الجزيرة:
2025-03-16@14:59:47 GMT

ديلوماسية المساجد.. قوة المغرب الناعمة في أفريقيا

تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT

ديلوماسية المساجد.. قوة المغرب الناعمة في أفريقيا

مراكش- في جمعتين متتاليتين من العشر الأواخر من شهر رمضان، اختار المغرب أن يفتتح مسجدين عظيمين يسعان لآلاف المصلين، وبطابع هندسي ومعماري مغربي فريد، في كل من العاصمة الغينية كوناكري، وأبيدجان عاصمة ساحل العاج، وكلاهما يحمل اسم الملك محمد السادس.

وأعادت هذه المناسبة الحديث عن "دبلوماسية المساجد" التي يسلكها المغرب، بصفتها قوة ناعمة، لتقوية حضوره في القارة الأفريقية، إذ يشرف المغرب على شبكة واسعة من المساجد في أفريقيا، وهو ما يؤكده الأكاديمي محمد بوبوش للجزيرة نت، مما يمنح المغرب نفوذًا كبيرًا بين الجاليات المسلمة، وهو يستخدم هذه الدبلوماسية للتأثير على بعض هذه الجاليات، بما يتماشى مع أجندته الخاصة.

ويؤكد الأكاديمي المغربي خالد الساقي للجزيرة نت أن "اهتمام المغرب ببناء المساجد في البلاد الأخرى، لا يزيد على إحياء العلاقات التاريخية التي بدأت بدخول الإسلام إليها، فهو يمزج الروحي بالتاريخي بحياكة لطيفة متكاملة"، ويضيف أن "مفهوم الدبلوماسية نفسه يصير مبنيا على أركان مقدسة لا تزحزحها الخلافات، وكل خلاف يصير بعد ذلك تافها أمام العَقد الروحي".

المحلل السياسي محمد اشتاتو للجزيرة نت "المغرب يستفيد من الزعامة الروحية للملك، وانتماء معظم المسلمين في أفريقيا للطريقة التيجانبية" (الجزيرة) دبلوماسية دينية

يسلك المغرب دبلوماسية تمزج بين الدين والسياسة والاقتصاد، معتمدا على التعاون جنوب- جنوب وسيلة لتعزيز حضوره في القارة الأفريقية، واضعا في أجندته المساهمة في تحقيق التنمية والاستقرار، ومواجهة خطابات التطرف.

ويؤكد الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي محمد اشتاتو للجزيرة نت أن "المغرب يستفيد في ذلك من الزعامة الروحية للملك، وانتماء معظم المسلمين في أفريقيا للطريقة التيجانبية، الذين يعتبرون زيارة مدينة فاس المغربية بمثابة الحج الأصغر، مقارنة مع زيارة الكعبة بمكة المكرمة ومسجد رسول الله بالمدينة المنورة"، مبرزا أن هذا الانتماء يكون حاسما أيضا في المنافسة على تولي الحكم في عدد من البلدان الأفريقية.

وفي السياق ذاته يشرح أستاذ العلاقات الدولية محمد بوبوش أن "المحدد الديني يسهم في تدعيم علاقة المغرب بكثير من الدول الأفريقية، ذلك أنه قد أعاد صوغ علاقته بالتيجانيين الذين ينتشرون في مختلف البلدان الأفريقية على امتداد منطقة الساحل والصحراء، ودفع هذه العلاقة باتجاه بناء علاقة جديدة، تقوم على تمكين أتباع الزاوية التيجانية بأدوار دبلوماسية، تسهم في تقوية الروابط بين المغرب وبلدان أفريقية".

الطراز المعماري المغربي في مسجد محمد السادس في عاصمة غينيا كوناكري (الصحافة المغربية) عمق أفريقي

ويعتمد المغرب على عمقه الأفريقي لتقديم تجربته في الأمن الروحي، بإطلاق عدد من المبادرات بهدف تعزيز التعاون المغربي الأفريقي في المجال الديني، ويشرح أستاذ العلوم السياسية محمد بنطلحة الدكالي للجزيرة نت أن من أبرز تلك المبادرات، إنشاء "معهد محمد السادس للأئمة والمرشدين" و "مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة"، والتي تضم 150 عضوا، من بينهم 17 امرأة من 31 دولة أفريقية.

ويفترض أن تشكل هذه المبادرات الأداة الأساسية للقوة الناعمة للمغرب في أفريقيا، وتعزيز مكانته على المستوى الديني والسياسي والأمني، ومساهمته في محاربة التطرف والإرهاب، معتمدا على أمرين أساسيين، أولهما اعتباره نموذجا للأمن والاستقرار، وثانيهما اشتراكه مع دول غرب أفريقيا في هوية دينية مشكلة من الإسلام السني المعتدل.

فيما يوضح الأكاديمي اشتاتو، معتمدا على مشاهداته خلال زيارته لعدد من البلدان الأفريقية، أن المغرب اعتمد على نشر المدارس القرآنية والمعاهد الدينية، والخط المغربي الذي وصل إلى حد استعماله في كتابة لغات أفريقية محلية، ونشر الطابع المعماري المغربي استمرارا لحضوره التاريخي في القارة، ويضيف أن "زعماء قبائل وعشائر محلية، مازالوا يحافظون بصفة رمزية على خروج السلطان الى العامة راكبا جواده كتقليد مغربي أصيل".

محاربة التطرف

يُجمع المحللون والمراقبون أن المغرب يستعمل دبلوماسيته الدينية من أجل مواجهة التطرف الديني في أفريقيا، إذ تشكل خطة المغرب لتصدير تجربته في "الأمن الروحي" إلى أفريقيا جزءًا من رؤية إستراتيجية أوسع، تهدف للمساهمة في جهود مكافحة التطرف، وتعزيز السلام في منطقة الساحل والصحراء، وفي نهاية المطاف ترسيخ الحضور الإقليمي للمملكة على المستوى الدولي.

ويوضح الأكاديمي بوبوش أن "الأمن الروحي للمغرب لا ينحصر داخل حدوده الجغرافية، وإنما يمتد إلى دول الجوار، كما أن التطرف الديني هو وباء ككل الأوبئة التي تتطلب مكافحتها التصدي لها خارج الحدود الوطنية، والمغرب يعي مسؤوليته الدينية والروحية تجاه دول أفريقية، التي يجمعها بالمغرب إسلام متشبع بنفس القيم المبنية على الوسطية والاعتدال، وبنفس تعاليم التسامح والانفتاح على الآخر".

بدوره يقول الأكاديمي المغربي بنطلحة إن "التاريخ المشترك بين المغرب وغرب أفريقيا يؤهله -بحكم مرجعيته الدينية- لتحقيق الأمن الروحي، عبر دبلوماسية دينية تستقي أنموذجا لإسلام سني وسطي ومعتدل، وذلك من أجل تحصين المجتمعات الأفريقية من كل مظاهر التطرف".

ويؤكد على "وظيفة المسجد السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ صدر الإسلام وبداية الدعوة المحمدية، مما يقوي توظيفها اليوم في كل تلك المجالات، ومنها الترويج لخط سياسي معين، لتوجيه السياسة العامة للأمة وخطها السياسي المتزن".

أستاذ العلوم السياسية محمد بنطلحة الدكالي للجزيرة نت "المسجد يسهم بتوجيه السياسة العامة للأمة وخطها السياسي المتزن" (الجزيرة) بُعد اقتصادي

كان من اللافت سياسيا وإعلاميا أن يقوم الملك محمد السادس بزيارات متكررة إلى أفريقيا، تهدف بشكل رئيس إلى تعزيز علاقات المغرب السياسية والاقتصادية، وأن يحضر أيضا صلاة الجمعة في عدد من عواصم القارة، كما حرص على توزيع آلاف النسخ من المصحف الشريف، ولقاء عدد من الزعماء الدينيين ومشايخ الصوفية.

علاوة على ذلك، يستفيد المغرب من الاستثمار في السياسة الدينية المتطورة والموجهة نحو أفريقيا، لتقوية مجالات التعاون الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمارات والتبادل التجاري، وتنويع شراكاتها الثنائية مع الدول الإفريقية، كما أن طموح المغرب في أن يكون زعيما دينيا في أفريقيا يحظى بدعم وتشجيع من قبل القوى الإقليمية والدولية، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى.

ويبرز اشتاتو أن "هذه الدول تعتبر المغرب جسر عبور إلى القارة الأفريقية، والتي تعتبر بحق مستقبل العالم، بتوفرها على مناجم متنوعة أصبحت معادنها ضرورية في مجال التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي" وفق تعبيره، ويبرز أن المؤشرات واضحة لهذا التوجه، بتصاعد استعمال معبر الكركرات من قبل العربات والشاحنات القادمة من أوروبا، والمتوجهة الى العمق الأفريقي أو القادمة منه.

ويضيف أن "المغرب يعتبر اليوم أن التعاون الروحي الأمني ركيزة من الركائز الداعمة والمكملة لسياسته العملية، التي تعزز تعاون جنوب جنوب، وتنويع شراكاته الإستراتيجية في المجالين الاقتصادي والتنموي مع نظرائه الأفارقة، مستدلا بالوجود القوي لمؤسسات اقتصادية متنوعة، تستثمر في مجالات حيوية مثل البنوك وقطاع المواصلات".

"كما أن المغرب يستقطب عددا من الطلبة الأفارقة، ويقدم لهم المنح الجامعية، ليصبح العديد منهم سفراء للمغرب في بلدانهم، بل منهم من تقلد مناصب سياسية، كان لها الأثر الإيجابي على الوجود المغربي في أفريقيا" حسب قول اشتاتو.

المملكة المغربية الشريفة ???????? ، و الدبلوماسية الدينية في القارة الأفريقية.

صور من افتتاح مسجد محمد السادس في عاصمة كوت ديفوار الشقيقة ، ابيدجان pic.twitter.com/kmhpqBWfNo

— هشام السنوسي (@Pirana_dusahara) April 5, 2024

تحديات

وعلاوة على ذلك، يقول الأستاذ الباحث خالد الساقي إن "دبلوماسية يعضدها البعد الروحي، هي دبلوماسية تغتنم ركنا ذا بال إضافي، علاوة على ما تذهب إليه أي دبلوماسية أخرى".

ويشير إلى أن "المساجد المغربية تمتاز بهالة خاصة، نتيجة جمال المعمار وإبداع الصانع وبهاء الصنعة، وفوق كل ذلك الوقع الروحي على الناظر وعلى كل زائر، سواء كان مسلما أو غير مسلم، فالعابد يلج عالما تسوده السكينة الروحية، والزائر السائح يهيم في عالم الجمال بما تلذ عينه من أشكال وألوان وتناسق لا يمله، حتى تكاد روحه تلامس روحانية المشهد، ولكل نصيبه من هذه الصروح".

وبالرغم من كل المقومات التي يقدمها المغرب للحفاظ على مصالحه في أفريقيا باستعمال دبلوماسيته الدينية، معتمدا على تنظيم نفسه جيوسياسيا، ورفع مكانته في العلاقات مع حلفائه من الدول الغربية، فإنه يواجه تحديات أخرى ذات بعد محلي أو إقليمي، لعل أهمها المنافسة مع المرجعيات الدينية الأخرى، ومواجهة القوى المناوئة لوحدته الترابية، علاوة على مصارعته من أجل تحقيق نموذجه التنموي الجديد وترسيخ العدالة الاجتماعية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات القارة الأفریقیة محمد السادس فی أفریقیا للجزیرة نت معتمدا على فی القارة عدد من

إقرأ أيضاً:

مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد “جواثا” ثاني مسجد صليت فيه الجمعة في الإسلام

المناطق_واس

يجمع مسجد جواثا الذي بني في العام السابع للهجرة ويقع في محافظة الأحساء بالمنطقة الشرقية، بين التاريخ الإسلامي والإرث العمراني الأصيل، ليصبح اليوم أحد مساجد المرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، فهو ثاني مسجد صُليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام، بعد أول جمعة شهدها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وأحد المساجد التي تتميز بطرازها المعماري وأقواسه الداخلية ومحاربه ونوافذه وأبوابه.

ويعود بناء مسجد جواثا إلى بني القيس الذين أسسوا المسجد بعد وفادتهم الثانية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما كانت جواثا عاصمة مدينة هجر القديمة إبان ظهور الإسلام، حيث يعد المسجد قريب جدًا من عمارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتوي على ثلاثة أروقة وتقسيم مرتبط بالمناخات المختلفة طوال العام، ويمتاز بقرب عناصره المعمارية من المقياس الإنساني وهو ما سيحتفظ به مشروع التطوير.

أخبار قد تهمك مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يستعرض المراحل ومسارات التنفيذ 13 مارس 2025 - 6:54 مساءً جوازات جسر الملك فهد.. حراك وسرعة إنجاز في خدمة المسافرين خلال شهر رمضان 13 مارس 2025 - 2:36 مساءً

ويطور مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية في مرحلته الثانية بناء مسجد جواثا (https://goo.gl/maps/5yA7icZLWN2ejtuQ7 )، الذي تبلغ مساحته 205.5 م2، وتصل طاقته الاستيعابية إلى 170 مصليًا قبل وبعد التطوير، على الطراز المعماري للمنطقة الشرقية الذي يناسب طبيعة المنطقة الساحلية ومناخها الحار الذي يتطلب جودة التهوية من خلال النوافذ والفتحات والشرفات وسعة الأفنية.

ويأتي مسجد جواثا ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية في مرحلته الثانية التي شملت 30 مسجدًا في جميع مناطق المملكة الـ13،‎ بواقع 6 مساجد لمنطقة الرياض، و5 مساجد في منطقة مكة المكرمة، و4 مساجد في منطقة المدينة المنورة، و3 مساجد في منطقة عسير، ومسجدين في المنطقة الشرقية، ومثلهما في كل من الجوف وجازان، ومسجدًا واحدًا في كل من الحدود الشمالية، تبوك، الباحة، نجران، حائل، والقصيم.

ويعمل مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية على تحقيق التوازن بين معايير البناء القديمة والحديثة بطريقة تمنح مكونات المساجد درجة مناسبة من الاستدامة، وتدمج تأثيرات التطوير بمجموعة من الخصائص التراثية والتاريخية، في حين يجري عملية تطويرها من قبل شركات سعودية متخصصة في المباني التراثية وذوات خبرة في مجالها، مع أهمية إشراك المهندسين السعوديين للتأكد من المحافظة على الهوية العمرانية الأصيلة لكل مسجد منذ تأسيسه.

يُذكر أن إطلاق المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية أتى بعد الانتهاء من المرحلة الأولى التي شملت إعادة تأهيل وترميم 30 مسجدًا تاريخيًا في 10 مناطق.

وينطلق المشروع من أربعة أهداف إستراتيجية، تتلخص بتأهيل المساجد التاريخية للعبادة والصلاة، واستعادة الأصالة العمرانية للمساجد التاريخية، وإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتعزيز المكانة الدينية والثقافية للمساجد التاريخية، ويسهم في إبراز البُعد الثقافي والحضاري للمملكة الذي تركز عليه رؤية 2030 عبر المحافظة على الخصائص العمرانية الأصيلة والاستفادة منها في تطوير تصميم المساجد الحديثة.

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد: دبي تبني مستقبلاً مزدهراً مع تمكين المجتمع بالقيم
  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العظام ويحفظ تاريخًا يمتد إلى 14 قرنًا
  • خمسة حكام مغاربة يمثلون التحكيم المغربي في كأس الأمم الإفريقية لأقل من 17 سنة
  • فى رمضان.. أنشطة دعوية بمختلف المساجد بمراكز ومدن أسوان
  • حمدان بن محمد: تعاون القطاعين الحكومي والخاص لدعم المشاريع الخيرية يجسّد رسالة دبي الإنسانية
  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد الروساء بالمجمعة
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 172 سلة غذائية في قرية الناعمة بمحافظة جبل لبنان بجمهورية لبنان
  • لقجع: ملاعب المغرب ستستضيف 52 مباراة في كأس أمم أفريقيا
  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد “جواثا” ثاني مسجد صليت فيه الجمعة في الإسلام
  • مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يستعرض المراحل ومسارات التنفيذ