن الجميل
  • "أمير البهجة" في نادي سينما الإسماعيلية.. عرض ومناقشة حول حياة الفنان محمد فوزي
  • ريم مصطفي تشعل السوشيال ميديا بإطلالات مميزة.. وتستعد لمسلسل "سيد الناس"
  • أحمد يحيى يكتب عن التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب: إنجازات وتحديات مستقبلية
  • عمليات التجميل تخطف الأنظار فى الموسم الدرامى الحالى
  • مصطفى كامل أبرز الحضور في عزاء عادل الفار (صورة)
  • عادل حمودة يكتب: سفير ترامب الجديد فى إسرائيل.. لا شىء اسمه فلسطين