زين العابدين صالح عبد الرحمن
مرت الحركة الاتحادية بعدة أطوار تاريخية من حيث تكوينها و تمددها و أثرها الثقافي و السياسي في المجتمع.. عندما بدأت تتخلق الحركة الاتحادي بكل تفرعاتها المكونة لها قبل الاستقلال كان منبعها الطبقة الوسطى الناشئة جديدا في البلاد بحكم التعليم الحديث، و الذي أسسه المستعمر في أوائل القرن الماضي، و محدودية التعليم صنع طبقة جديدة أيضا محدودة في تصوراتها، و لكن بحكم تعليمها و موقعها الاجتماعي كانت مؤثرة ثقافيا و سياسيا في المجتمع.
ظهر الصراع وسط الاتحاديين بعد موت الشريف حسين في عام 1982م في أثينا حيث توقف دعم الحزب لقطاع الطلاب و العمال، و انحصر الصراع بين القيادات الاتحادية التي جاءت عقب موت الشريف حسين، و أيضا المصالحة بين الجبهة الوطنية مع نميري في بورتسودان 1977م الذي وقعه الصادق المهدي، و جاء الصادق و القيادات الإسلامية و اصبحوا أعضاء في الاتحاد الاشتراكي، تراجع دور الصادق بينما استطاعت الحركة الإسلامية أن تستفيد من وجودها في النظام لكي تكون مؤسساتها المالية، و بعد المصالحة ضعف دور المعارضة، مما صعد نضال النقابات المهنية حتى نجحت في انتفاضة إبريل 1985م.. بعد الانتفاضة تزايدت الصراعات وسط القيادات الاتحادية و انقسمت إلي ثلاث مجموعات.. الأولي يترأسها الشريف زين العابدين الهندي و محمد الحسن عبد الله يسن..المجموعة الثانية يترأسها على محمود حسنين و طيفور الشايب و أخرين.. و المجموعة الثالثة يترأسها حاج مضوي و محي الدين عثمان و أخرين.. اشتداد الصراع جعل الشريف زين العابدين و محمد الحسن عبد الله يسن يتصلان بالسيد محمد عثمان الميرغني الذي كان قد اتخذ من سنكات مقرا له بعد الانتفاضة. عودة الميرغني تعتبر مرحلة جديدة للحزب و هي مستمرة حتى الآن.
كان الشريف حسين الهندي يقدم تصورات عبارة أن كبسولات فكرية في العديد من القضايا المطروحة، و تحتاج إلي اجتهاد فكري و شرح من قبل عضوية الحزب في القطاعات المختلفة، و لكن توقفت هذه التصورات و أصبح الفعل السياسي أقرب لردة الفعل للأحداث الجارية من عمل منهجي يشرح و يحلل و يقدم حلولا.. عندما استطاع السيد الميرغني أن يقبض على مفاصل الحزب حدث جمودا كبيرا في الدائرة الفكرية، حتى أن الحزب دخل الحكومة دون أي رؤية واضحة، حتى استطاع كل من محمد توفيق و سيد احمد الحسين أن يستغلا حركة القيادات النقابية المهنية في حوارها مع الحركة الشعبية و يقطفا ثمرة تلك الحوارات و وضعها في اتفاق بين الاتحادي و الحركة الشعبية و الذي وقعه الميرغني مع جون قرن و سمي ب "أتفاقية الميرغني قرن 1988م" و الاتفاقية ليست فقط لوقف الحرب و جذب الحركة للمساهمة في النظام الديمقراطي، لكن الاتفاقية كان الهدف منها هو إعادة دور الحركة الاتحادية في الإسهام الفكري و الثقافي في تعبيد طريق عملية التحول الديمقراطي في البلاد، و هذا التحول كان الهدف منه هو إعادة الدور الاستناري للطبقة الوسطى، لآن الاتفاقية كانت في حاجة لضخ العديد من الأفكار السياسية في قضايا الحكم و الثقافة و الاقتصاد و غيرها، هذا التحول السياسي و الفكري الذي كان يجب ان تخلقه الاتفاقية، كان سوف يضيق الخناق على القوى السياسية الأيديولوجية في البلاد لأنه سوف يحاصرها، لذلك بدأ الكل يزحف نحو القوات المسلحة بهدف القيام بإنقلاب على نظام الحكم خوفا من التوجه الجديد ، فالانقلاب الذي قامت به الجبهة الإسلامية ليس ضد نظام الصادق المهدي و لا ضد مذكرة الجيش لرئيس الوزراء، أنما كان يستهدف الاتفاق الذي كان وقعه الميرغني مع قرنق..
بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية 30 يونيو 1989م، و تحول الحزب الاتحادي الديمقراطي للمعارضة تجمد الدور الفكري في الحزب، لذلك أصبح الحزب لا يصنع الأحداث أنما يعلق عليها في حدود، حتى لا يصبح الحزب في أي حالة صدامية مع النظام بشكل مباشر. و رغم أن التجمع الوطني الديمقراطي تبنى الكفاح المسلح كأداة ضد نظام الإنقاذ، إلا أن مساهمات الاتحاديين كانت محدودة فيه من خلال قوات الفتح، و ظلت قيادة الحزب تحافظ على هذا الجمود حتى تم الاتفاق في " نيفاشا" بين الإنقاذ و الحركة الشعبية في 2005م حيث أصبح للحزب مشاركة في نظام الحكم من خلال نسبة 14% هي نسبة يشارك فيها كل عضوية التجمع الوطني.. و استمر الحزب في السلطة بعد انفصال الجنوب، الأمر الذي أدى إلي انقسامات وسط الحركة الاتحادية و ظهرت اسماء عديدة، منهم ذهب إلي قوى الاجماع الوطني، و أخرين إلي نداء السودان.. و رغم تعدد الأسماء لكن أصبحوا جميعا على هامش العملية السياسية، حتى بعد ثورة ديسمبر صعدت مجموعة " التجمع الاتحادي" الذين كان يقع عليهم عبء الدعوة للوحدة. و التجمع الاتحادي استطاع أن يكون جزء من تحالف يصنع الحدث قبل 25 أكتوبر 2021م و أيضا في " الإتفاق الإطاري" حتى قيام الحرب..
أن الاتحاديين يهربون من الطائفة بإعتبارها تضيق مواعين الديمقراطية، و تفقد المؤسسة دورها، و ينحصر القرار في دائرة رئيس الحزب، و لكن الذين يهربون من هذه الإدعاءات هم أنفسهم يمارسون ذات الفعل، و كل ما اجتمعوا من أجل الوحدة ذات نشقاقاتهم أكثر، و تشظت وحداتهم التي كانت تجمعهم، و يرجع ذلك لضعف الثقافة الديمقراطية من جانب، و سطوة المصالح الخاصة على العامة من جانب أخر.. هذا يعود أن الحزب تحول من مشروع سياسي للبناء الوطني و المجتمعي إلي أداة لخدمة المصالح الخاصة، و معلوم الاهتمام بالمصالح الخاصة لا تجعل العضو يكون داعما لعملية الثقافة السياسية و الاجتهاد الفكري، بقدر ما يميل إلي الأمراض الاجتماعية " التملق و الانتهازية و الوصولية و غيرها " لذلك غاب الفكر كدور مهم في عملية الإصلاح و التطوير، و جاءت بقيادات متواضعة لا تستطيع أن تقدم مبادرات تخرجها عن دائرة تفكيرها المحصور في الرغبات الخاصة. نواصل.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشریف حسین فی المجتمع
إقرأ أيضاً:
يجب حظر الحركة الإسلامية السودانية
بعض الأقلام النابهة والوازنة صاحبة القدر المعتبر من الموثوقية وعمق الرؤية، بذلت اطروحات الحلول المحتملة لوقف الحرب وإعادة بناء الوطن، فهادنت وتسامحت على المستوى النظري مع الحركة الإسلامية الحاملة لوزر إشعال الحرب، والمسؤول الأول عن إزكاء نار خطاب الكراهية وخطيئة قصم ظهر الوطن، بجعل ذهاب الجنوب الحبيب لخيار الانفصال ممكناً، إذ ما تزال تؤجج نار الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، هذا فضلاً عن سجلها الإجرامي الحافل بفظائع الإرهاب الدولي، وضلوعها في ارتكاب خطايا جنائية لا تعد ولا تحصى، لا تؤهلها لأن تكون جزءًا من المشهدين السياسي والأمني مستقبلاً، والمقارنة بينها وبين بيض جنوب افريقيا لا تجوز، لأن جرم نظام الفصل العنصري أقل بكثير من خطيئتها، فأنصار رئيس جنوب أفريقيا الأبيض "دي كليرك" سجنوا نلسون مانديلا ثلاثة عقود من الزمان، لكن لم يخرقوا رأسه بمسمار ولم يجلسوه على خازوق، ولم يقم الرجل الأبيض بتطهير عرقي ممنهج استخدم فيه الطائرات الحربية والقنابل المزوّدة بالمواد السامة تجاه السود، ولم يدفن آبار مياه الشرب وما دمر البنية التحتية، على العكس من ذلك، حينما كان الناشطون السود يتظاهرون ويقتلون بالسلاح (الخفيف) للبيض في الميادين، كان نفس هؤلاء البيض يبنون ويعمّرون، لذا بعد اكتمال مشروع التحرير الوطني قبل الزعيم الإفريقي بالحقيقة وصالح وصافح "دي كليرك".
إنّ الحركة الإسلامية السودانية يجب أن يكون مصيرها كمصير حزب البعث العراقي، الذي أحال العراق إلى ركام من الحجارة الأسمنتية والجماجم البشرية، فجاءت أنظمة حكم ما بعد الدمار وحظرته، وأمسى البعثيون في شوارع بغداد مثل كفار قريش بعد فتح مكة، نفس المآل يجب أن يلحق بهذه الشرذمة الغريبة الفكر، ولو كان هنالك دليل إدانة واحد يوجب حظرها، سيكون هو إشعالها للحرب التي قتلت مئات الآلاف من السودانيين، فلا يمكن بأي حال من الأحوال التسامح مع من حطم الوطن وأعدم المواطن، ورأينا الشعوب والحكومات الأمينة مع شعوبها من حولنا كيف حظرت التنظيمات الإرهابية، لعلمها التام بأنها جماعات تعمل من أجل التخريب ولا تؤمن بالوطن، فالبارحة صدر قرار حظر السلطات الأردنية لجماعة الإخوان المسلمين هناك، فالأجرب لا يُعاشر، ومن يهادن الأجرب يكتوي بالداء اللعين، على الكتاب والمفكرين السودانيين القيام بدورهم الغيور على الأرض والعرض، وأن لا يسمحوا لأقلامهم بأن تمنح أفراد هذا التنظيم المتطرف بارقة أمل العودة لمنصات الفعل السياسي، فسودان المستقبل يستحق ان يكون خالياً من كتائب داعش الناحرة لأعناق لناس، في المدن التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية، وعلى التحالفات السياسية والعسكرية – صمود وتأسيس – (استتابة) كادر الحركة الإسلامية المختبئ تحت لوائيهما، وإقعاده على الكنبة الخلفية لعلّه يفقه مبادئ الديمقراطية وأساسيات الحكم المدني.
بعد الحرب وفقدان العزيز والنفيس، لم يعد هنالك كبير في ميدان العمل العام، ولا توجد ضرورة لتكرار صناعة الاصنام القديمة – الصادق المهدي وحسن الترابي ومحمد عثمان الميرغني ومحمد إبراهيم نقد، لأن غربال الحرب أسقط الكهنوت وآلهة العجوة، ورفع قدر كل أشعث أغبر أساء الظن به الحركيون الإسلاميون فصنّفوه خارجاً عن الملّة، إنّ صياغة دنيا السودان الجديد لن تتأتى إلّا بزوال الهدّامين من أفراد التنظيم الواجب حظره، والاعتماد على البنائين من قادة الحراك الوطني غير الملوثين بغلواء الحماس الديني، المبني على استثارة العواطف دون مخاطبة العقول، وليحذر الناشطون الأحرار من مغبة الوقوع في فخاخ هذه الحيّة الرقطاء، وأن يؤسسوا اطروحاتهم على الحقيقة لا المصالحة مع الشر المطلق المتمثل في الحركة الإسلامية، وليعتبروا بتجارب البلدان الافريقية والعربية وكفاحها ضد حركات الإسلام السياسي، مثل تونس ومصر والأردن وبعض الدول الخليجية، وكيف أوقفت هذه البلدان هذا الفكر التدميري، ومن خفة دم وزير خارجية إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، تعليقه على الخلية الإخوانية التي تم القبض عليها في بلاده قبل سنوات بقوله:(هل يعقل أن يُصدّر الدين الإسلامي إلينا من إفريقيا وجدنا هو من نشر الإسلام في إفريقيا)، فبعد هذا القول المفحم من سعادة الوزير، لا تعليق، وكما يقول المثل (العربي) اللبيب بالإشارة يفهم، وإذا لم يستوعب اللبيب الافريقي (الحركة الإسلامية السودانية)، عليه الاطّلاع على هجاء أبي الطيب المتنبئ لكافور الإخشيدي.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com