العيد في شمال سيناء.. ابتهاج يعيد التراث للواجهة
تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT
شمال سيناء – يستقبل أهالي شمال سيناء، فرحة عيد الفطر المبارك بشكل مختلف عن بقية محافظات مصر، تنطلق هذه الفرحة من الدواوين والمجالس في كل مدن وقرى المحافظة، حيث يحافظون على تقاليد وعادات متوارثة ويعيدون تراث الأجداد للواجهة.
يشارك الجميع من رجال ونساء وشباب وحتى الأطفال في الاحتفالات، بدءًا من تجهيز الدواوين والبيوت لاستقبال المهنئين، وصولا لإعداد ما لذ وطاب من ولائم الضيافة، مرتدين الملابس التقليدية التي تميزهم عن غيرهم.
يقول سالم قابل لـ -الجزيرة نت- إن النساء صبيحة يوم العيد يعكفون على إعداد أطعمة ومخبوزات ومشروبات تراثية لتقديمها للضيوف، أبرزها "خبز الصاج"، "القهوة العربية"، "الثريد مع مرق اللحم".
يضيف، تبدأ الاحتفالات بالعيد بتناول طعام خفيف صباحًا كـ"سمنة حليب الأغنام" أو "المش" السيناوي المعروف، كأول لقمة بعد شهر رمضان. يُقدم بعضنا هذه الوجبة للمصلين بعد صلاة العيد، بينما يترك آخرون لاستقبال الضيوف إلى جانب الحلويات والفول السوداني. نستمتع بالعيد بإحياء تراث الأجداد وتلك التقاليد الجميلة والضيافة الكريمة التي تميزنا.
وفي لقاءه مع -الجزيرة نت- يحكي سليمان غنمي عن عادات بدو سيناء لاستقبال الأعياد، لأهل سيناء من البدو تقاليد وعادات مميزة في احتفالهم بعيد الفطر، فمع تطور حياتهم نحو الحضرية، إلا إنهم ما زالوا ملتزمين بتلك التقاليد في هذا اليوم المبارك.
تبدأ الاستعدادات للاحتفال بالعيد قبل أيام منه، حيث يتم تنظيف وتجهيز "المقعد" وهو ديوان يخص كل عشيرة أو عائلة أو قبيلة، الذي يعتبر مركزًا لاجتماعات القبيلة، ليكون جاهزًا لاستقبال الضيوف وتبادل التهاني. ويتم تجهيز طاولة الضيافة بموقدة لنار الحطب يتوسطها "البكرج" وأواني القهوة والشاي، إلى جانب وجبات الفطور كالتمور والمقبلات المتنوعة مثل الفول السوداني والترمس والمكسرات. تعكس هذه العادات القيم الاجتماعية والتراثية العميقة التي يحافظ عليها أهل سيناء بفخر واعتزاز.
لابد أن يرتدي جميع أبناء البدو من مختلف القبائل الزي البدوي المميز "الجلباب والعقال"، حتى الأطفال. ويتفاخرون بخامة القماش الخاص بزيهم أثناء أداء صلاة العيد في الخلاء، حيث يرتدي الجميع الأثواب التقليدية وأغطية الرأس للرجال، كما يقول فيصل الحويطي.
تزاور وتصفية خلافاتوأشار الحويطي في حديثه لـ -الجزيرة نت- أن زيارات الأهل والأقارب من المدن والوديان والتجمعات البدوية تبدأ منذ اليوم الأول لعيد الفطر وتستمر طوال أيام العيد. مؤكدًا أن الأعياد بشكل عام تعد فرصة لتصفية الخلافات بين الأفراد بعضهم البعض.
مجلس القبيلة يُعتبر أول مكان يتجمع فيه أفراد القبيلة بعد صلاة العيد، حيث يتبادلون الزيارات والتهاني ويُمارسون السمر الاجتماعي. تتضمن هذه الاجتماعات تناول وجبة سريعة تتألف عادةً من "خبز الصاج" وهو خبز يصنع من الدقيق والماء والملح على نار الأخشاب بالإضافة إلى القهوة العربية الخضراء والتمر. تستمر مراسم الاحتفال التقليدية بالمجلس طوال أيام العيد لتعزيز الروابط العائلية وتعزيز الوحدة بين أفراد القبيلة، كما ذكر محمد المرزوقي.
يشير الشاب العشريني خالد سعدي، إلى أن الشباب من القبائل المختلفة يتفقون مع بعضهم للالتقاء في الخلاء عصر اليوم الأول للعيد. يرونها فرصةً للاحتفال بعيد الفطر في مكان مفتوح بعيدًا عن الزحام.
يقيمون المسابقات المختلفة كـ"مباريات كرة القدم، تسلق التباب، الجري، وغيرها". يُزيّنون جلساتهم بغناء الأهازيج التراثية المعبرة عن فرحتهم بقدوم العيد. بعد انتهاء السباقات، يشعلون النيران لشواء اللحوم ويتناولونها مع فنجان الشاي. ويستمتعون بجمع الأعشاب الطبيعية كـ"الحبق، النعناع الجبلي"، المُتوفرة بسخاء في الصحراء، والتي ييضيفونها أحيانًا على الشاي والقهوة.
تواصل ومحبةيقول الشاب الثلاثيني "مسعد أبو لفيتة"، إن تقاليد بدو سيناء تنعكس بأجواء عيدية تتجدد سنويًا، حيث يُعتبر العيد فرصة للتواصل بين الأجيال، يتحلون بروح البذل والمحبة ويتبادلون التهاني والتبريكات. حيث يأمل الجميع أن يعود العيد باليمن والبركات على الجميع. ينشط الشباب والنساء في احتفالات العيد، حيث يحافظون على تراثهم الثقافي ويرتدون الملابس التقليدية لإبراز هوية منطقتهم.
ويضيف، تعد فترة العيد أيضًا فرصة لإقامة حفلات الزواج والاحتفالات، ويصبح العيد عيدين لأبناء سيناء، فمراسم الزفاف تزيد من بهجة الأجواء وتضيف المزيد من الفرح والسرور. تتألق الأعراس بالأغاني الشعبية والعروض التقليدية، مما يمنح العيد لمسة فريدة من الاستثنائية عن غيرهم من المناطق في مصر والاحتفالية التي تميز هذه الثقافة الغنية.
ويقول الشيخ "سلامة بو عنقة" أحد وجهاء قبيلة التياها، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إن مشايخ القبائل البدوية وكبار القبيلة الواحدة يحتفلون بعيد الفطر بتقديم التهاني لكبار السن من المشايخ المعمرين في اليوم الأول، ثم يزورون الأقارب داخل الوديان والتجمعات البدوية في اليوم الثاني.
ويضيف، تجتمع العائلات لتناول الطعام البدوي الشهير، حيث تُقدم فتة بالأرز والخبز مع شوربة لحم الضأن الممزوجة بكميات كبيرة من اللحم المسلوق. بعد الانتهاء من تناول الطعام، يتبادلون التهاني بعبارات مثل "مبارك عيدك" و"يجعلك سالم وغانم" و"يجعلك من هاديين البال"، ثم يتناولون القهوة والشاي بنكهاتها البدوية.
يؤكد الشيخ سلامة بوعنقة أن هذه التقاليد القديمة لا تتغير بتأثير المدنية الحديثة، حيث يحتفظ البدو في سيناء بتقاليدهم الأصيلة. مشيرًا إلى أنهم قد أخذوا بعض عادات أهل الدلتا والوادي مثل تناول الكعك والبسكويت والبيتي فور، لكن دون التأثير على عاداتهم الخاصة والتراث السيناوي الأصيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات شمال سیناء بعید الفطر الجزیرة نت بعید ا
إقرأ أيضاً:
فضل أبو غانم.. “حينما تضعف القبيلة تقوى الدولة”
توفي أمس الجمعة في العاصمة المصرية القاهرة الدكتور فضل أبو غانم، أحد أساتذة علم الاجتماع البارزين في اليمن.
رحل هذا الأكاديمي المخضرم الذي عمل وزيرًا للتربية والتعليم قبل أكثر من عشرين عاما ونحن حينها في المرحلة الإعدادية حيث أتذكر أننا كنا نقرأ اسمه في الكتب المدرسية.
عمل البروفيسور أبو غانم أيضا نائبا لرئيس جامعة صنعاء، كما عمل عضوا في مجلس الشورى.
وفي الشأن السياسي، كان أبو غانم عضوًا في الأمانة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام.
أبو غانم له عدد من المؤلفات المهمة ، أبرزها “البنية القبلية في اليمن بين الاستمرار والتغيير”.
ويعد هذا الكتاب مرجعا هاما لفهم العلاقة بين القبيلة والدولة في اليمن، ويتناول التغيرات التي طرأت على البنية القبلية في البلد المعروف بصراعاته السياسية المزمنة المستمرة حتى اليوم.
وفي كتابه هذا، تحدث أبو غانم عن السيادة والنفوذ الذي يتمتع به زعماء القبائل خصوصا في المناطق الشمالية والشرقية باليمن.
ويعتقد أبو غانم أن مفهوم الزعامة القبلية لا يعطيهم الحق في الانفراد بامتلاك وسائل الإنتاج الاقتصادي، حيث إن صفة الرئاسة أو السيادة أو الزعامة ليست سوى “تمثيل رمزي” يقوم به زعماء ومشايخ القبائل نيابة عن الأفراد في حالات السلم والحرب معا.
ولذلك، فإن مفهوم الزعامة لدى مشايخ هذه القبائل لم يكن يمنحهم الحق في امتلاك الأراضي الزراعية أو في استغلال الأفراد أو أي مصدر من مصادر الإنتاج، وفقًا لأبو غانم الذي استدرك بأن هذا لم يكن يمنعهم من الانفراد والاستمتاع ببعض الامتيازات السياسية والاقتصادية من قبل الدولة نفسها.
وفي هذا ربما إشارة إلى امتيازات كان يحصل عليها زعماء القبائل من سلطات الدولة التي اتخذت هذا المسار لكسبهم أو على الأقل تحييدهم، والمساعدة أيضا على ضمان رضوخ القبائل لنظام الدولة.
قرأت له تصريحا نُشر قبل 17 عامًا في موقع الجزيرة نت تزامنا مع رحيل الشيخ البارز عبد الله بن حسين الأحمر-رحمه الله – ، تحدث فيه أبو غانم عن الدولة والقبيلة قائلًا: “المجتمع اليمني في عمومه قبلي”، واصفًا علاقة القبيلة بالدولة بالتكاملية.. مشددا على أنه “كلما تضعف الدولة تقوى القبيلة، وعندما تضعف القبيلة تقوى الدولة” .
كان أبو غانم محاضرًا وباحثًا في جامعة صنعاء، وله العديد من الدراسات الاجتماعية والثقافية التي باتت مرجعًا لطلاب العلم في الجامعات، ومن بين زملائه في علم الاجتماع الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والدكتور عمر إسحاق الذي لا يزال يعمل حتى اليوم في الحقل الأكاديمي ويدرس حاليًا في قسم علم الاجتماع بجامعة تعز.