سودانايل:
2024-07-04@04:08:55 GMT

الاتحاديون أزمة فكر أم قيادة

تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
مرت الحركة الاتحادية بعدة أطوار تاريخية من حيث تكوينها و تمددها و أثرها الثقافي و السياسي في المجتمع.. عندما بدأت تتخلق الحركة الاتحادي بكل تفرعاتها المكونة لها قبل الاستقلال كان منبعها الطبقة الوسطى الناشئة جديدا في البلاد بحكم التعليم الحديث، و الذي أسسه المستعمر في أوائل القرن الماضي، و محدودية التعليم صنع طبقة جديدة أيضا محدودة في تصوراتها، و لكن بحكم تعليمها و موقعها الاجتماعي كانت مؤثرة ثقافيا و سياسيا في المجتمع.

ظلت الحركة تتوسع بتوسع رقعة التعليم، و لكن جاء منافسون لها على ذات الطبقة بعد أن شهد التعليم توسعا من " الشيوعي – الإسلاميين" و بعد الانقلاب مايو 1969م و انخراك الاتحاديون في الصراع ضد ديكتاتورية مايو من خلال الجبهة الوطنية التي كانت تضم كل من " الاتحادي – الامة – الحركة الإسلامية" راهن الشريف حسين على قطاعين في المجتمع الطلاب و العمال و ظل داعما لهما باعتبار أنهم يمثلون القوى الحية في المجتمع بعد تراجع قوى الوسط التي شهدت أزمة كبيرة بسبب التدهور الاقتصادي الذي عان منه نظام مايو.. هذا التحول رغم أنه صعد النضال ضد النظام لكنه أيضا كان يعاني من الجمود الفكري بسبب ضعف الطبقة الوسطى..
ظهر الصراع وسط الاتحاديين بعد موت الشريف حسين في عام 1982م في أثينا حيث توقف دعم الحزب لقطاع الطلاب و العمال، و انحصر الصراع بين القيادات الاتحادية التي جاءت عقب موت الشريف حسين، و أيضا المصالحة بين الجبهة الوطنية مع نميري في بورتسودان 1977م الذي وقعه الصادق المهدي، و جاء الصادق و القيادات الإسلامية و اصبحوا أعضاء في الاتحاد الاشتراكي، تراجع دور الصادق بينما استطاعت الحركة الإسلامية أن تستفيد من وجودها في النظام لكي تكون مؤسساتها المالية، و بعد المصالحة ضعف دور المعارضة، مما صعد نضال النقابات المهنية حتى نجحت في انتفاضة إبريل 1985م.. بعد الانتفاضة تزايدت الصراعات وسط القيادات الاتحادية و انقسمت إلي ثلاث مجموعات.. الأولي يترأسها الشريف زين العابدين الهندي و محمد الحسن عبد الله يسن..المجموعة الثانية يترأسها على محمود حسنين و طيفور الشايب و أخرين.. و المجموعة الثالثة يترأسها حاج مضوي و محي الدين عثمان و أخرين.. اشتداد الصراع جعل الشريف زين العابدين و محمد الحسن عبد الله يسن يتصلان بالسيد محمد عثمان الميرغني الذي كان قد اتخذ من سنكات مقرا له بعد الانتفاضة. عودة الميرغني تعتبر مرحلة جديدة للحزب و هي مستمرة حتى الآن.
كان الشريف حسين الهندي يقدم تصورات عبارة أن كبسولات فكرية في العديد من القضايا المطروحة، و تحتاج إلي اجتهاد فكري و شرح من قبل عضوية الحزب في القطاعات المختلفة، و لكن توقفت هذه التصورات و أصبح الفعل السياسي أقرب لردة الفعل للأحداث الجارية من عمل منهجي يشرح و يحلل و يقدم حلولا.. عندما استطاع السيد الميرغني أن يقبض على مفاصل الحزب حدث جمودا كبيرا في الدائرة الفكرية، حتى أن الحزب دخل الحكومة دون أي رؤية واضحة، حتى استطاع كل من محمد توفيق و سيد احمد الحسين أن يستغلا حركة القيادات النقابية المهنية في حوارها مع الحركة الشعبية و يقطفا ثمرة تلك الحوارات و وضعها في اتفاق بين الاتحادي و الحركة الشعبية و الذي وقعه الميرغني مع جون قرن و سمي ب "أتفاقية الميرغني قرن 1988م" و الاتفاقية ليست فقط لوقف الحرب و جذب الحركة للمساهمة في النظام الديمقراطي، لكن الاتفاقية كان الهدف منها هو إعادة دور الحركة الاتحادية في الإسهام الفكري و الثقافي في تعبيد طريق عملية التحول الديمقراطي في البلاد، و هذا التحول كان الهدف منه هو إعادة الدور الاستناري للطبقة الوسطى، لآن الاتفاقية كانت في حاجة لضخ العديد من الأفكار السياسية في قضايا الحكم و الثقافة و الاقتصاد و غيرها، هذا التحول السياسي و الفكري الذي كان يجب ان تخلقه الاتفاقية، كان سوف يضيق الخناق على القوى السياسية الأيديولوجية في البلاد لأنه سوف يحاصرها، لذلك بدأ الكل يزحف نحو القوات المسلحة بهدف القيام بإنقلاب على نظام الحكم خوفا من التوجه الجديد ، فالانقلاب الذي قامت به الجبهة الإسلامية ليس ضد نظام الصادق المهدي و لا ضد مذكرة الجيش لرئيس الوزراء، أنما كان يستهدف الاتفاق الذي كان وقعه الميرغني مع قرنق..
بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية 30 يونيو 1989م، و تحول الحزب الاتحادي الديمقراطي للمعارضة تجمد الدور الفكري في الحزب، لذلك أصبح الحزب لا يصنع الأحداث أنما يعلق عليها في حدود، حتى لا يصبح الحزب في أي حالة صدامية مع النظام بشكل مباشر. و رغم أن التجمع الوطني الديمقراطي تبنى الكفاح المسلح كأداة ضد نظام الإنقاذ، إلا أن مساهمات الاتحاديين كانت محدودة فيه من خلال قوات الفتح، و ظلت قيادة الحزب تحافظ على هذا الجمود حتى تم الاتفاق في " نيفاشا" بين الإنقاذ و الحركة الشعبية في 2005م حيث أصبح للحزب مشاركة في نظام الحكم من خلال نسبة 14% هي نسبة يشارك فيها كل عضوية التجمع الوطني.. و استمر الحزب في السلطة بعد انفصال الجنوب، الأمر الذي أدى إلي انقسامات وسط الحركة الاتحادية و ظهرت اسماء عديدة، منهم ذهب إلي قوى الاجماع الوطني، و أخرين إلي نداء السودان.. و رغم تعدد الأسماء لكن أصبحوا جميعا على هامش العملية السياسية، حتى بعد ثورة ديسمبر صعدت مجموعة " التجمع الاتحادي" الذين كان يقع عليهم عبء الدعوة للوحدة. و التجمع الاتحادي استطاع أن يكون جزء من تحالف يصنع الحدث قبل 25 أكتوبر 2021م و أيضا في " الإتفاق الإطاري" حتى قيام الحرب..
أن الاتحاديين يهربون من الطائفة بإعتبارها تضيق مواعين الديمقراطية، و تفقد المؤسسة دورها، و ينحصر القرار في دائرة رئيس الحزب، و لكن الذين يهربون من هذه الإدعاءات هم أنفسهم يمارسون ذات الفعل، و كل ما اجتمعوا من أجل الوحدة ذات نشقاقاتهم أكثر، و تشظت وحداتهم التي كانت تجمعهم، و يرجع ذلك لضعف الثقافة الديمقراطية من جانب، و سطوة المصالح الخاصة على العامة من جانب أخر.. هذا يعود أن الحزب تحول من مشروع سياسي للبناء الوطني و المجتمعي إلي أداة لخدمة المصالح الخاصة، و معلوم الاهتمام بالمصالح الخاصة لا تجعل العضو يكون داعما لعملية الثقافة السياسية و الاجتهاد الفكري، بقدر ما يميل إلي الأمراض الاجتماعية " التملق و الانتهازية و الوصولية و غيرها " لذلك غاب الفكر كدور مهم في عملية الإصلاح و التطوير، و جاءت بقيادات متواضعة لا تستطيع أن تقدم مبادرات تخرجها عن دائرة تفكيرها المحصور في الرغبات الخاصة. نواصل.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشریف حسین فی المجتمع

إقرأ أيضاً:

هل استعاد حزب الله حاضنته الوطنية فعلاً؟

خلال السنوات الماضية تعرض "حزب الله" لخسائر شعبية هائلة خارج "البيئة الشيعية"، اذ ان الازمة الاقتصادية التي ضربت لبنان، اضافة الى انفجار المرفأ والخلافات الكبرى مع بعض الحلفاء ادت الى تراجع حضور الحزب شعبيا داخل الشارع المسيحي بشكل كبير وهائل،وداخل الطائفتين السنيّة والدرزية، ليصبح هناك نوع من العزلة على حارة حريك وان لم تكن مرتبطة بمواقف سياسية مباشرة.

فلا الحزب "التقدمي الإشتراكي" ولا "التيار الوطني الحر" كانا بعيدين عن "حزب الله" سياسياً او اقله لم يكونا اعداءه، الا ان الشارع المسيحي بما فيه انصار "التيار"،كان قد تحول الى مخاصمة الحزب وانتقاده. تعاظمت ازمة الحزب الداخلية بشكل كبير في ظل اصرار واضح من قبله على الحفاظ الدائم على حضور داخل السلطة، الامر الذي زاد الامور تعقيدا، وهذا ما تم استغلاله من قبل خصومه للتصويب عليه ونزع الشرعية الوطنية عنه.
ولعل ما حصل خلال تلك المرحلة، من اشتباكات في الطيونة بين "الحزب" و"القوات اللبنانية"، ومن ثم اشتباك شويا بين عناصر الحزب وبعض الاهالي في القرية الدرزية الجنوبية ومن ثم الاشتباك والخلاف الكبير مع عرب خلدة واخيرا اشتباك الكحالة، كان خير دليل على الفراق المتزايد بين حارة حريك والبيئات الطائفية اللبنانية، كل ذلك تبدل وتغير بشكل لافت بعد الانتخابات الاخيرة حتى عاد الوضع "مثالياً" في الاسابيع الاخيرة من معركة "طوفان الاقصى".

ليس بسيطاً ان يتحدث امام مسجد الامام علي في الطريق الجديدة، الشيخ حسن مرعب عن "حزب الله" بإيجابية ويخوض معاركه الاعلامية دفاعا عن المعركة في الجنوب وهو الذي كان احد ابرز خصوم الحزب لسنوات، وهذا ينطبق عن النائب السابق خالد الضاهر الذي بات يدافع عن الحزب وحلفاء الحزب الاقليميين. التحول الذي حصل في الشارع السنّي ومن موقفه من "حزب الله" يعود الى الدعم الحاصل من جبهة لبنان لحركة حماس في غزة، وهذا ما اعطى الحزب للمرة الاولى منذ العام ٢٠٠٥ حاضنة سنيّة جدية، دعمها الموقف الحاسم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتنسيقه السياسي المستمر مع حارة حريك وعين التينة.

على الصعيد الدرزي يبدو الامر مشابها، اذ وبالرغم من ان موقف النائب السابق وليد جنبلاط كان صادما في بداية المعركة، الا ان تكرار موقفه في الاطلالات الاعلامية حسّن بشكل ملموس الموقف الشعبي الدرزي من الحزب وجعله يتكتل حول الحزب ويستعد اكثر لاستقبال المهجرين في حال حصول حرب شاملة، وهذا ما منح الحزب امتدادا اسلاميا كبيرا في الداخل اللبناني وربما في العالم العربي الذي عاد قادة الرأي فيه، او اقله في بعض الدول الحديث عن تأييد الحزب ودعمه والتعاطف معه.

توّج هذا الموقف بالاشارات السياسية التي ظهرت من الجامعة العربية وانهاء تصنيف الحزب كمنظمة ارهابية، ليبقى الواقع المسيحي المنزعج من الحزب بشكل كبير، والذي كان لتصريحات رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل قبل يومين وقع كبير يوحي بأن الرجل جاهز لاعادة جمهوره لتأييد الحراك العسكري للحزب من خلال التقارب منه وعدم الاستمرار بالاصطفاف الى جانب خصوم الحزب المسيحيين مثل حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية".
 

مقالات مشابهة

  • قصف عنيف يطال الجنوب.. هذه آخر المستجدات الميدانية
  • حزب الله أعلن الرّد على اغتيال أبو نعمة.. هذا ما فعله!
  • الحركة الوطنية: بيان 3 يوليو نقطة تحول تاريخية لانتصار إرادة الشعب
  • ما الذي يُطَمْئِن حزب الله؟
  • باسيل مع حزب الله وضده!
  • محلل سياسي: أزمة كورونا أثرت سلبًا على شعبية حزب المحافظين في بريطانيا
  • تسريبات: الحركة الاسلامية الان تتفاوض ثنائيا مع الدعم السريع
  • هل استعاد حزب الله حاضنته الوطنية فعلاً؟
  • أكاديمي إسرائيلي يستعرض تاريخ الصراع مع حماس.. لن ترفع الراية البيضاء
  • رئيس الحركة ينقل البارودة من كتف لكتف