بوابة الوفد:
2025-02-23@20:50:18 GMT

الإمام والتّصوُّف (٣)

تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT

إذا نحن بحثنا عن تجسيد حقيقى كامل مُكمّل لكلمة (اليقين) كما تجسّدت فى الواقع الإسلامى الفعلى فخيرُ من يجسّدها حقيقةً وفعلاً هو الإمام على رضوان الله عليه، لقد ملأ الإسلام قلبه فإذا الدين الذى ينتمى إليه يملك عليه أقطاره بالكليّة، فلا يفكر فى غيره ولا تُنازع العقائد السابقة قلبه فى شيء، بل الإسلام وكفى على شِرْعة الحُب والجهاد والتبتل وليس قبله ولا بعده دين سابق ولا عقيدة متقدّمة.

 
قلبُ الإمام الذى ملأه الدين الجديد يقيناً امتلأ كذلك بالحب والعزم والجهاد والتبتل، فكان قلباً فى التّوجُّه للملأ الأعلى خالصاً بكل ما تحمله كلمة الإخلاص من معنى، فكما كان اليقين يشمله ويحتويه فعلاً فكذلك كان الإخلاص النقى عن شوائب الكدورة، الصافى عن أخلاط الشرك وبقايا الزندقة يضمّه ويشمله ويستقر فيه، ويشكّل مع اليقين والحب والجهاد والتبتل شخصية ممتازة فى الخصائص العليا مُثلى فى السجايا الظاهرة والباطنة. 
ولم يكن الدين الجديد يعرف قط أصدق إسلاماً من على، ولا أعمق نفاذاً فيه. كان على مع كل صفات الصدق والخير والإخلاص واليقين التى تجسّدت فيه وتكاملت، عابداً يشتهى العبادة كأنها رياضة تريحه وليست أمراً مفروضاً عليه، وتلك أسمى مراقى الجهاد، فبين التصوف والمجاهدة، عُرى وثيقة لا تنفصم أبداً، فلا يكون جهادٌ فى ميادين الحياة الشريفة إلا وقد بذرت فيه بذور التصوف، وقد كان الإمام على يُرى فى كهولته وكأنما جبهته ثُفْنة بعير من إدمان السجود، ومثل هذا كان ظاهر جداً فى الحسين وفى السّجّاد، إذ أُطلق عليه أبو الثُفنات. 
العبادة الشديدة والتبَتّل العميق هما شيمة أهل البيت بغير مُنَازَع، وكذلك العلم والفقه، وهى خصائص علويّة بامتياز؛ فلم يكن أقدر من على فى صدر الإسلام علماً وفقهاً، ولم يكن أفضل منه عبادة وتبتلاً وعملاً، يكفى أن يقال أن فتاواه كانت مرجعاً للخلفاء والصحابة فى عهود أبى بكر وعمر وعثمان، وندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له فيها رأى وجيهٌ يؤخذ به أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء. 
ولم تكن مسائل العبادة والتبتل بأقل من مسائل العلم والفقه وهما أشهر ما اشتهر فيها بالحجة الدامغة والرأى السديد. ولكن العبادة أمر باطن بين العبد وخالقه، ولا رقيب فيه على المرء سوى ضميره، وليس عليه من سلطان سوى ما تقرّر لدينا سلفاً من يقين الإيمان، ولا إيمان مع فراغ الضمير من فحوى اليقين، ولا يقين مع فقدان الدين القيم وفقدان اليقين منه. 
أمّا العلم فشواهد وقرائن وأدلة وافية، براهين وأحكام غير أنها ظهرت لدى الإمام لمّا أن استنبط الأصول الأولى لعلوم العقائد والكلام والحكمة، فكان على التحقيق أبو علم الكلام فى الإسلام كما ذكرنا فيما تقدَّم من مقالات؛ لأن المتكلمين أقاموا مذاهبهم على أساسه كما قال ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة. ومعلوم من طريق الأسانيد المتصلة أن واصل بن عطاء كبير المتكلمين، تلميذ أبى هاشم بن عبدالله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميذ على رضى الله عنه. وأمّا الأشعريّة؛ فإنهم ينتمون إلى أبى الحسن على بن أبى الحسن على بن أبى بشر الأشعرى، وهو تلميذ أبى على الجبائى، وأبو على الجبائى أحد مشايخ المعتزلة الذين علّمهم واصل بن عطاء. أمّا الفقه، فإمامه الأكبر أبوحنيفة قرأ على جعفر بن محمد، وجعفر بن محمد قرأ على أبيه. وقد قرأ مالك بن أنس على ربيعة الرأى، وقرأ ربيعة عن عكرمة، وقرأ عكرمة على عبدالله بن عباس، وقرأ عبدالله بن عباس عن عمّه على بن أبى طالب، وهكذا ينتهى أمر الفقه وعلم الكلام، كما انتهى أمر التصوف، إلى على رضوان الله عليه؛ الأمر الذى يتأكد فيه أن جذور العلوم الإسلاميّة الأصيلة ترتد إلى الإمام على وتتأسس على استنباطاته وأذواقه. وعندى أن هذا هو المضمون الدينى الإسلامى ولا ريب، يعتمد الثقافة الذاتية الخاصّة خصوصية القرآن نفسه وخصوصية التعاليم النبويّة الشريفة المنزّهة عن الكذب والمُجرّدة عن التلفيق. 
ولن تقوم للمسلمين قائمة ما لم يمتثلوا طريق الأوائل ويتحرّوا مسالكهم فى الفهم والتحقيق ويرتقوا مراقيهم فى المعرفة والإنصاف بعيداً عن الدعوات الممجوجة التافهة التى جهّلتهم بثوابتهم وقدحت فى قيمهم الروحيّة والفكريّة، ولا تزال. (وللحديث بقيّة).
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم بن أبى

إقرأ أيضاً:

وداعًا يا شهيدَ الإسلام والإنسانية إنَّا على العهد ماضون

عبد الله دعلة

سيدي يا أبا هادي إن الكلمات والعبارات تتلاشى وتنتهي أمام مقامك العظيم وشخصيتك الاستثنائية فليس لأحدٍ أن يتحدث عنك ويعطيك حقك فأنا خجلٌ أن أكتب في شخصٍ حوى كُـلّ القيم والمبادئ والأخلاق والإيمَـان والشجاعة والإقدام والفضائل كُـلّ الفضائل.. سيدي الشهيد يا رمز العزة والكرامة، يا من أفنيت حياتك في سبيل الله مجاهدًا كُـلّ طواغيت العالم وعلى رأسهم أمريكا والكيان المجرم المتغطرس الأرعن، يا شهيد الإسلام والإنسانية لقد كنت للجهاد رمزًا ونموذجًا خالدًا وللإنسانية عنواناً يتطلع إليك الجميع، ونرى فيك الإسلام المحمدي بصفائه ونقائه وكأنك تربيت في كنف المصطفى -صلوات الله عليه وآله- لقد كنت قائدًا ملهمًا، وللأُمَّـة نصيرًا ومدافعًا عن جميع المسلمين وقضاياهم في جميع أقطار الأرض.

واليوم، ونحن نودِّعُك، نودِّعُ فيك رمزًا من رموز الجهاد وَالعطاء والتضحية، وقائدًا فذًا قل نظيره، نودع فيك قلبًا نابضًا بحب الله وحب أولياءه، وعقلًا نيرًا استنار به من سار على نهجك ونهج آبائك الأطهار.

يا أيها القائد الشهيد، لقد كنت لنا قُدوة في الشجاعة والإقدام، وَالصدق والإخلاص، وفي التضحية والفداء.

اليوم ونحن نودعك، بقلوبٍ ملؤها الحزن والأسى؛ لأَنَّ من أعظم نكبات الأُمَّــة أن تفقد عظمائها أمثالك يا أعظم العظماء، ولكن نعاهدك على أن نبقى على دربك سائرون، وعلى نهجك مقتدين، وعلى مبادئك مدافعين نعاهدك على أن نكمل المسيرة التي بدأتها، وأن نحقّق أهدافك التي سعيت إليها وهي إزالة الغدة السرطانية التي لا بُـدَّ أن تزول وهي أوهن من بيت العنكبوت كما قلت.

يا أيها القائد الشهيد، نم قرير العين يا سيدي، فقد تركت لنا إرثًا عظيمًا، وسيرة عطرة، ومسيرة حافلة بالدروس والعبر، نم قرير العين، فقد زرعت فينا بذور العزة والكرامة، وسقيتها بدمائك الطاهرة والنيرة.

نحن أبناء يمن الجهاد والإيمَـان، من وقفت معهم في أصعب الظروف والمحن والشدائد سندًا وعونًا وتعبئةً للروح المعنوية فينا فلك منا العهد والوفاء ما بقينا إحياء بأننا سنكمل المشوار تحت رأيت قائدنا الشجاع والعظيم سيدي ومولاي السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في مسيرتنا القرآنية المقدسة، نقارع الطغاة، وننصر المستضعفين في هذا العالم إن شاء الله.

فسلام الله على روحك الطاهرة وروح صفيك السيد هاشم ما بقي اليل والنهار “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” صدق الله العظيم.

مقالات مشابهة

  • وداعًا يا شهيدَ الإسلام والإنسانية إنَّا على العهد ماضون
  • شهيد الإسلام والإنسانية.. فصل جديد من الصمود والتحدي
  • بعد غدِ... افتتاح مسرح وزارة الإعلام
  • الثلاثاء.. افتتاح المسرح المُلحق بمجمع الاستديوهات الرقميّة بوزارة الإعلام
  • بينهم تلميذ عياش..إسرائيل تفرج عن 602 أسير فلسطيني
  • مساجدنا ، هويتنا تاريخنا حضارتنا
  • غوتيريش: الشرق الأوسط يمر بفترة من التحول العميق مليئة بعدم اليقين
  • النفط والذهب تسجل أكبر مكاسب أسبوعية وسط عدم اليقين بشأن الإمدادات والتوترات الجيوسياسية
  • جوتيريش: الشرق الأوسط يمر بفترة تحول مليئة بعدم اليقين والاحتمالات
  • برعاية «الألكسو».. «المقريف» يوقّع اتفاقاً لتنفيذ مشروع «كلاسيرا للتّعليم الذكي» في تونس