الاستقامة والمداومة على الطاعة
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
الاستقامة اسم جامع لكل معانى الانضباط السلوكى والأخلاقى، وهى نقيض الاعوجاج والانحراف والخروج عن طريق الجادة، فإذا قيل: فلان مستقيم فهى كلمة جامعة لكل معانى الصلاح والانضباط دينيًّا وفكريًّا ومجتمعيًّا وسلوكيًّا، وقد سأل سيدنا سفيان الثقفى (رضى الله عنه) النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، قل لى فى الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: «قل آمنت بالله، ثم استقمض», ويقول الحق سبحانه وتعالى مخاطبًا نبينا محمدًا (صلى الله عليه وسلم): «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ».
ولأهمية الاستقامة فى حياتنا كان ذكرها فى فاتحة الكتاب التى يقرأها المسلم فى صلاته سبع عشرة مرة فى الصلاة المفروضة فقط كل يوم وليلة، داعيًا ربه (عز وجل) فى كل صلاة فرض أو نفل: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»، والصراط المستقيم هو صراط الله (عز وجل)، حيث يقول سبحانه مخاطبا نبينا (صلى الله عليه وسلم): «وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ أَلَا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ».
وجزاء المستقيمين عند الله (عز وجل) جد عظيم، حيث يقول الحق سبحانه: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا»، ويقول سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، ويقول سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخرةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ».
على أن مفهوم الاستقامة لا يتجزأ، فلا يوصف بالمستقيم من استقام فى شئون العبادات، وقصر فى حقوق الناس فى باب المعاملات، كما لا يمكن أن يوصف بالاستقامة من حافظ ظاهرًا على الصلاة والصيام ولم يؤد حق العمل الذى كلف به، أو أخذ يتحايل على التفلت منه أو عدم الوفاء بحقه، أو عدم مراقبة الله (عز وجل) فيه.
وهل يمكن أن يوصف بالمستقيم مدمن أو عاق أو غشاش أو محتكر أو كذاب أو منافق أو محتال أو آكل للسحت، أو ظالم، أو نمام أو مغتاب.
إن الاستقامة تعنى أول ما تعنى الوفاء بحق الله وحق الخلق وحق النفس، والتحلى بمكارم الأخلاق التى هى لب لباب الدين، والتى هى غاية بعثة ورسالة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) الذى قال ملخصًا الهدف الأسمى لرسالته: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
كما تعنى المداومة على الطاعة، فما استقام حق الاستقامة من اجتهد فى الطاعة فى رمضان وقصر فى غيره من الشهور والأيام، فمراقبة الله (عز وجل) فى رمضان تعنى دوام مراقبته وطاعته فى كل وقت وحين، فمن علامات قبول الطاعة الطاعة بعدها، ومن ثمة كان صيام ست من شوال إثر صوم رمضان كصيام الدهر، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر».
وزير الأوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الاستقامة والمداومة على الطاعة أ د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف حقوق الناس الله عز وجل صلى الله علیه وسلم عز وجل
إقرأ أيضاً:
هل التأمين على السيارات حلال أم حرام؟.. الإفتاء تكشف
كشفت دار الإفتاء المصرية، حكم التأمين على السيارات، مشيرة إلى أنه جائزٌ شرعًا؛ لأنه في حقيقته تبرعٌ وليس معاوضةً ولا ضريبةً تحصل بالقوة، بل هو من التكافل والتضامن والتعاون على البر في رفع ما يصيب الأفراد من أضرار الحوادث ونحوها، مستشهدة بقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
هل يجوز إخراج زكاة المال طعام للفقراء؟.. أمين الإفتاء يجيب
هل يجوز للفتاة صلاة قضاء الحاجة للزواج من شخص معين؟.. الإفتاء توضح
ما التناجي الذي نهى عنه الرسول ومتى يجوز؟.. الإفتاء تجيب
هل تُقبل الصدقة من مال مصدره حرام؟.. الإفتاء توضح الفرق بين التصدّق وتبرئة الذمّة
وسبق لـ دار الإفتاء المصرية أن أصدرت فتوى في شأن التأمين ونصت على :
لما كان التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملاتِ المستحدثةِ التي لم يرد بشأنها نصٌّ شرعيٌّ بالحلِّ أو بالحرمة شأنه في ذلك شأن معاملات البنوك فقد خضع التعامل به لاجتهادات العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى» رواه البخاري، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في هذا الباب.
والتأمين على ثلاثة أنواع:
الأول: التأمين التبادلي: وتقوم به مجموعة من الأفراد أو الجمعيات؛ لتعويض الأضرار التي تلحق بعضهم.
الثاني: التأمين الاجتماعي: وهو تأمين من يعتمدون في حياتهم على كسب عملهم من الأخطار التي يتعرضون لها، ويقوم على أساس فكرة التكافل الاجتماعي، وتقوم به الدولة.
الثالث: التأمين التجاري: وتقوم به شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض.
والنوع الأول والثاني يكاد الإجماع أن يكون منعقدًا على أنهما موافقان لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ لكونهما تبرعًا في الأصل، وتعاونًا على البر والتقوى، وتحقيقًا لمبدأ التكافل الاجتماعي، والتعاون بين المسلمين دون قصدٍ للربح، ولا تفسدهما الجهالة ولا الغرر، ولا تعتبر زيادة مبلغ التأمين فيهما عن الاشتراكات المدفوعة ربًا؛ لأن هذه الأقساط ليست في مقابل الأجل، وإنما هي تبرع لتعويض أضرار الخطر.
أما النوع الثالث: وهو التأمين التجاري ومنه التأمين على الأشخاص فقد اشتد الخلاف حوله واحتد: فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع من التعامل حرامٌ؛ لما يكتنفه من الغرر المنهي عنه، ولما يتضمنه من القمار والمراهنة والربا، يرى فريق آخر أن التأمين التجاري جائز وليس فيه ما يخالفُ الشريعةَ الإسلامية؛ لأنه قائم أساسًا على التكافل الاجتماعي والتعاون على البر، وأنه تبرعٌ في الأصل وليس معاوضة، واستدل هؤلاء الأخيرون على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص في الكتاب والسنة وبأدلة المعقول.
أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، فقالوا: إن لفظ العقود عامٌّ يشمل كل العقود ومنها التأمين وغيره، ولو كان هذا العقد محظورًا لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحيث لم يبينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن العموم يكون مرادًا ويدخل عقد التأمين تحت هذا العموم.
وأما السنة فقد روي عن عمرو بن يثربي الضَّمْرِيِّ قال: شهدتُ خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنًى، وكان فيما خطب: «وَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» رواه أحمد، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طريق حل المال أن تسمح به نفس باذله من خلال التراضي، والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مال بطريق مخصوص فيكون حلالًا.
ومن المعقول: أن التأمين وهو تبرعٌ من المؤمِّن؛ حيث يتبرع بالقسط المدفوع، وتبرع من جهة أخرى من الشركة؛ حيث تتبرع بقيمة التأمين، وذلك على سبيل توزيع المخاطر والتعاون على حمل المبتلى لا يشتمل على منهي شرعًا.
كما استدلوا أيضًا بالعرف فقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، والعرف مصدرٌ من مصادر التشريع كما هو معلوم، وكذا المصلحة المرسلة، كما أن بين التأمين التجاري والتأمين التبادلي والاجتماعي المجمع على حلهما وموافقتهما لمبادئ الشريعة وجوه شبه كثيرة، مما يسحب حكمهما عليه فيكون حلالًا.