نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية  CSISبواشنطن جلسة حوارية مهمة مع عاموس ياديلين أحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في المجال الأمني والاستخباري، وكان عنوانها "حرب إسرائيلية من نوع جديد"، قدم فيها تقييما لحرب غزة، ويجيب فيها على أسئلة اليوم التالي للحرب في كل من غزة وإسرائيل. وقد أدار الحوار جون ألترمان النائب الأول لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية.



من هو عاموس يادلين؟

الجنرال عاموس يادلين من الشخصيات العسكرية والبحثية المهمة في الكيان الصهيوني. وهو المؤسس والرئيس الحالي لشركة Mind of Israel "عقل إسرائيل"، شركة استشارية للأمن القومي الإسرائيلي. شغل من قبل منصب مدير معهد دراسات الأمن القومي INSS في جامعة تل أبيب، لمدة عشر سنوات عقب تقاعده من الجيش الإسرائيلي بعد أربعين سنة من الخدمة فيه. وكانت أهم المناصب العسكرية التي تقلدها رئاسة الاستخبارات العسكرية. ويفتخر ياديلين بمشاركته المباشرة في القضاء على برنامجين للأسلحة النووية: العراقي والسوري.

الفرق بين طوفان الأقصى والحروب السابقة

عدد يادلين في حديثه مع جون ألترمان السمات المميزة لهذه الحرب والتي تجعلها حربا لم تر إسرائيل مثيلا لها من قبل، وتخالف تماما الأسس والركائز التي قامت عليها العقيدة الأمنية الإسرائيلية، فهي حرب: متعددة الساحات، حرب طويلة، حرب مفاجئة لم تتوقعها إسرائيل، أدت إلى حشد الاحتياطي لمواجهة مجريات القتال واحتمالات توسعه وامتداده، لها آثار كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي، ثم مجيئها وإسرائيل في حالة انقسام سياسي ومجتمعي كبير. كل هذه عناصر لم تمر بها إسرائيل من قبل. قال يادلين:

1 ـ حرب متعددة الجبهات

منذ 1948، لم تخض إسرائيل حربا إلا على جبهة واحدة. حتى حرب 1973 فقد كانت جبهتين. أما الحرب الحالية، فهي الأولى التي تخوض فيها إسرائيل حربا متعددة الجبهات ضد سبعة كيانات ودول، بما فيها غزة. وهي الحرب الأولى التي تطلق فيها الصواريخ على إسرائيل من جهات متعددة بما فيها غزة وجنوب لبنان والعراق واليمن. وتزداد أعمال المقاومة في الضفة الغربية.

2 ـ حرب طويلة.

تقوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية على الردع القوي. فإذا فشل الردع، فلا بد من وجود إنذار مبكر للكي تقوم باستدعاء الاحتياطي والاستعداد للحرب. وترتكز أيضا هذه العقيدة على تحقيق الدفاع الجيد والنصر الحاسم في حرب قصيرة. لكن الحرب الحالية خرجت عن هذا الركائز والأسس؛ فهي حرب طويلة. نعم، كان لإسرائيل حروبا طويلة من قبل مثل الانتفاضة الثانية؛ ولكن لم يتم حشد الاحتياطي فيها. أما هذه الحرب، فقد عبأت إسرائيل 300 ألف جندي احتياطي لتشكيل دفاع قوي ضد سبعة كيانات. وبما أنها تعتمد على تعبئة الاحتياطي، فإن الاقتصاد الإسرائيلي أصبح اقتصادا مشلولا.

3 ـ مسرح قتال لم ير من قبل

غزة منطقة حضرية. وهي، كمسرح للقتال، فريدة من نوعها. حتى الولايات المتحدة التي قاتلت في مناطق حضرية فلم تر مثيلا لهذا المسرح من قبل. لقد جهزت "غزة" نفسها كمسرح للقتال واخذت تستعد للحرب على مدى 15 عاما، مع الكثير من المنشآت تحت الأرض، والأنفاق، والثقوب ومراكز الإنتاج. ويشكل الجيش السري في غزة تحديا كبيرا لأي جيش يتعامل معه.

4 ـ انقسام حاد داخل إسرائيل

دخلت إسرائيل الحرب وهي تعاني من أزمة سياسية، ومنقسمة إلى معسكرين: معسكر يقوده نتنياهو الذي يحاول القيام بثورة قضائية، ومعسكر قوي جدا ضد هذه الثورة. ومع اشتداد هذه الأزمة الداخلية، فإن نصف الشعب لديه ثقة منخفضة جدا في القضاء الإسرائيلي وفي رئيس الوزراء.

5 ـ فشل إسرائيلي مركب

شهدت هذه الحرب فشلا إسرائيلا مركبا من ثلاث طبقات لم تشهده في حروبها السابقة. تراكمت هذه الطبقات فوق بعضها، وأدت إلى خلق الكارثة التي استيقظت عليها إسرائيل يوم 7 أكتوبر تشرين الأول 2023:

ـ فشل استخباراتي: فلم تعط أجهزة الاستخبارات الإسرلائيلية الإنذار المبكر حول ما ستفعله حماس.
 ـ فشل عملياتي: فلم تكن القيادة الجنوبية في غلاف غزة مستعدة لما حدث في ذلك اليوم.
 ـ فشل سياسي: فقد وافق المستوى السياسي بقيادة نتنياهو على إعطاء حماس المال القطري، وقاد إسرائيل بشكل أساسي إلى أزمة داخلية أعطت حماس فكرة أن هذا هو الوقت المناسب لمهاجمة إسرائيل.

بعد الحديث عن تفكيك حماس، يبقى السؤال المهم: هل تنجح إسرائيل في ذلك؟! والإجابة هنا من كلام عاموس يادلين في هذا الحوار المهم، فقال: "في هذه اللحظة، نحن لا نحاول تدمير الفكرة. لا يمكننا تدمير فكرة. علينا أن ندمر قدراتهم للقيام بذلك مرة أخرى. لن نغير القلب والعقل، لكن قدراتهم ستدمر. لكن دعوني أسألكم سؤالا آخر. هل دمرت التفكير النازي؟ عليكم إسرائيل أن تحقق ذلك بالنصر غير المشروط، الذي هي بعيدة عنه. العالم كله يحاول الآن إيقاف الحرب. لذلك ، لن يكون استسلاما غير مشروط. عندها لن تتمكن إسرائيل من الحصول على ثقافة مختلفة في قطاع غزة".6 ـ ارتفاع سقف المطالب الفلسطينية

جاءت هذه الحرب بسقف مرتفع للمطالب الفلسطينية. نعم، هناك انقسامات عميقة في إسرائيل؛ لكن من المهم جدا معرفة أن حل الدولتين اليوم في إسرائيل لا يحظى بأي دعم في أي جهة. وما فعلته حماس في 7 أكتوبر أثبت للإسرائيليين كوابيسهم وأنهم يتعاملون مع منظمة جهادية يدعمها الفلسطينيون. لذا، فإن فكرة وجود دولة فلسطينية تسيطر عليها حماس غير مقبولة لأي إسرائيلي، حتى في الوسط واليسار.

7 ـ عدم قدرة إسرائيل على إعلان النصر  وفرض إرادتها السياسية

هذه الحرب من نوع مختلف في نتائجها. لذا، على إسرائيل أن تنسى النصر الحاسم الذي كانت تسعى إلى تحقيقه في حروبها السابقة. وعليها أن تنسى الاستسلام غير المشروط الذي حدده روزفلت وتشرشل وستالين في مواجهة ألمانيا النازية واليابان في عام 1945. المشكلة الوحيدة التي يواجهها الإسرائيليون اليوم هي أنهم لا يستطيعون إعلان النصر أو الرحيل. ليست إسرائيل كأمريكا التي استطاعت مغادرة أفغانستان مع تقبل عدم تحقيق النصر ؛ فالحياة في نيويورك وواشنطون مستمرة كما هي. وقد حدث الشئ نفسه في فيتنام والعراق. أما بالنسبة لإسرائيل، فالأمر مختلف. لقد وضعت الحكومة هدفين للحرب، وهما طموحان للغاية: تفكيك حماس، وإعادة الرهائن. هدفان يصعب تحقيقهما:

ـ تفكيك حماس: لقد استغرق الأمريكان وتحالفهم المكون من 84 دولة لتدمير داعش في الموصل تسعة أشهر. والموصل هي أسهل بكثير من غزة. لا أحد يدعم داعش. حماس مدعومة من إيران وقطر وتركيا. وكان لدى حماس 15 عاما لإعداد أنفسهم للحرب. لذا، يتعامل الجيش الإسرائيلي مع شيء أكثر صعوبة بعشرة أضعاف ما شهدته الولايات المتحدة في العراق.

ـ إعادة الرهائن: والمشكلة في هذا الهدف أنه لا تتم مزامنة الساعات، فالوقت ينفد من الرهائن، وهم يتضورون جوعا. كما تمثل مشكلة إعادة الرهائن قيدا مهما على الحكومات الإسرائيلية. وقد رأينا عام 1985، كيف أطلق رابين سراح الآلاف من السجناء الفلسطينيين مقابل ثمانية جنود إسرائيليين كانوا أسرى حرب. وأطلق نتنياهو سراح 1000 سجين فلسطيني، بمن فيهم السنوار، مقابل جندي إسرائيلي واحد. وهذه الأرقام هي بطريقة ما، تشجيع على الخطف وأخذ الرهائن.

8 ـ التغير في الرأي العام الأمريكي

تحاول حماس عزل إسرائيل في العالم. وهي كانت ناجحة في أجزاء كبيرة من العالم. ولكن أيضا في الولايات المتحدة حيث أصبحت قضية حرب غزة أكثر استقطابا. ويتظاهر الناس ضد إسرائيل. إنهم يريدون فلسطين من النهر إلى البحر، وهو ما يعني الإبادة الجماعية لإسرائيل. لا يعرفون دائما أي نهر وأي بحر، لكنهم يتعرضون لكل الدعاية. وبعد أن كانت إسرائيل منذ قيامها قضية مشتركة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فهي لم تعد كذلك، ولكن ليس بسبب هذه الحرب. لقد بدأت قبل 20 أو 15 عاما. وطالما كان نتنياهو رئيسا للوزراء، فقد أصبح الأمر أسوأ، لأنه يقف أساسا مع الجمهوريين، لذلك كان بعض الديمقراطييين ضد  إسرائيل.

اليوم التالي في غزة

كيف سيكون اليوم التالي لهذه الحرب؟ يقول يادلين: بعد عدة أشهر، توصلت شركة "عقل إسرائيل" أنه من الضروري المضي قدما في "اليوم التالي" بالنسبة لغزة. على إسرائيل: تفكيك حماس. وبعد ذلك، يجب أن تأتي إسرائيل ببيروقراطية فلسطينية يمكنها السيطرة على غزة وإعادة بنائها. وهو ما لا يمكن أن تقوم به السلطة الفلسطينية الحالية، الفاسدة والضعيفة وغير القادرة على السيطرة على جنين وطولكرم في الضفة الغربية، والتي ليست شرعية في نظر شعبها لأنه لم تكن هناك انتخابات لسنوات عديدة.

هذه البيروقراطية الفلسطينية الجديدة يجب أن تكون سلطة منقحة، وهو نفس تعبير إدارة بايدن، يتم توجيهها من قبل اتحاد عربي من المصريين والسعوديين والإمارات. وهي السبيل لبدء وإعادة بناء دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومنزوعة المقاومة. خلاف ذلك ، ستستمر الحرب ، وسيستمر الصراع.
اليوم التالي في إسرائيل

اليوم التالي للحرب لن يكون يوما عاديا في إسرائيل، بل سيكون يوم الحساب، إذ ستجري فيه ثلاث عمليات مختلفة:

ـ عملية الإحاطة المهنية لاستخلاص المعلومات وفهم الأخطاء التي حدثت وتصحيحها، والحصول على الدروس المستفادة ، وتنفيذها.

ـ تشكيل لجنة تحقيق:  لتحديد من يقع عليه اللوم، ومن المسؤول.

ـ الذهاب إلى الانتخابات.

تستغرق عملية استخلاص المعلومات ثلاثة أشهر. يجب ترشيح اللجنة التي ترشحها المحكمة العليا بعد قرار من الحكومة. وقد يحاول نتنياهو تأجيل التشكيل قدر الإمكان. وتمنح إسرائيل الآن الأشخاص الذين قد تثبت إدانتهم إمكانية الاتصال بمحامين والحصول على شهادات. وهذا سيجعل عملية التحقيق والمحاسبة طويلة جدا. مما يبرر الذهاب إلى الانتخابات حتى قبل تشكيل لجنة التحقيق وانتهائها من أعمالها.

هل تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها في غزة؟!

في ظل كثرة الحديث عن اليوم التالي في غزة، وبعد الحديث عن تفكيك حماس، يبقى السؤال المهم: هل تنجح إسرائيل في ذلك؟! والإجابة هنا من كلام عاموس يادلين في هذا الحوار المهم، فقال: "في هذه اللحظة، نحن لا نحاول تدمير الفكرة. لا يمكننا تدمير فكرة. علينا أن ندمر قدراتهم للقيام بذلك مرة أخرى. لن نغير القلب والعقل، لكن قدراتهم ستدمر. لكن دعوني أسألكم سؤالا آخر. هل دمرت التفكير النازي؟ عليكم إسرائيل أن تحقق ذلك بالنصر غير المشروط، الذي هي بعيدة عنه. العالم كله يحاول الآن إيقاف الحرب. لذلك ، لن يكون استسلاما غير مشروط. عندها لن تتمكن إسرائيل من الحصول على ثقافة مختلفة في قطاع غزة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب حرب غزة الفلسطينية احتلال فلسطين غزة حرب مآلات كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیوم التالی تفکیک حماس إسرائیل فی فی إسرائیل إسرائیل من هذه الحرب فی غزة من قبل

إقرأ أيضاً:

كيف يمكن تقييم عملية طوفان الأقصى بعد مرور عام عليها؟

يدور جدل صاخب على مواقع التواصل الاجتماعي حول تقييم عملية طوفان الأقصى، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي دموي وتدميري على غزة وأهلها، فالمؤيدون للعملية يصفونها بالحدث التاريخي المفصلي الذي حطم كثيرا من الأساطير التي نُسجت حول قوة الكيان الصهيوني، فالجيش الذي لا يُقهر قهرته مقاومة غزة، والكيان الذي ينتفخ بقوته وجبروته لم يستطع كسر شوكة المقاومة، ولم يتمكن من تحرير أسراه من قبضتها لغاية الساعة.

أما المعارضون للعملية فيرونها باب شر فُتح على مصراعيه لتصب منه على رؤوس أهل غزة كل ألوان المصائب والمآسي والشرور والفواجع، وباتت غزة بجميع محافظاتها ومناطقها مستباحة لقوات جيش الاحتلال، الذي أحالها إلى مناطق مدمرة تدميرا شبه كامل، قُوضت معه كل معالم ومقومات الحياة الإنسانية فيها.

يتركز ذلك الجدل في كثير من تجلياته حول ضخامة الخسائر التي تكبدها أهل غزة، والأعداد الكبيرة والضخمة في الشهداء والجرحى والمصابين والمفقودين، (ما يزيد عن 43000 شهيدا، وما يزيد عن 100000 من الجرحى والمفقودين حسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في اليوم 410 للعدوان)، إضافة إلى حجم الدمار المروع والهائل الذي لحق بكافة مناطق قطاع غزة.

بعد مرور عام على عملية طوفان الأقصى، وفي ظل الجدل الصاخب والمحتدم بشأن مآلات العملية ونتائجها حتى الساعة، والتي ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، كيف يمكن تقييم العملية في ميزان الربح والخسارة بنظرة هادئة وموضوعية ومتوازنة؟ وما الأرباح التي حققتها المقاومة وما هي الخسائر التي تكبدتها...؟

وما هي الأثمان التي دفعها الشعب الفلسطيني ومقاومته كردة فعل على عملية طوفان الأقصى؟ وهل كانت حركة حماس تتخيل أن يكون الرد الإسرائيلي بهذا الحجم التدميري الهائل والمروع.. وهل أعدت لذلك عدته أم أنها فوجئت به، وهي تجتهد وتحاول التكيف مع الأوضاع الجديدة، بإعادة ترميم صفوفها، وتنظيم قواتها ومقاتليها؟

في مقاربته التحليلية والتقويمية لعملية طوفان الأقصى قال الباحث والمؤرخ الفلسطيني عبد العزيز أمين عرار "يطيب للبعض القول إن خسارة شعبنا كبيرة جدا في معركة طوفان الأقصى، ولا تستحق ما جرى من إبادة وكارثة إنسانية بمعنى الكلمة، وأنها مقامرة بمصلحة شعبنا، وأنها استفزت الثور النائم، وستكون سببا ودافعا له لاحتلال أراضٍ جديدة".

وأضاف: "وما أود قوله والتأكيد عليه أن حساب الثورات وأعمالها لا تخضع دوما لحسابات الربح والخسارة بالمعنى الحرفي، وإلا فلن يحصل أي بلد محتل على استقلاله طالما أنه اعتمد فقط على المطالبة السلمية، وينطبق ذلك على الجهود المتعددة، والتي أضاعت السنين دون الحصول على الاستقلال لفلسطين، بل إن الاستيطان تغول إلى حد كبير منذ اتفاقيتي كامب ديفيد مع مصر 1979، واتفاقية إعلان المبادئ أوسلو 1993".

وتابع لـ"عربي21": "كما أن الوجود الفلسطيني أصلا مستهدف منذ أن قامت الحركة الصهيونية وأكبر دليل نكبة فلسطين 1948، ولو نظرنا الآن إلى خسائر الفلسطينيين وخاصة قطاع غزة فيها لوجدنا أن حجم الخسائر كارثي، وهي تحتاج إلى ما لا يقل عن 20 مليار لإعادة تعميرها، وربما عقدين من الزمن".


                                                      عبد العزيز عرار باحث ومؤرخ فلسطيني

وأردف الباحث والمؤرخ الفلسطيني عرار "لكن بالمقابل فإن إسرائيل خسرت هيبتها وانكشفت على حقيقتها ككيان وظيفي لا يستطيع العيش بمفرده ولا بد له من حبل سري قائم وممتد مع أمريكا والنظام الرسمي العربي وغير ذلك من الدول، كما أن هذا الكيان الإسرائيلي خسر أمن مستوطنيه في الشمال إلى جانب هجرة عشرات الآلاف خارج الكيان، وإلى الداخل نفسه، فباتت منطقة الشمال فارغة من المستوطنين، وهذا يتعارض مع نشأة الكيان".

وتابع: "ومن خسائر الكيان خسائرة الاقتصادية المتواصلة وتأثيرها على مستوى الرفاهية المعيشية للإسرائيليين، ولا يجب أن ننسى في هذا السياق أعداد القتلى والمعاقين والجرحى منهم، وهو ما يستدعي المزيد من العناية، ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين حرب 1948 لوجدنا أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية استطاعت أن تستمر زمنيا وسجلت فعليا مطاولة وإشغال لهذا الكيان الغاصب، وعلى غير المألوف كما في الحروب السابقة التي خاضتها الجيوش العربية 1948 و 1967".

ووصف عرار "الخذلان العربي ووقوف السلطة متفرجة بأنه أكبر خسارة يواجهها الشعب العربي الفلسطيني، أما ما يتعلق بحركة حماس والجهاد فيظهر أنها قرأت الأحداث وفق معادلتين: الأولى أن اليهود سيسلمون بالأمر الواقع بسرعة خاصة وأن عدد أسراهم كبير، ويقبلون بشروط المقاومة وأن حلف الممانعة ودولا أخرى ستقوم بواجبها، ويظهر أنها تلقت وعودا سابقة بذلك".

وأكمل حديثه بالقول "وهذا يذكرني بحادثة يعبد حيث خرج القسام واشتبك في 20/11/1935، واستشهد، وعندما سئل عن أهمية خروجهم إلى جبل نابلس، قال سنشعل جبل الحطب بثورة الأمة، وفي كلا الحالتين التاريخيتين لم يكن الأمر حسب المأمول إذ إن ميزان القوى كان وما زال لصالح الكيان الصهيوني الغاصب".

وأنهى حديثه بالتأكيد على أن المقاومة رغم ذلك كله "ما زالت ترفع الأشرعة، ولم ترفع الراية البيضاء، ولم تستسلم قياداتها لشروط العدو، ناهيك عن خسائر الكيان في الجبهة اللبنانية وعجزه هناك، وهذا كله جزء من مسيرة الأجيال ونضالها الطويل، وهو ما يقربنا من النصر الذي لن يكون بعيدا بمشيئة تعالى".

في ذات الإطار عقد الأكاديمي والباحث الأردني، أستاذ الدراسات المستقبلية، الدكتور وليد عبد الحي مقارنة تحليلية، بلغة الأرقام والإحصائيات الدقيقة بين خسائر الحرب الدائرة وبين أرباحها ومكتسباتها لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أحال "عربي21" عليها، والتي نشرها سابقا بعنوان "غزة بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة".

وخلص في نهاية مقاله إلى القول "من الضروري عدم التعالي على معطيات العقل التي أوردنا، ولكن لا بد للعقل من التواضع أمام الإرادة، وهو ما يستوجب سؤالا جوهريا هو: لماذا تزايد التأييد للمقاومة بعد الطوفان رغم كل الألم والمعاناة والحصار العربي؟ لا يمكن للحساب العقلي الشكلي أن يفسر ذلك، فالتفسير يكمن في الإرادة".

وتابع: "فكما أثبت الفيلسوف الألماني (نيشته) الإرادة بالقبض بكفه على قطعة حديد ملتهبة ليثبت أن الإنسان إرادة، فإن الشعب الفلسطيني يعزز هذه النظرية، ويجبر العقل على تواضعه أو تهذيب معناه، وهو ما يستوجب على أحرار العالم شحن الإرادة بالمزيد، وتهذيب العقل تحت قاعدة أن الشعوب تنتصر بالإرادة، إذا أجبرت العقل على التهذيب، فلم تنتصر فيتنام والجزائر وجنوب إفريقيا وأفغانستان وكوبا واليمن والصين والهند وغيرها الكثير إلا بغرس عقلي في تربة الإرادة".



وردا على سؤال "عربي21" إن كانت حركة حماس قد توقعت أن يكون الرد الإسرائيلي بهذا الحجم التدميري المروع أم أنها تفاجأت بذلك وتحاول وتجتهد أن تتكيف مع المعطيات الجديدة، قال عبد الحي "من متابعتي وحواراتي مع جهات مختلفة، لا أعتقد أن المقاومة تفاجأت بطبيعة الرد الإسرائيلي، من حيث مستوى رد الفعل".

وأضاف: "ومن الوارد أنها لم تتوقع بعض التفاصيل، وهذا أمر طبيعي في صراع من هذا المستوى، لكن قدرتها على الاستمرار في القتال لمدة تزيد عن عام، يشكل مؤشرا على توقع دقيق وإعداد لهذا التوقع، ومن متابعتي لدراسات وتقارير إسرائيلية فإن إسرائيل هي من تفاجأ بالهجوم من ناحية أولى، ومن مستوى الأداء الفلسطيني الميداني من ناحية ثانية، ومن انضمام محور المقاومة بهذه الكيفية من ناحية ثالثة".

من جهته استعرض الباحث السياسي المصري، أحمد مولانا مكتسبات وتداعيات وخسائر عملية طوفان الأقصى بالقول "فمن مكتسباتها أن نظرية الأمن الإسرائيلي التي قامت على الردع والإنذار المبكر، والحسم السريع للمعركة في أرض الخصم، انهارت في السابع من أكتوبر..".

وتابع "ما نتج عنه أن شعور الإسرائيلي بالأمن اهتز واضطرب، فإسرائيل ما زالت إلى اليوم تخوض معركة على جبهات متعددة، وما زالت الصواريخ تنهمر عليها من لبنان، وأحيانا من اليمن، وطائرات مسيرة من العراق، تستهدف تل أبيب وحيفا وإيلات، فشعور الإسرائيلي بالأمن بعد مرور عام على الحرب يتجه للأسوأ".

وأردف: "والنزيف في الخسائر البشرية ما زال موجودا، إضافة لوجود مشاكل وأزمات داخل المجتمع الإسرائيلي، كتجنيد الحرديم، وتحمل عبء العمل العسكري، وثم خلافات سياسية كبيرة، ونقاط الضعف داخل المجتمع تتجلى وتبرز أكثر وأكثر، وهي تدور بمجملها حول فقدان الأمن، فهذا أحد المكتسبات الرئيسية لهذه الحرب".

ولفت مولانا إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يحاول رسم خريطة المنطقة، بالدفع باتجاه سيناريوهات يحول فيها الوضع الاستراتيجي الإسرائيلي الحالي، والخسارة التي مُني بها في بداية الحرب إلى مكسب كبير، من خلال حجم الدمار الهائل في غزة، وقتل قيادات المقاومة، والضربات القوية التي وجهها لحزب الله في لبنان، واغتيال الأمين العام والقيادات العسكرية من الصف الأول والثاني..".


                                                               أحمد مولانا باحث سياسي مصري

وردا على سؤال "عربي21" بشأن خسائر الشعب الفلسطيني والمقاومة ذكر "حجم التدمير الهائل والمروع الذي طال غالب مناطق غزة، وهو ما تريد إسرائيل من ورائه تدمير الواقع الحياتي والإنساني في غزة، وجعل مناطق القطاع غير صالحة للحياة البشرية، ودفع أهل غزة للنزوح والهجرة منها، كما أن من خسارة المقاومة فقدان عدد كبير من قياداتها وكوادرها العسكرية والسياسية، كصالح العاروري ويحيى السنوار وغيرهم".

ونبَّه الباحث المصري مولانا إلى أن أحد مكتسبات عملية طوفان الأقصى ما "أظهرته من هشاشة قوة إسرائيل ومدى ضعفها، ما يعزز إمكانية هزيمتها، وهو ما يشير في الوقت نفسه إلى إمكانية التحرير، لأن قوة إسرائيل بالأساس تتمثل بما تتلقاه من الدعم الغربي الأمريكي والأوروبي، فضلا عن التعاون والتواطىء العربي الرسمي..".

بدوره عدد الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، عادل شديد جملة من المكتسبات التي حققتها عملية طوفان الأقصى، من أبرزها أنها "استطاعت أن تضرب منظومة الأمن في إسرائيل، وهزت ثقة الإسرائيليين بجيشهم، كما مست ثقة حلفاء إسرائيل بإسرائيل وقدراتها العسكرية، وضربت مشروع التطبيع الإسرائيلي مع بعض الأنظمة العربية، وكذلك هزت صورة إسرائيل القوية في المنطقة سواء أمام أعدائها أم أصدقائها".

وأضاف "كما وجهت ضربة قوية للجيش الإسرائيلي، الذي فقد حوالي فرقة عسكرية، نتحدث عن أكثر من 20000 جندي خرجوا من الخدمة، سواء بالقتل أو الإصابات والإعاقات أو الضغوط النفسية، ومن الصعب استبدالهم وملء الشواغر بسبب تراجع نسبة الملتزمين بالتجنيد، واستمرار رفض المتدينين (الحرديم) للخدمة العسكرية، ومن مكتسباتها كذلك إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث والاهتمام العالمي بعد نسيانها وتهميشها".


                                           عادل شديد باحث فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي

وواصل الباحث الفلسطيني شديد حديثه لـ"عربي21" بالقول "لكن بالمقابل هناك خسائر باهظة في الجانب الفلسطيني، فغزة بعد التدمير الهائل والمروع الذي مارسه جيش الاحتلال فيها باتت منطقة غير صالحة للحياة البشرية، وهي تتعرض لمجزرة وإبادة جماعية ما زالت قائمة ومفتوحة، وثمة 6 أو 7% من الشعب الفلسطيني في غزة ما بين شهداء وجرحى ومصابين ومفقودين".

وختم كلامه بالإشارة إلى أن حركة حماس "لم تكن تتوقع هذا الحجم المروع من رد الفعل الإسرائيلي، المتمثل بهذا التدمير الشامل، والإبادة الجماعية المروعة، وتوجيه هذه الضربات القوية والموجعة والمؤلمة للشعب الفلسطيني، ولحماس وللمقاومة، وربما يكون هذا الحجم من الرد الإسرائيلي فاجأ الجميع، بما فيهم حركة حماس، وفي تقديري لو أن قيادة الحركة توقعت هذا الحجم من الرد لربما كان لهم موقف آخر، مع أن تسميتهم للعملية بالطوفان، يشير إلى توقعاتهم بإمكانية أن تتطور الأمور إلى الطوفان، وهو ما سيغرق الجميع، ويضعهم أمام تحديات جمة".

مقالات مشابهة

  • كيف يمكن تقييم عملية طوفان الأقصى بعد مرور عام عليها؟
  • تطورات اليوم الـ412 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ411 من "طوفان الأقصى"
  • "طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة
  • المقاومة.. المكاسب والانتصارات منذ «طوفان الأقصى»
  • تطورات اليوم الـ411 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • تخرج دفعة من دورات طوفان الأقصى في مديرية الزهرة بالحديدة
  • تطورات اليوم الـ410 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • ضمن معركة "طوفان الأقصى".. 13 عملا مقاوما بالضفة خلال 24 ساعة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ409 من "طوفان الأقصى"