عام من الصراع.. كيف توسعت دائرة المعارك في السودان؟
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
اتسعت دائرة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ودخلت في المعارك ولايات كانت بمنأى عن القتال الذي اقترب من دخوله عامه الثاني، ما يهدد بزيادة معاناة النازحين الذين اتخذوا من تلك الولايات ملاذا من جحيم الحرب، وفق مختصين وناشطين.
وفي أحدث تطور ميداني، تعرضت ولاية القضارف، الواقعة شرقي البلاد، لقصف بطائرات مسيرة، وذلك بعد أيام من هجوم مماثل على إفطار رمضاني في مدينة عطبرة بشمال السودان، أقامته "كتيبة البراء بن مالك" التي تقاتل إلى جانب الجيش.
وفي حين لم يصدر اتهام رسمي من الناطق باسم الجيش، لقوات الدعم السريع بالوقوف وراء عمليات القصف، اتهم ناشطون ومنصات إعلامية مقربة من الجيش، قوات الدعم السريع بالتورط في الهجوم.
وفي المقابل، نفت قوات الدعم السريع أي علاقة لها بالهجوم الذي جرى في عطبرة، ولاحقا في القضارف والفاو، بحسب ما قاله مستشار قائدها، الباشا طبيق، لموقع الحرة في وقت سابق.
قلق على النازحين
ورفع تمدد القتال إلى ولايات، كانت خارج دائرة المعارك، مستويات القلق المحلي والدولي على النازحين الذي هربوا إلى تلك الولايات تفاديا لنيران القتال.
ويشير عضو غرفة الطوارئ في مدينة القضارف، عمر مصطفى، إلى أن "تمدد القتال إلى الولاية سيضع النازحين وسكان الولاية أمام خطر نزوح جديد".
وقال مصطفى في حديثه لموقع الحرة، إن "ولاية القضارف تضم آلاف النازحين الذين وصلوا إليها هربا من الحرب في الخرطوم وكذلك من الحرب في الجزيرة".
ولفت إلى أن "ولاية القضارف تعد أكبر الحواضن التي تأوي لاجئين من دول الجوار السوداني، كونها تضم أكثر من 3 معسكرات قديمة، بجانب عشرات دور الإيواء الجديدة".
وتقدر إحصاءات غير رسمية عدد النازحين في مدينة القضارف بنحو نصف مليون شخص، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد النازحين يقترب من 2 مليون نازح في ولاية نهر النيل، في الحدود الشمالية لولاية الخرطوم.
حرب الأطراف
ولم تتوقف المعارك التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع، في 15 أبريل 2023، على العاصمة، الخرطوم، وحدها، إذ سرعان ما انتقلت إلى دارفور، بغرب السودان.
وأرجع المختص في شؤون دارفور، عمر إسحق، تمدد القتال إلى ولايات دارفور إلى "الأوضاع الأمنية الهشة، والصراع المجتمعي والقبلي في الإقليم".
وقال إسحق لموقع الحرة، إن "انتقال حرب الخرطوم إلى دارفور يبدو منطقيا لأن الإقليم لايزال يعاني من آثار الحرب الطاحنة التي نشبت في 2003 واستمرت تداعيتها لنحو 20 عاما".
ولفت إلى أن "هناك صراعا قبليا بين مكونات الإقليم، إذ تساند القبائل العربية قوات الدعم السريع، بينما تساند القبائل غير العربية الحركات المسحلة والجيش، ما عجل بانتقال الحرب إلى دارفور".
المعارك العسكرية مستمرة في الخرطوم ومناطق أخرى
"متشددون ومرتزقة".. هل يُخرج المقاتلون الجدد أزمة السودان عن السيطرة؟
مع اقتراب الحرب في السودان من إكمال عامها الأول، اتسعت دائرة المعارك بصورة غير مسبوقة، ودخلت تشكيلات قتالية جديدة على خط القتال، بينما يخطط الوسطاء لاستئناف المحادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع في جدة بالسعودية
ومع انتقال الصراع إلى دارفور، كثفت قوات الدعم السريع عملياتها العسكرية، وتمكنت من السيطرة على ولاية جنوب دارفور، وتبع ذلك سيطرتها على ولاية غرب دارفور، ثم وسط دارفور، وشرق دارفور، لتبسط سيطرتها على أربع من أصل خمس ولايات في دارفور.
وتعيش ولاية شمال دارفور، العاصمة التاريخية للإقليم الذي كان مستقلا عن السودان حتى عام 1916، وضعا استثنائيا، وخاصة عاصمتها الفاشر، إذ توجد قوات الدعم السريع، في أحياء شرق المدينة، بينما توجد الحركات المسلحة والجيش في الأجزاء الأخرى.
كانت قوات الدعم السريع حشدت مسلحيها للهجوم على مدنية الفاشر، لكنها تراجعت بعد تفاهمات مع قادة الحركات المسلحة التي كانت تقف على الحياد، حسبما ذكر نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في وقت سابق.
لكن في مارس الماضي غيّرت حركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان، الرئيسيتان في دارفور، موقفها المحايد، وشاركتا في القتال إلى جانب الجيش، ما جعل الدعم السريع تعلن ولاية شمال دارفور هدفا لعملياتها العسكرية.
ويرى إسحق أن "الهجوم على الفاشر، عاصمة ولاية دارفور، سيضع ملايين النازحين أمام خطر كبير، على اعتبار أن المدينة تضم ضحايا الحروب الطاحنة التي عاشها الإقليم".
ولفت إلى أن "قوات الدعم السريع حشدت أعدادا ضخمة من عناصرها، في ما بدا أنه استعداد للهجوم على الفاشر، وفي المقابل رفعت الحركات الدارفورية المسلحة والجيش وتيرة الاستعداد لصد أي هجوم على المدينة".
ونفذ سلاح الجو التابع للجيش السوداني، الاثنين، غارات جوية مكثفة على تمركزات قوات الدعم السريع بمدينة الفاشر، في محاولة لإضعاف قوتها وتحركاتها للسيطرة على كامل المدينة.
معارك الوسط
في الشهور الأولى للحرب، شنت قوات الدعم السريع موجات هجومية مكثفة للاستيلاء على عدد من مقار للجيش في وسط الخرطوم، لكن محاولاتها فشلت، إذ بسط الجيش سيطرته على مقر قيادته العامة التي تضم وزارة الدفاع والوحدات العسكرية الرئيسية.
وبسط الجيش أيضا سيطرته على منطقة الشجرة العسكرية، في جنوب الخرطوم، وسلاح الإشارة، وسلاح الأسلحة في الخرطوم بحري، بجانب سلاح المهندسين في أم درمان.
ويسيطر الجيش كذلك على منطقة "وداي سيدنا"، التي تقع في أم درمان، وتعد من أهم القواعد العسكرية، كونها تضم قيادة سلاح الجو، وزادات أهميتها مع اندلاع المعارك الحالية في السودان.
ولعب سلاح الجو التابع للجيش دورا محوريا في العمليات القتالية الدائرة حاليا، إذ كثف طلعاته الجوية على تمركزات قوات الدعم السريع، منذ الساعات الأولى لتفجر القتال بين الطرفين.
ولاية الجزيرة شهدت حالات من النزوح عقب استيلاء الدعم السريع على مدينة ود مدني
إدارة مدنية في الجزيرة وتحالف عسكري بالخرطوم.. هل دخل السودان مرحلة التقسيم؟
تزامنا مع تحركات يقودها الجيش، لتنفيذ عملية عسكرية في الولاية، نشرت منصات إعلامية تابعة لقوات الدعم السريع، معلومات عن تشكيل إدارة مدنية، لإدارة شؤون ولاية الجزيرة، بوسط السودان.
في المقابل، سيطرت قوات الدعم السريع على القصر الجمهوري، وعلى مقار عدد من الوزارات، وكذلك المنطقة العسكرية الاستراتيجية في وسط الخرطوم، بجانب مقر التصنيع الحربي، ومطار الخرطوم الدولي، ومنطقة جبل الأولياء العسكرية في جنوب الخرطوم.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، منتصر مأمون، أن "الحرب ستشهد في عامها الثاني تحولات كبيرة، لأن الطرفين أدخلا عناصر جديدة على خط الصراع، ما ينذر بمعارك ضارية"، مشيرا إلى "صعوبة التكهن بمآلات القتال والغلبة الميدانية".
وقال مأمون لموقع الحرة، إن "الجيش تمكن من إقناع حركات دارفور المسلحة التي كانت تقف على الحياد، واستمالها إلى جانبه، وأصبحت جزءً من صفوفه القتالية، ما يشير إلى أن الجيش ربما يحقق ما عجز عن تحقيقه خلال العام الأول للحرب".
وأضاف: "في المقابل، حصلت قوات الدعم السريع على طائرات بدون طيار بقدرات قتالية متقدمة، مكنتها من شن هجمات على مناطق بعيدة، ما يعني أن الولايات التي كانت في مأمن من القتال، ربما تفقد هذا الوضع الآمن".
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "القتال سيكون أشد ضراوة، إذا فشلت جولة المحادثات المرتقبة بين الجيش والدعم السريع، في 18 أبريل، بمدينة جدة في السعودية".
وفي ديسمبر الماضي، بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على ولاية الجزيرة، بوسط السودان، ما أدخل ولايات الوسط في دائرة المعارك، وخاصة ولاية سنار وولاية القضارف الحدودتين مع الجزيرة.
ولايزال الجيش يسيطر فعليا على الولايتين، بينما تشن قوات الدعم السريع هجمات للسيطرة عليهما، لتأمين وضعها في ولاية الجزيرة، وفق أستاذ العلوم السياسية.
ويسيطر الجيش على عدد من الولايات، التي لم تشهد أي عمليات عسكرية، مثل ولاية البحر الأحمر، وولاية كسلا في شرق السودان، وولاية النيل الأزرق في الجنوب الشرقي، بجانب ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، بشمال السودان.
وفي إقليم كردفان في غرب البلاد، تشهد ولاية شمال كردفان هجمات مستمرة من قبل الدعم السريع لإنهاء سيطرة الجيش على الولاية.
بينما شهد الصراع في ولاية جنوب كردفان دخول طرف ثالث، هو الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي هاجمت عددا من مواقع سيطرة الجيش.
ولا ترتبط الحركة الشعبية، وهي حركة كانت تقاتل نظام الرئيس السابق، عمر البشير، بأي تحالف معلن مع قوات الدعم السريع، ما أوجد تساؤلا عن دخولها في مواجهات مع الجيش.
ويقول إسحق، إن "الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، لا تساند أي طرف من أطراف الحرب في السودان، وهدفها هو توسيع مناطق سيطرتها، بما يضمن لها أن تكسب أكثر في مائدة التفاوض، إذا قررت الدخول إلى المسار التفاوضي".
وأضاف: "ليس من المستعبد أن تكون الحركة الشعبية تخطط لزيادة رقعة سيطرتها ونفوذها، حتى إذا ما قررت الانفصال عن السودان، وهو خيار مطروح عند عدد من قادها، تكون مهدت لقيام دولتها في رقعة جغرافية أكبر وأوسع".
ومنذ أكثر من شهرين، تشن قوات الدعم السريع هجمات على مقر قيادة الجيش في مدينة بابنوسة، بولاية غرب كردفان، في محاولة للاستيلاء على الولاية الخاضعة لسيطرة الجيش بدرجة كبيرة.
وأدى القتال منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان "حميدتي"، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص. وأسفر عن نزوح نحو ثمانية ملايين آخرين، بينهم أكثر من 1.5 مليون لجأ إلى الدول المجاورة، بحسب الأمم المتحدة.
وتسبب النزاع بكارثة إنسانية، إذ يحتاج حوالي 25 مليون شخص، أي ما يعادل أكثر من نصف السكان، إلى المساعدات، بينهم نحو 18 مليونا يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي، وفق بيانات الأمم المتحدة.
الحرة / خاص - واشنطن
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الحرکة الشعبیة ولایة القضارف ولایة الجزیرة لموقع الحرة فی السودان إلى دارفور القتال إلى فی المقابل بین الجیش فی مدینة الحرب فی أکثر من عدد من إلى أن
إقرأ أيضاً:
38 قتيلا بالفاشر واتهامات للدعم السريع بارتكاب عنف جنسي
أسفر هجوم شنته قوات الدعم السريع بطائرة مسيّرة عن 38 قتيلا على الأقل في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، في حين اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قوات الدعم السريع بارتكاب أعمال عنف جنسي في السودان.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن بيان لتنسيقية "لجان المقاومة-الفاشر" ارتفاع حصيلة قتلى "مجزرة" حي أولاد الريف بالفاشر إلى 38 منذ وقوع الهجوم في وقت متأخر السبت.
وكانت التنسيقية قالت في بيان سابق "قصفت طائرة مسيرة إستراتيجية تابعة للمليشيا، ليلة أمس، حي أولاد الريف وسط المدينة بـ4 صواريخ شديدة الانفجار"، معلنة مقتل 3 مدنيين وإصابة أكثر من 20 آخرين بجروح خطيرة.
وترزح مدينة الفاشر منذ أشهر تحت وطأة حصار تفرضه قوات الدعم السريع، كما تشهد اشتباكات توصف بالأكثر عنفا، في ظل سيطرة قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور.
ومساء الجمعة، نفّذت قوات الدعم السريع هجوما آخر بطائرة مسيّرة على مستشفى رئيسي في الفاشر، وفقا لوزارة الصحة التابعة للحكومة السودانية.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن 9 أشخاص قُتلوا وأصيب 20 بجروح في هذا الهجوم، في حين أفاد طبيب بأن المنشأة اضطرت إلى التوقف عن العمل.
من جانب آخر، أورد إعلام مجلس السيادة الانتقالي تصريحات لقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قال فيها إن "العالم غير مهتم بما يجري في السودان"، مشيرا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن فك الحصار عن الفاشر، والتي لم يتم تنفيذها بجانب استمرار إمداد المليشيا بالسلاح".
إعلانوخلال تفقده مواقع للجيش بمنطقة البطانة، أفاد البرهان بأن ما سماها "معركة الكرامة" مستمرة بفضل الإسناد الشعبي، مؤكدا أنه "لا تفاوض ولا هدنة" مع المتمردين.
"عنف جنسي"من جهتها، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش "قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة" معها في السودان بارتكاب أعمال عنف جنسي واسعة النطاق في جنوب البلاد التي تشهد حربا دامية منذ أكثر من عام ونصف العام.
وأكّدت المنظمة -في تقرير نشرته الاثنين- أن "عشرات النساء والفتيات، تراوح أعمارهن بين 7 سنوات و50 عاما، تعرّضن للعنف الجنسي في ولاية جنوب كردفان".
وبحسب "هيومن رايتس ووتش"، تعرضت الكثير من الضحايا للاغتصاب الجماعي في منازلهن أو منازل جيرانهن أو أمام عائلاتهن، بينما اختطفت بعضهن واستُعبدن.
واعتبرت المنظمة أن هذه الحالات من العنف الجنسي "انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي، وجريمة حرب" داعية "الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى التحرك بشكل عاجل لمساعدة الضحايا، وحماية النساء والفتيات الأخريات، وضمان العدالة في هذه الجرائم الشنيعة".
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر حذّر الشهر الماضي -أثناء زيارة للسودان- من "وباء عنف جنسي" تتعرض له النساء، محذرا من أن نطاق هذه الاعتداءات "غير مقبول".
وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول، قالت الأمم المتحدة في تقرير إن جرائم الاغتصاب في السودان أصبحت "معممة"، في حين أوضحت المنظمة الأممية أنها أجرت تحقيقا أكد أن معظم أعمال الاغتصاب ارتكبتها قوات الدعم السريع.
وقال رئيس البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان محمد شاندي عثمان في بيان "لقد صعقنا بالنطاق المهول للعنف الجنسي الذي نقوم بتوثيقه في السودان".
وأضاف عثمان، الذي يرأس هذه البعثة التي أُسِّست أواخر العام الماضي من جانب مجلس حقوق الإنسان لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في البلاد منذ بدء الصراع في أبريل/نيسان 2023، "لا يوجد مكان آمن في السودان الآن".
إعلانواندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وقد خلفت هذه الحرب عشرات آلاف القتلى، وشردت أكثر من 11 مليون سوداني، وتسببت -وفق الأمم المتحدة- بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، في ظل اتهامات متبادلة بين طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب عبر استهداف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية.