ظاهرة العنوسة... ومجتمعنا المصرى المعاصر (٢)
تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT
تناولنا فى المقال السابق أسباب زيادة نسب العنوسة بين الفتيات، والعزوبية بين الشباب، ونستكمل اليوم مناقشة باقى الأسباب.
أما ثالث الأسباب، وهو سبب مهم من وجهة نظرى، المغالاة فى الحب من الوالدين، فقد تكون لديهما فتاة واحدة فقط ومعهما عدد من الصبيان، ما يسمونه بزينة إخوتها، ففرط الحب يجعلهما كلما تقدم لها شخص يتعمدان تعقيده وإثقاله بالطلبات لإفشال الارتباط.
أو أن الوالدين وخصوصا الوالد كبر فى السن فيحتاج من يقعد معه بعد وفاة زوجته، فيمتنع عن زواج ابنته، أو الأبوان فقيران لا يجدان قوت يومهما وأبناؤهما يقومان عليهما فيظنان بزواجهما سيفقدان من يعولهما، ومن ثم يحجمان عن زواج ابنتهما أو قد يكون الأب فقيراً لا يستطيع تحمل نفقات الزواج وتجهيز ابنته، وإن كان هناك فقراء كثر يستدينون أو يذهبون إلى القروض لإكمال جهاز ابنتهما.
أما رابع الأسباب فهو نسيان الفتاة والفتى لنفسيهما، كأن ينشغلان بدراستهما سواء دراسات عليا ماجستير ودكتوراه وتتفلت السنوات من بين أيديهما كما يتفلت الماء من أصبع اليدين وتمر الأعوام وتجد نفسها فى الأربعين أو الخمسين من عمرها وهو كذلك، لكن ثم فارق فهو قد يجد من يقبل به وهو فى هذا العمر، أما هى فلن تجد اللهم إلا رجلاً طاعناً فى السن يريد من يقوم عليه ويلبى طلباته.
مما يجعلها تعزف عن الزواج وتصاب بالعنوسة.
هذا بالنسبة لتشخيص الداء.
أما الدواء فسيحمل بعدين مهمين، أولهما: البعد النقلى الدينى، ويتمثل فى قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، فالأصل فى الزواج المودة والرحمة التى لولاهما لا يتحقق السكن، فالحب والود والإخلاص أساس البيوت فكيف يكون بيتاً وما حالته إذا فارقه الحب، إذا لم تتعانق فيه الأرواح وتسمو فيه وبه النفوس، تفكروا فى هذه الآية التى ما يعقلها إلا العالمون، ما حاجتنا إلى القصور والقلوب فارغة، تتحول إلى قبور، ما حاجتنا إلى المجوهرات والمصوغات الثمنية وجواهرنا خربة وقلوبنا فارغة من الود والوئام.
أما حديث النبى صلى الله عليه وسلم، تنكح المرأة لأربع مالها وجمالها ونسبها ودينها فاظفر بذات الدين، وتأخير الدين إلى المرتبة الرابعة فيه اختبار هل يتقبل الجمال عن الدين، هل سنسعى خلف المال، هل سنسعى خلف الأنساب، نعم ذات الدين تتحقق فيها كل هذه الصفات، فذوات الدين هن مصابيح البيوت.
لذلك قالها النبى صلى الله عليه وسلم فاظفر بذات الدين لأنها إذا غبت عنها حفظتك فى مالك، وولدك، وفى عرضك، فذات الدين هى المحبة الودودة العطوفة.
أما بالنسبة للشباب فقد أخبرنا عنهم النبى، من جاءكم من ترضونه ديناً وخلقاً فانكحوه، صاحب الدين الذى يحسن المعاشرة ويحسن المعاملة حتى لا قدر الله إذا حدث فراق يكون فتسريح بإحسان، حتى وإن أعطى قنطاراً لا يأخذ منه شيئا، حتى فعاشرونهن بالمعروف وفارقوهن بالمعروف، هذا صاحب الخلق، الحيى التقى الورع.
أما البعد العقلى، فاعرضوا المسألة على عقولكم تختار لابنتك الخلوق الودود المحب لها الذى يصون عرضك ويحفظ شرفك، أما تزوجها لمن يهدر كرامتها وفى ذلك إهدار لكرامتك وقد يقودك ذلك إما إلى قضاء سنوات فى المحاكم أو تقبل الدنية وتعيش ذليلا له وتسعى بشتى الطرق لإرضائه ولن يرضى، لذلك نقول من جاءكم من ترضونه دينا وخلقا فاختاروه لبناتكم، ولا تتمسكون بأمور صغيرة، ولا تضعوا العراقيل، ولا تثقلوا الكواهل بما لا يطيقون فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولسنا أفضل من الأنبياء، هل علمتم كم مهر فاطمة ريحانة الرسول، هل علمتم أثاث منزلها بيت الإمام على، حصير وإناء وثوبان (قميصان)، كانا يتبادلانه وقت الصلاة.
هل علمتم ما هو مهر ابنة سيدنا شعيب، على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك، يكون كرم منكم ليس ثمة شروط، ليس ثمة قوائم بآلاف الجنيهات، وإن كنا لا نرفض هذه الأمور، لحفظ الحقوق المادية، وإن كنا نرى أن من يحب لا يكره - ولكن كل ما نرفضه هو المغالاة والتشدد، فما لا يستطيع إحضاره اليوم يحضره غدا، فلا تتكلفوا ولا تغالوا يرحمكم الله.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الفن في العالم الإسلامي.. تأثيرات تاريخية ومعاصرة في عالم معاصر مشوش
شهد الفن في العالم الإسلامي تطورًا عميقًا على مر العصور، حيث كان له دور بارز في تشكيل هوية ثقافية ودينية في مناطق متنوعة تمتد من إسبانيا إلى جنوب شرق آسيا. ومع أن العديد من الأعمال الفنية الإسلامية التاريخية تُعتبر معالم فنية مرموقة، إلا أن تأثيراتها في العصر المعاصر تثير جدلًا كبيرًا. فبينما يراها البعض جزءًا من التراث الثقافي الذي يجب الحفاظ عليه، يرى آخرون أن الفن في العالم الإسلامي قد شهد تغييرات جذرية تجعله يتوافق مع المعايير الحديثة.
ويسلط جريدة وموقع الفجر الضوء في هذا المقال عن الفرق بين الفن الإسلامي في الماضي والحاضر
في الماضي، تميز الفن الإسلامي بتوظيف الرمزية والتجريد في الأشكال الهندسية والنباتية، حيث كان يُنظر إليه على أنه وسيلة للتعبير عن الإيمان والتقديس. أما في العصر الحديث، فقد بدأت التوجهات الفنية المعاصرة في العالم الإسلامي تتحدى الحدود التقليدية للفن، مما أتاح للفنانين اكتشاف طرق جديدة للتعبير عن قضايا مثل الهوية، السياسة، والدين.
لكن هذا التحول في مفاهيم الفن يثير الكثير من الجدل في المجتمع الإسلامي، حيث يرى بعض المفكرين أنه من الضروري العودة إلى الجذور التاريخية للفن الإسلامي التي تُعلي من شأن التقشف وتجنب التماثيل والتصوير الشخصي. بينما يعتقد آخرون أن التطور الفني هو ضرورة ملحة لمواكبة التغيرات الاجتماعية والسياسية في العالم الإسلامي.
وفيما يخص الفن المعاصر، تتعدد المواقف من لوحات الفنانين مثل شيرين نشأت أو يوسف أحمد، الذين استخدموا وسائل فنية غير تقليدية مثل الفيديو والتصوير الفوتوغرافي، مما يثير أسئلة حول ما إذا كانت هذه الأعمال تحترم القيم التقليدية للإسلام أو تخضع لمدارس فكرية أخرى.
قد يعتقد البعض أن القضايا السياسية، مثل الاحتلال والنزاعات الإقليمية، قد أثرت في الفن الإسلامي المعاصر، من خلال تحفيز الفنانين على التعبير عن واقعهم المؤلم. في حين يرى آخرون أن الفن الإسلامي قد أصبح وسيلة لتحدي الأنظمة الحاكمة والتعبير عن الأصوات المعارضة، وهو ما يتضح جليًا في الأعمال الفنية التي تطرقت إلى الحريات الفردية والدينية.
النقاش حول الفن الإسلامي في العصر الحديث يظل مثيرًا للجدل، حيث يسعى البعض للحفاظ على تراث الفن الإسلامي بينما يحاول البعض الآخر تحديثه ليتماشى مع عالم اليوم المتغير. في النهاية، يمكن القول إن الفن في العالم الإسلامي هو مزيج معقد من التأثيرات التاريخية والمعاصرة، التي تعكس التوترات بين التقليد والتحديث، وبين الحفاظ على الهوية والبحث عن تجارب جديدة.