السيد الصدر يتبرأ من إسماعيل الوائلي: ما عاد لنا صديقاً ولا موالياً
تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT
>> انضم الى السومرية على واتساب +A -A الأكثر قراءة الآن 48 ساعة 7 أيام شهر العراق على موعد مع أمطار رعدية الأحد والاثنين المقبلين محليات 43.26% 04:11 | 2024-04-11 العراق على موعد مع أمطار رعدية الأحد والاثنين المقبلين 04:11 | 2024-04-11 السيد الصدر يطرد "عماد جليل الأسدي" من مفاصل التيار الصدري (وثيقة) محليات 24.
المصدر الاول لاخبار العراق حقوق التأليف والنشر © 2024 Alsumaria.tv. جميع الحقوق محفوظة. الترددات اتصل بنا اعلن معنا المزيدعرض أقل البرامج السومرية نيوز البث المباشر SUMER FM حمل تطبيق السومرية المصدر الأول لأخبار العراق تابع قناة السومرية من نحن سياسة الخصوصية حقوق التأليف والنشر © 2024 Alsumaria.tv. جميع الحقوق محفوظة.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: تطبیق السومریة الحلقة ٢٩ الحلقة ٣٠
إقرأ أيضاً:
قدست المرأة وملوكها سجلوا بطولات عبر التاريخ| الحضارة السومرية علامة فى التاريخ الإنساني.. ملحمة جلجامش محط أنظار الباحثين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الحضارة السومرية.. علامة فى التاريخ الإنسانى
ملوكها سجلوا بطولات عبر التاريخ وأضحوا جزءًا من ذاكرة الشعوب
قدست المرأة وتواجدت فى حفرياتها بقايا إنسانية
ملحمة جلجامش كانت ولا تزال محط أنظار الباحثين والعلماء والقادة
حمورابى أعظم الملوك وضع قوانين لا تزال محط أنظار الحضارات من بعده
عشتار رمز التناقضات جمعت بين الحب والحرب والبحث عن الوجود والاستقرار
«إن كل إنسان فى العالم له وطنان، وطنه الذى يعيش فيه وسوريا».. العالم الفرنسى «أندره بارو»
«إن كل إنسان في العالم له وطنان، وطنه الذي يعيش فيه وسوريا» لم أجد في كتب التاريخ والتراث أعمق واشد وصفًا عن الحضارة السورية من تلك المقولة التي قالها العالم الفرنسي «أندره بارو» مكتشف مدينة «ماري» على نهر الفرات، فهي أفصح ما يمكن أن يقوله عالم عن حضارة توجت الإنسانية بأعظم قصص للتاريخ.
فمن أين نبدأ في حكاية تلك الحضارة؟، هل نتحدث عن أساطير الملوك وقصصهم وبطولاتهم أم نلجأ للعادات والمعارف الإنسانية التي أهدتها الحضارة السورية للعالم فالحق يقال، أننا أمام مجد إنساني عظيم لا يقل عن المجد الإنساني الذي قدمته الحضارة المصرية القديمة للعالم.
المدن أم الأساطير أم بطولات الملوك؟
تمتد الحضارة السورية لتكتب سطرًا من سطور تاريخ الإنسانية بدءً من عهد الطوفان ومرورًا بالملوك العظام «أرو كاجينا» و«جلجامش» و«سرجون الأكادي» وحتى «حمو رابي» الذي أهدى الإنسانية بأعظم وأروع البطولات ما أعطاها زخم حضاري وإنساني لا مثيل لها، ومن بين المدن التاريخية والأثرية نخطو خطوات نحو تاريخ الحضارة السومرية نأخذ منها حكايات وأساطير ونتجول بين أحجارها ووثائقها فمن مدينة "إيبلا" و"ماري" و"أوغاريت" إذ وضعت فيها حروف الأبجدية الكاملة وكشفتها الوثائق والأحجار المكتشفة في تلك المدن.
حفريات تكشف عن تقديس المرأة فى الحضارة السومرية
من أين نبدأ، في حقيقة الأمر حينما نبدأ في الحديث عن الحضارة أي حضارة كانت أو لاتزال كائنة حتى عصرنا الحالي، لابد وأن نبدأ من المرأة، فحينما وجدت المرأة وجدت الحياة، ومن ثم الحضارة، وكما أن الحضارة المصرية القديمة كانت زاخرة بالملكات نفرتيتي، حتشبسوت، كليوباترا وغيرهم، فالحضارة السومرية وحفرياتها التي وجدت أثبت أن المرأة كان لها مكانة كبيرة في الحضارة السومرية والتي سجلها علماء التاريخ بأنها تمتد منذ الألف العاشر قبل الميلاد وحتى الألف الثاني منه، تلك الحضارة التي أهدت للعالم العلم والفن والفلسفة أيضًا وتاريخ الكتابة، تلك الحضارة التي أدهشت علماء التاريخ إذا استطاع الإنسان السوري القديم أن يتخطي حاجز العصور وانتقل دفعة واحدة من العصر الحجري القديم متجاوزًا العصر الحجري الوسيط إلى الحديث تلك النقلة النوعية التي وصفها العلماء بـ "ثورة العصر الحجري الحديث".
وبالعودة للمرأة باعتبارها نبعا للحياة والحضارة، فقد عثر العلماء على بعض الدمي الأنثوية ولم يعثروا على أي دمية لأي رجل، وهو ما جعل العلماء يعتقدون أن المرأة كانت مقدسة في الحضارة السومرية أو السورية القديمة، وهو ما تجسد في وجود الآلهة النسائية مثل "الأم الإلهية: و"عشتار" أو"انانا" إلهة الخصوبة، ووصولا إلى "أشيره" أم الألهة، " وإناه" الألهة العذراء المحاربة، فهي ليست مجرد بل هي قصة وصفحة من صفحات تاريخ الإنسانية.
لماذا عشتار أو "إنانا"؟ هي ليست مجرد إلهة فهي جزء من تراث إنساني غني ومتنوع، ننهل منه العلم والمعرفة والإنسانية ومفاهيم نحن في أمس الحاجة لها في وقتنا الراهن، لاسيما وبعد ما تمر به سوريا الحبية، ولا بد أن نعود لتلك القصص لنأخذ منها نبراسًا نضيء به عتمه المجهول القادم.
فمن أعماق التاريخ، حينما كانت الحضارة السومرية تلهم العالم بتاريخها العريق، وتظهر "عشتار" و "إنانا" متألقة كنجمة في سماء الميتورولوجيا السومرية ورمزًا للجمال والقوة والخصوبة تلك المعاني التي اجتمعت في شخصياتها، لتأخذ أهميتها بين آلهة الحضارة السومرية فكيف تجتمع القوة والجمال والخصوبة في شخص واحد؟، تلك هي ميزاتها التي لا يوجد مثيل لها، فهنا تكمن قوة عشتار، فتحمها في قصتها وحكاياتها أسطورة من أساطير التاريخ، فبداية من إصرارها على النزول إلى العالم السفلي في رحلة تعكس الشجاعة والإقدام والتضحية أيضًا، إذ قررت النزول إلى المجهول مهما كانت العواقب، تلك الرحلة المليئة بالمخاطر والتضحيات، رحلة بحث عن الذات وعن معنى الوجود.
لتأتي عشتار تلك المرأة القوية القادرة على التأثير في شتى مناحي الحياة فحققت لشعبها الاستقرار، فعرفت بحضورها القوي في أساطير الخلق والملاحم البطولية، قال الباحث «جيريمي بلاك» في كتابه عن الأساطير السومرية: «عشتار أو إنانا ليست مجرد آلهة؛ إنها تمثل الصراع الداخلي للإنسان بين الرغبة والواجب، بين الحب والحرب»، وأصبحت إنانا رمزًا للتحول والتغيير والخصب والنماء ونموذجًا لكيفية التغلب على المصاعب والتغلب عليها، ولما لا؟ فهي رمز الحب والحرب، الجمع بين المتناقضات والحياة والموت المغامرة والنماء والاستقرار فهي نسيج أسطوري يجسد تلك القوة "قوة عشتار" بين الحب العميق والعاطفة الملتهبة الجياشة التي كانت تفيض لكل من حولها كطوفان أو أمواج بحر هائج تحمل موجاته معها كل المشاعر الإنسانية التي نحن في أمس الحاجة إليها الآن، فلن تخرج سوريا من تلك المحبة إلا إذا اجتمع الحب والخير والإصرار على البناء، فهنا تكمن قوة "عشتار" التي كانت تُعبد كإلهة محبوبة ومرهوبة في الوقت نفسه، وكانت قصصها تختزل في طياتها حكمة الأزمان القديمة وتجارب الإنسان الأولى مع قوى الطبيعة والقدر.
يُقال إن عشتار كانت لها علاقة مع دموزي، إله الخصب والرعي، وهي علاقة لم تكن خالية من الصراعات والاختبارات التي تعكس عمق التفاعلات الإنسانية، ففي وسط الحقول الخضراء رسمت عشتار لوحه حب أزلية، بنت معها النماء والرخاء، لايمانها بان مع زوال الحب تزول الحياة، فهي تجسد القوة الأنثوية الخلاقة، تلك القوة التي لا تعرف حدودًا ولا تتوقف أمام أي عائق.
فحينما نستحضر عشتار، تلك الإلهة العظيمة التي سكنت في قلوب الحضارات القديمة، نجد أنفسنا أمام رمز من رموز الجمال والقوة والخصوبة، إذ تجمع بين النقيضين في توازن مدهش، وكأنها تسألنا: أليس في الحياة دائمًا مزج بين الحب والصراع؟ عشتار أو إنانا في بلاد سومر وبلاد الرافدين هي تجسيد لقوة الطبيعة وتجدد الحياة وفي كل أسطورة عشتارتها الخاصة، فنجد في الحضارة المصرية القديمة حتشبسوت تلك الملكة التي نهضت بقومها وشيدت أعظم المعابد.
تلك العظمة التي حكمت بها عشتار، وهنا نعود بالتساؤل هل يمكن تلك القصة أن تلهمنا في هذا العصر؟ هذا الزمن الذي نبحث فيه عن العدالة والمساواة، وهل نجد في قصتها دعوة للتفكر في قوة المرأة وما يمكن أن تفعله في المشهد الراهن؟ وهل يمكن أن نوازن بين الحب والحرب، بين اللطف والقوة، هل يمكن أن نستلهم من قصتها ملحمة إنسانية نبتي بها سطرًا في تاريخ المستقبل، هل يمكن أن نجد من يستعد بأن يلقي بنفسه في المجهول وهذا العالم السفلي لينجو بنا ويخرج من هذا المأزق الكبير.
شريعة حمورابي أعظم حكام الحضارة السومرية
من مغامرة وتضحية وتناقضات عشتار إلهة الخصوبة والحب والحرب، إلى حمورابي أعظم الملوك وأشجعهم، الذي سن قانونًا يحمي به الإنسانية، ليسجل اسمه في تاريخ الحضارة السومرية بحروف من ذهب، هذا القانون أو كما أُطلق عليه "شريعة حمورابي" والتي تضمنت ما يقرب من 282 مادة قانونية ينظم من خلالها الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فمن القتل والسرقة إلى التجارة والصناعة والزراعة، نقش القانون على مسلة حجرية ضخمة.
ومن العجيب أن الوثيقة تحمل في كل طياتها مواصفات الوثائق القانونية مما أعطاها القوة والسلطة والقدرة على التنفيذ ومنها المقدمة أو ما يطلق عليه علماء الوثائق البروتوكول الافتتاحي للوثيقة والذي تضمن تمجيد حمورابي ووصفًا لعدالته وقوتها، وشرعيته التي اسمدها من الآلهة، وهدفت المقدمة إلى إضفاء الشرعية الدينية على القانون.
تُعد شريعة حمورابي من أهم الوثائق القانونية في التاريخ القديم، فهي تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة المجتمع البابلي وحاجاته، وعلى الرغم من قسوة بعض بنودها، إلا أنها كانت تهدف إلى تحقيق العدالة والنظام في المجتمع، وما تزال مصدر إلهام للمشرعين والقانونيين حتى اليوم.
"العين بالعين"
جميعًا نسمع تلك المقولة ولا نعرف من أين أتت من بين صفحات التاريخ، فإذ بنا نجدها بين قوانين "حمورابي" ضمن الشق المتعلق بالجرائم والعقوبات فقد تناولت الشريعة جرائم القتل والإيذاء الجسدي وحددت العقوبات الخاصة بها فجاء مبدأ «العين بالعين والسن بالسن» شائعًا في هذه القوانين.
فمن بين تلك النصوص «إذا كسر رجل عظم رجل آخر، فيُكسر عظمه» مبدأ «العين بالعين»
«إذا ضرب رجل امرأة حامل فأسقطت جنينها، فيدفع دية عن الجنين»
«إذا سرق رجل من معبد أو قصر، يُقتل»
«إذا بنى رجل بيتًا ولم يتقنه، فسقط البيت وتسبب في موت صاحبه، فيُقتل الباني»
«إذا أودع رجل مالًا عند آخر، وأنكر الأخير ذلك، فيثبت حقه بالشهود»
«إذا أخذ رجل زوجة رجل آخر، يُقتل كلاهما»
كما عالجت القوانين الكثير من الجرائم ومنها الشهادة الزور والقتل والسرقة والضرر الذي يقم على الضحية والخيانة والتآمر، كما تضمن القانون أنواع العقود التجارية، مثل عقود البيع والشراء، وعقود الإيجار، وعقود الرهن، وحددت الحقوق والواجبات المترتبة على كل طرف، والزراعة والري، والحرف والصناعات، والأسرة والأحوال الشخصية من الزواج والطلاق، وشروط الزواج الصحيح، وأسباب الطلاق، وحقوق الزوجة المطلقة، كما كانت الشريعة تراعي الفوارق بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وتحدد حقوق وواجبات كل طبقة، حتى لم تنسى الشريعة العبيد فقد تناولت حقوق وواجبات الأسياد والعبيد، فقد تميزت الشريعة بالدقة والتفصيل في تناول مختلف جوانب الحياة، مما يدل على اهتمام حمورابي بتنظيم المجتمع وتوفير العدالة.
حمورابي أكثر من مجرد ملك
وهنا نستطيع القول بأن حمورابي كان أكثر من مجرد ملك؛ فقد كان بطلًا حقيقيًا، وقائدًا محنكًا، ومشرعًا عظيمًا، ترك إرثًا قانونيًا خالدًا، وأسس لإمبراطورية قوية ومزدهرة، وسيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ، وسيبقى قانون حمورابي شاهدًا على عبقرية هذا الرجل الذي استطاع أن يوحّد بلاد الرافدين ويضع الأسس لنهضة حضارية عظيمة، فهل يمكن أن يأخذ الأحفاد من روح تلك القوانين والتشريعات وبما يواكب العصر الحديث لاستكمال مسيرة الحضارة، وإعادة بناءها بعدما طالتها يد الإهمال والحرب والخراب، وطمست معالمها خلال الآونة الأخيرة أو ما أطلق عليه "الربيع" الذي كان من المفترض أن يُعيد الحياة للأغصان الذابلة لكنه أخذ معه كل ما هو باللون الوردي، ليضحي "خريفًا" يجرف معه زهور الأشجار لتمتلئ الشوارع ببقايا الحطام وبقايا دماء.
فهل نحن في حاجة الآن إلى حمورابي جديد وما أشبه اليوم بالبارحة ففي الفترة التي سبقت حكم حمورابي، كانت بلاد الرافدين تعيش حالة من الصراعات والانقسامات، وكانت بابل آنذاك مدينة صغيرة نسبيًا، لكن حمورابي استغل الظروف المحيطة بحكمة ودهاء، وصعد إلى العرش في فترة مضطربة، لكنه سرعان ما أظهر حنكته السياسية والعسكرية. بدأ حمورابي حكمه بتوحيد المنطقة المحيطة ببابل، ثم توسع تدريجيًا ليضم مدنًا ودولًا أخرى، مثل لارسا وأشنونا وماري، فهل سنجد اليوم من يشبه حمورابي ويُعيد البناء ويجمع شمل من تفرقوا..؟ سؤال سيظل مطروحًا هل ونحن في هذا العصر سنظل ننظر البطل أو المخلص الذي يجمع في يده الحكمة والعدل والإقدام، أم أن مقتضيات العصر الحديث تتطلب بطلًا خارقًا لديه قدرة أو عصا هاري بوتير ليعيد البناء؟
ملحمة أم أسطورة أم إرث ثقافي وحضاري
في واقع الأمر أننا أمام حضارة غنيه لا تحتاج فقط لكتب ودوريات ونشرات ثقافية، ولا حتى كتب التاريخ ولكننا في حاجة ماسة لفهم تلك الحضارة التي خلدت عبر التاريخ، واستطاعت من خلال الوثائق والجداريات التي تلهم الكتاب والأدباء والباحثين وعلماء الوثائق وعلماء التاريخ ودراسي التراث والموروث الثقافي بل وكتاب المسرح وعشاق الحياة.
ملحمة جلجامش "أكثر من مجرد أسطورة"
ملحمة أم حكاية ملك جعلت الحكاية منه أسطورة من أساطير التاريخ فقد ظهر الملك جلجامش في مدينة "أرك"، وحينما نشب صراع على حدود المملكتين أرسل الملك "آجا" إلى ملك "راك" الملك "جلجامش" إنذارًا يطلب فيه أن يعترفوا بسيادته على بلاد "سومر" فأغاط الأمر "جلجامش" ورأي أن لا بديل سوى الحرب فدعا الشيوخ إلى الانعقاد والنظر في أمر الحرب، وهو ما رفضه مجلس الشيوخ وانحازوا إلى السلم ما جعل جلجامش يجن جنونه، وقام باستعداء المحاربين، الذي فضلوا الحرب وعدم الانصياع لإنذار "آجا"، تلك الحرب أو الملحة التي تم صياغتها وكتابتها في قالب شعري ملحمي، ما كتب لها الخلود.
إذ انتشرت الملحمة الشعرية خاصة بعد انتصار جلجامش في المعركة، وما أعطته تلك القصيدة الملحمية من ملامح تعتبر عن الحياة السياسية والاقتصادية والتشكيل السياسي لسوريا في تلك الفترة.
وكان لانتشار ملحمة جلجامش وعبقرية سردها مصدر لإلهام الكثير من الشعراء والباحثين والكتاب والأدباء وعلماء التاريخ وعلماء الأنثروبولوجيا، لتصبح ملحمة جلجامش أكثر من مجرد قصة أسطورية قديمة، بل عمل أدبي وفلسفي عميق، يتناول قضايا إنسانية خالدة، ويقدم لنا دروسًا قيمة عن الحياة والموت والصداقة والسعي للمعرفة، فهي بمثابة المرآة التي تعكس لنا طبيعتنا البشرية، وتذكرنا بأن مصيرنا، مهما كان، سيظل مرتبطًا بقيمنا الإنسانية ورغبتنا الدائمة في البحث عن المعنى والخلود.
قيم أخلاقية وعقائد دينية
وعلى الرغم من أن ملحمة جلجامش التي وصلت بين أيدينا في قالب شعري، مفهم بالحيوية والحكاية والسرد المتقن الذي سلط الضوء بشكل مبهر على تفاصيل الحضارة السومرية وكيف كانت تعيش في تلك الفترة وشكل الحكم وإصرار جلجامش على أن يخوض الحرب على الرغم من المعارضة إلا أنه كان في البداية يُعمم ويقدر قيمة التشاور أو المشورة أو كما يطلق عليه في العصر الحديث الديمقراطية، فقد كشفت الملحمة عن معتقداتهم الدينية، وقيمهم الأخلاقية، ورؤيتهم للعالم.
كما أظهرت لنا مدى تطور الفكر الأدبي السومري، وقدرتهم على التعبير عن الأفكار والمشاعر الإنسانية العميقة، فلم تعد مجرد أسطورة أو حكاية من ضمن حكايات ملوك الحضارة السومرية، بل باتت أحد أهم النوافذ على هذا العالم الذي لم نعيشه، لكنه يظل الإنسان عبر العصور الذي تؤرقه الأسئلة الكونية، وبحثه الدائم عن سر الوجود الخلق فمع كل طفل يولد تتوالد معه التساؤلات؟ من أنا؟ وماذا أفعل؟ وإلى أين أذهب؟ وما هو المصير؟ فالإنسان كان ولا يزال تشغله الأسئلة الوجودية؟ قد يجد البعض الغجابة ولكنه الغالبية العظمى تظل تلك التساؤلات مثل لغز محير لا يستطيع الوصول إليه؟ وكانه سر التحنيط عند القدماء المصريين.
نعود إلى تلك الملحمة المليئة بالشجن والمغامرة والندم والحب والمثابرة والنجاة، فها هي سر الأسطور تلك القيم التي تجعل منها خالدة بين العزيمة والشجاعة وحكاية البطل الذي قاد شعبه وانتصر في الحروب وهزم الأعداء، وهو ما جعل "ملحمة جلجامش" تتربع على عرش الروائع الأدبية التي تنتمي إلى أعماق التاريخ السومري، وأيضًا عرش الأدب العالمي كأحد أقدم وأهم الأعمال التي تناولت قضايا الإنسان الوجودية.
رحلة استكشاف في أعماق النفس البشرية
لا تُعتبر رحلة جلجامش بحثًا عن الخلود في جوهرها، أو حكاية ملك قرر ألا يخضع لابتزار الملك "آجا" بل بحثًا عن المعنى والغاية من الوجود. فيدرك جلجامش، خلال رحلته الطويلة، أن الخلود الحقيقي ليس في التغلب على الموت، بل في ترك إرث طيب، وفي تحقيق إنجازات تخلد ذكراه في قلوب الناس، فليست الملحمة مجرد قصة عن ملك أسطوري، بل هي رحلة استكشافية في أعماق النفس البشرية، ونعرف من خلالها بأن قوة الإنسان تكمن في قدرته على تحمل المصاعب، وفي قدرته على الحب والصداقة، وفي سعيه الدؤوب للمعرفة والحكمة.
يقول عنها بعض العلماء بأن ملحمة جلجامش، في جوهرها، بمثابة مرآة تعكس رؤية السومريين للحياة والعلاقة المعقدة بين الإنسان والآلهة، إذ تُقدم الملحمة، ملك مدينة أوروك، كشخصية استثنائية تجمع بين القوة الهائلة والذكاء الفائق، فهو ثلثاه إله وثلثه إنسان. هذه الطبيعة المزدوجة تجعله في صراع دائم بين رغباته الإنسانية ومسؤوليته كحاكم إلهي.
ففي بداية الملحمة، يُصور جلجامش كطاغية متعجرف، يستغل قوته لسحق شعبه. ولكن، بفضل تدخل الآلهة، التي تخلق أنكيدو ليكون نِدًا له، تبدأ رحلة تحول جلجامش من طاغية إلى بطل، ومن متكبر إلى حكيم، وتتخذ الملحمة منحى جديدًا مع لقاء جلجامش بأنكيدو، حيث تتحول العلاقة بينهما من تنافس إلى صداقة، تلك الصداقة، التي تجسد الوحدة والتآخي، ليذهب الصديقين في مغامرات ومخاطر مشتركة، يواجهان خلالها الوحوش والأهوال، ويتعلمان دروسًا عن الشجاعة والبسالة، ليتحول البطل إلى شخص آخر في منعطف الحياة بعد موت صديقه والذي يجسد صدمه قوية لبطل الأسطورة "جلجامش" ما يدفعه إلى مواجهة حقيقة الموت والفناء، ليدرك في النهاية أن مصير الإنسان هو الموت. تلك الصدمة الوجودية تدفعه إلى البحث عن الخلود، فيبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أقاصي الأرض، حيث يسعى للقاء أوتنابشتم، الناجي من الطوفان العظيم، الذي منحته الآلهة الخلود.
فهل تستطيع سوريا اليوم أن تُعيد صياغه التاريخ وتبحث عن الخلود فيما بعد الطوفان، هذا المستقبل المجهول الذي لا تمنح فيه الآلهة الخلود ولكن العمل المشترك وانتشار التسامح والمحبة هم من يجعلون التاريخ يكتب في ملحمة جديدة بأيدي سوريا الجديدة التي تكتب اليوم سطرًا جديد في سطور التاريخ المجهول.