مر عيد الفطر على لللاجئين السوريين في لبنان في ظروف صعبة هذا العام، ألغت الفرحة التي ترافق هذه المناسبة.

فقد كان لمقتل المسؤول في القوات اللبنانية، باسكال سليمان، انعكاسات قاسية على السوريين في لبنان.

حيث اختطف سليمان، الأحد الماضي، على يد أفراد عصابة سرقة أغلبهم من الجنسية السورية، ونقلت جثته إلى سوريا عبر الحدود، بحسب ما كشفت الأجهزة الأمنية اللبنانية.

أدى هذا الحادث إلى بروز سلوكيات عنصرية وملاحقات انتقامية واعتداءات عشوائية طالت السوريين في مناطق لبنانية مختلفة، ما نغص على اللاجئين فرحة العيد، وحرمهم من ممارسة تقاليده والاحتفال به كما اعتادوا.

وشهدت مناطق مثل برج حمود وسد البوشرية والجديدة وبشري وجبيل وجونية وذوق مصبح وذوق مكايل وطبرجا وغيرها، في اليومين الماضيين، سلسلة اعتداءات طالت عمالا ولاجئين وأفرادا من بينهم نساء من الجنسية السورية.

كما جرى تحطيم سيارات تحمل لوحات سورية، والهجوم على مساكن يقطنها سوريون، فيما اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي حملات تحريض وبث مكثف لخطاب الكراهية ضد اللاجئين وسط دعوات لترحيلهم. 

وانتشرت مقاطع مصورة توثق الاعتداءات، وأخرى تظهر مجموعات مدنية تتنقل في المناطق وتعطي السوريين مهل زمنية لإخلائها تحت التهديد والوعيد.

كما اتخذت بلديات لبنانية كثيرة إجراءات مشددة قيدت من تحركات السوريين وزادت من التحريض عليهم، وفرضت في بعض الأحيان عليهم حظر تجول شامل غير محدد في توقيته كما فعلت العديد من البلديات، فيما سجل توزيع مناشير مطبوعة تدعو السوريين للمغادرة تتهمهم بتهديد الأمن والسلامة العامة في لبنان.

وفي أحدث المستجدات، أفادت وكالة الإعلام الرسمية في لبنان، الخميس، بأن مجهولين اعترضوا سيارة أجرة تقل سوريين على طريق رياق- القاع الدولية، قرب مفرق بلدة شعث في البقاع الشمالي، وقاموا بخطفهما إلى جهة مجهولة. وتمكن سائق سيارة الأجرة من الفرار من قبضة الخاطفين الذين كانوا يستقلون سيارة رباعية الدفع، فيما فتحت القوى الأمنية تحقيقا لكشف ملابسات الحادث. 

كل ذلك جعل من السوريين في الكثير من المناطق اللبنانية سجناء منازلهم، يعيشون لحظات من القلق والترقب والخوف، ويتوقعون اعتداء أو ملاحقة في كل خطوة يقومون بها، وذلك بالتزامن مع حلول عيد الفطر الأربعاء، الذي ينظر إليه الكثير منهم كمتنفس ومناسبة للاحتفال والتلاقي والهروب من الواقع القاسي والظروف الصعبة التي يعيشونها.

لا عيد.. للكبار والصغار عيد غير سعيد للسوريين في لبنان . أرشيفية

تقول "هدى" (اسم مستعار)، وهي لاجئة سورية تقطن مع عائلتها في منطقة برج حمود، فضلت عدم الكشف عن هويتها خوفا من أي تداعيات، إن هذا العام "لم يكن هناك أي عيد"، وبدلا من الفرح والاحتفال حل الخوف والقلق والترقب. 

وتضيف في حديثها لموقع "الحرة"، أن "يوم العيد كان بالنسبة لنا بمثابة سجن"، حيث لم تتمكن وعائلتها من زيارة الأقارب وإقامة جولات "المعايدة" المعتادة في مثل هذا اليوم، "كل الأحاديث كانت عن حظر التجول ودعوات الترحيل وإنذارات الإخلاء، "هذا الواقع حرمنا البهجة التي ننتظرها من عام إلى آخر في مثل هذا اليوم". 

وتتابع "هربنا إلى لبنان بحثا عن الأمان والاستقرار الذي كنا نعيشه قبل الحرب في سوريا، فوجدنا في المقابل الخطر والأذى والاعتداءات تلاحقنا".

لم تفسر هدى لأولادها سبب منعهم من الخروج والتنزه يوم العيد، كما اعتادوا، وذلك لحمايتهم من التفكير والقلق حول المخاطر التي قد يتعرضون لها، "كانوا ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر طيلة شهر رمضان، لكنهم وبسبب هذه الظروف "حرموا من هذه البهجة النادرة، حيث كان العيد الفرصة المتاحة للترفيه". 

تلتزم هدى وعائلتها المنزل من دون أن يعلموا إلى متى، "ننتظر الفرج ولا نعرف كيف سيكون شكله أو موعد قدومه"، بحسب ما تقول، بينما يسيطر الخوف على كل مشاعرهم، بعد كل ما شهدوه من اعتداءات وضرب وشتائم في الشارع طالت أشخاص لمجرد أن جنسيتهم سورية، وتضيف "حتى في المنزل التوتر سائد والخوف في أي لحظة أن يقتحم أحد منزلنا أو يتهجم علينا أو يطردنا ونصبح في الشارع دون مأوى، أو حتى أن يرحلوننا".

أما المشكلة الأكبر بالنسبة إلى هدى أنه "لا ذنب لنا بكل ما يحصل، ما من أحد سعى أو تمنى أن يحصل ما حصل، ومع ذلك نحن من يدفع الثمن، ونسجن في منازلنا ونحرم فرحة العيد".

أما أدهم (اسم مستعار)، فلم يستطع حتى البقاء في منزله الكائن في منطقة جبيل، حيث التوتر على أشده، بكون القيادي في القوات اللبنانية كان مسؤولا في منطقة جبيل نفسها، وسجل فيها الاحتقان الشعبي الأكبر، حيث اضطر للمغادرة على وقع التهديدات والاعتداءات إلى مدينة طرابلس، ومثله فعل الكثير من اللاجئين ممن لم تتح لهم حتى فرصة توضيب أمتعتهم قبل الهروب من المنطقة، وفقما يقول. 

يتشارك مع هدى قصة حرمانه وعائلته من أجواء العيد، ويضيف في حديثه لموقع "الحرة" أنه ومن معه ملتزمون تماما بقرارات البلديات والسلطات لناحية منع التجول، لكنه يسأل "ما ذنب كل السوريين بما ارتكبه أفراد من جنسيتهم؟ السوريون في لبنان يصل عددهم إلى مليون ونصف، لماذا نحاسب عن عصابة لم يتجاوز عدد افرادها السوريين الـ10؟ هذا أمر لا يجوز ولا يقبله أحد، هذا ظلم كبير".

إعلان مقتل مسؤول "القوات اللبنانية".. والجيش يوقف أفراد "عصابة سورية" أكدت الحكومة اللبنانية مقتل المسؤول في حزب "القوات اللبنانية"، باسكال سليمان، الذي أعلن اختطافه في وقت سابق، وقال بيان للجيش إن عصابة سورية وراء هذه الجريمة

ويتابع "لماذا لم ينتقم أحد من مشغليهم وحماتهم اللبنانيين في العصابة؟ مع ذلك نحن نخضع للسلطات لأننا لا نريد خلق المشاكل لأنفسنا، كل ما نريده هو العيش بسلام وامان مع عائلاتنا، ولو أتيح لنا الهجرة إلى مكان آخر لما بقينا في لبنان للحظة واحدة".

يستنكر أدهم أعمال السرقة والخطف والقتل ويحمل الأجهزة الأمنية مسؤولية ضبطها، كما ضبط ردود الأفعال الانتقامية بسببها، داعيا إلى محاسبة المعنيين مباشرة والاقتصاص منهم وليس من جميع السوريين في البلد، محذرا من احتمالية أن يكون هناك من يسعى لفتنة بين اللبنانيين والسوريين. 

مزيد من التحريض.. ودعوات لخفضه بسام المولوي دعا إلى فرض مزيد من القيود على اللاجئين

يذكر أن الأجهزة الأمنية اللبنانية كانت قد أعلنت عن توقيف نحو 9 أفراد من الجنسية السورية على علاقة بعملية القتل التي حصلت، فيما لم يعلن في المقابل عن أي إجراءات أو ملاحقات من ناحيتها للمعتدين على السوريين في الشوارع، على الرغم من أن العديد من المقاطع المصورة أظهرت بوضوح هويتهم، وحدها دوريات للجيش اللبناني سجلت حضورها في الشوارع والمناطق الأكثر احتقانا وتوترا وعملت على فتح بعض الطرق المقطوعة وفضت التجمعات. 

في حين دعا وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي عقب اجتماع مجلس الأمن المركزي على إثر الأحداث إلى "فرض مزيد من القيود والتقييد على اللاجئين السوريين"، مشددا على أن الوجود السوري في لبنان "يجب أن يكون محدودا"، مذكراً في حديثه بجرائم وتجاوزات أخرى كان المتهم فيها أفراد سوريين، الأمر الذي اعتبره نشطاء حقوقيون يحمل مزيدا من الوصم والتحريض على اللاجئين السوريين من قبل الجهات الرسمية في لبنان، في وقت كانت قد انخرطت العديد من الأحزاب اللبنانية السياسية في بث التحريض وخطاب الكراهية والدعوى لترحيل السوريين عن لبنان. 

في هذا السياق، أدانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان بشدة مقتل المواطن اللبناني باسكال سليمان وأعربت في تصريح لموقع "الحرة" عن حزنها العميق إزاء هذه الجريمة، مؤكدة على أهمية أن يأخذ التحقيق الرسمي مجراه. 

ودعت الحكومة والسلطات اللبنانية للحفاظ على الهدوء وضبط النفس في ظل الوضع الأمني المتوتر أصلا في لبنان. 

وفي تعليقها على استهداف السوريين في مناطق مختلفة ودعوات الإخلاء الجماعي قالت المفوضية أن تلك الممارسات خلقت حالة من الذعر بين العائلات السورية في لبنان، معلنة عن مراقبتها لهذه التطورات عن كثب ومتابعتها لحالات الذين أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء أو العنف أو الإخلاء.

وإذ أبدت تفهمها لحالة الحزن والغضب الشعبي في لبنان، شددت على ضرورة السماح للإجراءات القضائية بأخذ مجراها الطبيعي، داعيةً المجتمعات اللبنانية إلى "الامتناع عن إلقاء اللوم بشكل جماعي وظالم على الأفراد السوريين وحمايتهم من الاستهداف بسبب جريمة شنعاء لم يرتكبوها".

فرانس برس: إيقاف 7 أشخاص يشتبه ارتباطهم بمقتل باسكال سليمان أكّد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، بسام مولوي، خلال اجتماع استثنائي لمجلس الأمن المركزي انعقد للبحث في قضية مقتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية، باسكال سليمان، أن جريمة قتل باسكال سليمان "ارتكبها سوريون".

بدوره يرى رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر أن اللجوء السوري في لبنان، يمثل إشكالية كبيرة في المجتمع اللبناني، خاصة وان عدد اللاجئين يتراوح ما بين مليون ونصف ومليونين، بحسب الإحصاءات، ما يفوق طاقة الدولة اللبنانية وقدرة اقتصادها على التحمل. ويضيف "لكن ذلك لا يعني أن كل مشاكل لبنان بسبب اللاجئين السوريين".

حملات التحريض الممنهجة التي يقوم بها بعض السياسيين والأحزاب حولت بحسب الأسمر السوريين في لبنان إلى "كبش محرقة" لجميع المشاكل، وهو ما يخلق الاحتقان السائد في الشارع، "ويجري تنفيسه بالشكل الذي نراه اليوم مع كل مناسبة في وجه السوريين بالمطلق".

وتابع أن ما حصل عقب مقتل سليمان، "هو نتيجة هذا المسار من التحريض الذي استخدم طويلا لحرف الأنظار عن حقيقة الأزمات المتتالية التي يعيشها لبنان"، مؤكداً أنه ليس ذنب أي مجموعة أو مجتمع أو جنسية في ما يرتكبه أفراد منهم، يضرب مثلا بالجالية اللبنانية الكبيرة الموجودة في دول عدة حول العالم متسائلا "هل يجوز تحميلهم مسؤولية تصرفات فردية لبعض اللبنانيين؟" معتبرا أن هذه "المقاربة الشعبوية" التي يسوق لها مسؤولون لبنانيون عن غير دراية بتداعياتها في سبيل "خطيرة جدا".

تشديد أمني في لبنان . أرشيفية

ولفت الأسمر إلى الغياب التام للأجهزة الأمنية اللبنانية عن معاقبة "من نراهم ينفذون التحريض والاعتداءات بالعين المجردة وتوثق هويتهم الفيديوهات المنتشرة" واصفا الأزمة الحالية بكونها "أخطر من تركها للمقاربات الشعبوية"، ومطالبا باستراتيجية جدية من قبل الدولة اللبنانية لإيجاد حلول تحمي اللاجئين المعرضين لخطر سياسي في حال ترحيلهم إلى سوريا، وتوفير آلية مسهلة لمن يريد العودة طوعا. 

واجب الدولة إن ارادت الاستقرار في لبنان، بحسب رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، أن تبدأ بإيجاد آليات لتخفيف الاحتقان والخطاب العنصري والتحريضي ضد السوريين، "في حين أن جميع المسؤولين يعلمون أن مفتاح الحل هو الاستقرار في سوريا الذي من شأنه حل مشكلة اللجوء في لبنان، وبالتالي المطلوب دفع الدولة السورية لخطوات جريئة وجدية لضمان أمن وسلامة العائدين إلى سوريا، وهذه مسؤولية الدولة السورية والمجتمع الدولي، والحل ليس بالتحريض على الأبرياء وجعل الضحية ضحية مرتين".

وأصدرت القوات اللبنانية الخميس بيانا عقب الأحداث المسجلة، استنكرت فيه "التعديات الهمجية التي يتعرض لها بعض السوريين"، داعية في الوقت نفسه السلطات اللبنانية إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، معتبرة أن "الأمن في سوريا استتب، وبإمكان جماعة النظام ومعارضيهم العودة إلى المناطق العائدة للنظام والمعارضة، وبالتالي لا حجة إطلاقا لاستمرارهم في لبنان".

وأكد البيان أن المطالبة بعودة اللاجئين السوريين "أصبحت أكثر إلحاحا، بعدما أصبح واضحا حجم عدد الأعمال الإجرامية والمخلة بالأمن التي يقوم بها البعض منهم، ولكن "القوات" تشدد في الوقت نفسه بإن المطالبة بعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم شيء، والتصرف بحقد وهمجية شيء آخر مختلف تماما. فالتصرفات التي نراها على بعض مواقع التواصل وبعض الممارسات التي نشهدها على الأرض مرفوضة من جهة، ومريبة في الشكل والمضمون والتوقيت من جهة أخرى".

من ناحيته استنكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، الاعتداءات التي تجري بحق اللاجئين السوريين في الأراضي اللبنانية "من قبل بعض الحاقدين والمأجورين" على خلفية حادثة مقتل قيادي بحزب القوات اللبنانية على أيدي سوريين ، معتبرا أن ذلك "لا يبرر أبدا الاعتداءات التي تجري بحق السوريين الذين هم ضحية الظلم الذي دفعهم باللجوء إلى لبنان ودول الجوار"، محملاً مسؤولية أمن وسلام السوريين للسلطات اللبنانية.

توتر بلبنان بعد خطف مسؤول حزبي.. وتوقيف متورطين في العملية أثارت عملية خطف منسق قضاء جبيل في حزب القوات اللبنانية، باسكال سليمان، أثناء عودته من تقديم واجب عزاء، في بلدة الخاربة، مساء الأحد، ضجة في لبنان

كما دان المرصد السوري تحريض بعض السياسيين في لبنان على اللاجئين السوريين وتحميلهم مسؤولية الأزمة اللبنانية المتفاقمة، مؤكدا أن اللاجئين السوريين في لبنان لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم بسبب المخاوف الأمنية واعتقالهم من قبل سلطات النظام ، معتبرا أن "الحل الوحيد لعودتهم هو أن يكون هناك وطن ديمقراطي في سورية يكفل حقوق جميع أبناء الشعب السوري".

كما دعى المرصد إلى محاكمة المرتكبين من الجنسية السورية "محاكمة عادلة أمام قضاء لبناني عادل ونزيه".

وكشف رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في تصريحات إعلامية الخميس عن "حل مهم جدا جدا يعمل عليه في ملف النزوح السوري"، على أن يكشف عنه في آخر شهر أبريل الجاري، دون تقديم تفاصيل إضافية".

وأضاف ميقاتي "سبق وطرحت حلول وخطط في ملف النازحين وكلها لم توضع موضع التنفيذ اما اليوم فإن الحلول هي للتطبيق".

من جهته، كشف وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين الخميس عن وجود "خطة لإعادة النازحين السوريين بانتظار وضع الآلية لها"، مشيرا في حديث إذاعي إلى أن "القافلة ستنطلق باتجاه سوريا بعد عيد الفطر"، بغض النظر عن المواقف الدولية في هذا الشأن. 

وأشار إلى ان المؤتمر الخاص باللاجئين السوريين الشهر المقبل "سيتضمن مطالب لبنان التي لن تقتصر على المساعدات المالية بل بالمطالبة بعودة النازحين، لما يمثلونه من خطر على الكيان اللبناني".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: من الجنسیة السوریة اللاجئین السوریین السوریین فی لبنان القوات اللبنانیة باسکال سلیمان على اللاجئین من قبل

إقرأ أيضاً:

الغارات الإسرائيلية جعلت صور اللبنانية مدينة أشباح / سوسن كعوش

#الغارات #الإسرائيلية جعلت #صور_اللبنانية #مدينة_أشباح

#سوسن_كعوش

صحفية فلسطينية

أصبح دوي الانفجارات وما يعقبه من تصاعد أعمدة الدخان الأسود الناجم عن الحرائق والدمار الذي تحدثه الغارات الجوية الصهيونية، لا يفارق سماء مدينة صور اللبنانية الساحلية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتحول المدينة الجميلة إلى أطلال قديمة، وهجر الناس والصيادين شواطئ المدينة التي تحولت بفعل العدوان الصهيوني إلى مدينة أشباح.

مقالات ذات صلة نعم سنقسو على المنتخب من محبتنا لهم 2024/11/20

صور المدينة اللبنانية واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكل مستمر في العالم وتضم مواقع أثرية مهمة، حولتها أيادي الغزاة إلى ساحة حرب.

صور المدينة الخلابة التي هجرها معظم سكانها إلى أماكن أخرى يحملون مخاوفهم من أن أي مكان في لبنان لم يعد آمنا بعد توسع جغرافية القصف المدفعي، والغارات التي تشنها الطائرات الحربية الصهيونية غي أكثر من مكان، وبالتالي تؤدي إلى موجات نزوح جديدة للسكان الآمنين الذين يخشون أن يواجهوا دماراً يشبه الدمار الذي أحدثه الكيان الصهيوني في قطاع غزة.

في صور، لا يوجد سوى النازحين والعاملين الطبيين. أولئك الذين بقوا هنا موجودون هنا لأنهم لا يستطيعون المغادرة. لم تعد صور تتمتع بأي من هدوء المنتجع الصيفي. يبدو الهدوء أشبه بمقدمة للمأساة.

في الطريق إلى صور، يزيد الدخان المنبعث من غارة جوية على تلة من هذا الشعور، تماماً مثل الحفرة التي تستقبلك عند مدخل المدينة الجنوبية. ليست هذه المرة الأولى التي تخلو فيها الشوارع في صور رابع أكبر مدينة في لبنان، التي عانت من الحروب الحديثة والقديمة، حيث كانت مأهولة بالسكان منذ العصر البرونزي.

لا يوجد أحد خارج مباني المدينة. قبل أيام قليلة، لم يكن بإمكانك التحرك في هذه الشوارع بسبب ازدحام السيارات، ولكن الآن لم يبق فيها روح. بالقرب من المباني السكنية التي تحولت إلى أنقاض في مدينة صور تحمل الأسر المتعبة والخائفة أمتعتها في سيارات وسط الزجاج المكسور والحطام. ويكدسون بعض الأمتعة التي انتشلوها من تحت ركام منازلهم على سقف السيارات.

لقد مزقت الغارات واجهات المباني المحيطة، وكشفت عن أنابيب الحمامات والمطابخ بالكامل في الهواء الطلق. كانت المتعلقات الشخصية متناثرة في كل مكان – أحذية، وصور، وألعاب أطفال، أواني المطبخ، وملابس.

شواطئ مدينة صور الخلابة خالية من الناس. في الشهر الماضي فقط، كان خبراء الحفاظ على البيئة يساعدون السلاحف البحرية المهددة بالانقراض على وضع بيضها على طول الساحل، ولكن منذ ذلك الحين، حذر الجيش الإسرائيلي من الأنشطة البحرية، قائلاً إنها قد تكون مستهدفة.

يقوم الجيش الإسرائيلي بأصدر أوامر بالإخلاء لمناطق في المدينة، مدعيًا وجود أصول لحزب الله في المنطقة دون توضيح أو تقديم أدلة. واستهدفت ضربات المعتدي الصهيوني عدة مواقع تراثية، بما في ذلك ميدان سباق الخيل ومجموعة من المواقع الساحلية المرتبطة بالفينيقيين القدماء والصليبيين. وتسببت الهجمات في دمار هائل وأضرار جسيمة في المنازل والبنية التحتية، والمباني، والمتاجر، والسيارات. والكثير من مباني المدينة سويت بالأرض بالكامل وتضررت الكثير من الشقق في محيطها.

يشعر ما تبقى من سكان المدينة بالقلق للغاية. متخوفين من أن الوضع قد يكون مثل غزة، وأن تصدر إسرائيل المزيد من أوامر الإخلاء التي ستجبرهم على مغادرة مسقط رأسهم ومدينتهم التي يحبوها.

رئيس بلدية صور حسن دابوق يقول إن ربع سكان المدينة فقط بقوا، ويخشى الكثيرون أن الدمار الذي لحق بقطاع غزة الفلسطيني قادم إليهم أيضاً. ويضيف إنهم نفس الأشخاص، نفس الحرب، نفس العقلية، نفس المسؤولين الصهاينة، مع نفس الدعم من الأميركيين والأوروبيين. العناصر هي نفسها، فلماذا يكون الأمر مختلفاً في لبنان؟

كانت ترسو في ميناء صور عشرات السفن. وكانت هذه المنطقة تعج بالنشاط عادة حيث كان الصيادون يحضرون صيدهم لبيعه للتجار، لكنها الآن هادئة بشكل مخيف. ويمكن ملاحظة عدد قليل من الصيادين يمرون، ليس للصيد، ولكن للتحقق من قواربهم. وأغلقت المحلات التجارية والمطاعم، وكانت الثلاجات التي كانت تحتوي على الأسماك الطازجة فارغة ومغلقة.

لم يبق سوى أولئك الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه وأولئك الذين شعروا بواجب البقاء. قالت إحدى سكان صور إنها تفضل البقاء في مسقط رأسها على الموت كلاجئة. لقد خلقت الحرب فراغاً هنا – امتصت الحياة من هذه المدينة القديمة الفخورة بأطلالها الرومانية وشاطئها الرملي الذهبي. الشوارع خاوية، والمحلات مغلقة. والشاطئ مهجور. والنوافذ تهتز بفعل الغارات الجوية الإسرائيلية.

اختار بعض الأطباء في مستشفى جبل عامل، البقاء. وهو واحد من ثلاثة مستشفيات فقط لا تزال تخدم جنوب لبنان. ويمكن رؤية الفرش والمتعلقات الشخصية ملقاة في ممرات المستشفى. ولإقناع بعض موظفيه بالبقاء، سمح مروة لهم بالعيش هناك مع عائلاتهم.

ومثل المدينة نفسها، لم يبق في المستشفى سوى ربع أطباء المستشفى. كما بقي أكثر من ثلث الممرضات. ولكن مع استمرار العدوان، يجهز المستشفى ويستعد للأسوأ. حيث إن هناك أنماطًا مقلقة في تصرفات الجيش الإسرائيلي في لبنان تشبه غزة، وخاصة فيما يتعلق باستهداف عمال الإغاثة والأطباء والمستشفيات. وتقول لبنان إن 13 من مستشفياتها وأكثر من 100 منشأة صحية أخرى أصبحت خارج الخدمة بسبب الضربة الإسرائيلية.

مدينة صور التي كان يعيش فيها ما لا يقل عن 50 ألف شخص، وهي مدينة نابضة بالحياة موطن للمسيحيين والمسلمين. عمرها 2500 عام، وتقع على بعد حوالي 80 كيلومترا (50 ميلا) جنوب العاصمة بيروت، صامدة في وجه العدوان الصهيوني الغاشم. ويرى أهلها الذين يشعرون بالغضب والحزن أن هذه الضربات الإسرائيلية محاولة لضرب الروح المعنوية للناس. ويقول الباقون في المدينة: إذا غادر الجميع، فلن يبقى أحد. هذا جزء من مقاومتنا.

صور المدينة الفينيقية العظيمة التي حكمت البحار وأسست مستعمرات مزدهرة مثل قادس وقرطاج، ووفقاً للأسطورة، كانت مكان اكتشاف الصبغة الأرجوانية سوف تعيد صباغ وجه المدينة بالسلام والفرح بالانتصار على برابرة القرن الواحد والعشرين.

مقالات مشابهة

  • بهاء الحريري: الاستقلال الحقيقي لا يأتي بالتسويات بل بالعمل
  • الغارات الإسرائيلية جعلت صور اللبنانية مدينة أشباح / سوسن كعوش
  • شغب الملاعب يحاصر وزير الرياضة بعد أحداث مباراة هوارة وتزنيت
  • “البديوي”: نشيد بالجهود التي تبذلها وزارات الدفاع بدول المجلس لتبادل الخبرات والتجارب
  • وزير الداخلية يكشف عن آخر تحديث لأعداد السوريين في تركيا
  • هوكستين يشير إلى "نقطتي خلاف" في اتفاق وقف الحرب اللبنانية
  • سليمان في ذكرى الاستقلال: لاتفاق نهائي يضمن تحييد لبنان عن صراعات المحاور
  • رئيس حزب القوات اللبنانية والمبعوث الأمريكي يبحثان مفاوضات وقف إطلاق النار
  • إجبار اللاجئين في ألمانيا على العمل.. ما العوامل التي تؤثر في تنفيذ القانون؟
  • شاهد: الاحتلال يحاصر منزلا ويقصفه بـ "الانيرجا" في قرية مثلث الشهداء بجنين