بوابة الوفد:
2025-04-02@18:04:50 GMT

الإمام والتّصوُّف (٣)

تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT

إذا نحن بحثنا عن تجسيد حقيقى كامل مُكمّل لكلمة (اليقين) كما تجسّدت فى الواقع الإسلامى الفعلى فخيرُ من يجسّدها حقيقةً وفعلاً هو الإمام على رضوان الله عليه، لقد ملأ الإسلام قلبه فإذا الدين الذى ينتمى إليه يملك عليه أقطاره بالكليّة، فلا يفكر فى غيره ولا تُنازع العقائد السابقة قلبه فى شيء، بل الإسلام وكفى على شِرْعة الحُب والجهاد والتبتل وليس قبله ولا بعده دين سابق ولا عقيدة متقدّمة.

 
قلبُ الإمام الذى ملأه الدين الجديد يقيناً امتلأ كذلك بالحب والعزم والجهاد والتبتل، فكان قلباً فى التّوجُّه للملأ الأعلى خالصاً بكل ما تحمله كلمة الإخلاص من معنى، فكما كان اليقين يشمله ويحتويه فعلاً فكذلك كان الإخلاص النقى عن شوائب الكدورة، الصافى عن أخلاط الشرك وبقايا الزندقة يضمّه ويشمله ويستقر فيه، ويشكّل مع اليقين والحب والجهاد والتبتل شخصية ممتازة فى الخصائص العليا مُثلى فى السجايا الظاهرة والباطنة. 
ولم يكن الدين الجديد يعرف قط أصدق إسلاماً من على، ولا أعمق نفاذاً فيه. كان على مع كل صفات الصدق والخير والإخلاص واليقين التى تجسّدت فيه وتكاملت، عابداً يشتهى العبادة كأنها رياضة تريحه وليست أمراً مفروضاً عليه، وتلك أسمى مراقى الجهاد، فبين التصوف والمجاهدة، عُرى وثيقة لا تنفصم أبداً، فلا يكون جهادٌ فى ميادين الحياة الشريفة إلا وقد بذرت فيه بذور التصوف، وقد كان الإمام على يُرى فى كهولته وكأنما جبهته ثُفْنة بعير من إدمان السجود، ومثل هذا كان ظاهر جداً فى الحسين وفى السّجّاد، إذ أُطلق عليه أبو الثُفنات. 
العبادة الشديدة والتبَتّل العميق هما شيمة أهل البيت بغير مُنَازَع، وكذلك العلم والفقه، وهى خصائص علويّة بامتياز؛ فلم يكن أقدر من على فى صدر الإسلام علماً وفقهاً، ولم يكن أفضل منه عبادة وتبتلاً وعملاً، يكفى أن يقال أن فتاواه كانت مرجعاً للخلفاء والصحابة فى عهود أبى بكر وعمر وعثمان، وندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له فيها رأى وجيهٌ يؤخذ به أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء. 
ولم تكن مسائل العبادة والتبتل بأقل من مسائل العلم والفقه وهما أشهر ما اشتهر فيها بالحجة الدامغة والرأى السديد. ولكن العبادة أمر باطن بين العبد وخالقه، ولا رقيب فيه على المرء سوى ضميره، وليس عليه من سلطان سوى ما تقرّر لدينا سلفاً من يقين الإيمان، ولا إيمان مع فراغ الضمير من فحوى اليقين، ولا يقين مع فقدان الدين القيم وفقدان اليقين منه. 
أمّا العلم فشواهد وقرائن وأدلة وافية، براهين وأحكام غير أنها ظهرت لدى الإمام لمّا أن استنبط الأصول الأولى لعلوم العقائد والكلام والحكمة، فكان على التحقيق أبو علم الكلام فى الإسلام كما ذكرنا فيما تقدَّم من مقالات؛ لأن المتكلمين أقاموا مذاهبهم على أساسه كما قال ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة. ومعلوم من طريق الأسانيد المتصلة أن واصل بن عطاء كبير المتكلمين، تلميذ أبى هاشم بن عبدالله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميذ على رضى الله عنه. وأمّا الأشعريّة؛ فإنهم ينتمون إلى أبى الحسن على بن أبى الحسن على بن أبى بشر الأشعرى، وهو تلميذ أبى على الجبائى، وأبو على الجبائى أحد مشايخ المعتزلة الذين علّمهم واصل بن عطاء. أمّا الفقه، فإمامه الأكبر أبوحنيفة قرأ على جعفر بن محمد، وجعفر بن محمد قرأ على أبيه. وقد قرأ مالك بن أنس على ربيعة الرأى، وقرأ ربيعة عن عكرمة، وقرأ عكرمة على عبدالله بن عباس، وقرأ عبدالله بن عباس عن عمّه على بن أبى طالب، وهكذا ينتهى أمر الفقه وعلم الكلام، كما انتهى أمر التصوف، إلى على رضوان الله عليه؛ الأمر الذى يتأكد فيه أن جذور العلوم الإسلاميّة الأصيلة ترتد إلى الإمام على وتتأسس على استنباطاته وأذواقه. وعندى أن هذا هو المضمون الدينى الإسلامى ولا ريب، يعتمد الثقافة الذاتية الخاصّة خصوصية القرآن نفسه وخصوصية التعاليم النبويّة الشريفة المنزّهة عن الكذب والمُجرّدة عن التلفيق. 
ولن تقوم للمسلمين قائمة ما لم يمتثلوا طريق الأوائل ويتحرّوا مسالكهم فى الفهم والتحقيق ويرتقوا مراقيهم فى المعرفة والإنصاف بعيداً عن الدعوات الممجوجة التافهة التى جهّلتهم بثوابتهم وقدحت فى قيمهم الروحيّة والفكريّة، ولا تزال. (وللحديث بقيّة).
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم بن أبى

إقرأ أيضاً:

تقرير: تقليص المساعدات الأمريكية لمؤسسات مكافحة الإرهاب يساعد على نمو المنظمات الإرهابية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تواجه جهود تمويل مكافحة الإرهاب العديد من التحديات أبرزها وقف المساعدات الخارجية الأمريكية منذ يناير الماضي، وخاصة في منطقة الساحل الأفريقي، إذ تعتمد مؤسسات ومنظمات ضد الإرهاب على الإعانات والمساعدات الأمريكية، وهو ما يساعد على نمو موجات العنف وتمدد الأنشطة الإرهابية أمام تراجع دور الدول والمؤسسات المساعدة.
وأوضح تقرير نشره موقع "هيسبريس المغربية"، أن مسئولين في ساحل العاج أكدوا أن قطع المساعدات يعرّض جهود مكافحة الإرهاب للخطر، ويضعف النفوذ الأمريكي في منطقة لجأت بعض دولها إلى المرتزقة الروس طلبا للمساعدة.


وساهمت هذه الإعانات في تدريب الشباب على وظائف مختلفة، وإنشاء مراعٍ لحماية الماشية من هجمات الجماعات المسلحة.
 

ووفقا للتقرير المشار إليه، قال مسئول في الأمم المتحدة إن ساحل العاج من بين الدول القليلة التي لا تزال تقاوم التهديد الإرهابي في منطقة الساحل، مشددا على أهمية استمرار دعم المجتمعات الحدودية لتجنب وقوعها في براثن التطرف.
 

وفي الوقت الذي تتراجع فيه قدرات المؤسسات العاملة في مجال مكافحة الإرهاب، فإن الجماعات المتطرفة والعنيفة تعمل في المقابل على زيادة نفوذها وحجم انتشارها بفضل التعاون المستمر مع العصابات المحلية العاملة في مجال تجارة المخدرات والإتجار في البشر والتهريب عبر الحدود.  
 

وأفاد تقرير نشره معهد دراسات الحرب الأمريكي Institute for the Study of War بأن تنظيمي القاعدة وداعش عملا على زيادة نفوذهما في منطقة الساحل الأفريقي من خلال زيادة روابطها مع الشبكات الإجرامية المحلية والتي تنشط في منطقة الصحراء الكبرى، مؤكدا أن التعاون المشترك بين الجماعات الإرهابية والمجموعات الإجرامية المتخصصة في الإتجار بالبشر والتهريب يزيد من نفوذ التنظيمات الإرهابية ويجعلها أكثر خطرًا.
 

ولفت التقرير في الوقت نفسه إلى أن العديد من الهجمات الإرهابية التي وقعت في مالي والنيجر، وزيادة نشاط المجموعات الإرهابية يعود إلى انسحاب قوات فرنسية وأمريكية من مواقعها.
 

وبحسب التقرير فإنه "من المؤكد أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجماعة الدولة الإسلامية في ولاية بورنو تتعاونان مع جهات فاعلة محلية كنقطة دخول لتوسيع مناطق عملياتهما. 
 

وأفادت وكالة أنباء وامابس بأن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تعمل مع "تجار محليين" لدعم الهجمات ضد قوات الأمن النيجيرية في نقاط رئيسية على طول طرق التهريب.
 

وقد يساهم هذا التعاون المزعوم بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وقطاع الطرق المحليين في زيادة طفيفة في هجمات الجماعات المسلحة المجهولة على قوات الأمن النيجيرية في أقصى شمال النيجر. 
 

وسجلت بيانات موقع الصراع المسلح وأحداثه ثلاث هجمات شنتها "جماعات مسلحة مجهولة" ضد قوات الأمن النيجيرية في منطقة أجاديز والمنطقة الشمالية في منطقة تاهوا فيما يقرب من 6 أشهر منذ أن أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عن هجومها الأول في أكتوبر 2024 مقارنة بهجمتين فقط من هذا القبيل خلال العام السابق".
 

وأضاف التقرير، أن "عمليات الاختطاف والتعاون مع الجماعات الإجرامية المحلية بمثابة نقاط دخول ومقدمات لتسلل المتمردين في منطقة الساحل.

وذكر تقرير صادر عن GITOC في عام 2023 أن عمليات الاختطاف هي نقاط دخول للجماعات المتطرفة العنيفة وأن المراحل الناشئة من تسلل الجماعات المتطرفة العنيفة إلى الأراضي عادة ما تكون مصحوبة بمستويات أعلى من الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك عمليات الاختطاف.
 

ويشير التقرير إلى أن جزءًا من هذا التوسع يشمل التجنيد أو العمل مع الجماعات الإجرامية التي تنشط بالفعل في المنطقة. 
كانت هجمات الاختطاف مقابل الفدية في بوركينا فاسو بمثابة مقدمة لتوسع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية في بوركينا فاسو في عام 2015، حيث سعت الخلايا المتمردة إلى توليد الموارد لتوسعها".
 

وأكد التقرير، أن "النفوذ الأكبر على الشبكات عبر الصحراء الكبرى من شأنه أن يوسع من نطاق هذه الجماعات السلفية الجهادية الخارجية ويزيد من خطر المؤامرات الخارجية في شمال أفريقيا وربما أوروبا.
إن الوجود المعزز على طول خطوط التهريب عبر الصحراء الكبرى من شأنه أن يعزز الروابط بين الشركات التابعة للسلفية الجهادية في الساحل وشبكات الدعم والتيسير في شمال أفريقيا. لقد أدت جهود مكافحة الإرهاب التي تستهدف داعش في شمال أفريقيا إلى تآكل شبكات داعش بشكل كبير في الجزائر وليبيا. 
 

ولم تسجل بيانات موقع الصراع المسلح وحدثه أي هجوم لداعش في الجزائر أو ليبيا منذ عام 2022. ومع ذلك، يواصل داعش الحفاظ على وجود فضفاض في جنوب غرب ليبيا، وقد قتلت القوات الليبية حاكم داعش في ليبيا في عام 2024".
 

وتعليقا على هجوم لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة على موقع أمني في منطقة أجاديز في شمال النيجر وأسفر عن مقتل 11 جنديا، فذكر "لقد أدى رحيل القوات الأمريكية والفرنسية، وخاصة قاعدة الطائرات بدون طيار الأمريكية في أجاديز، إلى تقويض الدعم الاستخباراتي والمراقبة والاستطلاعي الذي يغطي هذه المناطق النائية"؛ مشيرًا في الوقت نفسه إلى العديد من عمليات الخطف والقتل وطلب الفدية.

مقالات مشابهة

  • 6 أشهر حبساً نافذاً في حق تلميذ حاول قتل أستاذه بالخميسات
  • ضابط إسرائيلي سابق يقترح استراتيجية لمواجهة الإسلام السني
  • تقرير: تقليص المساعدات الأمريكية لمؤسسات مكافحة الإرهاب يساعد على نمو المنظمات الإرهابية
  • الفاضلي: الإرهاب مجرد معركة وهمية كيدية صنعوها لنا
  • إدانة تلميذ بـ20 سنة حبساً تورط في قتل زميله أمام مؤسسة تعليمية بطنجة
  • هل عليه قضاؤها؟.. حكم صلاة المأموم منفردا خلف الصف
  • عيد الفطر في مصر طقسًا دينيًا لا يشبه سواه بالعالم العربي والإسلامي.. صور
  • تحقّق: هل تجبر بريطانيا فعلا تلاميذ المدارس على دراسة الإسلام؟
  • زوبية: الإسلام دين عقل ومنطق وليس نقل تفاسير من ألف سنة
  • العيسى يلقي خطبة عيد الفطر في أكبر جوامع ألبانيا ومنطقة البلقان