الأصل في أعيادنا نحن المسلمين أنها أعياد فرحة، فرحة بالطاعة التي وفقنا الله تبارك وتعالى لأدائها، راجين منه قبولها، وأن يشفعها فينا يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة" وقال: "للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه".
وإذا كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم عدم اجترار الأحزان، فيما مضى من حياة الإنسان، لكنه ماذا يفعل والأحزان تطارده لا على مدار يوم واحد، وليس على مدار حادث واحد، بل على مدار ستة أشهر، يصبحنا ويمسينا العدو الصهيوني بجراح وأحزان كبرى، تنفطر لها القلوب، خسائر كبرى على مستوى البشر والحجر، وإن كان على مستوى الآخرة فهم أحياء عند ربهم يرزقون.
كان للموت في الريف المصري جلال وخشية، واحترام شديد، يراعي فيه الناس مشاعر بعضهم بعضا، فالجار لو لديه حفل عرس، يؤجل لما بعد أربعين يوما من وفاة الجار، لو كانت وفاته وفاة طبيعية، ولو كان رجلا مسنا رقد في فراش المرض سنوات، وكان الموت راحة له، ولو كان طفلا صغيرا لم يبلغ شهورا معدودة، فيظل الألم ألما لجار، لا بد أن تراعى حرمة الموت، وحرمة الجار.
وكان التلفاز لا يفتح طوال هذه المدة، ولو حدث وفتحه الجيران، يضطرون إلى خفض الصوت إلى أخفض درجاته، ويدخلون به في غرفة بعيدة عن الشارع المقابل للجار، حرصا على مشاعره، وكانت مراعاة مشاعر الحزن لدى القريب والجار، خلقا أصيلا في الناس.
صحيح أن بعض ذلك لا ينطلق من صحيح سنة ولا قرآن، بخصوص هذا الفعل، لكنه ينطلق من عموم النصوص التي توصي بالجار، وترفض ما يؤذيه ولو بمشاعر بسيطة، ومن يمارسون غير هذه الأفعال بما لا يراعي حال أهل غزة ومصابهم، لا يفعلون ذلك من باب الالتزام بالسنة أو صحيح الدين، وإلا لكانوا اليد الأولى التي تمتد بالعون لهم بكل أنواعه وألوانه، وليس بمد يد العون للعدو.
عيد الأطفال في كل مكان لعب ولهو، وألعاب نارية، أخشى ما يخشاه الآباء والأمهات عليهم منه، أن يكون منضبطا، كألعاب، لا تخرج عن ذلك، بينما عيد أطفال غزة يقضى، على وقع صوت البارود والنار، وأحدث أنواع الأسلحة والمتفجرات، يقع فوق الرؤوس والأجساد.
أعياد الناس في كل الأصقاع، يتقاضى فيه الأطفال هداياهم المالية والعينية، بما يسمى: العيدية، ولكن عيد الأطفال في غزة لا يجدون شيئا من أي شكل من أشكال العيدية التي يعرفها كل طفل في عيده، سواء كان عيدا إسلاميا: فطر وأضحى، أو عيدا دينيا يتبع ديانة أخرى، أو عيدا كالكريسماس، والذي يعيش فيه أطفال العالم وحولهم شجرة الكريسماس، فلا يعيش الغزاوي المسلم ولا المسيحي عيده كما يعيشه مثيله في أي بقعة من بقاع الأرض.
كنت أتصور هذه المشاعر، وأعيشها، وأنا أكتب المقال ليلة العيد، في آخر يوم من رمضان، فما عساني أن أجد معاني أخرى يمكن أن تجول في خاطري حول العيد، غير مشاهد الفقد واللوعة والحزن والألم؟! وظننت أن الألم أكبر من أن يتعالى عليه أهل غزة أطفالا ورجالا ونساءا، لكن جاء يوم العيد، ورأيت الساعات الأولى منه، يحاول أهلها الفرح بوجودهم معا، وكل يبذل ما في وسعه ليفرح ويفرح الآخرين.
مشاهد بسيطة، لكنها جعلت من عيد تخلى فيه الجميع عن أهل غزة عيدا له طعم في أفواه أهله، رغم ما تنطوي عليه ضلوعهم من الجوى والحزن، لكنها بأشياء بسيطة فاقت أعيادا تنفق عليها دول بترولية أمولا طائلة في احتفالات ومهرجانات، لأن الفرح والرضا منبعه قلب الإنسان، لا جيبه.
كنا نقول منذ طوفان الأقصى، بأن سلوك أهل غزة، شعبا ومقاومة، يجعلنا نحسبهم على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نزكي على الله أحدا، في صبرهم وثباتهم، وفي رضاهم على قضاء الله، وإن يوما كيوم عيد الفطر، لهو شاهد ودليل على ما رزقهم الله من هذا الثبات والإيمان به، فقد عاش الناس في ساعات قليلة، ما بين شعيرة العيد والفرح الذي يتعبدون إلى الله به، وبين الصبر والمقاومة والثبات وهم يتقربون إلى الله كذلك به.ولم يمض ساعات من يوم العيد، وسط الفرحة البسيطة التي عاشها أهل غزة، حتى أتاهم غدر العدو كعادته، فقام بضربات لم تتوقف طوال ستة أشهر، طالت هذه المرة ثلاثة من أبناء أبو العبد هنية، وبعض أحفاده، ليصله الخبر وهو يزور مجموعة من جرحى غزة في أحد المستشفيات، فيرد صابرا محتسبا، ويكمل جولته وتفقده للجرحى، محتسبهم عند الله شهداء، شأنه في ذلك شأن كل أب مكلوم في غزة، وكل جد فقد أحفاده وذويه.
أبو العبد الذي كان مادة لشائعات تطاله منذ أيام، لا هدف من ورائها سوى تشويه صورته، تارة بأنه وأبناؤه ينعمون بالراحة والدعة في الخليج، وتارة بخبر مكذوب بأنه كان يحتفل بعروس جديد له، ليأتي خبر استشهاد أبنائه وذويه، ليكون الخبر الصادق بعرس حقيقي لآل هنية، كما هو عرس لكل بيت في غزة، كأس دار على جل بيوت غزة.
كنا نقول منذ طوفان الأقصى، بأن سلوك أهل غزة، شعبا ومقاومة، يجعلنا نحسبهم على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نزكي على الله أحدا، في صبرهم وثباتهم، وفي رضاهم على قضاء الله، وإن يوما كيوم عيد الفطر، لهو شاهد ودليل على ما رزقهم الله من هذا الثبات والإيمان به، فقد عاش الناس في ساعات قليلة، ما بين شعيرة العيد والفرح الذي يتعبدون إلى الله به، وبين الصبر والمقاومة والثبات وهم يتقربون إلى الله كذلك به.
قل أن يعيش الكاتب ويتقلب في مقال واحد، بين كل هذه المشاعر، فيحار في بدايته ليكون تصبيرا وتثبيتا عن اختلاف عيدهم عن أعيادنا، وأطفالهم عن أطفالنا، فيفاجئونك بأنهم فرحوا بطريقتهم، وبشكل ما وإن اختلف في مظهره عن أعياد أخرى، لكن جوهره الفرح الذي قال عنه الله تبارك وتعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).
وبين شهادة وقصف، يقابل بثبات عجيب، لكنها غزة وأهلها، التي لم يكن سؤال الكثيرين عنها: كيف حدث ذلك؟ إلى: كيف ثبت هؤلاء، ولماذا؟ وماذا لديهم من رصيد يجعلهم بهذا الثبات؟ إنه الإيمان الذي يرزق أهله الرضا، والذي يقابل أي بلاء بجملة واحدة، تعلمناها من رسولنا صلى الله عليه وسلم يوم الطائف، حين قال: إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي.
كل عام وغزة بخير وعافية، وأهلها ثابتون، وإلى نصر الله وعزته متطلعون واثقون.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة احتلال فلسطين غزة رأي حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وسلم إلى الله أهل غزة
إقرأ أيضاً:
25 ألف زائر لمتحف عُمان عبر الزّمان خلال إجازة العيد الوطني
هلال السليماني والعُمانية: بلغ عدد زوار متحف عُمان عبر الزمان في ولاية منح بمحافظة الداخلية خلال إجازة العيد الوطني الـ 54 المجيد قرابة 25 ألف زائر من داخل سلطنة عُمان وخارجها، لاستكشاف عالم المتحف ومقتنياته في صورة تتكرر عند كل إجازة، وقد طاف زوار المتحف أركانه وقاعاته، في رحلة سفر عبر الذاكرة الحية لعصر النهضة، وتطواف عبر المكان والزمان، واستشعار لهيبة التاريخ وسجلاته وأسفاره، في رحلة تقتضي الوعي بمسارات التاريخ ومفرداته وألوانه وتشكلاته، وقراءة في الصفحات الممتدة عبر العصور والأزمنة؛ فمعروضات المتحف تستعرض بداية من التشكل الجيولوجي لأرض عُمان، قاعتين ثريّتين بمحتواهما ومقتنياتهما.
ويبحر الزائر بين جغرافيا سلطنة عُمان وتاريخها، متأملًا ماضيها وحاضرها ومستشرفًا مستقبلها عبر "رؤية عمان 2040"، بشكل تفاعلي وباستخدام تقنيات العرض المتحفي وتوظيف تقنية الواقع المعزز، إضافة إلى المقتنيات الأثرية التي يستعرضها المتحف بين جنباته.
وينتقل الزائر في رحلة سردية عبر الزمن تبدأ من أواخر عصور ما قبل التاريخ وإلى يومنا الحاضر، وتنقسم قاعات العرض الدائمة إلى قاعتين: قاعة التاريخ وقاعة عصر النهضة، ويقدم المتحف ومضات وإشراقات وتجليات توثقها تقنية الواقع المعزز، فعلى الزائر أن يستطلع عبر ثقافته وخبرته دوائر المكان وإيحاءات الزمان؛ فالشاشات العملاقة المبهرة، والمجسمات المنتشرة، والرسومات الموضحة، والكتابات، والمقتنيات، والتذكارات المتوزعة، كلها مقتنيات ومعروضات تشي بأن الإنسان العُماني كان في مركز الحضارة، يؤثر فيها ويتأثر بها، ويصنع الحدث تارة، ويستجيب لمتطلبات التكيف والامتزاج تارة أخرى، وفي كل من هذه وتلك، يحتفظ لنفسه بالكينونة والشخصية، وقد رصد المتحف حركة التاريخ وحركة الإنسان على هذه الأرض، ويستشعر الزائر أثر الأئمة الأجلاء والسلاطين الأماجد، مما يقتضي الوقوف أمام تلك الحقب التاريخية ثم الانطلاق منها في مسيرة النهضة المتجددة بأبعادها المختلفة.
وقال المهندس اليقظان بن عبدالله الحارثي مدير عام متحف عُمان عبر الزمان إنّ المتحف يُمثل وجهة سياحية متكاملة لمختلف فئات المجتمع ويسهم بشكل كبير في التعريف بالهُوية العُمانية وتاريخ عُمان العريق وتنوعه الجيولوجي والجغرافي، بالإضافة إلى منجزات النهضة المباركة بما زُوّد به من تقنيات حديثة فضلا عن توافر العديد من الخدمات والتسهيلات والإمكانات التي تجعله وجهة للزائرين طوال العام.
وأضاف أن إدارة المتحف وضعت العديد من التسهيلات والإجراءات لاستقبال الأعداد الكبيرة من الزوار خلال هذه الإجازة من ضمنها، إسناد عدد إضافي من الموظفين، وإشراك المجتمع في بعض الأنشطة التطوعية والاستثمارية، وتمديد ساعات الزيارة والحجز المسبق عبر الموقع الإلكتروني للمتحف إلى جانب الكثير من التسهيلات التي تمكّن الزائر من الدخول للمتحف والتعرّف على تاريخ عُمان ونهضتها المتجددة من خلال قاعات العرض المتحفي (قاعة التاريخ / قاعة عصر النهضة) والاستمتاع بمرافق المتحف المتنوعة المخصصة لخدمة الزوار.
وأكد على أن إدارة المتحف سعت خلال الفترة الماضية إلى تسهيل عملية حجز التذاكر عن طريق مجموعة من الخدمات الإلكترونية التي تم توفيرها عبر موقع المتحف للتسهيل على الزوار القادمين للمتحف.
وتستعرض قاعة التاريخ حقبة دولة اليعاربة من خلال عرض صوتي ومرئي فائق الدقة وخرائط افتراضية، وفي نهاية القاعة يتناول جناح دولة البوسعيديين أربع مراحل رئيسية، هي فترة تأسيس الدولة، وفترة الإمبراطورية العُمانية، وفترة انقسام الحكم بين مسقط وزنجبار، وفترة الطريق إلى النهضة، كما يتم تسلّيط الضوء على مظاهر الحياة اليومية والإنجازات التي تحققت في شتى ميادين الحياة خلال فترة حكم الأئمة والسلاطين، وترتكز وسائل العرض المتحفي في هذه القاعة على الوسائط الرقمية لإيجاد بيئات افتراضية متعددة الأبعاد، تمكن الزائر من معايشة الواقع الافتراضي لكل عصر، إضافة إلى ذلك تحتوي القاعة على مجموعة منتقاة من الشواهد المادية والخرائط لإضفاء حالة من الواقعية.
أما في قاعة النهضة المباركة، التي تم تصميم مدخلها على شكل فضاء مفتوح تتوسطه أعمدة مهيبة، فهي تشكل فضاء تفاعليًا لمنظومة العرض الصوتي والمرئي فائقة الدقة، حيث يتم استعراض الأعوام الخمسة الأولى من عمر النهضة المباركة، وتمثل القاعة ذروة تجربة الزائر إلى المتحف ومحوره الأساسي، حيث تستعرض جوانب التطور والازدهار والنماء في سلطنة عُمان.
وتتناول القاعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والصناعية والسياسية التي شهدتها سلطنة عُمان، مع المحافظة على مكنونات هويتها الأصيلة وتقاليدها الثقافية العريقة، وتحتوي القاعة على وسائل متحفية رقمية تفاعلية تستعرض الخطابات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، والخطابات السامية للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-.