بعد أن كسرت تركيا القاعدة الثابتة مع إسرائيل.. لمن ترجح كفة الميزان؟
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
بالقرار الذي أصدرته وزارة التجارة التركية، تكون أنقرة قد كسرت "قاعدتها الثابتة" مع إسرائيل، التي تقوم على مبدأ "فصل الاقتصاد عن السياسة"، ومع بروز لغة التصعيد والتهديد المضاد، تثار تساؤلات عن آثار ما حصل على مشهد العلاقة وميزان الرابح والخاسر.
وشمل القرار الذي مهد له وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، 54 منتجا، قالت وزارة التجارة إنها فرضت قيودا على تصديرهم إلى إسرائيل، وإنها لن تلغيها حتى تعلن الأخيرة "وقفا فوريا لإطلاق النار بغزة وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة للفلسطينيين".
وسرعان ما هددت إسرائيل باتخاذ إجراءات مضادة، قبل يومين، حيث أوعز وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، للقسم الاقتصادي في وزارته بإعداد قائمة واسعة من المنتجات التي سيمنعون تركيا من تصديرها إلى إسرائيل.
وأضاف أنهم سيعملون على "حث الدول والمنظمات المؤيدة لها لوقف الاستثمارات في تركيا، ومنع استيراد المنتجات منها"، معتبرا أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، "يضحي بمصالح تركيا الاقتصادية لصالح حماس".
"أسباب داخلية وخارجية"الخطوة التركية، حسبما يوضح مراقبون، يمكن قراءة أسبابها ضمن مسارين.
وتتصدر المسار الأول، "الاعتبارات والتطورات الداخلية، والثاني الظروف المتعلقة بملفات الخارج والوضع الإنساني والعسكري والسياسي في غزة ككل".
على مدى الأشهر الماضية وقبل أن تنظم تركيا انتخابات البلديات في 31 مارس، تعرضت الحكومة لانتقادات متواصلة لعدم قطعها عمليات التبادل التجاري مع إسرائيل، احتجاجا على ما تقوم به الأخيرة في غزة.
وبعدما وصلت إثارة تلك القضية إلى مستويات عالية قبل الانتخابات بأيام وخلال يوم تنظيمها، وضعها إردوغان كسبب من مجموعة أسباب كانت وراء خسارة شعبية حزبه "العدالة والتنمية" في الكثير من البلديات.
ما المنتجات التي قيدت تركيا تصديرها إلى إسرائيل؟ يضم القرار الذي أصدرته وزارة التجارة التركية، صباح الثلاثاء، قائمة من 54 منتجا تم تقييد عملية تصديرهم إلى إسرائيل في خطوة اعتبرتها الأخيرة "انتهاكا من جانب واحد".وكان حليف إردوغان السابق، زعيم حزب "الرفاه من جديد"، فاتح إربكان، قد حدد التحالف معه بشروط منها "طرد السفير الإسرائيلي والوقف الكامل للتجارة مع إسرائيل".
لكن ذلك لم يتحقق، مما دفع إربكان لخوض المنافسة منفردا قبل أسبوعين، الأمر الذي انعكس على القاعدة التصويتية للحزب الحاكم وعزوف الناخبين باتجاه صناديق أخرى.
ومع ذلك وفي البيان الذي أدلاه الوزير التركي فيدان، أشار إلى أن الإجراءات التي الجديدة التي اتخذوها تتعلق بعدم سماح إسرائيل لتركيا بالمشاركة في عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية في غزة.
وقال إن "الإجراءات ستبقى سارية حتى تعلن إسرائيل وقف إطلاق النار وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، من دون انقطاع".
ما حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل؟وحسب بيانات "معهد الإحصاء التركي" التي اطلع عليها موقع "الحرة"، احتلت إسرائيل المرتبة 13 على قائمة صادرات تركيا، بحجم تجارة بلغ 5.4 مليار دولار في عام 2023.
ووفقا لبيانات "جمعية المصدرين الأتراك"، انخفضت صادرات تركيا إلى إسرائيل بنسبة 21.6 بالمئة في الربع الأول من عام 2024، أي بعد شهرين من بدء الأخيرة حربها في غزة.
وبالمقارنة مع الربع نفسه من العام السابق، فقد بلغت نسبة الانخفاض حوالي 28 بالمئة. وفي نفس الربع أيضا بلغت حصة الصادرات إلى إسرائيل من إجمالي الصادرات 2.06 بالمئة. وفي نفس الفترة من عام 2023، بلغ هذا المعدل 2.69 بالمئة.
المنتجات المحظورة تشمل، كما أوردها بيان وزارة التجارة التركية: مقاطع الألمنيوم، أسلاك الألمنيوم، الدهانات، المقاطع النحاسية، القضبان والأسلاك، الأنابيب والتجهيزات الفولاذية، قضبان الأسلاك الفولاذية.
إضافة إلى الحاويات والخزانات الفولاذية، أجزاء الجسور الفولاذية، الأبراج الفولاذية، المقاطع الفولاذية، الأسمنت.
القائمة تضم أيضا جميع مواد البناء المصنوعة من الحديد والصلب وأسلاك الحديد والصلب، الحفارات، الكابلات الكهربائية، اللوحات الكهربائية، البلاط، كابلات الألياف الضوئية.
وتشمل حديد التسليح، آلات البناء، مواد عزل البناء، الزجاج المستخدم في البناء، المركبات الكيميائية، الأسمدة الكيماوية، الكبريت، الزيوت المعدنية، الرخام وآلات معالجة المعادن.
"تركيا الاستثناء الوحيد"في تحليل نشره "بنك إسرائيل" في نهاية أبريل 2023، ذكر أن إسرائيل تطورت لتصبح "اقتصاد جزيرة" منفصلا عن دول الشرق الأوسط المجاورة منذ عقود. وجاء في التقرير أن تركيا هي "الاستثناء الوحيد في المنطقة".
ووفق التحليل، زاد حجم الصادرات والواردات من تركيا وإسرائيل بشكل مطرد لمدة 10 سنوات تقريبا، وسلط الضوء على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين التي دخلت حيز التنفيذ عام 1997.
وتشير بيانات نظام التجارة الخاصة الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) إلى ذلك، حيث توضح عند النظر إليها، أن صادرات تركيا إلى إسرائيل بلغت في عام 2002 (أي عندما بدأت حكومة "العدالة والتنمية") 861.4 مليون دولار؛ ووارداتها 544.5 مليون دولار.
وفي عام 2022، ارتفعت الصادرات إلى 6.74 مليار دولار، فيما ارتفعت الواردات إلى 2.17 مليار دولار. وكان من المقرر أن تزيد هذه المعدلات بشكل إيجابي، عند إتمام مسار التطبيع.
وحسب رئيس "اتحاد الغرف التجارية"، أورئيل لين، فإنه في نهاية 2022، وصل وفد تركي كبير إلى إسرائيل مؤلف من 60 صناعيا، وأجرى هؤلاء لقاءات مميزة، ونتيجة لذلك، قرر نظراؤهم في تل أبيب إرسال وفد كبير من المشترين إلى المدن التركية.
وفي ديسمبر 2022، أرسل اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية ما لا يقل عن 80 مشتريا، و"كان هناك ما لا يقل عن 20 وسيلة إعلامية تركية استضافتنا في مؤتمر صحفي كبير، وكانت هناك أجواء إيجابية لا مثيل لها"، وفق لين.
وأضاف: "كان الهدف هو تشجيع المزيد من المستوردين الإسرائيليين على شراء المزيد من تركيا بدلا من الشراء من أوروبا والولايات المتحدة".
كما أوضح أن "تركيا لديها صناعة متطورة، والأسعار ليست مرتفعة، وأسعار النقل منخفضة لأنها قريبة منا، حيث يمكن أن تصل البضائع خلال يوم واحد".
"لن تقطع العلاقات".. تركيا تعلن استدعاء سفيرها في إسرائيل أعلنت تركيا، السبت، استدعاء سفيرها في إسرائيل للتشاور على خلفية رفض إسرائيل الموافقة على وقف لإطلاق النار في غزة.لكن بعد حرب إسرائيل في غزة ردا على هجوم حماس في 7 أكتوبر، بدا أن القاعدة المتعلقة بـ"فصل السياسة عن الاقتصاد" دخلت في مرحلة حرجة، كما تقول الباحثة الإسرائيلية، غاليا ليندنشتراوس.
وتضيف لموقع "الحرة"، أن التجارة الثنائية بين تركيا وإسرائيل "انخفضت في عام 2023 بأكثر من 30 بالمئة مقارنة بعام 2022".
وكان هناك بالفعل انخفاض بنسبة 20 بالمئة قبل الحرب، ومن المرجح أن يكون ذلك مرتبطا بتباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي وقطاع البناء بسبب الأزمة السياسية، وحالة عدم الاستقرار.
الباحثة، وهي خبيرة السياسة الخارجية التركية في معهد "دراسات الأمن القومي" بجامعة تل أبيب، تنظر إلى القرار التركي بتقييد الصادرات إلى إسرائيل من زاوية "التطور اللافت والملحوظ".
ويرتبط ذلك بفكرة أن "تركيا كانت حريصة جدا على عدم المساس بالتجارة الثنائية، وإبعاد الاقتصاد عن السياسة"، وفق ليندنشتراوس.
"آثار ومآلات التقييد"ومن المتوقع أن يتلقى قطاع الملابس والمنتجات الكهربائية لضربة هي الأكبر، جراء القيود التركية، كما يورد تقرير لصحيفة "يسرائيل هيوم"، وذلك لأن الكثير من منتجات هذين القطاعين تصنع في تركيا.
الصحيفة ذاتها تشير إلى وجود منتجات أخرى مصنعة في تركيا يمكن أن تتأثر، بما في ذلك حفاضات "بامبرز" المملوكة لشركة "بروكتر آند غامبل"، والتي يتم إحضارها إلى إسرائيل بواسطة العلامة التجارية "ديبلومات".
كما تقوم شركة "يونيليفر" بتصنيع بعض من منتجات الصابون والشامبو الخاصة بها من شركة "دوف" في تركيا.
ويضيف تقرير "يسرائيل هيوم" أيضا أن شركة الأغذية العملاقة "ويلي فود" تستورد بعض منتجاتها من تركيا أيضا.
من جانبه، ذكر موقع "واي نت" الإخباري، الأربعاء، أن "المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن القيود المعلنة قد تمتد إلى وقف الرحلات الجوية فوق المجال الجوي التركي".
وتنتابهم ذات المشاعر أيضا في حال تم تعليق بعض الأنشطة النفطية الإقليمية.
وتشرح الباحثة الإسرائيلية، ليندنشتراوس، أن "القيود تتعلق بالعديد من مواد البناء والصناعة التي سيكون لها تأثير على الاقتصاد الإسرائيلي، لكن من المحتمل أن يكون تأثيرها أقل على الحرب نفسها".
وتقول تركيا إن هذه القيود ستظل سارية حتى وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي تتم مناقشته الآن على أي حال، حسب الباحثة.
ولذلك، "يبقى أن نرى ما إذا كانت تركيا ستواصل بالفعل تهديداتها"، على حد تعبير ليندنشتراوس.
وتقول من جانب آخر، إنه "بما أن العديد من هذه العقود تتم بين رواد أعمال من القطاع الخاص، فمن الواضح أنه سيكون هناك الكثير من عدم اليقين، وكذلك الإجراءات القانونية بسبب العقود التي سيتم انتهاكها".
ما المتوقع تركيا؟وفي أول تعليق له بعد بيان وزارة التجارة، قال الرئيس التركي إن القيود "ستستمر حتى يتم تسليم المساعدات الإنسانية الكافية دون انقطاع ودون عوائق إلى غزة".
جاء ذلك بعدما قال وزير الخارجية الإسرائيلي، إن بلاده "لن تخضع للعنف والابتزاز ولن تشكو من الانتهاك الأحادي للاتفاقيات التجارية".
وتابع: "وستتخذ إجراءات موازية ضد تركيا من شأنها الإضرار بالاقتصاد التركي".
ويوضح الباحث الاقتصادي التركي في مركز "سيتا"، دينيز استقبال، أن سياسة بلاده تجاه القضية الفلسطينية "منسوجة بشكل معقد" مع السعي لإنهاء الصراع الدائم والدعوة إلى حل الدولتين القابل للحياة.
ويؤكد فرض الحظر التجاري مؤخرا على إسرائيل "التزام تركيا بتعزيز السلام في المنطقة وتسهيل وقف إطلاق النار المستدام"، وفق استقبال.
ويقول لموقع "الحرة": "رغم أن حجم التجارة الثنائية بين إسرائيل وتركيا يصل إلى 7 مليارات دولار، وهو رقم لا يعتبر كبيرا في المخطط الكبير لأي من الدولتين، فمن الضروري أن ندرك أن المعاملات الاقتصادية لا تملي فقط جوهر العلاقة بينهما".
وفي هذا السياق، يحمل مسار العلاقات الإسرائيلية التركية إمكانية النمو والتعزيز، "لا سيما في بيئة تصبح فيها المعاملة الإنسانية تجاه غزة هي القاعدة"، حسب استقبال.
غزة.. ماذا تغير بموقف إردوغان؟ على مدى 17 يوما، بدا الموقف التركي إزاء ما يحصل بين إسرائيل وقطاع غزة الفلسطيني مختلفا عن ذاك الذي شهدته المحطات السابقة من الصراع، ما يطلق تساؤلات بشأن الأسباب التي تقف وراء هذا "التغير"، وماهية الدور الذي تراه أنقرة مناسبا للتعاطي مع الظروف القائمةويرى أنه "ينبغي تفسير فرض تركيا للحصار على أنه تدبير قسري يهدف إلى تحفيز الحوار البناء واتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من محنة الشعب الفلسطيني".
ومن "الأمور الأساسية في هذه المبادرة، إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، في خطوة محورية نحو تخفيف المعاناة، فضلا عن الوقف النهائي للأعمال العدائية، الذي يمثل الهدف الأسمى"، حسب الباحث الاقتصادي التركي.
ويتابع: "موقف تركيا بشأن هذه المسألة يؤكد اتباع نهج متعدد الأوجه لا يهدف إلى معالجة الشواغل الإنسانية المباشرة فحسب، بل أيضا إلى تهيئة بيئة مواتية لإحراز تقدم دبلوماسي ملموس نحو حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
"المعارضة التركية على الخط"وفي رسالته بمناسبة عيد الفطر، تطرق رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، أوزغور أوزيل، أيضا إلى القيود المفروضة على التصدير ضد إسرائيل، ووصفها بأنها "خطوة أولى، وإن كانت غير كافية".
واعتبر أوزيل أيضا أن "التجارة مع إسرائيل خيانة لفلسطين".
وأضاف زعيم حزب "الرفاه من جديد"، فاتح إربكان، إن التقييد كان "قرارا متأخرا للغاية"، ووصف احتمال استخدام بنزين الطائرات ووقود الطائرات، وهي من بين المواد الخاضعة للقيود، في العمليات العسكرية بغزة بأنها "كارثة كاملة".
ودعا إربكان الحكومة إلى فرض قيود على إسرائيل في "جميع المناطق التجارية الأخرى، وإغلاق قاعدة ملاطية (كورجيك) للرادار، ووقف الشحن المحتمل للأسلحة والذخائر إلى إسرائيل عبر قاعدة إنجرليك".
وبدوره، قال زعيم حزب "السعادة"، تمل كرم الله أوغلو، في بيان، إن "قرار التقييد الذي تم تقديمه اليوم ليس كافيا. لا نريد قيودا، بل نريد نهاية كاملة للتجارة مع إسرائيل. التجارة مع إسرائيل خيانة لفلسطين".
ووصف زعيم حزب "دواء"، علي باباجان قرار "التقييد" بأنه "غير واضح"، وقال: "ما هو محتوى ونطاق التقييد، وما هو حجم التخفيض في الصادرات الذي يغطيه؟.. يجب مشاركة كل شيء مع الجمهور وبالتفصيل".
من جانبه، قال زعيم حزب "المستقبل"، أحمد داوود أوغلو: "لماذا لم تقطعوا الخط الذي يحمل مواد الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ 7 أشهر؟".
واستطرد: "أوقفوا التجارة المستمرة مع إسرائيل بشكل كامل وفوري!.. أغلقوا مجالنا الجوي أمام الطائرات المتجهة إلى إسرائيل! امنعوا السفن من دول أخرى من التجارة مع إسرائيل عبر موانئنا! اقطعوا جميع خطوط النقل".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: وزارة التجارة إلى إسرائیل مع إسرائیل زعیم حزب فی ترکیا فی غزة فی عام
إقرأ أيضاً:
في رحيل الجنرال الذي أغتالته “إسرائيل” 100 مرة!!
يمانيون../
رحل رجل الظل، ابن الموت، ذو السبعة أرواح، البأس الشديد الذي لا يخشى الموت، مفجر الطوفان، ومؤسس وحدة الظل، شبح الكيان، وقاهر الاحتلال، من هزَّ الأرض عرضاً وطولاً، ودوّخ استخبارات وجيوش العدو، قائد أركان كتائب القسام، البطل المقاوم الشهيد المجاهد الجنرال محمد دياب إبراهيم المصري؛ الملقب “محمد الضيف”، إلى السماء في حضرة الشهداء.
رحل الضيف اللاجئ في وطنه إلى وطنه الأبدي ضيفاً في جنات ربه، وبقت ذكرى بطولاته خالدة في أعماق كل عربي حراً مقاوم، وسيخلد الرجل المقاوم، الذي أعلن الحرب على كل شيء، العجز والضعف والصمت والتواطؤ والخيانة والعملاء والعمالة والهزيمة، المنهزمين، والتطبيع والمطبّعين قبل أن يعلنها على المحتل والاحتلال، والطغاة والكيان والمستعمرين.
واقعة الاستشهاد
رحل رأس الأفعى -كما تسميه “إسرائيل”- القائد المرعب محمد الضيف “أبو خالد”، شهيداً يوم 13 يوليو 2024، (قبل ستة أشهر ونصف) بخيانة العميل السري للكيان، الخائن سعد برهوم، الذي بلغ عن مكان الضيف ورافع سلامة، وفر هارباً إلى العدو – شرق خان يونس، ومع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تم انتشال جثمانه الطاهر، لكن تأخرت كتائب القسام في إعلان الخبر حتى إتمام صفقة تبادل الأسرى، وعودة النازحين.
الخبر الموجع
في مساء يوم خميس 30 يناير 2025، أعلنت كتائب القسام رسمياً الخبر الموجع في تسجيل صوتي بصوت أيقونة المقاومة، الجنرال المجاهد أبو عبيدة، نبأ استشهاد قائد الأركان محمد الضيف “أبو خالد”، وبعض رفاقه؛ أبرزهم: نائبه مروان عيسى، وقائد لواء خانيونس رافع سلامة، وقائد لواء الشمال أحمد الغندور، وقائد لواء الوسطى أيمن نوفل، وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت، وقائد ركن الأسلحة غازي طماعة، رحمهم الله جميعاً، وأسكنهم فسيح جناته.
خطاب الطوفان
في خطابه الشهير عبر الرسالة الصوتية، فجر يوم السابع من أكتوبر 2023، أعلن القائد العام لكتائب عز الدين القسام، محمد الضيف، الذي لم يظهر إلا صوتًا وظلاً إلا في مشاهد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، بدء عملية عسكرية على “إسرائيل” باسم “طوفان الأقصى” بهجوم مباغت بإطلاق خمسة آلاف صاروخ وقذيفة خلال الدقائق العشرين الأولى من العملية.
وقال: “إننا نعلن بدء عملية طوفان الأقصى، اليوم يتفجر غضب الأقصى، غضب شعبنا وأمتنا ومجاهدينا الأبرار، هذا يومكم لتفهموا العدو أنه قد انتهى زمنه.. نفذوا هجماتكم على المستوطنات بكل ما يتاح لكم من وسائل وأدوات، نحن شعبا ظلمنا وقهرنا وطردنا من ديارنا، نحن نسعى إلى حق، ومهما حاول الطغاة قلعنا ستثبت البذور”.
أسطورة مقاوم
قال عنه رئيس الشاباك الأسبق، كرمي غيلون: “أنا مجبر على القول؛ عليّ أن أكون حذراً في الكلمات، لكن: طوّرت تجاهه “محمّد الضيف” تقديراً مرتفعاً جداً، حتى – إن أردتِ – نوعاً من الإعجاب.. أنتَ ميّت لأن تقتله، مثلما هو ميّت لأن يقتلك، لكنه خصم مُستحقّ.. نتحدّث هنا عن مستوى ليت عندنا مثله، كنتَ ستريد أن يكون قائدًا لسرية الأركان”.
وقال مدير معهد أبحاث الأمن القومي السابق، الجنرال احتياط تمير هايمان: “الضيف يملك قدرة إدراكية، وقد أصبح رمزا وأسطورة بعد نجاته من عدة محاولات اغتيال، وبمجرد ذكر اسمه فإن ذلك يحفز المقاتلين الفلسطينيين”.
بشكل عام، علقت المنصات العبرية، بعد سماع خبر استشهاد الضيف، بقولها: “مات القائد الوحيد الذي أعلن جيشنا اغتياله 100 مرة.. وبعد كل إعلان نتفأجا بأنه لا يزال حيا”.
عاش ألف مرة
والكلام للثائر الفلسطيني إبراهيم المدهون: “كم مرة قالوا: قُتل، وكم مرة عاد من بين الركام، يبتسم، ويتحسس موضع الجرح، ثم يكمل المسير؟
2002، 2003، 2006، 2014.. توالت المحاولات، تناثرت الشظايا، سقطت جدران البيوت، وسقط أحبّته شهداء بين يديه، زوجته، بناته ابنه علي، رفاقه الذين سبقوه، لكنه ظل واقفًا، كالنخيل في العاصفة، ينهض من بين الموت كأن الحياة لا تليق إلا به، وكأن فلسطين أبت أن تفقده قبل أن يكتب لها مجدًا يليق بها”.
قائد أركان كتائب القسام
ولد محمد دياب إبراهيم المصري – الملقب محمد الضيف- عام 1965 في أسرة فلسطينية لاجئة أجبرت على مغادرة بلدتها “القبيبة” داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
درس العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، ونشط في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، ومجال المسرح، وتشبع بالفكر الإسلامي في الكتلة الإسلامية، ثم انضم إلى حركة حماس حتى أصبح قائداً عسكرياً يهابه العدو.
تحاط شخصيته بالغموض والحذر والحيطة وسرعة البديهة، ونجا من 7 محاولات اغتيال سابقة، أصيب ببعضها بجروح خطرة، واستشهدت زوجته ونجله في إحداها.
اُعتقل عام 1989، وقضى 16 شهرا في سجونها، وبقي موقوفا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري لحماس.
“أنا عمري انتهى”!!
عُيّن قائداً لكتائب القسّام عام 2002، ولقب بـ”الضيف” لتنقله كل يوم في ضيافة الفلسطينيين تخفياً من عيون “إسرائيل”.
أشرف أبو خالد على عدة عمليات؛ أسر فيها الجندي “الإسرائيلي” نخشون فاكسمان، بعد اغتيال القائد يحيى عياش يوم 5 يناير 1996، ونفذ سلسلة عمليات فدائية انتقاما له، منها قتل 50 إسرائيليا.
يقول الضيف، بعد محاولة اغتياله في حرب 2014، في المنزل الذي كان متواجدا فيه بثلاث قنابل خارقة للحصون، لم تنفجر سوى قنبلة، ونجا هو وآخرون، واستشهدت زوجته وولده علي: “أنا عمري انتهى من هذه الضربة.. اللي عايشه بعد هيك زيادة”.
“سيظل يطارد الكيان
في 14 يوليو 2024، أعلنت “إسرائيل” اغتياله في منطقة المواصي “غرب مدينة خان يونس” بعملية قصف جوي اُستشهد فيها 90 فلسطينيا وأصيب 300 آخرون، بينهم عشرات من الأطفال والنساء.
في نهاية الكلام، كانت نهاية القائد القسامي البطل الذي أرهق “إسرائيل” لعقود بطولية، ومثلما كان غياب رجل الظل عن الأنظار وهو حياً يمثل حضوراً يطارد الاحتلال، سيظل ضيف فلسطين والأمة وأيقونة المقاومة، وبطل المقاومين ومحرر الأسرى، كذلك شبحاً يخيف العدو بخلود ذكرى أسمه، وشجاعة رجال كتائب القسام، وتأكيد مقولتهم: “حط السيف قبال السيف نحن رجال محمد ضيف”.
السياســـية – صادق سريع