ثلاث مسلمات رئيسية تؤسس قراءة مستقبل الاحتلال وحارسه الاقليمي العربي: أولها تُرسم بمقولات النبوءة بنهاية الكيان الغاصب وهي قراءات كثيفة ترى أن ما حدث في غزة مؤشر صلب على بداية نهاية الاحتلال. أما المسلمة الثانية فتستند إلى التحوّل الكبير في توجهات الرأي العام العالمي من المشروع الصهيوني ومن صورة إسرائيل في المخيال الغربي خاصة.
تؤطر هذه المسلمات الثلاثة حالة قصوى من العجز والشلل العربي الشعبي والنخبوي من خلال غياب الحدّ الأدنى من ردة الفعل الجماهيرية تجاه الجرائم المرتكبة. كل هذه المعطيات الأولية التأويلية منها والموضوعية تتأتى من بشاعة الفعل الاستعماري الذي خلق موجة عالية من الاستنكار عبر العالم.
بناء على ما تقدم كيف يمكن تبين مستقبل المشروع الصهيوني في الأرض المحتلة خاصة مع ما سبق المذبحة من تقدم قطار التطبيع الرسمي مع الاحتلال؟ وكيف يمكن رصد الحلول التي ستتوخاها الصهيونية إثر الهزيمة المعنوية الكبيرة التي منيت بها عالميا في غزة؟ وما مصير حزامها العربي بعد انفضاح دوره الداعم للاحتلال وجرائمه؟
الصهيونية أزمة وجودية
ليس تنجيما ولا رجما بالغيب ما يتردد من أن الحركة الاستيطانية في الأرض المحتلة تواجه خطرا وجوديا ملموسا وهو ما صرّح به أكثر من مسؤول صهيوني وأقرّه أكاديميون يهود من كبار الباحثين. نقصد بالأزمة الوجودية ما يطرح من تساؤلات عن إمكانيات الاحتلال البقاء في فلسطين وقدرته على الصمود ودحر المقاومة.
فقد أظهرت معركة طوفان الأقصى مستوى وهن الكيان وكيف نجحت المقاومة الفلسطينية بإمكانياتها العسكرية البسيطة في التوغل إلى داخل المستوطنات حتى شارفت على بلوغ الضفة الغربية في غضون ساعات قليلة. انهارت الدفاعات الصهيونية وعجزت عن استيعاب الصدمة وهو ما يفسر ردة الفعل الدموية التي توختها في هجومها على غزة.
بعد ذلك فشلت آلة الحرب العملاقة التي حركتها وشاركت فيها كل أقوى الجيوش العالمية في القضاء على المقاومة وذلك بعد أكثر من نصف عام من جرائم الإبادة. حيث لا تزال قواتها تتكبد خسائر فادحة في العتاد والأرواح إلى اليوم دون أن تتمكن من القضاء على كل جيوب المقاومة في القطاع.
أما أكبر خسائرها الوجودية فتظهر في مستويين:
ليس تنجيما ولا رجما بالغيب ما يتردد من أن الحركة الاستيطانية في الأرض المحتلة تواجه خطرا وجوديا ملموسا وهو ما صرّح به أكثر من مسؤول صهيوني وأقرّه أكاديميون يهود من كبار الباحثين. نقصد بالأزمة الوجودية ما يطرح من تساؤلات عن إمكانيات الاحتلال البقاء في فلسطين وقدرته على الصمود ودحر المقاومة.يتمثل المستوى الأول في تبخّر اليقين الصهيوني الذي أرسته آلتها الإعلامية داخليا بأن أرض الميعاد أرض آمنة يطيب فيها العيش. لكنها ظهرت للأجيال الجديدة أرضا مسلوبة يرفض أهلها التنازل عن شبر منها كلّفهم ذلك ما كلفهم من الشهداء والتضحيات. تدرك الأجيال الجديدة في الداخل الاسرائيلي أنها لن تأمن في العيش بسلام على أرض مغتصبة وأن موجة طوفان الأقصى ستعقبها موجات أكبر في المستقبل لا من الداخل الفلسطيني فقط بل من كل دول الطوق العربية يوما ما.
أما المستوى الثاني فيتجلى في ما أحدثه طوفان الأقصى من موجة عالية من الوعي بجرائم الاحتلال أعاد إلى الأذهان جرائم النازية ومذابح الدكتاتوريات العسكرية في التاريخ الحديث. استفاق المجتمع الغربي على بشاعة الجرائم الصهيونية وعلى صفحات دامية من الإبادة والتقتيل والتطهير العرقي وهو ما نسف كليا ما رسخته السرديات الصهيونية في العقل الغربي عبر القوة الناعمة من فن وسينما وثقافة ومناهج تعليمية طوال أكثر من سبعين سنة.
هذان المستويان الداخلي والخارجي هما اللذان يؤشران بقوة على أن المشروع الصهيوني في فلسطين التاريخية قد وصل إلى طريق مسدود لأن انهيار السردية التاريخية التي تمد المشروع بالحياة قد سقطت ولا يمكن إصلاحها.
مأزق الاستبداد العربي
تحليليا لا يمكن الخوض في بلوغ المشروع الصهيوني أولى محطات نهايته دون تبيّن أصلب أحزمة هذا المشروع وأشدها شراسة وعمقا ممثلة في النظام الرسمي العربي. لقد ثبت اليوم أنّ الدور الإقليمي المركزي للأنظمة العربية إنما يتمثل في حماية حدود الكيان من كل تهديد قد يأتيه من الدول العربية وخاصة مصر والأردن ولبنان وسوريا. كما ظهر بالدليل أن دولا خليجية معلومة تموّل المحتل ماديا واستخباراتيا وتجاريا لحماية نظامها من كل تهديد شعبي أساسا.
لم يكن مشروع التطبيع الذي ذهبت فيه الأنظمة العربية أشواطا متقدمة إلا دليلا على التحام المشروعين أي المشروع الصهيوني مشروع الاحتلال الخارجي ومشروع النظام العربي الذي هو مشروع احتلال داخلي. فالمشروعان يهدفان إلى منع الأمة وشعوبها من بلوغ القدرة على المقاومة التي تتضمن استعادة الأرض المحتلة وإسقاط أنظمة القمع الحارسة للمحتل والحامية لمشروعه.
أزمة الاستبداد العربي تتفاقم يوما بعد يوم وعلى كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بعد أن أوصد الوكيل العربي كل أبواب المصالحة مع شعبه وأغلق كل مخارج التنفيس القادرة على منع الانفجار الاجتماعي كما هو واضح في مصر والجزائر ودول الخليج. لم تقدم السلطة العربية أية بدائل عن حالة الاحتقان الكبيرة التي تعيشها مجتمعاتها بل تواصل خيار الهروب إلى الأمام في انتظار السقوط الكبير.أزمة الاستبداد العربي تتفاقم يوما بعد يوم وعلى كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بعد أن أوصد الوكيل العربي كل أبواب المصالحة مع شعبه وأغلق كل مخارج التنفيس القادرة على منع الانفجار الاجتماعي كما هو واضح في مصر والجزائر ودول الخليج. لم تقدم السلطة العربية أية بدائل عن حالة الاحتقان الكبيرة التي تعيشها مجتمعاتها بل تواصل خيار الهروب إلى الأمام في انتظار السقوط الكبير.
اقتصاديا لن يكون في مقدور الأنظمة العربية مهما ضخّت فيها من المليارات مواصلة السير على طريق مسدود بل إنها معرّضة حتما وضرورة إلى انفجارات كبيرة ستكون أكبر وأعمق من ثورات الربيع الأخيرة.
أما الكفيل الصهيوني فلن يكون بمقدوره استنباط حرب جديدة على الإسلام أو على الإرهاب الإسلامي كما يحلو له تسميته بعد انكشاف خطورته على المجتمعات الغربية نفسها وعلى صورتها ومصالحها عبر العالم. صحيح أن فاتورة طوفان الأقصى كانت ثقيلة جدا لكنها حققت أهم أهدافها بأن وضعت الكيان المحتل على محكّ وجودي يوضع فيه لأول مرة في تاريخه. إنّ التقارب المعلن إلى حدود الالتحام بين المشروعين الصهيوني والاستبدادي العربي يمثل طورا متقدما في أطوار وضوح التحالفات في المنطقة ويشكل في الوقت نفسه دليلا قاطعا على أن شراسة المحتل والمستبد ضد مطلب الحرية هي آخر أطوار الصراع الوجودي معهما في بلاد العرب اليوم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة فلسطين الحرب احتلال فلسطين غزة حرب مآلات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المشروع الصهیونی الأرض المحتلة طوفان الأقصى أکثر من وهو ما
إقرأ أيضاً:
ولاية المتغلب.. بين صيانة الدماء وتمكين الاستبداد
ويتفق أهل السنة والجماعة على أن الشرع جعل أمر الحاكم موكولا إلى مبدأ الشورى بين المسلمين، وترك لهم الاجتهاد في الطرق والأساليب التي يتحقق بها هذا المبدأ.
وناقشت حلقة (2024/11/20) من برنامج "موازين" موضوع الحاكم أو الوالي المتغلب، وحدود طاعة هذا الحاكم، وواجب العلماء حيال حالات التغلب المعاصرة.
وعن الطرق التي تثبت بها شرعية الحاكم في الإسلام، يوضح أستاذ النظرية السياسية المساعد في جامعة صنعاء هاني المغلس أن الأصل في مسألة تولي السلطة هو الاختيار، وهو أمر مجمع عليه عند أهل السنة، وقد تولى الخلفاء الراشدون الخلافة عبر الاختيار الطوعي والحر، وعلى هذا الأساس جرت الممارسة الإسلامية في العهد الأول.
وقال المغلس إن وسائل وآليات إسناد السلطة في الفترات اللاحقة لم تقتصر على الاختيار وحده، بل وجدت آليات أخرى عندما اتجه الفكر الإسلامي إلى البحث في تكييف الاختيار مع الواقع المتغير، مشيرا إلى نقاشات عديدة أجريت بشأن هذه المسألة.
وأشار الأستاذ اليمني إلى أن التغلب -ويعني أن يفرض شخص إرادته على الأمة- بدأ بعد انقضاء فترة الخلافة الراشدة مباشرة.
من جهته، يعرّف المفكر الإسلامي المغربي محمد طلابي -في حديث لبرنامج "موازين"- التغلب بأنه "اعتماد القوة الصلبة في الوصول إلى الحكم وإدارته"، وقال إن التغلب بدأ بعد ما سماها "فوبيا الفتنة الكبرى"، والتي أدت إلى شتات الأمة ووقوع مذابح فيها.
ورأى أن" الفتنة الكبرى هي بداية تشكل التغلب وفقه التغلب"، مشيرا إلى أن التغلب ظهر نتيجة ظروف موضوعية وليس لظروف ذاتية عند حاكم ما.
وعما إذا كان المتغلب يعد وليا للأمر رغم اغتصابه السلطة، أوضح المفكر المغربي أن "القاعدة في النص القرآني هي أن السلطة للأمة، لكن في تاريخ المسلمين احتكر الحاكم هذه السلطة".
كما اعتبر أن "الخروج عن الحاكم بات ضرورة تاريخية" في المرحلة الحالية، ولكن ليس عن طريق العنف السياسي، بل عن طريق ما سماه الرأس المدني، أي الانتفاضات المدنية كما حصل في تونس واليمن وسوريا وغيرها من الدول العربية.
ويستشهد أستاذ العقيدة في كلية الشريعة بجامعة قطر حسن الخطاف في مداخلته ضمن برنامج "موازين" بآيات قرآنية تثبت أن الله -عز وجل- قرن الطاعة به وبرسوله عليه الصلاة والسلام، ومنها قوله عز وجل في سورة النساء ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾.
وقال الخطاف إن الله -عز وجل- لم يذكر كلمة الطاعة في حديثه عن ولي الأمر، وقال ﴿وأولي الأمر منكم﴾ حتى يبين الله تعالى حدود الطاعة وأنها ليست مطلقة، لأن الله تعالى هو المشرع والنبي الكريم هو المشرع، و"من ينفذ الأحكام هو الحاكم وولي الأمر، أي أن لهما سلطة تنفيذية فقط وليست تشريعية".
وقال الخطاف إن الطاعة تكون بالمعروف "وإذا تجاوز الحاكم حدوده فلن تكون له طاعة مطلقا".
وعن الموقف الشرعي من الانقلابات العسكرية، اعتبر أن الأمر لا يجوز إذا كان الانقلاب جاء بغرض غصب حق الأمة في الترشيح والترشح.
20/11/2024