بلا هدنة، مرّ عيد الفطر على الفلسطينيين في غزة، وكذلك على اللبنانيين في الجنوب، الذين أصرّوا رغم ذلك على الاحتفال ولو بالحدّ الأدنى، للتأكيد على صمودهم وثباتهم، ومواجهتهم لكلّ التحديات، على الرغم من الحرب التي طوت نصف عام كامل، لم تنجح معه كلّ الوساطات والمبادرات في وضع حدّ للهمجية الإسرائيليّة، وما يتفرّع عنها من مجازر ضد المدنيين، تصل حدّ الإبادة في القطاع الفلسطيني المُحاصَر.


 
وعلى الرغم من المقولة الشائعة بأنّ إسرائيل باتت "في عزلة دولية"، خصوصًا بعد قرارات محكمة العدل الدولية بحقّها، وبعد قول الرئيس الأميركي جو بايدن إنه لا يوافق على استمرار الحرب، مع أنّ مثل هذا القول بقي بلا ترجمة عملية، ولو على شكل "ضغط معنوي"، إلا أن لا شيء على الأرض يوحي بأنّ إسرائيل تستعدّ لوقف حربها في المدى المنظور، ولا سيما أنّها لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها المُعلَنة، وعلى رأسها إنهاء المقاومة.
 
على العكس من ذلك، تمضي إسرائيل في هجماتها ومجازرها، كما فعلت في أول أيام العيد في مخيم الشاطئ في غزة، وتهدّد بتوسيع القتال، كما تفعل في جنوب لبنان، حيث تتصاعد التهديدات بـ"ثمن سيدفعه اللبنانيون"، ما يطرح المزيد من علامات الاستفهام حول مآلات حرب لم تحقّق عمليًا خلال نصف عام سوى تحويل غزة إلى مكان غير صالح للعيش، من دون أن تردع أهلها عن المقاومة بالفطرة، رغم الكلفة الباهظة، والتي لا يتحمّلها إنسان...
 
هدنة العيد.. "سقطت"؟
 
صحيح أنّ المفاوضات لإرساء التهدئة في غزة، والتي يتوقع أن تنعكس تلقائيًا على جبهة جنوب لبنان، لم تتوقف منذ أشهر، في ظلّ جهود "ماراثونية" يقوم بها الوسطاء، خصوصًا في دولة قطر، مع أدوار أساسيّة تلعبها كل من الولايات المتحدة ومصر، إلا أنّ الصحيح أنّها لم تثمر حتى الآن أيّ هدنة يُبنى عليها، فما سُمّيت بـ"هدنة رمضان"، ثمّ أضحت "هدنة نصف رمضان" ومن ثمّ "هدنة العيد"، كلّها بقيت مجرّد حبرٍ على ورق، ولم تبصر النور ولو جزئيًا.
 
حتى القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، من دون أن يصطدم بحاجز "الفيتو" الأميركي المعتاد، ودعا بموجبه إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وسط رهانات على أن يتحوّل وقفًا دائمًا للنار، بقي بدوره "حبرًا على ورق"، بعدما اصطدم بالتعنّت الإسرائيلي، الذي قد لا تكون مخالفة القرارات الدولية بالأمر الجديد على خطّه، ولا سيما أنّ تل أبيب تضرب بعرض الحائط كلّ القرارات والقوانين، مستندة بذلك إلى عدم وجود أي حسيب أو رقيب على أفعالها.
 
وعلى الرغم من الحديث الدائم عن مقترحات تُطرَح هنا أو هناك، وعن تقدّم يتحقّق ولو نسبيًا، تشير كلّ المعطيات المتوافرة إلى أنّ "التباعد في الرؤى" لا يزال يحول دون الوصول إلى الهدنة، ولا سيما أنّ الجانب الفلسطيني يتمسّك بمطلب وقف إطلاق النار، أو بضمانات تفضي إليه على الأقلّ، وهو ما يرفض الإسرائيليون في المقابل تقديمه، ربما لعجزهم عن "تسويقه" أمام الرأي العام الإسرائيلي، بغياب أي "إنجازات" تسمح بطيّ صفحة العدوان.
 
إلى متى؟!
 
على الرغم من هذه الصورة التي تبدو "متشائمة"، والتي قد تقود إلى استمرار الحرب لأشهر طويلة أخرى، وبالتالي إلى إطالة أمد "المأساة الإنسانية" التي تجاوزت حدود "الكارثة"، ثمّة من يراهن على أنّ إنهاء الحرب في غزة بات "مسألة وقت"، وأنّ استمرار المفاوضات من أجل التوصّل إلى هدنة دليل على وجود "رغبة" لدى الجانب الإسرائيلي بطيّ الصفحة، ولو أنه يبحث عن "مَخرَج ملائم"، يخفّف من وطأة انطباع "الهزيمة"، بشكل أو بآخر.
 
يقول العارفون إنّ حسابات واعتبارات عدّة تدفع إلى هذا الاعتقاد، من بينها الموقف الدولي الذي لم يعد مؤيّدًا "بالمطلَق" لآلة الحرب الإسرائيلية، كما كان في الأيام الأولى، حين تبنّت العديد من الدول الغربية للسرديّة الإسرائيلية بلا نقاش، بل أقرّت بما سُمّي بـ"حق" إسرائيل في "الدفاع عن النفس"، بعد عملية "طوفان الأقصى"، ولو أنّ هذه السرديّة تجاهلت سنوات طويلة من الحصار الإسرائيلي الظالم، ومن الحروب "الموسمية" على القطاع الفلسطيني.
 
يلفت هؤلاء إلى أنّ الموقف الغربي بدأ يتغيّر، حيث باتت تُسمَع دعوات صريحة لوقف إطلاق النار، حتى إنّ بعض الدول باتت تعلن، تلميحًا أو جهارًا، استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويشمل هذا التغيّر في الموقف، ولو بصورة نسبية، إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي يقول العارفون إنّها ما عادت قادرة على تحمّل "الضغط" الناتج عن استمرار الحرب، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، التي قد تكون "ثقيلة" على الرئيس الطامح لولاية أخرى.
 
يقول البعض إنّ الحديث عن "انتصار للمقاومة" في غزة لن يكون "سهل الهضم"، في ضوء الصور الكارثيّة للقطاع، الذي يجد سكانه أنفسهم بين قتل وتهجير وتشريد، لا حول ولا قوة لهم، وبينهم من يستشهد وهو يطلب المساعدة، أو نتيجة سوء التغذية. قد يكون هذا البعض محقًا في ذلك، لكنّ الأكيد أنّ المشكلة تبدو موازية في الجانب الإسرائيلي، فما تحقّق لم يكن الهدف من الحرب، ولا يمكن أن يكون، فإلى متى تستمرّ هذه المأساة؟! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: على الرغم من فی غزة

إقرأ أيضاً:

محللون: الانتقادات الإسرائيلية لنتنياهو تعكس شعور الهزيمة في الحرب

القدس المحتلة- حملت الانتقادات التي تشهدها إسرائيل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على خلفية ما تم تسريبه في تل أبيب من بنود ومعلومات عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في طياتها كثيرا من الرسائل بشأن تفاقم الصراعات الداخلية، ومستقبل حكومة نتنياهو، وعلاقتها بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وعكست الانتقادات والهجوم على نتنياهو حالة الصراع الداخلي بالمجتمع الإسرائيلي حيال الفشل في منع الهجوم المفاجئ بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والإخفاق في تحقيق أهداف الحرب على قطاع غزة، والفشل في القضاء على حركة حماس، وتبدد "النصر المطلق" الذي وعد به نتنياهو.

وتعالت الأصوات بالساحة السياسية الإسرائيلية التي اتهمت رئيس الوزراء بالهزيمة، معتبرة أنه تعمد إطالة أمد الحرب، وهو ما كبّد إسرائيل مزيدا من الخسائر، مع رفض نتنياهو خطة الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو/أيار 2024 لصفقة التبادل التي هي مماثلة لبنود الاتفاق المتبلور بهذه المرحلة، والذي قبله بضغط من فريق ترامب.

المحللون في إسرائيل يرون أن نتنياهو (يمين) خضع لضغط من فريق ترامب وقبل اتفاقا كان يرفضه سابقا (الجزيرة)  صراعات داخلية

تتجاوز الانتقادات لنتنياهو، بحسب قراءات المحللين، السجال الداخلي بالمجتمع الإسرائيلي، للتصدع في معسكر اليمين وائتلاف حكومة نتنياهو الذي كان يرى بالحرب التي استبعد منها معسكر المعارضة معركته من أجل تحقيق مشروعه الاستيطاني في كل فلسطين التاريخية.

وأمام الصراعات داخل أحزاب اليمين المشاركة في الحكومة، تذهب قراءات المحللين إلى القول بوجود صعوبات تواجه استمرار ائتلاف الحكومة الحالية، الأمر الذي يضع نتنياهو أمام سيناريوهات وخيارات صعبة بكل ما يتعلق بمستقبله السياسي.

وبحسب سيناريوهات المحللين، قد يلجأ نتنياهو إلى تشكيل حكومة بديلة مع أحزاب المعارضة، وذلك بهدف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي بأنه لا يتحمل بمفرده مسؤولية ما حدث.

إعلان

في هذه الحالة ليس مستبعدا أن يضطر رئيس الوزراء إلى التوجه إلى الخيار الأخير، وهو تفكيك حكومة اليمين المتطرف والتوجه إلى انتخابات مبكرة للكنيست. وذلك يعني، حسب تقديرات المحللين، أن كل الخيارات تعكس صعوبة الوضع الذي يوجد به نتنياهو.

الباحث بالشأن الإسرائيلي أمير مخول: الهجوم على نتنياهو وانتقاده يعكس شعور إسرائيل بالهزيمة وانتكاسة المشروع الاستيطاني (الجزيرة) حرب عبثية

وفي قراءة للانتقادات الداخلية التي توجه إلى نتنياهو، يرى الباحث بالشأن الإسرائيلي أمير مخول أن ذلك يعكس الإدراك الإسرائيلي أن نصف العام الأخير من القتال في قطاع غزة كان بمنزلة حرب عبثية دون أي أهداف واضحة، عدا عن الإبادة الجماعية للفلسطينيين.

وأوضح مخول، الباحث في "مركز التقدم العربي للسياسات"، للجزيرة نت، أن الهجوم الإسرائيلي الداخلي على نتنياهو يشير إلى أن "النصر المطلق" الذي وعد به تبخر وتراجع وما عاد له أي وجود، وهذه الانتقادات تدخل في سياق مرحلة تأسيس لجنة تحقيق رسمية بشأن الخسائر والإخفاقات لإسرائيل، وكذلك بقاء حركة حماس بالحكم في غزة.

وتعكس هذه الانتقادات، بحسب مخول، التقديرات الإسرائيلية بأن نتنياهو ضلّل المجتمع الإسرائيلي وأنه لا يريد القضاء على حماس بل إضعافها، وذلك من أجل عدم خلق أي بدائل لها في غزة، وكذلك استبعاد وجود كيان موحد في القطاع يؤسس لوحدة مع الضفة الغربية، بغية تجنب إقامة دولة فلسطينية بحسب القرارات الدولية.

شعور بالهزيمة

وأشار المتحدث نفسه إلى أن الهجوم على نتنياهو وانتقاده يعكس شعور إسرائيل بالهزيمة وانتكاسة المشروع الاستيطاني سواء في شمال القطاع أو في جنوب لبنان، وهي انتكاسة تفقد إسرائيل عمقها الإستراتيجي وتعزز المقولة إن "إسرائيل هزمت".

وسوّغ مخول مضمون وجوهر هزيمة إسرائيل بتعويل اليمين الإسرائيلي المتطرف على ترامب لتحقيق مشروعه، حيث إن المعلومات المسربة من اتفاق وقف إطلاق النار توحي بانتكاسة حلم اليمين الاستيطاني مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وهو ما تكرر في المشهد اللبناني، فالقوات الإسرائيلية أيضا ستنسحب من جنوب لبنان.

إعلان

ويعتقد الباحث بالشأن الإسرائيلي أن التسريبات حول الاتفاق المتبلور تشير إلى أن قرارات ترامب لا تسير بحسب أجندة نتنياهو وسياساته، ومن ثم فليس من المستبعد أن تكون نهاية حقبة نتنياهو بالذات خلال ولاية ترامب الذي تتناغم إدارته مع طرح وأجندة رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت الذي قد يغير المعادلة بدخول معترك الحياة السياسية مجددا.

وعن تداعيات الانتقادات على مستقبل نتنياهو، يقول مخول "في بداية الحرب كان الشرخ المجتمعي الإسرائيلي بين كتلة نتنياهو والكتلة المناهضة له، لكن في هذه المرحلة انتقل الصراع إلى الائتلاف وداخل كتلته التي ما عادت متماسكة وتشهد صراعات داخلية، سواء على خلفية وقف الحرب والاستيطان في غزة وجنوب لبنان وكذلك ضم الضفة وتجنيد الحريديم".

المحلل السياسي طه إغبارية: ما حدث من وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي كان زلزالا (الجزيرة) ضربات متلاحقة

الطرح ذاته تبنّاه المحلل السياسي طه إغبارية الذي يعتقد أن الانتقادات تعكس حقيقة فشل وإخفاق نتنياهو الذي رفض بالأمس ما يقبل به اليوم، وذلك تحت طائلة الضغط الأميركي، حيث بات واضحا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي خضع لما يطلبه ترامب بهذه المرحلة، وكذلك لمطالبه وسياساته في المراحل المقبلة.

وأوضح إغبارية -للجزيرة نت- أن الهجوم على نتنياهو وانتقاده يصبّ باتجاه أن الرأي العام الإسرائيلي كان يريد إنهاء الحرب والوصول إلى صفقة تبادل في مرحلة مبكرة، وذلك لتجنب إسرائيل المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية والإستراتيجية.

ويرى المحلل السياسي أن هذه الانتقادات تعكس إجماعا بإسرائيل أنها منذ طوفان الأقصى تلقت ضربات متلاحقة من المقاومة الفلسطينية، وتظهر في هذه المرحلة مأزومة وخاضعة لإملاءات ترامب، وتلقت هزيمة مدوية ترغمها على قبول الصفقة واتفاق وقف إطلاق النار المتبلور الذي يأتي في ظل تصاعد ضربات المقاومة للجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة.

إعلان

مرحلة جديدة

ويرى طه إغبارية أن تصاعد وتيرة الانتقادات يؤسس لمرحلة جديدة من شأنها أن تفضي إلى تفكك الحكومة الحالية إن لم يتراجع رئيس الوزراء عن اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، وسط تعاظم التيار بالمجتمع الإسرائيلي الذي يطالب بمحاكمة نتنياهو جراء الإخفاق بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتداعيات هذا الإخفاق بالبعد الإستراتيجي على إسرائيل.

ولفت إلى أن إسرائيل، التي خاضت حربا هي الأطول في تاريخها، تلقت ضربات قوية وكارثية على الصعيد الاقتصادي والأمني والعسكري، إذ إن هذه الانتقادات ستضع كل الإخفاقات على الطاولة لمحاسبة ومحاكمة كل من كان في منصب قيادي عند وقوع الهجوم المفاجئ في يوم "السبت الأسود".

وحيال ذلك، يرى إغبارية أن الحكومة الحالية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة مع التسريبات الإسرائيلية بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، فما حدث من وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي كان زلزالا، بحيث كان بالإمكان وقف الحرب بمرحلة مبكرة وتجنب الهزيمة والخسائر العسكرية الاقتصادية التي ستكون لها تداعيات على مستقبل إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • عاجل. الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار التي دوت وسط البلاد ناجمة عن إطلاق صاروخ من اليمن
  • بعد 15 شهراً من الحرب على غزة.. الحكومة الإسرائيلية تصدق على اتفاق وقف إطلاق النار
  • بن جفير : سنستقيل من الحكومة الإسرائيلية عند التصديق على الصفقة
  • واشنطن .. هدنة غزة ستطبق بشكل كامل رغم التصريحات الإسرائيلية
  • شاهد كيف كان قطاع غزة قبل الحرب الإسرائيلية وكيف اصبح؟
  • العربية لحقوق الإنسان: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الاستحقاق الذي يفرضه القانون
  • خبير علاقات دولية: مصر نجحت في احتواء العراقيل الإسرائيلية وصولا إلى هدنة غزة
  • محللون: الانتقادات الإسرائيلية لنتنياهو تعكس شعور الهزيمة في الحرب
  • احتفالات في غزة على أصداء “القصف الإسرائيلي” الذي لم يتوقف بعد 
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع