تعد نظرية التطور لتشارلز دارون واحدة من أخطر نظريات العلم الحديث، وأكثرها إثارة للجدل.. وأنا هنا لست بصدد المشاركة فى هذا الجدل.. أو مناقشة النظرية بعد إطلاقها بـ165 سنة.. لكنى بصدد التنبيه إلى أن تلك النظرية.. كانت سبباً رئيسياً فى فتح باب الإلحاد على مصراعيه فى جميع الديانات.. بل كانت بما طرحته من فرضيات السبب الرئيسى فى بلبلة الكثير من العقول.
فبينما تشير الروايات الدينية إلى أن عمر الإنسان على الأرض لا يزيد عن 8400 سنة.. وفى أفضل الأحوال لن يتخطى العشرة آلاف سنة.. «مع الأخذ بمعامل خطأ فضفاض».. نجد أن علم الأنثروبولوجى وما صاحبه من علوم مثل البليونوتولجى والسلاسل الجينية والآثار.. تقدم دلائل علمية وحفريات عن أن تواجد الإنسان على الأرض يعود إلى أكثر من 4 ملايين سنة.. بينما تعود حفريات «ناكالبيثكوس» أو ما عرف بالقردة العليا فى العصر الميوسينى إلى قرابة الـ10 ملايين سنة على سطح الأرض.. مروراً بالعصر البليوسينى وصولاً إلى الإنسان العاقل.. أو ما عرف باسم «هوموسبيان» قبل 300 ألف سنة.. أضف إلى ذلك العثور على نقوش خطها الإنسان بيده قبل 540 ألف سنة.
وقد أعطت هذه الاكتشافات والأدلة المادية.. زخماً كبيراً لنظرية التطور.. واعتبرت الأصل فى فكر الطبيعيين.. والمنطلق الرئيسى للإلحاد على جواد العلم والدليل المادى.. ليقف الكثير من رجال الأديان عاجزين.. أمام هذا التضاد الظاهر بين ما فى أيديهم من رواية دينية وما قدمته العلوم من حقائق وأدلة علمية.. إذ تشير الرواية الدينية فى أصل الإنسان إلى نبى خلق فى أحسن تقويم.. جاء للأرض بكل العلوم والأسماء.. وكان يعمل ابناه فى الزراعة ورعى الغنم.. وكان من أبنائه النبى شيث ثم النبى إدريس.. وتتحدث الأدلة العلمية عن إنسان أشبه بالقرد.. احتاج ملايين السنين لتطوير لغة بدائية.. فوضعوا الدين فى زاوية ليست له.. بعد اتخاذهم من الإنكار المتشنج منهجاً وحيداً للرد على الأبحاث العلمية والاكتشافات.. لكن الحقيقة إذا عدنا إلى كتاب الله «القرآن الكريم».. وهو عندنا الرواية الأصدق على الإطلاق.. وجدنا أنه ليس هناك أى تضارب بين ما جاء به القرآن الكريم والعلم.. وأوصدنا باباً كبيراً للإلحاد والكفر بالخالق العظيم.. إذ يقول الخالق جل وعلا..(وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة) (30 البقرة).. فى إشارة كبرى إلى أن هذا المخلوق يخلف من كان قبله.. ويأتى جواب الملائكة.. (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء).. لينفى أى تفسير آخر لكلمة «خليفة» كما أورد أغلب المفسرين.. وحصر المعنى والتفسير فى قولهم أن بنى آدم خلائف فى الأرض يخلف بعضهم بعضاً.. وإذا أخذنا فى الاعتبار عشرات المرويات وما أورده ابن كثير فى تفسيره وتاريخه عن وجود أمم ما أسماه «الحن» و«البن».. سكنت الأرض قبل الجن وقبل آدم.. وما أورده المؤرخ المسعودى عن وجود 28 أمة سكنت الأرض قبل سيدنا آدم.. فنجد أن الإسلام وإن كان أشار إلى خلق آدم فى أحسن تقويم.. فإنه لم ينكر وجود من هو أقدم منه سكنى للأرض.. ولم يقف موقف الإنكار والعداء لما تم اكتشافه من حفريات ونقوش.. كما نجد ما ورد عن رب العزة فى كتابه الكريم لا يجافى العلم الصحيح.. بل يقدم دوماً ما يؤيده ويفسره.. ويدحض شذوذ نظرية التطور.. ويسد الباب أمام ذرائع شياطين الإنس.. والله أعلم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لوجه الله الخليفة البقرة والله أعلم
إقرأ أيضاً:
أحمد مستجير.. شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب.. رحلة فريدة جمعت بين العلم والأدب
اختارت اللجنة الاستشارية العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، العالم الدكتور أحمد مستجير ليكون شخصية المعرض هذا العام في دورته الـ56 والتي من المقرر إقامته في الفترة من 23 يناير وحتى 5 فبراير 2025 تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.
يعد الدكتور أحمد مستجير صاحب رحلة حياتية فريدة حيث جمع بين العلم والأدب، وترك بصمة كبيرة من خلال إسهاماته العلمية والأدبية، وكان له دور ريادي في هذين المجالين المتباينين.
ولد الدكتور أحمد مستجير في قرية أبو صير، بمحافظة الجيزة عام 1934، وحصل على درجة البكالوريوس في الزراعة من جامعة القاهرة، ثم أكمل دراساته العليا في النمسا، حيث حصل على الدكتوراه في الهندسة الوراثية، بعد عودته إلى مصر، وشغل العديد من المناصب الأكاديمية المرموقة، أبرزها عميد كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وكان له دور ريادي في مجالات الهندسة الوراثية، حيث عمل على تحسين الإنتاج الزراعي باستخدام التكنولوجيا الحيوية، ونشر العديد من الأبحاث العلمية التي ساهمت في تطوير القطاع الزراعي المصري، كما كان له رصيد كبير في مجال الأدب، حيث برع في كتابة الشعر وترجمته، خاصة الشعر الغربي الحديث مقدمًا إياه بأسلوب بسيط، وترجم العديد من الأعمال الشعرية العالمية، مثل أعمال «روديار كيبلينغ، وتوماس ستيرنز إليوت».
ومن أبرز إسهامات مستجير الأدبية تقديم الشعر الغربي بأسلوب عربي سلس، حيث عمل على ترجمة العديد من النصوص الشعرية بأسلوب يمزج بين الدقة العلمية وجماليات اللغة.
ومن أشهر أعماله سلسلة كتاب «في بحور العلم»، الذي تناول مجموعة من الأفكار القيِّمة، منها علم الوراثة والهندسة الوراثية، والأمراض الوراثية وعلاجاتها، والبيوتكنولوجيا وتطبيقاتها في الزراعة، وعلم الأحياء التطوري، وتكنولوجيا الطب والأبحاث الجينية، وتطور الحضارات والعوامل البيئية، والتكنولوجيا العسكرية وتطور الحروب، والقضايا الأخلاقية المرتبطة بالعلم، البيولوجيا المائية والإنسان، العلاقة بين المعرفة والثروة والحرب، والبيئة والتنوع البيولوجي، وألّف كتبًا علمية مبسطة للقارئ العام، أبرزها كتاب «صراع مع الملايين» الذي يتناول فيه قضايا السكان والموارد، واستطاع أن يساهم في نشر المعرفة حول الهندسة الوراثية وأثرها على مستقبل البشرية من خلال مؤلفاته.
كما كان مستجير عضوا في 12 هيئة وجمعية علمية وثقافية منها مجمع الخالدين، الجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني، الجمعية المصرية للعلوم الوراثية، اتحاد الكتاب، لجنة المعجم العربي الزراعي، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وحصل على الكثير من الجوائز منها: جائزة الدولة التشجيعية للعلوم والزراعة في 1974، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في 1974، وجائزة أفضل كتاب علمي مترجم في 1993، وجائزة الإبداع العلمي في 1995، وجائزة أفضل كتاب علمي في 1996، وجائزة الدولة التقديرية لعلوم الزراعة في 1996، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في 1996، وجائزة أفضل كتاب علمي لعام 1999، وجائزة أفضل عمل ثقافي لعام 2000، وجائزة مبارك في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة في 2001.
وتوفى الدكتور أحمد مستجير في 17 أغسطس 2006 عن عمر ناهز 72 عامًا في أحد المستشفيات في النمسا، تاركاً إرثاً علمياً وأدبيا من طراز خاص.