كتاب الضحية.. أدب الصدمة العربي في الشعر والرواية المعاصرة
تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT
مفيدا من تخصصه في النظرية النقدية وخطاب ما بعد الاستعمار، يرصد الناقد والأكاديمي رامي أبو شهاب في مؤلفه الجديد "كتاب الضحية" آداب الصدمة، وأثرها وامتدادها في الأدب العربي عبر نماذج تطبيقية تناولت مجموعة أثر الفراشة لمحمود درويش وروايتي "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي و"الخائفون" لديمة ونوس، ونماذج مختارة من شعر السوري محمد الماغوط.
يعاين صاحب "خطاب الوعي المؤسلب في الرواية العربية" صدمة الاقتلاع والنكبة الفلسطينية وما تركته من أثر في الأدب، باعتبار أن التجربة الفلسطينية تقف في المقدمة نظرا لتاريخيتها وعمق تجربتها علاوة على كونها تتمركز في مواجهة سردية أخرى هي السردية الصهيونية التي احتكرت معيارية الصدمة.
ويرى الناقد المختص في النظرية النقدية وخطاب ما بعد الاستعمار، في كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، أن "دراسات النكبة وما خلفته من صدمة على الوعي الفلسطيني لا تحظى بمثل ذلك الاهتمام الذي حظيت به الهولوكوست لدى الكتاب الغربيين".
ويلفت إلى أن النقاش يبقى قائما حول رفض المعيارية الغربية لتحقيق مفهوم ما بعد الصدمة انطلاقا من التجربة الغربية، فثمة دعوات للنظر خارج هذا الإطار من ناحية تبني توجهات جديدة تكتنه تجارب الصدمة، متوسلا وضع ممارسة نقدية خطابية تتقاطع مع الدرس النقدي باتجاهاته المختلفة.
الذاكرة الفلسطينية والنكبةويلحظ الكاتب أن "محاولات التعبير عن الصدمة نتج عن مرجعية سيرية حملتها الأجيال الفلسطينية التي عايشت النكبة أو التي أخبرت عنها مرويات أخرى سعت لاسترجاعها غير أنها في مجمل الأحوال تستند إلى مكون الذاكرة".
وحسبه فإن بوادر الصدمة في الخطاب الفلسطيني قد وجدت مع بدايات الكتابة الفلسطينية التي أدركت مكامن خطر يلوح في الأفق وبالتحديد مع كتابات خليل بيدس، سميرة عزام، إسحق الحسيني. فبينما نبه بيدس إلى الخطر الصهيوني، حذر الحسيني أيضا من مآلات الزحف الصهيوني إلى فلسطين مع إيمانه بقيم العدالة والمنظومة الأخلاقية.
ويلفت أبو شهاب إلى أن النكبة حدث مزلزل، أو لعله من أشد الأحداث التاريخية قسوة في العصر الحديث لما انطوى عليه من نتائج وتداعيات ما زالت آثارها قائمة إلى الأبد.
ويؤكد أنه يجب النظر إلى النكبة بوصفها حدثا مستعادا يسيطر على كتابات الفلسطينيين، بدءا من الجيل الأول الذي شهد النكبة، في حين أنها ما زالت تستعاد ضمن صيغة متخيلة أو إخبارية توثيقية منقولة.
الصدمة في "أثر الفراشة"ويدرس أبو شهاب الصدمة -كما تبدت في مجموعة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش- "أثر الفراشة" مشيرا إلى أن أبرز ملامح الصدمة في مجموعة "أثر الفراشة" تبلور أسئلة ذات طابع وجودي تتصل بتموضع الضحية وتساؤلاتها فيما يتعلق بالقدر الذي فرض على شعب يتعرض لتجربة بهذا الحجم.
ويلفت إلى أن المتأمل في القصيدة الأولى من مجموعة "أثر الفراشة" سيلحظ أن تجربة الصدمة لم تغادر درويش، ففضاءات اللغة ما زالت أقرب إلى رصد جدلية الموت والفقد والاقتلاع.
والقصيدة الافتتاحية التي اختارها أبو شهاب ترصد المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بحق عائلة الفتاة هدى غالية التي قتلت عائلتها أمامها في قصف إسرائيلي على شاطئ غزة، وفيها يقول درويش:
على شاطئ البحر بنتٌ، وللبنت أهلٌ
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتان وباب
وفي البحر بارجة تتسلّى
بصيد المُشاة على شاطئ البحر
أربعة، خمسة، سبعة
يسقطون على الرَّمل، والبنتُ تنجو قليلاً
لأن يداً من ضباب
يداً ما إلهية أسعفتها، فنادت: أبي
يا أبي! قُم لنرجع فالبحر ليس لأمثالنا"
وفي معرض تحليله للقصيدة، يرى الكاتب أن درويش أدرك تداعيات الأثر النفسي فجاء تكوين خطابه الافتتاحي شديد التأثير من خلال اختيار الحدث الذي أتى بهدف تمكين الوعي بالصدمة لدى القارئ ولا سيما الذي يمكن أن يقرأ شعر درويش بلغات أخرى.
وفي قصيدة "على أعالي السرو" يقرأ جدلية الموت والحياة، إذ هما يتقاطعان بين شخصيتي الرجل والمرأة لتعكس عالما مبتورا غير قادر على المضي في الحياة بصورة طبيعية، وتصبح الحياة حلما أو أنها تتجسد في الحلم وفي المقطع الشعري:
قالت: هل أنت من كتب القصيدة؟
قال: لا أدري حلمت بأني حي
فقالت: ثم ماذا؟
قال: صدقت المنام وطرت من فرحي
وحسب الكاتب فإن قصائد أثر الفراشة تحتشد بمحاولات تجسيد الألم وصوره، وهي صيغة يرغب درويش في الإفادة من إمكانياتها كي يدرس صورة الفلسطيني الإنسان الذي لم يعد يمارس إنسانيته في ظل كيان محتل يشوه معنى الحياة ويصيبها بالعطب.
ومن قصائد درويش يختار الكاتب أيضا قصيدة "البيت القتيل" في معرض قراءته للضحية، إذ تصوغ معنى الإبادة الجماعية من أجل تثبيت الحرية.
ومن القصيدة:
بدقيقة واحدة تنهي حياة بيت كاملة، البيت
قتيلا هو أيضا قتل جماعي حتى لو خلا من
سكانه. مقبرة جماعية للمواد الأولية المعدة
لبناء مبنى للمعنى، أو قصيدة غير ذات
شأن في زمن الحرب. البيت قتيلا هو
بئر الأشياء عن علاقاتها وعن أسماء
المشاعر.
ويخلص الكاتب إلى أن مجمل خطاب درويش الشعري في مجموعة "أثر الفراشة" يحيل إلى جدل وجود المستقبل، ما دام الفلسطيني في مجال الموت، وهو نموذج قدري بات يحكم مصائر الوعي الجمعي.
الصدمة.. التجربة العراقيةخارج التجربة الفلسطينية يعاين الكاتب صدمة الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، متخذا من رواية أحمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد" نموذجا لقراءته عن أدب الصدمة.
الرواية كنموذج لقراءة "أدب الصدمة" (الجزيرة)ويرى صاحب "الرسيس والمخاتلة" أن رواية سعداوي احتملت صيغ التعبير عن كينونة كاملة من الإسقاطات التي طاولت مستويات البنية الحضارية كافة لبلد كان مستقرا إلى حد ما، وأن الاحتلال قد أعطب الكثير من البنى الحضارية التي تحققت بعهد الاستقلال.
ويلفت إلى أن رواية سعداوي "قد أقامت خطابها الخاص في سياق جديد من المرجعيات الدينية الواضحة التي يمكن أن نعثر على آثارها في الصيغ الدلالية التي تعبر عن فداحة الممارسة الاستعمارية بأبشع صورها".
ويلمح أبو شهاب إلى أن سعداوي قد أفاد في نصه من الثقافة الغربية واستيهاماتها حول ما يعرف بالمسخ أو الوحش الذي ينقلب على صانعه.
عن التجربة السورية و"الخائفون"ويتوقف صاحب كتاب في "الممر الأخير" عند متلازمة الخوف في الرواية السورية "الخائفون" لونوس نموذجا.
ويشير إلى أن الرواية السورية المعاصرة حفلت بالكثير من الأعمال التي تستلهم الثورة وأثرها، غير أن "الخائفون" قد بدت الأكثر قربا من حيث قدرتها على تمثل قيم الصدمة.
ووفق الكاتب فإن "الخائفون" تنهض بالأساس على توظيف مقولة فاعلية اضطراب ما بعد الصدمة، وأنها تقرأ الخوف في بعده الأشد عمقا وقتامة بوصفه ثقافة قاهرة، فالخوف يعطل فاعلية الحياة ويؤدي إلى عطب.
وتستهلك الرواية الكتل السردية لاستجلاء مظاهر الخوف وتمثلاته عبر العديد من الشخصيات، وهي في ذلك تسعى لأن تبقي على فاعلية التمكين النفسي، فتغرق في قراءة الذات التي تشكلها ظاهرة الخوف ضمن تجليات أو سياقات ثقافية تتصل بالطبقة والعرق والثقافة وغير ذلك.
الماغوط وتمثلات الخوفيقدم أبو شهاب -الذي أصدر مجموعتين شعريتين إضافة إلى العديد من البحوث العلمية المحكمة- لفصل كتابه الأخير عن تمثلات الخوف في شعر الماغوط باقتباس:
"جربوا الحرية يوما لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي إسرائيل صغيرة"
وفي قراءته لمجموعة "الفرح ليس مهنتي" للماغوط يرى أن ثمة إلحاحا مزمنا على مداولة البحث عن الحرية الذي يفضي بدوره إلى مواجهة حضور السلطة بتمظهراتها المتعددة كالقمع والترهيب والاضطهاد.
ويعتبر أن ثنائية الحرية والخوف عتبة الولوج إلى عالم الماغوط الشعرية، حيث تعني اختزالا علنيا للرغبة في توليد نسق الحرية بداعي التخلص من الخوف.
"كان فراشي مليئا بالأصداف وزعانف السمك
ولكن عندما حلمت بالحرية
كانت الحراب
تطوق عنقي كهالة المصباح"
ويشير إلى حضور الصحراء في شعر الماغوط، معتبرا أن الواقع السياسي هو الذي دفعه للبحث عنها باعتبارها نقيض المدينة التي تمثل تجليات السلطة، ويمثل بالمقطع:
"اطلبي لي كوفية وعقالا
وصحراء لا حدود لها
لأعود إلى الماضي"
والصحراء أيضا صورة متكررة لدى الماغوط، في حين أن الرغبة بحياة البدوي تبرز جليا حين يرغب الشاعر بتحويل المدينة إلى صحراء، يقول:
"آه كم أتمنى لو استيقظت ذات صباح
فأى المقاهي والمدارس والجامعات
مستنقعات وطحالب ساكنة
خياما تنبح حولها الكلاب
لأجد المدن والحدائق والبرلمانات
كثبانا رملية
آبارا ينتشل الأعراب ماءهم منها بالدلاء"
ويرى الكاتب أن الخوف حالة يرغب الشاعر بالانفكاك منها عبر تفعيل السخرية والتهكم من واقع الإنسان العربي، ويقول في مقطع شديد السخرية:
أتوسل إليك أن تسرعي يا أمي
وأن تعرجي في طريقك
على الحصادين وتسأليهم عن حجاب جلدي
عن عشبة ما
تقيني هذا الخوف"
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات أثر الفراشة أبو شهاب إلى أن ما بعد
إقرأ أيضاً:
اليابان: دون اللعب بها أو الخوف منها.. قردة يحتمون بدفء نار الحطب والاستمتاع بطعم البطاطا المشوية
قردة تتدفأ حول نار مخيم في حديقة حيوان بوسط اليابان، وتجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، حيث يشكل فرصة فريدة لرؤية التفاعل بين القرود والنار في بيئة محمية، القردة لم تلعب بالنار لكنها لم تعد تخشاها
اعلانسيتمكن زوار حديقة حيوان في محافظة آيتشي بوسط اليابان من مشاهدة القرود تتدفأ حول نار المخيم مع انخفاض درجات الحرارة.
ويمكن للزوار وخاصة الأطفال الاستمتاع بالمشهد الشتائي الكلاسيكي كل عام في مركز قرود اليابان في مدينة إينوياما.
ويبدأ العرض العام السبت، لكن الجهة المسؤولة عن المركز دعت دعوة وسائل الإعلام الجمعة لمشاهدة القرود وهي تتجمع حول النار وتتناول البطاطا الحلوة المشوية بنهم واستمتماع بدفئها.
Relatedاليابان من مصيبة إلى أخرى.. مقتل مواطن وفقدان 6 آخرين إثر انهيارات أرضية وأمطار غزيرةالباندا ري ري وشين شين يتهيآن لمغادرة اليابان والعودة إلى الصينمقتل شخص وإصابة وفقدان آخرين جراء فيضانات عارمة تضرب اليابانيعود تاريخ الحدث الموسمي إلى عام 1959 عندما أحرق حراس حديقة الحيوان، الخشب من الأشجار التي سقطت بفعل إعاصر قوي حيث تروي الحكايات أن القرود الصغيرة كانت أول من اقترب من النار للتدفئة.
وسيستمر الحدث حتى 26 كانون الثاني/يناير من العام المقبل.
وقد تحدث حارس حديقة الحيوانات هوريكاوا هاروكي عن القصة حيث أكد أنها تعود إلى عام 1959، ومنذ ذلك الحين تعلمت أجيال من القرود عدم الخوف من النارن فغدا المشهد فريدا من نوعه في مركز القرود، قود دافئة مسترخية تأكل البطاطا المشوية
المصادر الإضافية • EBU
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية سوريا والعهد الجديد: المسيحيون بين التفاؤل والحذر من المستقبل والكنيسة تبقى الملاذ الآمن فرحة رحيل الأسد ينغّصها الخوف والقلق مما هو آت.. توجس في أوساط الطائفة العلوية من حكام دمشق الجدد بلجيكا أول دولة أوروبية تحظر بيع السجائر الإلكترونية أحادية الاستخدام قرودالشتاءإعصار في اليابانالياباناليابان - كوارثاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next قمة بروكسل تحدد قواعد التواصل مع هيئة تحرير الشام وفون دير لاين واثقة بنفوذ أوروبي واسع لدى دمشق يعرض الآن Next عاجل. إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية يعرض الآن Next أزمة سقف الدين تتصاعد وشبح الإغلاق يلوح في الأفق: مجلس النواب الأمريكي يرفض خطة ترامب لتمويل الحكومة يعرض الآن Next سوريا والعهد الجديد: المسيحيون بين التفاؤل والحذر من المستقبل والكنيسة تبقى الملاذ الآمن يعرض الآن Next فرحة رحيل الأسد ينغّصها الخوف والقلق مما هو آت.. توجس في أوساط الطائفة العلوية من حكام دمشق الجدد اعلانالاكثر قراءة غارات إسرائيلية على اليمن تقتل 9.. والحوثيون يعلنون استهداف أهداف حساسة في تل أبيب وأبو عبيدة يُبارك بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. هل تعلم أن للأسد 348 اسمًا؟ بوتين: لم ألتق بشار الأسد بعد قدومه إلى روسيا وما حصل في سوريا ليس هزيمة لنا السينما كما لم تعرفها من قبل.. متفرجون يخلعون ملابسهم لمتابعة فيلم في إسبانيا مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومبشار الأسدضحاياقصفالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في سورياعيد الميلادإسرائيلروسياهيئة تحرير الشام قطاع غزةسوريادونالد ترامبالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024