جبير بولاد

.. في مقالتنا السابقة(3) كنا قد تعرضنا لأحد أخطر كوابح التغيير المدني الديمقراطي ، الذين اطلقنا عليهم ثلة ( النخبويون الاعوريون ) و بيّنا خطرهم الماحق لأن القوي الاخري الكابحة لمسار التحول المدني الديمقراطي هي قوي غير عاقلة و لكن (النخبويون الاعوريون ) هم من يحاولون عقلنة هذه القوي غير العاقلة بممالاتها و الاصطفاف معها و خلق خطاب لها يجتهد في خلق حالة من التضليل وسط قطاعات واسعة من الشعب في لحظة تاريخية مفصلية من عمر السودان و السودانيين و هي هذه الحرب الكارثية التي كل يوم مُضاف فيها هو تكريس لديمومتها و أستحالة انهائها في وقت قريب، و نحن نعلم هشاشة الوضع السوداني الإجتماعي و الاقتصادي علي خلفية ثلاثة عقود و نيف من سلطة الأسلامويين الذين ما تركوا فعلا او أداة لهدم كل البني التي كانت _ علي علاتها _ تشير الي كيان وطن إلا و استخدموها، صحيح أننا كنا نعافر في أصلاح ما يتم من تخريب خلال الانظمة الشمولية التي حكمت منذ عشية الإستقلال و لكن تجربة الأسلامويين كانت تجربة مفارقة و مختلفة في بشاعتها و أثرها و مُدتها التي استطالت .


.. يصبح أي خطاب يبرر لهذه الحرب و ديمومتها بحلم إنتصار اي من اطرافها هو خطاب توهومي يخدم مشروع اللا دولة القديم بكل حمولته البائسة خصوصا مداعبة أشواق الاسلامويين بالعودة من خلال واجهات جديدة لطالما برعوا في تخليقها بعد كل تغيير يحدث.
.. بالعودة الي ما قطعته تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية(تقدم) من مشوار ما زال يعافر بداياته نقول لهم ، أنه مشوار واعد و يحمل رؤية و لكنه لم يخلو من أخطاء متوارثة من تركة العمل السياسي و ممارسته، و هذه نقطة جوهرية تستدعي الإنتباه و التوقف، لأن واحدة من أهم اشراط التجربة الوجودية هي التعلم من التجارب السابقة و هذا ما أصطلح عليه ب( الحق في الخطاء) و ذلك لما تمثله قيمة التعلم نفسها مقارنة مع الخطاء في عملية التراكم اليومي الذي بدوره يؤدي الي التغيير النوعي، و لكن ان تعيد الأخطاء بأستمرار بذاتها في كل مرة فهذه أحموقة لا يفعلها إلا عقل خلو من الحكمة و الأتزان.
.. يجب فتح ماعون تقدم ليستوعب كل بنات و ابناء السودان بخلفياتهم المختلفة التي ساهمت في ثورة ديسمبر المجيدة بتضحياتها الجسام و كذلك فتح حوارات عميقة و صادقة مع المختلفين في الرؤي و لكنهم متوحدين معكم في وحدة الهدف و المصير، و هذه الثورة السودانية العظيمة لم تبلغ ما بلغته الي في لحظة توحد وجدانية و بصائرية واعية، و لكي تعيد الي الثورة هذه اللحظة و وهجها يجب خلق قطيعة تامة مع كل أمراض الممارسة السياسية الماضية و شحذ القابلية الدائمة للتُعلم و هذه القابليةة روحها و أداتها هو التواضع و المعرفة التامة و اليقينية بأن بلد بمثل فرادة السودان و تنوعه لن يبنيه فصيل او جبهة او كيان منفردا دون بقية السودانيين الآخرين و المخلصين.
.. لابد من فتح حوارات جماهيرية موسعة مع كل السودانيين في الشتات عبر المقابلات الحية او في الداخل عبر منصات الاسافير و هذه حوارات و مقابلات مهمة تعينك علي تبّصر موضوع قدميك قبل المُضي في معاركك الوعرة، هذه النقاط نكتبها و نلّح في تكرارها لأنه بغيرها لن يكون هنالك اي تقدم ل(تقدم) و ليس عيبا ان تخطي في البدايات و لكن كل العيب و العبث في أن تجعل من تكرار الأخطاء هو وسم لمسيرتك و سيرتك، و اعتقد ان ما قطعناه من شوط منذ المرحلة الإنتقالية كفيل بتعليمنا الكثير و العميق.
.. لا سبيل الي انهاء الحرب و إستعادة السودان إلا بتوحد كل القوي المدنية و الإجتماعية السودانية، اعملوا علي هذه الوحدة التي يراهن معسكر القتلة و الاسلامويين علي تفتيتها صبح مساء عبر اجهزة و منصات إعلامية ضخمة و يؤازرهم جوقة( النخبويون الاعوريون ) لأمراض لطالما لازمت تكوينهم النفسي و الذهني و لكن هولاء يفضحهم الواقع كل يوم و من ثم سوف يتجاوزهم التاريخ لأنهم لا ينتمون الي المستقبل.
.. ستظل الثورة السودانية حية و صابرة رغم كل أسباب التآمر حولها في الداخل و الخارج و ستظل سلميتنا هي الحقيقة الازلية التي سوف يكتبها التاريخ في ختام معركة الخير ضد الشر، و سينتصر الخير و الحق و الجمال لأنه قانون الوجود الازلي و الثابت.

jebeerb@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

انقسام وشيك للسودان المنهك

زوايا
حمّور زيادة

مع بداية الشهر الثالث والعشرين للحرب في السودان، انقسمت القوى السياسية، وحلّت تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) نفسَها لتتحوّل الى جسميْن برؤيتين مختلفتين. الجانب الذي يضم أغلبية القوى المدنية، والتي كانت جزءاً من تحالف قوى الحرية والتغيير، أعلن برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك تكوين جسم جديد يسعى إلى محاولة وقف الحرب. بينما انحاز الجانب الذي يضم أغلبية الحركات المسلحة، ومعها بعض الذين هاجروا إليها بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول (2021)، لتكوين حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. وهكذا تمضي المجموعة الثانية بسرعة في طريق تقسيم السودان بشكل رسمي، بإحداث وضع حكومتين. ورغم الخسارة الوشيكة لهذه المجموعة العاصمة الخرطوم، التي يمكن أن يعلن الجيش استعادتها في أي لحظة في الأسابيع المقبلة، إلا أنها توجه أنظارها كما يبدو نحو مدينة الفاشر. المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام ونصف العام، وتواجه استنزافاً شبه يومي، يوشك أن يتحوّل إلى مذبحة تحت أنظار العالم أجمع.

المدينة التي تشهد وقفة القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، الخصم القديم والرئيسي لقوات الدعم السريع، تضم مئات آلاف من النازحين، وتقف عقبة أمام إعلان الحكومة الموازية. ورغم المناشدات الدولية والعقوبات، تمضي قوات الدعم السريع في استهداف المدينة، منذرةً بإبادة تواجهها أعراق دارفورية، في استكمالٍ لحرب الإبادة التي دعمها نظام عمر البشير السابق وجنرالات الجيش الحاكمون.

يبدو العالم كما لو ترك الفاشر لمصيرها. تقرّر عن نفسها وعن آخر شكل لوحدة سياسية هشة خرّقتها ثقوب الرصاص. فامتناع المدينة عن قوات الدعم السريع ربما يعيق قليلاً إعلان الحكومة الموازية. وهو ما يبقي السودان، اسمياً فقط، تحت سلطة عسكرية واحدة تحكم من العاصمة البديلة. بينما تُظهر التقارير الإعلامية كيف تحوّلت العاصمة القديمة إلى ركام. استطاعت حربٌ لم تكمل العامين بعد تدمير المدينة التي عاشت حوالي 200 عام، وتوشك أن تدمّر وحدة البلد المنهك بالحروب الأهلية أكثر من نصف قرن.

انقسام القوى السياسية التي اتحدت تحت شعار محاولة وقف الحرب يبدو منطقياً، بعدما تجاوزت الحرب خانة المخاوف، فكل ما تحذّر منه القوى السياسية حدث. وعربة الحرب المندفعة داست على حلم التحوّل الديمقراطي، وأصبح البلد المناضل منذ العام 1958 للخروج من نار الحكم العسكري مندفعاً لمنح السلطة للجيش مقابل الأمان في جانبٍ منه، ومهرولاً لتقسيم البلاد بحكومة محمية ببندقية متهمة بارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي في جانب آخر.

صادرت البندقية العملية السياسية. وحدثت جرائم الاستهداف العرقي. وزادت قوة المليشيات القديمة والجديدة التي حلّت مكان مليشيا "الدعم السريع" في التحالف مع الجيش. ونظّم قادة الجيش والحركة الإسلامية أكبر عملية غسيل سمعة ليتحول من اعتُبروا سنواتٍ "أعداء الشعب وطغاته" إلى منقذيه وأبطاله.

في الوقت نفسه، يمضي الجيش السوداني في تأكيد احتكاره السلطة المستقبلية، فقائده الذي أعلن، السبت، أن "القوى المساندة للجيش لن تختطف السلطة بعد الحرب"، عاد ليؤكّد، الخميس، أن "الجيش لن يتخلى عن الذين حملوا السلاح وقاتلوا بجانبه، وأنهم سيكونون جزءاً من الترتيبات السياسية المقبلة". تُخبر هذه التصريحات بأن السلطة للجيش، وهو من يحدّد من يشارك معه فيها، وهو من يطمئن القلقين على حصّتهم. يحدُث هذا مع تنامٍ غير مسبوق لتيار شمولي يؤيد بلا تحفظ استمرار الحكم العسكري ظنا أنه جالب الأمان والمظهر الأخير لوحدة السودان.

ما بدأ باشتباكات مسلحة في قلب الخرطوم قبل حوالي عامين تحوّل اليوم إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، وحرب تهدّد تماسك البلاد. ولم تنجح القوى السياسية في وقف الحرب، إنما كانت ضحيتها الأولى. تاركة البلاد تواجه مصيرها المحتوم بين بنادق المتقاتلين.

قسّمت الحرب الأهلية الأطول في تاريخ القارّة الأفريقية (1955 – 2005)، السودان إلى بلدين، شمال وجنوب. وتبدو الحرب الأهلية الحالية ماضية إلى تقسيم جديد، شرق وغرب. وهو تقسيم قد لا يصمد سياسياً وقتاً طويلاً، لكن أثره المباشر سيكون مدمّراً على البلاد التي لم يبق فيها ما يُدمّر.

نقلا عن العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • رمي البرهان بخطابه لحماً عبيطاً للصفوة فأخرجت أثقالها (1-2)
  • إسرائيل تدفع قانونين يمنعان توثيق جرائم الحرب التي ترتكبها
  • رمي البرهان بخطابه لحماً عبيطاً للصفوة فأخرجت أثقالها
  • الاسباب الرئيسية لانهيار تقدم
  • انقسام وشيك للسودان المنهك
  • صمود قوى الثورة لاسترداد عافية السودان
  • الإمارات تقدم 200 مليون دولار لدعم السودان.. وتدعو إلى هدنة في رمضان
  • هل السودان بديل محتمل لتهجير أهالي غزة؟؟
  • القاعدة الروسية تطل براسها من جديد
  • جامعة حلوان تستقبل سفير السودان والمستشار الثقافي لبحث دعم الطلاب السودانيين