سياسي ومهندس باكستاني درس الهندسة وعمل فيها لسنوات. تأثر بأفكار الشيخ أبي الأعلى المودودي وترقى في السلم القيادي للجماعة الإسلامية في باكستان منذ المرحلة الجامعية. فقد شغل منصب رئيس فرعها في كراتشي جنوب البلاد، وتم انتخابه في أبريل/نيسان 2024 أميرا للجماعة خلفا لسراج الحق، الذي قدم استقالته بعد الأداء الهزيل للجماعة في الانتخابات العامة الباكستانية التي عقدت في الثامن من فبراير/شباط من العام نفسه.

المولد والنشأة

ولد حافظ نعيم الرحمن يوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1970 في مدينة حيدر أباد بإقليم السند جنوب باكستان، ونشأ في منطقة لطيف أباد في المدينة نفسها. ويعتبر من المتحدثين الأصليين باللغة الأردية أو ما يعرف في باكستان بالمهاجرين الذين هاجروا من الهند إلى باكستان، إذ هاجر آباؤه من منطقة أليكرة بالهند عند استقلال باكستان عن الهند.

حافظ نعيم الرحمن نشأ في منطقة لطيف أباد بمدينة حيدر أباد (رويترز) الدراسة والتكوين العلمي

نشأ حافظ نعيم الرحمن في منطقة لطيف أباد بمدينة حيدر أباد وحفظ القرآن الكريم كاملا في مراحله التعليمية الأولى في مسجد جامع دار العلوم في المدينة نفسها.

انتقلت عائلته للعيش في مدينة كراتشي عاصمة إقليم السند قبل إنهاء دراسته الثانوية، إذ حصل على الشهادة الثانوية في كراتشي.

حصل على شهادة الهندسة المدنية من جامعة "أني إي دي" للهندسة والتكنولوجيا في كراتشي، ثم حصل لاحقا على درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة كراتشي.

انجذب إلى التوجه السياسي الديني الذي تبناه مؤسس الجماعة الإسلامية أبو الأعلى المودودي، وسرعان ما تصاعد نجمه داخل الجماعة.

متزوج ولديه 3 أبناء وبنت واحدة، وتعمل زوجته طبيبة، وينخرط أبناؤه في العمل الاجتماعي والسياسي.

الخبرات العملية

يتمتع حافظ نعيم الرحمن بخبرة طويلة تصل إلى 20 عاما في المجال الهندسي، إذ عمل في المشاريع الصناعية والسكنية الكبيرة لحلول معالجة المياه، وعمل منذ عام 2005 مديرا للهندسة في شركة نظام الماء الخاصة المحدودة المتخصصة بتقنيات معالجة المياه.

الوظائف والمسؤوليات انضم نعيم الرحمن مبكرا للجماعة الإسلامية من خلال الجناح الطلابي للجماعة المعروف باسم جمعية الطلبة الإسلامية، ثم أصبح رئيسا للجمعية في جامعة "أني إي دي" لمدة عام في الفترة ما بين (1993-1994). ثم أصبح رئيسا لفرع الجمعية نفسها في مدينة كراتشي لمدة عامين في الفترة (1994-1996) بعد ذلك أصبح رئيسا للجمعية نفسها في إقليم السند لمدة عامين أيضا في الفترة (1996-1998). ثم ترقى ليصبح رئيسا لجمعية الطلبة الإسلامية على مستوى باكستان لمدة عامين في الفترة (1998-2000). انضم إلى العمل السياسي من خلال الجماعة الإسلامية بشكل رسمي في عام 2000، وخاض انتخابات الحكومة المحلية عام 2001، وأصبح عضوا في المجلس النقابي البلدي للمنطقة الوسطى من كراتشي. شغل منصب أمير الجماعة الإسلامية في منطقة لياقت آباد، ونائب أمير المنطقة الوسطى، والأمين العام ونائب أمير فروع الجماعة الإسلامية في كراتشي. عام 2013 تم انتخاب نعيم الرحمن أميرا لفرع الجماعة الإسلامية في كراتشي، التي تعتبر كبرى المدن الباكستانية وأكثرها كثافة، وشهد أداء الجماعة تطورا كبيرا خلال تلك الفترة، إذ ركز نعيم الرحمن على قضايا المدن الكبرى. شغل أيضا منصب رئيس فرع كراتشي لمؤسسة الخدمة الخيرية، وهي منظمة خيرية تنموية غير حكومية مرتبطة بالجماعة الإسلامية، وهي أكبر المنظمات الخيرية في باكستان ولديها أعمال خيرية على مستوى عالمي. حافظ نعيم الرحمن (وسط) تولى رئاسة فرع الجماعة الإسلامية في كراتشي قبل أن يتم انتخابه أميرا لها (الفرنسية) التجربة السياسية

منذ انتخابه في رئاسة فرع الجماعة الإسلامية في كراتشي ركز نعيم الرحمن على القضايا الرئيسية للمدن الكبرى، وخاصة القضايا العامة المتعلقة بجرائم الشوارع والقانون والنظام والعقارات وإمدادات الطاقة وخدمات المرافق العامة الأخرى والتعليم، وحرص على تمكين الشباب من فرص الشغل.

في عام 2020 أطلق فرع كراتشي في الجماعة الإسلامية حملة قوية بعنوان "حركة حقوق كراتشي"، سلطت الضوء على مظالم المدينة مثل نقص المياه، وانقطاع التيار الكهربائي، والتفاوت الاقتصادي.

وفي يناير/كانون الثاني 2022 قاد اعتصاما احتجاجيا، بدأ في يناير/كانون الثاني واستمر 29 يوما، خارج مبنى البرلمان الإقليمي في السند من أجل الدعوة إلى الاهتمام بمدينة كراتشي وحاجياتها.

خلال فترة رئاسته لفرع كراتشي برزت الجماعة الإسلامية في المركز الثاني في انتخابات الحكومة المحلية الأخيرة في كراتشي في يناير/كانون الثاني 2023، وفازت بـ87 مجلسا نقابيا و9 مدن.

وينسب له إطلاق مبادرة (بنو قابيل) التي أطلقتها جمعية الخدمة الخيرية، والتي تهدف إلى إطلاق برنامج تعليمي شامل لتكنولوجيا المعلومات للشباب في كراتشي.

أثر أسلوب قيادة نعيم الرحمن على الهيكل الداخلي للجماعة الإسلامية في كراتشي، إذ عمل على بناء فريق قوي حوله، يضم باحثين ومتخصصين في وسائل التواصل الاجتماعي ومحامين ومتطوعين.

تنافس نعيم الرحمن العام الماضي على منصب عمدة كراتشي مع مرشح حزب الشعب الباكستاني في انتخابات حكومة السند المحلية، لكنه خسر السباق الانتخابي بحصول منافسه على أغلبية 173 صوتا مقابل 160 صوتا لنعيم الرحمن.

يعتبر حافظ نعيم الرحمن الأمير السادس للجماعة الإسلامية في باكستان خلفا لسراج الحق الذي تولى إمارة الجماعة في 2013، وسبقهما إلى تولي هذه المسؤولية منور حسين (2008-2013) وقاضي حسين أحمد (1987-2008) وميان طفيل محمد (1972-1987) ومؤسس الجماعة وأول أمير لها أبو الأعلى المودودي (1941-1972).

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات للجماعة الإسلامیة فی باکستان فی الفترة لمدة عام فی منطقة

إقرأ أيضاً:

الخلافات الحدودية بين باكستان وأفغانستان: هل يمكن أن تتطور إلى مواجهة عسكرية؟

تعود جذور توتر العلاقات والخلافات الحدوديّة بين أفغانستان وباكستان إلى أكثر من قرن من الزمان، وبالرغم من مرور هذا الوقت الطويل تظلّ قضية الحدود المتنازع عليها بين الطرفين أحد أبرز عوامل التوتّر السياسي والأمني في جنوب آسيا، وهي ما يثير استغراب الكثيرين لما تربط الشعبين من أواصر الأخوة.

بقيت المناوشات والمواجهات العسكرية والأمنية بين البلدين كالجرح المفتوح رغم تغيّر النظام السياسي في كابل وتعاقب الحكومات الباكستانية المختلفة، وسط تزايد للمخاوف أن يتحوّل هذا التوتر في أي وقت إلى مواجهة عسكريّة مفتوحة، خاصة مع المناوشات العسكريّة الأخيرة على الحدود.

ديوراند خط من لهب

تنبع الخلافات بين كلّ أفغانستان وباكستان بشكل أساسيّ من مشكلة "خط ديوراند"، وهو خط حدودي يمتدّ بين أفغانستان وباكستان تمّ ترسيمه عام 1893م باتفاقية وُقعت بين حكومة "الهند البريطانيّة" والأمير الأفغاني عبد الرحمن خان، وتمّت نسبته إلى رئيس الوفد البريطاني السير هنري مارتيمور ديورند، سكرتير الشؤون الخارجية في حكومة الهند البريطانية، ويبلغ طوله 2,200 كيلومتر. وكان البريطانيون يهدفون إلى تحويل أفغانستان إلى دولة عازلة بينهم وبين روسيا القيصريّة، في سياق ما كان يسمى حينها بـ"اللعبة الكبرى".

تكمن معضلة خط ديوراند بأنّه يمرّ وسط منطقة قبائل البشتون ويقسِّمها على طرفيّ الحدود فاعترضت عليه بشدة، إذ ترى في دولة أفغانستان امتدادها العرقيّ والقبليّ، ويرى كثير من الأفغان أنّ تقسيم بلاد البشتون ليس مجرد خلاف جغرافي، بل مسألة هويّة وطنيّة عميقة، في حين وصفت الحكومات الأفغانية المتعاقبة الخط بأنّه "حدود فرضها الاستعمار"، وتراه اتفاقا غير عادل فرضته بريطانيا بقوّة السلاح، وهو ما دفع أفغانستان إلى عدم دعم عضويّة باكستان في الأمم المتّحدة، بينما اعتبرته باكستان منذ ذلك الحين حدودا معترفا بها دوليّا.

بعد استقلال باكستان عام 1947م، رفضت أفغانستان الاعتراف بالدولة الجديدة، ووصف ظاهر شاه، آخر ملوك أفغانستان، الخط بأنّه "حدود مصطنعة"، فيما دعمت الحكومة الشيوعيّة في كابل القوميين البشتون في باكستان. وصرّح الرئيسان السابقان، حامد كرزاي وأشرف غني، بأنّ البشتون يجب أن يكون لهم الحق في تقرير مصيرهم، ممّا يعكس استمرار رفض الاعتراف بالحدود من قِبل الحكومات الأفغانية المتعاقبة. وفي تصريح شهير للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، قال: "لن نعترف أبدا بخط ديوراند كحدود دوليّة بين أفغانستان وباكستان، لأنّه كان اتفاقا قسريا وغير عادل".

ديوراند بين الإسلاميين والقوميين

لا شكّ أنّ دعم حكومة باكستان لحركات المجاهدين ضد الاحتلال السوفييتي نهاية السبعينيات من القرن الماضي، لم يهدف فقط إلى مقاومة الاحتلال ودفعه بعيدا عن "المياه الدافئة" ونفط الخليج كما كان معروفا حينها، ولكنّه أيضا ضمِن لباكستان أن تكون النخبة الحاكمة في كابول -عند تحرير أفغانستان- نخبة إسلاميّة مواليّة لإسلام أباد وغير مسكونة بالأولويات القوميّة كالحدود، ممّا جعل هذه الحركات عُرضة لنقد وغضب القوميين البشتون في باكستان؛ الذين كانت لهم علاقة مع النظام الشيوعي في كابل، واتهموا المجاهدين الأفغان بأنّهم صنيعة وألعوبة بيد باكستان والولايات المتحدة الأمريكية.

عقب سقوط النظام الشيوعي، دخلت حركات المجاهدين في حرب دامية على السلطة دمّرت ما تبقى من العاصمة كابل، فراهنت باكستان على حركة طالبان الوليدة والتي سرعان ما سيطرت على البلاد وأعلنت فيها حكما إسلاميّا، ولكنّها في نفس الوقت دعمت تنظيم القاعدة الذي كان رأسه مطلوبا للأمريكيين بسبب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ما جعل باكستان -تحت الضغط الأمريكي- تتخلّى عن طالبان وتدخل حربا شرسة للسيطرة على حدودها مع أفغانستان، وأدخلت المناطق البشتونيّة التي كانت تتمتّع بشبه استقلال عن حكومة باكستان؛ إلى حظيرة الدولة، فتحوّل الصراع على الحدود للمرة الأولى في تاريخه إلى صراع مع الإسلاميين الباكستانيين البشتون، المسلحين بطموحات قوميّة عنيدة، وسمّم علاقة باكستان مع حركة طالبان، خصوصا بعد تعاون حكومة باكستان المعلن تحت قيادة الجنرال برويز مشرف، مع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.

لم يقتصر هذا الحال على فترة حكم طالبان الأولى، فقد شهدت المناطق الحدودية في السنوات الأخيرة تصاعدا في الهجمات المسلحة، وتتهم باكستان حركة طالبان أفغانستان بالسماح لمسلحي "حركة طالبان باكستان" (TTP) باستخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة لتنفيذ هجمات ضدها، وهو ما تنفيه طالبان، وقد ذكرت تقارير أمنية أنّ الهجمات عبر الحدود سجلت زيادة بنسبة 40 في المئة خلال عام 2023م، ممّا دفع باكستان إلى تعزيز وجودها العسكريّ على الحدود، وعملت على بناء سياج حدوديّ على طول خط ديوراند بطول 2,600 كيلومتر "للحدّ من التسلل الإرهابي وضمان الأمن" حسب قولها، وهو ما رأته أفغانستان محاولة لفرض واقع جديد على الحدود المتنازع عليها.

ويقدّر الجيش الباكستاني أنّه سيحتاج نحو 56 مليار روبية (532 مليون دولار) لتنفيذ مشروع السياج، مع خطط أيضا لبناء 750 موقعا حدوديا واستخدام نظم المراقبة المتطورة. ونقلت وكالة رويترز في هذا الإطار عن ضابط بالجيش الباكستاني يتولّى القيادة في الإقليم، خلال شرح لوسائل الإعلام الأجنبية، أنه "لن يكون هناك شبر واحد من الحدود الدولية ليس تحت رقابتنا".

أثار هذا الإجراء اعتراضات من قبل حكومة طالبان، وأدى إلى اشتباكات مسلحة بين الجانبين، مثل التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2024م، حيث قُتل جندي باكستاني وأصيب 7 آخرون في تبادل لإطلاق النار مع القوات الأفغانية في المنطقة الحدودية، وتتبادل القوات الباكستانية والأفغانية إطلاق النار بشكل متكرر بسبب الخلافات حول البناء على طول الحدود بالقرب من خط ديورند، مثل مقتل جندي باكستاني وإصابة 7 آخرين في كانون الأول/ ديسمبر 2024م. وفي آب/ أغسطس من ذات العام، اتهمت حكومة طالبان القوات الباكستانية بقتل ثلاثة مدنيين خلال اشتباكات على الحدود بين البلدين، ورغم تأكيد باكستان على أهمية السياج كإجراء أمني حيث صرّح وزير الداخلية الباكستانيّ السابق، أعظم سواتي: "السياج الحدودي هو ضرورة أمنية لحماية باكستان من الإرهاب العابر للحدود"، إلا أنّ أفغانستان ترى فيه تعدّيا على سيادتها الوطنيّة.

من جانبه، قال "جولاب مانجل" حاكم إقليم ننكرهار في شرق أفغانستان لرويترز إن السياج سيخلق "المزيد من الكراهية والاستياء بين الدولتين الجارتين ولن يفيد أيّا منهما، وسيخلق مشاكل كثيرة للنّاس على امتداد جانبيّ الحدود، وأنّه ما من سور أو سياج يمكن أن يفصل هذه القبائل"، كما حرّض القبائل على التحرك في وجه مشروع السياج قائلا: "أطالب القبائل بالوقوف في وجه هذا العمل".

من جانبه، صرّح ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، بأنّ "قضية خط ديوراند تحتاج إلى حل سياسي يعكس إرادة الشعب الأفغاني". وهذه التصريحات تعكس رفض الحكومات الأفغانية المتعاقبة رغم اختلاف مشاربها الفكريّة وبرامجها، الاعتراف بالخط كحدود دوليّة، بينما يرى المسؤولون الباكستانيون أنّ رفض أفغانستان الاعتراف بالحدود ما هو إلا ذريعة لتعزيز نفوذها في المناطق الحدوديّة.

الأزمات الاقتصادية وتأثيرها على التوترات

يُنظر إلى الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها كل من أفغانستان وباكستان كعامل يدفع نحو زيادة التوتر بين البلدين، وربما تستخدم التوترات الحدودية كأداة لحشد الدعم الداخلي، ووسيلة لتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية في كلا البلدين، فسوء الأوضاع الاقتصادية يخلق ضغطا على حكومتي البلدين، اللتين قد تحاولان توجيه الغضب الشعبي نحو "العدو الخارجي" من خلال تأجيج الخلاف الحدودي خاصة في أفغانستان، التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ سيطرة طالبان على الحكم عام 2021م، خصوصا مع تجميد الأصول الدولية وتوقف المساعدات. وهذا يزيد من الاعتماد على التهريب عبر الحدود لتوفير احتياجات السكان، ما يؤدي إلى تصاعد النشاط غير المشروع في المناطق الحدودية، فيما تواجه باكستان أيضا أزمة ديون وارتفاعا في التضخم والبطالة، ولا شك أنّ هذا الوضع الاقتصادي الهش يجعل الحكومة أكثر حساسية تجاه التهديدات الأمنية والاقتصادية على حدودها.

رغم كل ذلك، تشهد الحدود بين البلدين نشاطا كبيرا في التهريب والتجارة غير الرسمية، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعلى الأرجح سيؤدي التضييق الباكستاني على المعابر الحدوديّة وتشديد الرقابة وزيادة تقييد التجارة الرسمية مع أفغانستان إلى تفاقم التوتر وإلى المزيد من الاحتقان بين الطرفين، كما أنّ التوترات الحدوديّة تؤدي أحيانا إلى إغلاق المعابر الرسميّة مثل "معبر طورخم"، ما يعطل حركة التجارة ويؤثر سلبا على سكان المناطق الحدوديّة.

الجهود الدولية لاحتواء الأزمة

تحظى التوتّرات الحدوديّة بين باكستان وأفغانستان باهتمام دوليّ بسبب تأثيرها على الاستقرار الإقليميّ، والمصالح الجيوسياسيّة لكل من الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتشكّل القوى الإقليميّة والدوليّة عاملا مهما في هذا النزاع، إذ تنظر الولايات المتحدة بقلق إلى التوتّرات بين باكستان وأفغانستان، خاصة بعد انسحابها من أفغانستان في آب/ أغسطس 2021م، وتخشى من تصاعد الإرهاب الذي قد يشكّل تهديدا لمصالحها ومصالح حلفائها، خصوصا من أن يتم استخدام المناطق الحدودية "كقاعدة للجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش"، في وقت تُعتبر باكستان شريكا استراتيجيا في الحرب ضد الإرهاب، وتحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على علاقات قوية معها لضمان تعاونها في مكافحة الإرهاب، كما أنّها تحاول الإبقاء على طالبان ضعيفة، وتضغط على باكستان لتقليص أي دعم قد تحصل عليه الحركة من شبكات الناشطة على الحدود.

أمّا الصين وروسيا فتسعيان إلى لعب دور الوسيط لتجنب صراع مسلح قد يزعزع الاستقرار في المنطقة، ويؤثر سلبا على مشاريعهما الاستراتيجية والاقتصادية خاصة الصين. وتدعو بكين إلى التهدئة والحوار، نظرا لمصالحها الاقتصادية والأمنيّة في المنطقة، خاصة الممّر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، فاندلاع مواجهة عسكريّة أو توترّات يمكن أن تؤثر على مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تنفذها الصين في باكستان، ويُعدّ الحفاظ على الاستقرار الإقليميّ ضروريّ لإنجاح هذه الاستثمارات.

كما أنّ الصين قلقة من إمكانيّة تسلّل الجماعات المسلحة من أفغانستان إلى منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة، إضافة إلى أنّها تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة كقوّة اقتصاديّة وسياسيّة، وهو ما يتطلب تهدئة التوتّرات التي يمكن أن تعطّل مشاريعها. وقد أكد "وانغ يي"، وزير الخارجية الصيني، على ضرورة الحوار، قائلا: "يعتمد السلام الإقليمي على قدرة باكستان وأفغانستان على حل خلافاتهما الحدوديّة بطرق سلميّة".

أمّا روسيا، تحاول لعب دور الوسيط الإقليميّ، وتشعر بالقلق من تأثير عدم الاستقرار في أفغانستان وباكستان على الدول المجاورة مثل طاجيكستان وأوزبكستان، التي تعتبرها مناطق نفوذ لها، كما أنها ترى أنّ الجماعات الإرهابية في أفغانستان تشكّل تهديدا أمنيا للدول الحليفة لها في آسيا الوسطى.

أمّا عن الدور الهنديّ، فإنّ نيودلهي طالما حافظت على علاقة طيبة مع كابُل، ورغم أنّ هذه العلاقات قد شهدت فتورا وتراجعا في عهد طالبان الأول، فهي اليوم تتقدّم بخطى ثابتة خصوصا في مجالات التجارة والبنية التحتية والدعم الإنسانيّ، ولطالما اتّهمت باكستان الهند بمحاولة تقويض أمنها من دعم الموقف الأفغاني وإسناد المجموعات الباكستانية الانفصاليّة، كجزء من استراتيجيتها الإقليمية.

وهناك خشية دوليّة من تفاقم الأزمة الإنسانية، وأن يؤدي الصراع إلى زيادة أعداد النازحين وتعطيل المساعدات الإنسانيّة في المناطق الحدوديّة، وبحسب تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، فإنّ "أي صراع حدودي سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة بالفعل في أفغانستان".

لا شكّ أنّ الخلافات الحدوديّة بين باكستان وأفغانستان قضيّة معقّدة تتداخل فيها العوامل التاريخيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، ورغم أنّ الوضع الاقتصادي الصعب للدولتين والوشائج الثقافيّة لا تشجعان على حدوث حرب مفتوحة، يبقى خطر اندلاع مواجهة عسكرية أمرا محتملا في ظل استمرار التوتّرات وتصاعد الهجمات المتبادلة، فيما يتطلب الحلّ إرادة حقيقية لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وإلا ستبقى الحدود بين البلدين بؤرة صراع تهدّد الاستقرار الإقليميّ.

مقالات مشابهة

  • الخلافات الحدودية بين باكستان وأفغانستان: هل يمكن أن تتطور إلى مواجهة عسكرية؟
  • جميل الأسد.. إمبراطور الشبيحة وإمام جمعية المرتضى
  • باكستان: وافقنا على شروط قرض جديد بمليار دولار
  • باكستان تكشف عن موافقتها على شروط بنكين في الشرق الأوسط لمنحها قرض بمليار دولار
  • حلمي النمنم عن دعوات 25 يناير: للخارج الداخل واستمرار التمويل للجماعة
  • باسم نعيم: السبت المقبل تبدأ عودة النازحين لمناطق شمال غزة
  • المؤلف حاتم حافظ بعد تعرضه لوعكة الصحية: «مفيش حاجة دايمة»
  • السعودية تعتزم شراء حصة بمشروعين في باكستان
  • ليلى عز العرب تنفي تاريخ ميلادها المتداول: “أنا من مواليد برج الأسد”
  • باسم نعيم: القضية الفلسطينية جزء من الأمن القومي المصري