تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وجها صعبا فى ظل الأحداث الأخيرة وتدهور الأوضاع فى المنطقة.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الوكالة كانت تعانى من مشاكل مالية حتى قبل بدء الحرب على غزة، حيث كان مسئولها الأعلى فى الضفة الغربية يقود سيارة قديمة بعمر ١٥ عامًا، ومصابيحها الأمامية مكسورة، وهو مؤشر على الضائقة المالية التى تواجهها الوكالة.

وبالإضافة إلى ذلك، تم إلغاء المعسكرات الصيفية التى كانت تديرها الوكالة، ولم يتم صيانة بعض المدارس التابعة لها التى تعلم فيها الآلاف من الطلاب فى القدس المحتلة والضفة الغربية، ما يؤكد على تدهور الخدمات التعليمية المقدمة.

وفيما يتعلق بالتمويل، فإن الوكالة تواجه أزمة مالية حادة بعد توقف المانحين الرئيسيين عن تقديم الدعم المالى فى أعقاب مزاعم بمشاركة بعض موظفيها فى هجمات المقاومة الفلسطينية، ما يزيد من الضغوط على الوكالة ويعرض استمرارية خدماتها للخطر.

تأثير كبير على الحياة فى غزة 
ويتوقع أن يكون لهذه الأزمة تأثير كبير على الحياة فى غزة خاصة، حيث تعتبر الوكالة العمود الفقرى للجهود الدولية لدرء مجاعة إنسانية، ولكن أيضًا تثير الاضطرابات والخوف بين الفلسطينيين فى القدس والضفة الغربية، حيث تقدم الوكالة الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والصرف الصحى للمجتمع الفلسطينى المحتاج.

تواجه الأونروا اليوم هجومًا متعدد الجوانب يأتى من مختلف الجهات، حيث تسعى سلطات الاحتلال إلى طردها من مقرها الرئيسى فى القدس المحتلة، كما يتم التعرض لشحنات الإمدادات المتجهة إليها، وعرقلة تأشيرات الموظفين الدوليين، مما يضعف من قدرتها على تقديم الخدمات بشكل كامل وفعال، وهو ما يمثل حملة مكثفة من المضايقات والاحتجاجات تواجهها الوكالة، فى إطار الجهود إسرائيلية للتأثير على عملها والضغط عليها.

وفى ظل هذه الضغوط، تشير هنادى أبو طاقة، المسئولة عن العمل فى شمال الضفة الغربية المحتلة، إلى أن المكاتب تواجه ضغطًا متزايدًا للغاية، مما يعرض استمرارية تقديم الخدمات للخطر.

ونتيجة لعدم القدرة على التخطيط الجيد، تضطر الوكالة إلى تحويل المزيد من الموظفين إلى عقود قصيرة الأجل، ما يؤدى إلى انخفاض جودة التعليم وتقديم الخدمات الأخرى التى تقدمها الأونروا، وهو ما يؤكده فتحى صالح، مدير الخدمات فى مخيم شعفاط للاجئين على أطراف القدس.

ويزداد الوضع تعقيدًا مع حملة صهيونية تصاعدت منذ ٧ أكتوبر، حيث يجد مئات موظفى الأونروا صعوبة فى الوصول إلى أماكن عملهم بسبب العراقيل التى تفرضها سلطات الاحتلال، ما يؤدى إلى تأخير المواعيد الهامة والتأثير على حياتهم اليومية.

وأشار جيش الاحتلال فى بيان نقلته صحيفة "واشنطن بوست"، إلى زيادة كبيرة فى الهجمات بالضفة الغربية منذ ٧ أكتوبر، ما دفع السلطات إلى وضع نقاط تفتيش ديناميكية كجزء من العمليات الأمنية فى المنطقة.

ارتفاع احتياجات اللاجئين
وفى الوقت نفسه، ارتفعت احتياجات اللاجئين فى الضفة الغربية بشكل كبير، فيما أكد مسئولون بالوكالة فى مخيم بلاطة، الأكبر فى الضفة الغربية، أن المزيد من الأسر تعتمد الآن على الصدقات والخدمات الطبية المجانية التى تقدمها الأونروا.

وتتعرض المخيمات للغارات الصهيونية بشكل متكرر، ما يؤدى إلى تدمير البنية التحتية، ويجد الأونروا نفسه مضطرًا لتصليح هذه الأضرار بانتظام.

وفى مركز بلاطة الصحي، يشهد العاملون زيادة كبيرة فى عدد المرضى، خصوصا الشباب الذين أصيبوا بطلقات نارية فى مواجهات الشوارع.

ويتحدث المعلمون ومديرو المدارس عن تأثير التوغلات العسكرية على نفسية الأطفال، حيث أصبحوا أكثر خوفًا واعتمادًا على دعم مدارس الأونروا.

ويقول مشرفو المدرسة إن هناك زيادة فى العدوانية لدى الفتيات، ما يثير التوتر والغضب فى الفصول الدراسية.

ملاذ آمن للأطفال
وتعتبر مدارس الأونروا ملاذًا آمنًا للأطفال، حيث يقوم المستشارون بتقديم الدعم النفسى لهم وتحويل قلقهم إلى ألعاب ونشاطات إيجابية.

ويتنامى القلق بشأن مستقبل الأونروا، حيث يتخوف البعض من احتمالية انهيارها واختفاء إحدى مساحات الأمان، وإذا تم إغلاق مدارس الوكالة، فإن الآثار المترتبة ستكون كارثية، حسب ما ذكرت إحدى خريجات هذه المدارس، حيث لا تتوفر مؤسسات تعليمية بديلة قريبة، وتصبح التكاليف المالية الهائلة للمدارس الخاصة غير ممكنة لمعظم الأسر، وهذا ما يثير قلقها من أن طلابها قد يجدون أنفسهم مضطرين إلى الزواج أو دخول سوق العمل فى وقت مبكر بدلًا من الاستمرار فى التعليم.

وتأسست الأونروا فى عام ١٩٤٩ لتقديم المساعدة للفلسطينيين الذين فروا أو طردوا من ديارهم خلال إقامة دولة إسرائيل، وهى الوكالة الوحيدة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التى تقدم خدمات مباشرة تشبه الخدمات الحكومية لمجموعة سكانية معينة، مثل إدارة المدارس وتوفير الرعاية الصحية والمساعدة الغذائية والإسكان لملايين اللاجئين وأحفادهم فى مناطق متعددة بما فى ذلك غزة والضفة المحتلة ولبنان والأردن وسوريا.

تعتمد الوكالة بشكل كبير على التبرعات من الدول الأعضاء بدلًا من التمويل الأساسى من الأمم المتحدة، ما يجعلها تحتمل بشكل خاص الضغوط الجيوسياسية.

وفى عام ٢٠١٨، أوقف الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، التمويل مما أدى إلى عجز مالى يزيد على ٤٠٠ مليون دولار.

ورغم استعادة الرئيس الأمريكى الحالي، جو بايدن، للمساهمات الأمريكية بعد توليه المنصب فى عام ٢٠٢١، فإن تدخل حكومات أخرى بتمويل إضافى كان ضروريًا لسد الفجوة الناجمة عن هذا العجز المالي، وفقًا لآدم بولوكوس، مدير أونروا فى الضفة الغربية، الذى وصف ترامب بأنه كان غريبًا على المستوى العالمى فى ذلك الوقت.

وفى يناير، ادعى الاحتلال أن ١٢ من بين ١٣ ألف عامل فى الأونروا فى غزة شاركوا فى هجمات نفذتها حماس فى السابع من أكتوبر.

وردًا على هذه الادعاءات، فصل المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الموظفين المشتبه بهم على الفور، رغم عدم تقديم الاحتلال أى دليل عام أو تعاون مع الوكالة لتأييد هذه الاتهامات، فيما علقت ١٦ جهة تمويل، بما فى ذلك الولايات المتحدة، تمويلها للأونروا بعد هذه الادعاءات.

ومن جهة أخرى فُتِح تحقيق من جانب هيئة رقابية تابعة للأمم المتحدة فى هذه الادعاءات، ومن المتوقع أن تعلن لجنة مراجعة مستقلة عن نتائجها بشأن بروتوكولات وممارسات الوكالة هذا الشهر.

رغم استعادة معظم الجهات المانحة لتمويلها منذ ذلك الحين، فإن المساهمات لا تزال أقل بكثير من تلك التى كانت تقدمها الولايات المتحدة.

ووفقًا لما صرح به لازارينى لوكالة رويترز فى الشهر الماضي، فإن الوكالة تلقت بعض التبرعات العامة والخاصة الجديدة، مما سمح لها بمواصلة العمل حتى نهاية مايو، ومع ذلك، فقد أقرت الولايات المتحدة تشريعًا الشهر الماضى يمنع المساهمات حتى مارس ٢٠٢٥ على الأقل، ما يترك الأونروا فى مواجهة عجز مالى يبلغ مئات الملايين من الدولارات وتحديًا مستقبليًا غامضًا.
طرد الأونروا

وصرّح بولوكوس بأن الإسرائيليين يسعون لطرد الأونروا لأنها تمثل "مشكلة اللاجئين"، مؤكدًا أن اختفاء الأونروا سيؤدى إلى اختفاء اللاجئين بطريقة ما، مع انقضاء الدعم الكامل لهؤلاء السكان، فيما يستمر الكيان الصهيونى فى ما وصفه مسؤولو الأونروا بأنه هجوم إدارى واسع النطاق ضد الوكالة، معتبرة الأونروا ذراعًا لحماس، على الرغم من رفض مسؤولى الأونروا لهذه المزاعم.

وفى خطوة تصعيدية، قام بنك صهيونى بتجميد حساب للأونروا يحتوى على ٣ ملايين دولار، كما قلص الاحتلال فترات الإقامة للموظفين الدوليين، حيث منحتهم تأشيرات لمدة شهرين فقط بدلًا من تصاريح الإقامة لمدة عام، مما تسبب فى بقاء بعض المناصب الرئيسية شاغرة لعدة أشهر.

وتسعى بلدية القدس المحتلة ومجموعة من المشرعين الصهاينة إلى طرد الأونروا من مقرها الرئيسى فى القدس، وهو موقع شهد احتجاجات متكررة فى الأشهر الأخيرة من قبل الإسرائيليين اليمينيين الذين يطالبون بإلغاء الوكالة.

ويتابع اللاجئون فى القدس والضفة الغربية كل تطور ومنعطف فى مسار الأونروا، مع تكثيف الخوف من الآثار المباشرة لإغلاق الوكالة على حياتهم. 
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأونروا القدس الضفة الغربية فى الضفة الغربیة فى القدس

إقرأ أيضاً:

ماذا نعرف عن مشروع نسيج الحياة ضمن خطة إسرائيل لضم الضفة؟

يأتي قرار حكومة نتنياهو بإقرار البدء بتنفيذ ما يسمى "طريق نسيج الحياة" في شرقي مدينة القدس تتويجًا للمساعي الإسرائيلية لتنفيذ عملية الضم الأكبر في تاريخ الصراع منذ عام 1967 لأراضي المناطق الواقعة خارج حدود بلدية القدس من جهة الشرق، وبالذات مستوطنة معاليه أدوميم الكبرى، وتعديل حدود بلدية القدس الإسرائيلية ليضاف لها 3٪ من أراضي الضفة الغربية، بحيث يتم ضمها بشكل رسمي إلى إسرائيل.

فكرة المشروع هي حفر نفقٍ يمتد من الشمال إلى الجنوب في شرقي القدس، وتحويله إلى طريقٍ خاص بالفلسطينيين فقط، بحيث يُمنَع الفلسطينيون نهائيًا من استعمال الطريق رقْم 1 الذي يمتد من وسط مدينة القدس ويخترق الأحياء العربية في المدينة، ثم يمر أمام مداخل مستوطنة معاليه أدوميم في طريقه إلى أريحا، وكان الفلسطينيون يضطرون لاستعمال جزء من هذا الطريق المخصص للمستوطنين للتنقل بين شمالي وجنوبي الضفة الغربية، حيث يدخلون الطريق رقْم 1 قرب منطقة عناتا (شمال القدس)، وسرعان ما يخرجون من المنطقة جنوبًا بعد المرور قُرب مستوطنة معاليه أدوميم ليدخلوا في طريق رام الله – بيت لحم، المعروف باسم (طريق وادي النار).

يريد الإسرائيليون الآن حفر نفق تحت الأرض يصل ما بين منطقة زعَيِّم شمالي شرقي القدس، ويخرج في الطرف الجنوبي من حي العيزرية الذي لا يفصله عن البلدة القديمة بالقدس إلا جبل الزيتون.

إعلان

المشروع ليس حديثًا وإن تصدَّر بعض نشرات الأخبار قبل أيام فقط، حيث كان قد طرح وتمت الموافقة عليه أوّل مرة في ربيع عام 2020 خلال حكومة نتنياهو الائتلافية، إلا أن تنفيذه توقف؛ بسبب العراقيل التي واجهت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حيث سقطت هذه الحكومة بعد شهرين فقط من إقرار المشروع، لتقوم بعدها حكومة جديدة برئاسة نتنياهو لم تستمر أكثر من شهر واحد، لتسقط منتصف العام 2020، وتقوم مكانها حكومة ائتلافية برئاسة نفتالي بينيت بالتعاون مع يائير لبيد، لتسقط نهاية عام 2022، ليعود نتنياهو منذ ذلك الوقت في حكومته الحالية التي شكلها بالتعاون مع تيار الصهيونية الدينية الذي يرى كثير من المحللين والمراقبين أنه الحاكم الفعلي اليوم، وهذه الحكومة انشغلت منذ أكثر من عام ونصفٍ في الحرب الدائرة حاليًا في قطاع غزة، وعلى عدة جبهات أخرى كما نعلم.

يعتبر هذا المشروع من الناحية العملية مشروعًا إستراتيجيًا في غاية الخطورة، حيث يعود أصله إلى رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، للتوسع في بلدية القدس شرقًا على حساب أراضي الضفة الغربية.

فقد كان شارون يرى أنه لا حل لقضية القدس سوى السيطرة على مزيد من الأراضي شرقي المدينة، وضمها إليها؛ لضمان التوزيع الكامل للمستوطنين في كافة المناطق المحيطة بالقدس – لا سيما الشرق – للحفاظ على الهوية اليهودية للمدينة المقدسة، كما تراها دولة الاحتلال، وحصار المناطق التي يوجد فيها الفلسطينيون في شرقي القدس، وفصلها عن محيطها الاجتماعي الطبيعي في الضفة الغربية.

والهدف النهائي هنا يتمثل في إنشاء ما يسمى "القدس الكبرى" التي تساهم في قطع الضفة الغربية إلى قسمين: شمالي وجنوبي، لا يمكنهما التواصل جغرافيًا بأي شكلٍ يمكن أن يعطي أملًا لإقامة دولةٍ فلسطينية فيهما مستقبلًا.

تلك النقاط كانت منطلق الأفكار الأساسية التي طرحها شارون في مشروعه القديم للقدس الكبرى، وبالرغم من أن إسرائيل كانت تعلن في أكثر من مناسبة – لعل آخرها عام 2007 – عن مشاريع تصب كلها في فكرة القدس الكبرى مثل مشروع (القدس أولًا) وغيره، فإنها لم تكن في الحقيقة تقوم بخطوات شديدة الفجاجة في اتجاه تحقيق هذه الرؤية المعلنة، وكان السبب الأساسي لذلك غياب الاعتراف الدولي بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، إضافةً إلى عقدة الأماكن المقدسة التي كانت إسرائيل تخشى أن تشكل لها عامل تفجيرٍ للأوضاع في المنطقة ككل.

إعلان

ولذلك كانت تتخذ إجراءاتٍ شديدة الحذر والتدرج، تحاول من خلالها تطبيق هذه الرؤية بالتدريج الشديد دون تسليط الأضواء على ما يجري بشكلٍ فاقع.

إذن، ما الذي استجد لتقرر إسرائيل المضي قدمًا في هذا المشروع في هذا الوقت بالذات؟

الجديد على الساحة بالطبع هو سيطرة تيار الصهيونية الدينية على مقاليد الحكم في إسرائيل، والذي لا يستطيع نتنياهو أن يتزحزح خطوةً واحدةً عن رغبات وأوامر زعيمه سموتريتش، خاصةً بعد أن أنقذ الأخير حكومته من الانهيار خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة التي انسحب على إثرها إيتمار بن غفير من الحكومة.

وكانت المعادلة يومها بالنسبة للطرفين نجاحًا لكليهما، إذ أنقذ نتنياهو نفسه من السقوط ثم السجن، وأنقذ سموتريتش حزبه من السقوط في انتخابات مبكرة لم تقدم له فيها استطلاعات الرأي إمكانية حتى لدخول الكنيست. لكن تعافي حزب سموتريتش في استطلاعات الرأي لاحقًا أعطاه الدافعية للمزيد من ابتزاز نتنياهو الذي بات أشد حاجةً إليه مما مضى.

سموتريتش لا يهمه من كل ما يجري إلا تنفيذ مخططه في ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهذا المشروع هو الذي وعد به أنصار تياره، ومع ابتعاده شيئًا فشيئًا عن بن غفير بعد تنامي الخلافات بينهما، أصبح من الضروري أن يحاول سموتريتش الدخول على خط مدينة القدس التي كان بن غفير يعتبرها ملعبه الخاص الذي يقدمه لجمهور اليمين المتطرف.

ولذلك، عمل سموتريتش على بدء العمل في هذا المشروع وتمويله من أموال المقاصّة التي صادرتها إسرائيل من السلطة الفلسطينية بأوامر مباشرة منه. أي أنه يقدم اليوم لنفسه وحزبه وتياره إنجازًا لا يكلفه شيئًا؛ لأنه ممول من أموال الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون أنفسهم، وحجته في ذلك أن هذا الطريق/ النفق الذي سيتم البدء بالعمل عليه مخصص أصلًا للفلسطينيين.

ويبدو أن بن غفير فهم اللعبة التي يلعبها سموتريتش، وأنه يدخل الآن في مساحته وملعبه الخاص في القدس، ويقدم نفسه بديلًا له أمام مستوطني القدس، ولهذا لجأ إلى حيلته المعتادة التي يلفت بها أنظار العالم، وهي اقتحام المسجد الأقصى واللعب على وتر المقدسات في منافسته مع صديقه اللدود سموتريتش، فهو يقول بذلك إنه هو الذي يبقى الأمل الوحيد للمستوطنين ليس في ملف القدس فقط، بل في أهم الملفات المرتبطة بالقدس، وهو ملف الأماكن المقدسة التي لا يزال سموتريتش ينأى بنفسه عنها، لالتزامه بفتوى الحاخامية الكبرى بمنع دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، ريثما يتم استكمال شرط الطهارة المرتبط بالبقرة الحمراء الموعودة.

إعلان

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: بما أن سموتريتش يروج لمشروع ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن، فلماذا يتعب نفسه بدعم مشروع نفقٍ خاص بالفلسطينيين يساهم في تنقلهم بين شمال وجنوب الضفة الغربية؟

والجواب هو أننا أمام عملية مركبةٍ تحقق فيها إسرائيل عمومًا، وسموتريتش وتياره على وجه الخصوص، عدة نقاط على المستويين: القصير والبعيد:

فعلى المستوى القصير، يحقق هذا المشروع الفصل العنصري الكامل بين الفلسطينيين والمستوطنين في مناطق الضفة الغربية المحيطة بالقدس، فالنفق المزمع تنفيذه يجعل الفلسطينيين مجبرين على سلوك طريقٍ واحدٍ تحت الأرض، بين رام الله في شمال الضفة وبيت لحم في جنوب الضفة، وبالتالي تصبح شبكات الطرق الكبيرة التي تصل مستوطنات شرقي القدس كلها وحدةً واحدةً تخصُّ المستوطنين وحدهم لا يشاركهم فيها الفلسطينيون بأيّ شكل.

وبذلك، فإن سموتريتش يمكن أن يقدم نفسه لجمهور المستوطنين في مستوطنة معاليه أدوميم البالغ عددهم أكثر من 38 ألف مستوطن باعتباره منقذًا من الاختلاط بالفلسطينيين، والقائدَ الذي حقق لهم الأمن المنشود دون أن يكلف ميزانية الدولة أو يكلفهم شيئًا.

إضافةً إلى ذلك، فإن هذا المشروع على المستوى البعيد لا يساهم في الحقيقة في ربط الفلسطينيين في الضفة الغربية ببعضهم، بل إنه يحقق عكس ذلك، حيث إن تجريد الفلسطينيين من حرية التحرك بين شمال الضفة وجنوبها، وتحديدِها بخيطٍ رفيعٍ واحد هو هذا النفق فقط، يجعل قطع الطريق بين شطري الضفة سهلًا متى شاءت إسرائيل وبحاجزٍ عسكري واحد لا يتجاوز بضعة جنود.

وبذلك يتم الفصل التام بين شمال الضفة الغربية وجنوبها. أي أن هذا المشروع يعني فعليًا أن الفلسطينيين لن يتمكنوا من إنشاء أي كيانٍ متصلٍ في الضفة الغربية، الأمر الذي يجعل من السهل على إسرائيل الاستفراد بمناطق الضفة الغربية الواحدة تلو الأخرى لو اتخذت قرارها الأخطر بتنفيذ عملية تطهير عرقي في المنطقة، والمثال الأكبر على ذلك هو ما يجري حاليًا في قطاع غزة بتقطيعه إلى مفاصل شمالية وجنوبية، والاستفراد به في محاولةٍ لتهجير سكانه بالكامل.

إعلان

كما أن ضم مستوطنة معاليه أدوميم إلى القدس يتبعه ضم المنطقة المسماة E1 أيضًا، التي تحيط بأحياء العيزرية وأبو ديس التي تقع شرقي القدس لكن خارج سور الاحتلال العازل فيها، وهذا يعني ابتلاع ما يصل إلى حوالي 3٪ من مساحة الضفة الغربية مع حصار هذه الأحياء بالكامل وعزلها عن محيطها سواء في الضفة أو القدس فيما يشبه الغيتو، وسواء شئنا أم أبينا، فإن هذا المشروع لن يكون النهاية، بل بداية تنفيذ ضم الضفة الغربية بالكامل قطعةً قطعة عندما يتم التخلص من العبء الأكبر المتمثل في القدس.

أمام هذا كله، لا نجد بدًا من تكرار الحل الأشد وضوحًا وبمنتهى الاختصار؛ وهو ضرورة ألا ينتظر الشعب الفلسطيني بدء الاحتلال في مخططاته كي يرد، فمن يبدأ العمل أولًا يختصر نصف الطريق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مستوطنون يقتحمون الأقصى والاحتلال يواصل عدوانه على جنين وطولكرم
  • إعلامي: أزمة تصريح العمل لـ بنتايك لا تؤثر على نتائج الزمالك.. والنادي يسعى للحل
  • سرايا القدس تعلن استشهاد أحد مجاهديها باشتباك مع قوة صهيونية في طوباس
  • مسجد عكاشة بالقدس معلم إسلامي حولته إسرائيل إلى مزار يهودي
  • ماذا نعرف عن مشروع نسيج الحياة ضمن خطة إسرائيل لضم الضفة؟
  • “الأونروا”: شمال الضفة الغربية يشهد أكبر موجة نزوح منذ 1967
  • "الأونروا": شمال الضفة الغربية يشهد أكبر موجة نزوح منذ 1967
  • «الأونروا»: شمال الضفة الغربية يشهد أكبر موجة نزوح منذ 1967
  • الأونروا: شمال الضفة الغربية يشهد أكبر موجة نزوح منذ 1967
  • شهيد بجنين والاحتلال يواصل عدوانه على الضفة