أخبارنا:
2025-02-07@10:48:13 GMT

خيارات الجزائر لمواجهة دبلوماسية الرباط

تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT

خيارات الجزائر لمواجهة دبلوماسية الرباط

بقلم: بلال التليدي

في المقابلة التي أجراها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع تلفزيون بلاده في آخر شهر مارس، لوح بخيار إنشاء منظمة إقليمية في شمال إفريقيا على غرار غيرها من المنظمات الناشئة في غرب إفريقيا وشرقها، وحضرت في خطابه كثيرا لفظة «الغرب» التي يعني بها المغرب، وظهر بشكل واضح أن مواجهة هذا «الغرب» والحد من نشاط دبلوماسيته يمثل رهانا أساسيا بالنسبة إلى الجزائر.

في الواقع، لا شيء إلى حد الآن يبين جدية هذا الخيار، وتوافق الأطراف التي يفترض أن تشكله عليه، فكل ما يوجد من مؤشرات هو الاجتماع الذي تم على هامش القمة السابعة للغاز التي انعقدت في الجزائر، بحضور الرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، والتي تم فيها الاتفاق على عقد اجتماعات كل ثلاثة أشهر، يقام أولها في تونس بعد شهر رمضان.

موريتانيا التي كانت الجزائر تعول على أن تكون عضوا أساسيا في هذا الهيكل السياسي الإقليمي الجديد، لم تشارك في هذا اللقاء، وفضلت أن تبقى بعيدة عن أي مبادرة يمكن أن يفهم منها الضلوع في عزل المغرب عن محيطه الإقليمي وإخراجه بطريقة ناعمة من اتحاد المغرب العربي.

بيان الرئاسة الجزائرية، حاول أن يخفف من الموقف الموريتاني الرافض، وتحدث عن محادثة هاتفية بين الرئيسين الجزائري والموريتاني، تم فيها شرح عقد اللقاء الثلاثي، وفي أي سياق يندرج، فحاولت الجزائر بذلك أن تنفي وجود أي إرادة لعزل المغرب ومحاولة إخراجه من اتحاد المغرب العربي، وأن اللقاء انشغل بـ«قضايا راهنة ذات طابع إفريقي».

في الواقع، لم تكن هذه المبادرة فكرة جديدة للدبلوماسية الجزائرية، تم تقديمها في سياق مواجهة العنفوان الدبلوماسي الذي حققته الرباط في السنوات القليلة الماضية، بل سبق للجزائر أن تحدثت أكثر من مرة عن مغرب عربي بدون مغرب، لكنها لم تنجح في تنزيل الفكرة وإقناع الأطراف المعنية بها، بينما نجحت الرباط في جر عدد من الدول في الحدود الجنوبية المتاخمة للجزائر إلى المبادرة الأطلسية بعد أن تفجر الخلاف بين الجزائر والنيجر، ثم بين الجزائر ومالي، والتحقت تشاد هي الأخرى بالمبادرة، ودخلت موريتانيا في حوار عميق مع الرباط حول هذه المبادرة لا يزال مستمرا إلى اليوم، مع دخول قوى دولية أخرى على الخط لإقناع نواكشوط للانضمام إليها، وتثمين دورها الذي يفترض أن تقوم به في المنطقة وذلك على كافة المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتنموية.

واضح أن التصريح بشكل علني ولأول مرة من قبل الرئيس الجزائري عن هذا التكتل الإقليمي في شمال إفريقيا جاء في سياق تدشين انطلاق حملته الانتخابية، بعد أن تم تقديم موعد الانتخابات إلى السابع من سبتمبر المقبل بدل شهر ديسمبر، فموضوع مواجهة المغرب، وإثبات تفوق الجزائر دبلوماسيا عليه يمثل واحدا من الموضوعات الانتخابية المهمة والحاسمة، بل تشكل إحدى الأوراق التي يعتمدها الرئيس الجزائري للترشح للرئاسة، بالنسبة إلى النخب الأمنية والعسكرية التي لم تحسم أمرها في دعم هذا الاختيار، خاصة وأن الرئيس نفسه ولحد الآن لم يعلن بشكل رسمي نيته خوض غمار الترشح لولاية أخرى.

تقييم مبادرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يختلف بالاعتبار الدبلوماسي، والجيوستراتيجي، والسياسي، والاقتصادي.

دبلوماسيا، يصعب تقييم المبادرة لأن شروطها لم تتخلق بعد، فليس هناك وضوح بشأنها بالنسبة إلى الأطراف المعنية، فالطرف الوحيد الذي أعلن عن فحواها ومراميها هو الجزائر، بينما لم يصدر عن تونس وطرابلس أي تصريح بهذا الشأن، فيلزم انتظار أول لقاء بعد شهر رمضان في تونس، لتكتمل الصورة، وتظهر جدية المبادرة، ويبرز موقف تونس بحكم أن اللقاء سينعقد بها. وما يجعلها محدودة في طموحها، أنها عجزت أن تضم إليها موريتانيا، مما يجعل فرصة عزل المغرب، وإقصائها من الاتحاد المغرب العربي الجديد، خيارا مستبعدا.

بالاعتبار الجيوستراتيجي، يعني قيام هذا الهيكل السياسي الإقليمي تمدد الجزائر في شرقها، والنجاح في إيجاد متنفس لتدبير عزلتها في الجنوب، أي في امتدادها الإفريقي، بعد أن دخلت في توترات معلنة وأخرى صامتة مع دول الساحل جنوب الصحراء (النيجر، مالي) ولم تنجح في جر موريتانيا الحذرة إلى مربعها في الصراع مع الرباط.

المشكلة بالاعتبار الاستراتيجي، أن كلا من تونس وليبيا تعانيان أزمات مختلفة المستويات، تلتقي كلها في عنوان هشاشة الاستقرار السياسي، فتونس تعاني من حكم استبدادي فقد القدرة على إدارة الحوار مع المجتمع الدولي، ومع النخب المحلية، وتعاني من أزمة اقتصادية خانقة، زادت من حدتها عدم التوصل إلى تفاهمات مع صندوق النقد الدولي. أما ليبيا، فلحد الآن، لم ينجح الفرقاء السياسيون في المضي بالبلد إلى الخطوة النهائية، أي إجراء الانتخابات، وبناء الهياكل السياسية والمؤسساتية للدولة، وإنهاء الفترة الانتقالية بكل متعلقاتها.

في الواقع، يمكن أن تستمر تونس على موقفها في الاقتراب من الجزائر على حساب الرباط فهي تحتاج الدعم المالي والاقتصادي حتى تؤمن فترة أخرى من شرعية الرئيس المتهاكلة، لكن اللحظة الانتخابية على الأبواب، وكل الاحتمالات مفتوحة بما في ذلك إنهاء دور قيس سعيد أو تثبيته في الحكم، لكن بالنسبة إلى ليبيا، فعلاقتها بالرباط قوية تأخذ أبعادا مختلفة، يصعب معها تصور أن تكون طرابلس جزءا من إرادة إضعافها أو عزلها عن محيطها الإقليمي، أو حتى إخراجها بشكل ذكي من اتحاد المغرب العربي.

أما بالاعتبار السياسي، فالمبادرة حتى لو تم لها النجاح، فإنها لن تتعدى ترسيم واقع حاصل هو مزيد من خلق شروط جمود اتحاد المغرب العربي، فخلق الكيانات التجزيئية (من ثلاث دول) يؤشر على أن التكتل الإقليمي الواسع (المشكل من خمس دول) سيدخل منعطفا آخر من الموت النهائي بعد أن كان في مرحلة الموت السريري.

تونس منذ أن استقبل رئيسها قيس سعيد قيادة البوليساريو، لم تخط خطوة أخرى تصعيدية اتجاه الرباط، واشتغلت دبلوماسيتها طوال المدة الفاصلة بسياسة التهدئة، بينما مزجت الرباط بين إظهار الغضب على الموقف التونسي، وبين عدم التصعيد في الرد، وذلك بحثا عن إمكان تطويق المشكل عبر آلية تصحيح الموقف التونسي. أما ليبيا، فلا تستطيع أن تغامر في أي خيار يراد منه عزل المغرب عن محيطه، وذلك لسبب بسيط وهو أن أغلب الاتفاقات التي جمعت الفرقاء الليبيين تمت إما في الصخيرات أو بوزنيقة، وأن المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، تحدث بوضوح في نوفمبر من العام الماضي عن دور الرباط من خلال عقد لقاء تحضيري في الصخيرات يجمع ممثلي المؤسسات الرئيسية الليبية للتمهيد للقاء القادة لحسم ما علق من خلافات بين الفرقاء، كما أجرى وزير الخارجية المغربي مباحثات مع نظيره الليبي الطاهر الباعور بالقاهرة وذلك على هامش أعمال الدورة 161 لمجلس الجامعة العربية وذلك في سياق توفير الظروف الملائمة للوصول إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا، عبر تنظيم استحقاقات انتخابية سليمة وشفافة، انطلاقا من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات سنة 2015. هذه الاعتبارات الثلاثة، الدبلوماسية، والاستراتيجية، والسياسية، تجعل من مبادرة الجزائر خطوة جد محدودة، وربما تكون ذات خلفيات انتخابية أكثر منها مبادرة دبلوماسية استوفت شروط النضج في مواجهة نشاط وتقدم دبلوماسية الرباط في إدارة الصراع الإقليمي مع الجزائر.

 

كاتب وباحث مغربي

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: اتحاد المغرب العربی الرئیس الجزائری بالنسبة إلى بعد أن

إقرأ أيضاً:

خيارات فرنسا المرّة للبقاء في أفريقيا

خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا في الثامن من يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي تناول فيه تراجع فرنسا في أفريقيا بعد إعلان معظم الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية على أراضيها، يُعدّ أعلى وأهم تصريح رسمي فرنسي في هذا الشأن. وبالرغم من أن الرئيس ماكرون كان يتحدث لقادة الدبلوماسية الفرنسية، فإن خطابه لم يكن دبلوماسيًا البتة.

أنكر الرئيس الفرنسي أن بلاده تتراجع في أفريقيا، وقال: "نحن نعيد تنظيم أنفسنا"، وأردف أن إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية كان قرارًا متفقًا عليه مع الرؤساء الأفارقة، وترك لهم مهمة الإعلان عنه.

وقال ماكرون إنه حزين؛ لأن القادة الأفارقة لم يشكروا بلاده على ما قدمته لهم القواعد العسكرية الفرنسية من خِدمات جليلة، وأضاف، وبنبرة استعلاء، أن الرؤساء الأفارقة لم يكونوا حريصين على محاربة الحركات السالبة في بلدانهم، بقدر حرصهم على البقاء على كرسي السلطة، وأنه لولا الجيش الفرنسي لما كان كثير منهم جالسين على كراسيهم اليوم.

زعم الرئيس الفرنسي أن بلاده لم تتراجع في أفريقيا، وأن ما جرى من إغلاق لقواعدها العسكرية إنما هو ترتيب مسبق متفق عليه، وأن القادة الأفارقة نفذوا ما طُلب منهم، لكنهم أساؤوا الإخراج.

إعلان

بيدَ أن هذا المنطق لا يبدو مقنعًا أصلًا، فقد كان رد القادة الأفارقة قويًا جدًا على تصريحات الرئيس الفرنسي، بل إن بعضهم، كما في السنغال وتشاد ومالي، ردوا الصاع صاعين لفرنسا، مذكرين إياها بأنه لولا بسالة الجنود الأفارقة في الحرب العالمية الثانية، ربما كانت فرنسا حتى اليوم محمية ألمانية.

بالرغم من أن الخطاب كان موجهًا للدبلوماسيين، وأن الدبلوماسية هي المجادلة بالحسنى، فإن الخطاب كان حمّال وجوه، ولم يخلُ من التهديد باستخدام القوة. وإلا فماذا يعني قول الرئيس ماكرون إنه لولا الجيش الفرنسي لما كان كثير من الحكام الأفارقة جالسين على كراسيهم؟

إن هذه اللغة غير الدبلوماسية يمكن أن يُفهم منها أن الجيش الفرنسي، الذي أبقى بعض الحكام الأفارقة على كراسيهم ردحًا من الزمن، قادر على أن يقصيهم منها كذلك.

وهذا الاستعلاء الماكروني المعهود يناقض السياسة الجديدة نحو أفريقيا، والتي بشّر بها ماكرون نفسه في خطابه الشهير في جامعة واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، والمعروف اختصارًا بـ"خطبة واغادوغو"، والتي تبرأ فيها من تبعات الاستعمار الفرنسي لأفريقيا. كما يناقض خطته التي أقرها في عام 2022، والتي هدفت إلى بناء شراكة وتعاون عسكري فرنسي- أفريقي بمعايير جديدة.

ما هي الاتفاقيات العسكرية الفرنسية؟

المقصود بذلك هي مجموعة اتفاقيات سرية عسكرية وأمنية وُقِّعت في ستينيات القرن الماضي، بُعيد استقلال المستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا، أي في مرحلة القبضة الحديدية الباطشة لفرنسا على مستعمراتها السابقة. وبالرغم من سرية هذه الاتفاقيات، فقد سرّب بعض قدامى العسكريين والسياسيين جزءًا من محتواها. وسنعرض بإيجاز ما رشح عن مضمونها:

تَمنح الدول الأفريقية فرنسا حق إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، دون الحصول على إذن أو موافقة من برلمانات هذه الدول، وتكون هذه القواعد أراضيَ فرنسية ليس للدولة المضيفة الحق في معرفة ما يجري داخلها. كما أن فرنسا غير ملزمة بتقديم أية معلومات عن هذه القواعد، أو طبيعة عملها، أو عدد الجنود فيها، أو نوع الأسلحة والفعاليات التي تقوم بها. وبذلك، أصبحت القواعد الفرنسية في أفريقيا محميات ومراكز متقدمة للتجسس وجمع المعلومات، وتنفيذ سياسات وعمليات تخدم فرنسا حصرًا. لفرنسا حرية استخدام الأجواء الأفريقية بواسطة سلاح الجو الفرنسي متى ما كان ذلك ضروريًا، دون إطلاع الدول المضيفة على طبيعة الاستطلاعات الجوية التي يقوم بها الطيران العسكري الفرنسي. يجري تدريب العسكريين الأفارقة في فرنسا، على أن تدفع الدول الأفريقية تكاليف التدريب لمبعوثيها، مهما بلغت قيمته، مقارنة بالتدريب في دول وأكاديميات عسكرية أخرى. تلتزم الدول الأفريقية بإطلاع فرنسا على أي تعاون عسكري تقوم به، أو أي اتفاقيات عسكرية ترغب في توقيعها مع دول أخرى، وأن تحصل على موافقة باريس. في حالة تعرض فرنسا لتهديد عسكري خارجي، ينضم جنود الدول الأفريقية إلى الجيش الفرنسي للدفاع عن فرنسا، وبالمقابل، تتعهد باريس بحماية المستعمرات السابقة ورعاياها في حالة تعرضها لأي تهديد. إعلان

شكلت هذه الاتفاقيات العسكرية السرية، بالإضافة إلى الاتفاقيات الاقتصادية، العمود الفقري لسياسة فرنسا الأفريقية، المعروفة اختصارًا باسم "فرانس أفريك".

صُمِّمت هذه الاتفاقيات المجحفة من قِبل اليمين الفرنسي الديغولي منذ بداية الجمهورية الخامسة، وكان الغرض الرئيس منها هو ضمان بقاء فرنسا في أفريقيا لأطول فترة ممكنة.

أشرف على هذه الاتفاقيات سياسي فرنسي ديغولي مشهور، هو جاك فوكار، مستشار الشأن الأفريقي للجنرال شارل ديغول، والذي ظل يدير السياسة الفرنسية في أفريقيا بشكل مباشر أو غير مباشر منذ عام 1958 وحتى وفاته في مارس/آذار 1997.

ولئن كانت هذه الاتفاقيات مجحفة ومعيبة، فإن تطبيقها كان أكثر إجحافًا. لقد صُمِّمت للحفاظ على مصالح فرنسا فقط، دون الاكتراث بمصلحة الشعوب، لدرجة أن باريس اعتبرت أن الرئيس الأفريقي الذي يسير وفق رؤيتها هو جزء من مصالحها التي يجب المحافظة عليها.

وبناءً على ذلك، أطلقت يدها الباطشة لتحدد من يحكم أي بلد أفريقي، ولم تتوانَ في التدخل المباشر والسافر لفرض رؤساء بعينهم، دون النظر إلى رأي الشعب. والتاريخ حافل بالتدخلات العسكرية الفرنسية في أفريقيا الغربية.

رؤية جديدة للتعاون العسكري

أسهمت عوامل كثيرة في رفع درجة الوعي الجمعي الأفريقي بحقيقة السياسات الفرنسية الظالمة التي تفرضها باريس على مستعمراتها السابقة، وأدى ذلك إلى ظهور جيل جديد من السياسيين وقادة الرأي العام الأفارقة، مما عزز حالة الاستياء الشعبي الواسع ضد سياسة فرنسا الأفريقية، ولا سيما ضد تلك الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية السرية بين باريس ومستعمراتها السابقة.

ومما يُحمد للرئيس ماكرون جرأته في نقد سياسات فرنسا الاستعمارية المجحفة بشأن أفريقيا، على الملأ، كما حدث في خطبة واغادوغو الشهيرة في بداية فترته الرئاسية الأولى عام 2017، والتي أعلن فيها رسميًا انتهاء سياسة "فرانس أفريك" وتبرأ من فترة الاستعمار الفرنسي لأفريقيا، باعتباره من الجيل الذي وُلد بعد انتهاء حقبة الاستعمار.

إعلان

كما أعلن رغبته في بناء شراكة عسكرية جديدة، متوازنة ومسؤولة مع أفريقيا، وأكد أنه سيعيد التفكير في القواعد العسكرية الفرنسية في القارة.

وبموجب ذلك، أعلنت فرنسا في عام 2022 ملامح رؤية جديدة للتعاون العسكري مع الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية. اقترحت فيها تقليل عدد الجنود الفرنسيين في أفريقيا، وأن تُدار القواعد بإدارة مشتركة بين فرنسا والدول المضيفة. كما اقترحت تحويل بعض القواعد إلى أكاديميات عسكرية لتدريب القوات الأفريقية ورفع قدراتها الفنية والقتالية، وزيادة المساعدات العسكرية لأفريقيا.

وأهم ما صرح به ماكرون في هذه الخطة، هو قوله إنه لا توجد منافسة مع الآخرين في أفريقيا، وأن القارة ليست حكرًا لفرنسا. ولا شك أنه يشير إلى القوى الدولية الجديدة التي بدأت تتمدد في القارة، مثل؛ روسيا، والصين، وتركيا.

عمليًا، لم تجد هذه الخطة طريقها للتنفيذ، لأن الأوضاع في دول الساحل الأفريقي خاصة، وفي غرب أفريقيا عامة، سارت بما لا تشتهيه باريس. فقد أدى الزخم الشعبي الواسع المعادي لسياسات فرنسا إلى صعود قادة ثوريين إلى السلطة، كما في مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وغينيا، والسنغال.

وقادت هذه الأنظمة وغيرها تيار مواجهة التمدد الفرنسي في القارة وتصفية القواعد العسكرية، دون التنسيق مع باريس. وهكذا اضطرت فرنسا إلى ترك "حديقتها الخلفية"، بكل ما يسببه ذلك من تحديات ومتاعب سياسية واقتصادية وجيوسياسية.

خيارات باريس الصعبة

إن نفوذ فرنسا في تراجع حقيقي في غرب أفريقيا، وهو مجالها الحيوي الرئيسي في القارة، وذلك بالرغم من حالة الإنكار الرسمي من الإليزيه. والمشكلة الكبرى هي أن طرق العودة إلى زخم العلاقات القديمة صعبة، وخيارات باريس محدودة ومحفوفة بالمخاطر.

هناك عدد من الخيارات الصعبة أمام باريس، منها استخدام القوة للعودة إلى أفريقيا، أو وقف تسليح الجيوش الأفريقية، أو التنسيق مع الولايات المتحدة والعودة تحت عباءتها. وفيما يلي نناقش هذه الخيارات بإيجاز:

إعلان ينادي بعض قدامى العسكريين باستخدام القوة، كما درجت باريس على ذلك في السابق. وهذا الخيار صعب بسبب حالة الرفض الشعبي العامة لفرنسا في الشارع الأفريقي، وقوة تأثير منظمات المجتمع المدني، لدرجة أنه لن يستطيع أي حاكم الجهر بولائه لفرنسا، لأن ذلك يعني نهايته. بل إن الحكومات الأفريقية أصبحت تتودد إلى شعوبها بتحدي فرنسا. أما خيار وقف مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية، فهو خيار غير فعال، وذلك لأن جيوش الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية لا تستخدم السلاح الفرنسي، بل تعتمد على واردات الأسلحة من روسيا أو الصين أو تركيا أو الولايات المتحدة، لأن السلاح الفرنسي الصنع غالي الثمن مقارنة بالدول المنتجة الأخرى. ومما يؤكد ذلك أن تقرير مبيعات الأسلحة الفرنسية للخارج، الذي أصدرته وزارة الدفاع الفرنسية عن العام الماضي، أوضح أن هناك دولتين أفريقيتين فقط اشترتا أسلحة من فرنسا، هما المغرب والسنغال. وانحصرت مبيعات كلتا الدولتين في زوارق ومعدات لسلاح البحرية فقط. كما يبدو خيار التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية صعبًا، ذلك لأن الوجود الأميركي في القارة محدود، ويعاني من المشاكل، كما حدث في النيجر، وتشاد، وأفريقيا الوسطى. وسيكون هذا الخيار أصعب في عهد إدارة الرئيس ترامب الجديدة.

ونظرًا لصعوبة كل هذه الخيارات، بالإضافة إلى الوضع السياسي الداخلي المضطرب، فليس أمام صانع القرار السياسي الفرنسي إلا أن يكون أكثر براغماتية وتعقلًا، وأن تقبل باريس بالأمر الواقع، وتحترم خيارات الشعوب والحكومات الأفريقية، وتستخدم دبلوماسية الحوار بالحسنى، وألا تدخل في أي مواجهة أو مغامرة أفريقية غامضة وغير مضمونة العواقب.

فأي مغامرة من هذا النوع ربما تضطر الدول الأفريقية إلى إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية، وبالذات اتفاقية استخدام الفرنك الأفريقي. وإذا حدث ذلك، فقد تتراجع فرنسا لتصبح إحدى دول العالم الثالث، كما قال الرئيس السابق جاك شيراك.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • تقرير إسباني: الجزائر تعرقل الاستقرار في ليبيا وتقوّض دور المغرب الإقليمي
  • الرئيس اللبناني يؤكد ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها
  • تقارير: مصر تقود حملة دبلوماسية كبرى وراء الكواليس لمواجهة خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين
  • الصيغة الوزارية التي اقترحها الرئيس المكلّف( بالاسماء)
  • خيارات فرنسا المرّة للبقاء في أفريقيا
  • الملتقى الإقليمي لعلوم إطالة العمر 13 الجاري
  • برلماني: توجيهات الرئيس بإنشاء إدارة محترفة للأزمات والكوارث نقلة حقيقية في أداء الدولة
  • السعودية تؤكد: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون هذا الأمر
  • ملك المغرب يهنئ الشرع ويؤكد دعم سوريا لتحقيق الاستقرار
  • محمد بن زايد ومحمد بن سلمان يؤكدان أهمية الحفاظ على الاستقرار الإقليمي