الزحف على بناية النوتردام في القدس عام 1948
تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT
#الزحف على #بناية_النوتردام في #القدس عام 1948
#موسى_العدوان
بعد أن قامت الكتيبة الثانية بالهجوم على #القدس الجديدة واحتلت #حي_الشيخ_جراح، ثم وصلت طلائعها إلى باب العمود في صباح يوم 20 مايو / أيار 1948، أستمر #القتال طيلة ذلك اليوم. وتحسبا لقيام اليهود بهجوم معاكس، استُدعيت الكتيبة الثالثة بقيادة الرائد الإنجليزي ( نيومن ) من نابلس يوم 21 مايو، وتمركزت في حي الشيخ جراح ، بعد أن تعرضت في طريق حركتها لهجمات يهودية من موقعي هداسا ومشيرم.
صدرت الأوامر للكتيبة الثالثة بالهجوم بسريتين في الأمام وسرية لاحقة لاحتلال هدفين رئيسيين : بناية النوتردام وهي عبارة عن قلعة ضخمة تتألف من عدة طوابق، تسيطر على باب العمود وحي المصراره، وكُلّفت به السرية الثانية. وبناية بنك باركلس وتقع بجوار قلعة النوتردام وتسيطر على المنطقة من جهتي الغرب والشمال، وكُلّفت به السرية الرابعة، بينما كُلّفت السرية الثالثة بواجب الاحتياط كقوة لاحقة. ولغرض الإيجاز فإنني سآخذ جانبا من هجوم الكتيبة، وأركز على عملية الهجوم على بناية النوتردام.
مقالات ذات صلة كاريكاتير عمر عدنان العبداللات 2024/04/12تقدمت السرية الثانية التي يقودها الملازم عيد إدليّم لاحتلال هدفها وهو بناية النوتردام، بين عمارات صغيرة وعبر أرض مكشوفة بمواجهة نيران كثيفة، من جنود العدو المتمركزين في الطوابق العليا لبناية النوتردام. فوقعت إصابات عديدة بين جنود السرية واستشهد قائد السرية وتبعه الملازم محمد نجيب. فتولى قيادة السرية الوكيل فليح ماطر، حيث ثبّت السرية في البنايات الصغيرة، وأخذ يشاغل العدو من مواقعه دون أن يتابع الهجوم نظرا لشدة المقاومة.
انحرفت السرية الرابعة التي يقودها الملازم غازي الحربي عن هدفها الرئيسي بناية بنك باركلس، وعادت أخيرا إلى موقعها في باب العمود. فأسند إليها هجوم لاحق لاقتحام بناية النوتردام تعزيزا لهجوم السرية الثانية. وعندما وصلت إلى البنايات الصغيرة بجانب النوتردام، أرسل قائد السرية مجموعة من الجنود لفتح ثغرة في الأسلاك الشائكة، فنفذوا ذلك تحت ستار من نيران السرية.
وعند الفجر تمكن قائد السرية الرابعة من نسف الباب الرئيسي لباب النوتردام بمدفع ( بيات )، ودخل مع عدد من الجنود إلى الطابق الأرضي للبناية، بينما بقي القسم الأكبر من سريته في الساحة الخارجية، حيث منعتهم نيران العدو الكثيفة والقنابل اليدوية من اللحاق بقائدهم. وهكذا أصبح الموقف حرجا للغاية، فلم يكن قائد السرية قادرا على الصعود إلى الطوابق العليا، ولم يتمكن جنوده الموجودين في الساحة الخارجية من اللحاق به لدعم قوته.
في هذه الأثناء اتصل قائد السرية مع قائد الكتيبة، ليبلغه بأنه احتل الطابق الأرضي وأن جنوده يتمركزون حاليا في ساحة البناية، غير قادرين على الانضمام إليه، وطلب منه إرسال تعزيزات له على وجه السرعة لإنجاز المهمة. إلا أن قائد الكتيبة أجابه بأن ليست لديه تعليمات لإرسال تعزيزات وأمره بالانسحاب من البناية. ولكن قائد السرية رفض الانسحاب، وتكررت أوامر قائد الكتيبة إليه بالانسحاب وهو يصرّ على الرفض.
وعند حلول الظلام أيقن قائد السرية أن لا فائدة من بقائه، فانسحب من بناية النوتردام إلى موقعه السابق الذي انطلق منه قبل الاقتحام، بعد أن فقدت سريته 80 مصابا بين شهيد وجريح، من بينهم معظم ضباط السرية. وإذا ما عرفنا أن مجموع ملاك السرية كان 120 جنديا، يتضح لنا بأنها قد فقدت ثلثي قوتها ولم تعد وحدة فعالة في القتال.
يقول الفريق كلوب في كتابه ( جندي مع العرب ) وأقتبس :
” اضطر جنود المشاة إلى الانسحاب من بناية النوتردام بعد أن أصبحوا مطوقين تقريبا. كان عدد القتلى والجرحى قد ارتفع إلى حد خطير، فمن مجموع مأتي رجل بدأوا الهجوم، كان النصف قد لاقوا حتفهم أو أصيبوا بجراح عميقة. كالعادة كان الذين يصابون بجراح خفيفة يتكتمون عليها ويبقون في خط النار. السرية الرابعة فقدت جميع الضباط وضباط الصف باستثناء واحد. لقد خاض ضباط الكتيبة الثالثة وأفرادها معركة القتال بشجاعة فائقة وإقدام عظيم طوال ثلاثة أيام. حاربوا بتصميم واندفاع على الرغم من العطش والعرق والجوع أحيانا “.
وأضاف كلوب قائلا : ” في اليوم التالي زرت أفراد الكتيبة، فجاءني غازي الحربي، الذي خاض معارك القتال ثلاثين عاما في شبه الجزيرة العربية، وانهالت الدموع على وجهه المتغضن الذي لوحته الشمس، وهو يرجوني أن أوافق على شن هجوم آخر على النوتردام. قال بلهجة الواثق ( سنحتلها هذه المرة يا أبو فارس ) ولكنني لم أوافق. كان عدد رجال الكتيبة الثالثة قد هبط الآن إلى 500 رجل فقط، ينتشرون
في وضع كهذا لم يكن بمقدورنا الإقدام على مغامرات. لم يكن لدينا احتياط ولم يكن عتادنا يكفي لأكثر من اسبوعي قتال. لقد أنقذنا المدينة القديمة وثبتنا خط دفاعنا ومنعنا اليهود من الاستيلاء على المدينة بكاملها . . إننا لا نستطيع أن نغامر بفقد جنودنا المدربين من أجل الاستيلاء على مبنى. وقلت لغازي: سوف نأخذ النوتردام فيما بعد، وأجاب غازي بهدوء إن شاء الله “. انتهى الاقتباس.
في الختام أقول لمن يحرّضون المواطنين العزّل على الزحف إلى الحدود، هكذا كان الزحف الحقيقي في القدس الشريف على العدو، فكان زحفا معمّدا بالدماء الطاهرة، لا بخطابات استعراضية لزحف مجرّد من السلاح، تكون عاقبته أليمة . . !
المراجع:
– أيام لا تنسى / المؤرخ سليمان موسى.
– حروبنا مع إسرائيل / اللواء صادق الشرع.
– تاريخ الأردن في القرن العشرين / منيب الماضي وسليمان موسى.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: القدس القدس حي الشيخ جراح القتال قائد السریة بعد أن
إقرأ أيضاً:
اليمن.. دمٌ يروي أرض القدس وقيادةٌ تُعيد للأُمَّـة كرامتها
محمد يحيى الملاهي
في زمنٍ تكالبتْ فيه قوى الظلم والجور على غزة، وتخاذلتْ فيه الأنظمة العربيةُ عن مساندة إخوانها في فلسطين، بل وسعتْ بعضُها للتطبيع مع العدوّ الصهيوني، وقفَ اليمنُ صُلباً كالجبل، معبِّراً عن ضمير الأُمَّــة المغيب، متجاوزاً حدودَ الجغرافيا والصراعات الداخلية ليُقدِّم الغاليَ والنفيسَ دعماً غيرَ مسبوقٍ للمقاومة الفلسطينية.
لم تكن حملاتُ التبرع الشعبي، والوقفاتُ الاحتجاجية، والخروجُ إلى الساحات، مُجَـرّد تعاطفٍ فحسب، بل كانت إرثاً ثقافيًّا ودينياً متجذِّراً في ضمير الشعب اليمني. فتحتَ قيادة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، تحوَّل هذا الإرثُ إلى فعلٍ مقاومٍ تجسَّد في استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وإطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ الفرط صوتية نحو المواقع الحيوية للعدو، لتكونَ رسالةً للعالم: أنَّ القضية الفلسطينية ليست قضيةَ شعبٍ واحد، بل قضيةَ أُمَّـة بأكملها.
وبينما تنهكُ الحربُ والحصارُ اليمنَ، وتدفعُ به إلى أصعب مراحله الاقتصادية، تُنفقُ دولٌ عربيةٌ ملياراتِ الدولارات على دعم الاقتصاد الأمريكي، وعلى حفلاتِ الغناء والراقصات، وكأنَّ غزةَ ليست جرحاً في جسد الأُمَّــة. لكنَّ اليمنَ، رغم وضعه المزري، قدَّمَ لغزة ما لم تقدِّمه تلك الدولُ، مؤكّـداً أنَّ التضامنَ والوقوف مع فلسطين واجبٌ لا يتوقفُ على القدرة المالية، بل على الإيمانِ والالتزام، وكأنه يقول “القضية أكبر من أن تُقاس بالمال، وأعظم من أن تُحصر بالحدود”.
هذا الموقفُ لم يكن ردَّ فعلٍ عاطفي، بل ثمرةُ إيمانٍ عميقٍ بأنَّ الأرض المقدسةَ حقٌّ لأهلها، وأنَّ التضحيةَ في سبيلها واجبٌ دينيٌّ وإنسانيٌّ، امتثالاً لأمر الله: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعليكمُ النَّصْرُ﴾. فالشعبُ اليمني، المتشبِّثُ بهويته الإسلامية، رأى في نُصرة غزة امتداداً لمسيرته الجهادية عبر التاريخ.
وهكذا، بين حصار غزة وعدوان إسرائيل، وبين تخاذلِ البعضِ وشجاعةِ القلّة، وقف اليمنُ وحيداً كرمزٍ للتضحية، موقِّعاً بدمائه على صفحات الجهاد في سبيل الله، مُرسِلاً رسالةً للتاريخ: “الحقُّ لا يموتُ ما دام هناك من يضحِّي لأجله”.
ولن يكتفيَ اليمنُ بهذا، بل سيظلُّ – بقيادة السيد عبدالملك الحوثي – جاهزاً بكل قواته وإمْكَانياته، فإذا عاد العدوانُ على غزة، عاد اليمنُ بقوةٍ أشدَّ، ليُكرِّسَ مقولته الخالدة: “نحن جندُ القضية.. وسنبقى في الخندق الأول حتى النصر أَو الشهادة”.