نتنياهو.. بين غريزة الانتقام وهواجس الهزيمة
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
يقف نتياهو اليوم موقفا في غاية الحرج والقلق والتوتر والخوف في آن معا؛ فهو يحاول جاهدا تحقيق انتصار عسكري بأي طريقة، يحتمي به من أزمات تنتظره، وأوقات عصيبة سيمر بها بعد انتهاء الحرب، فهو يعتقد أن تحقيق نصر من أي نوع وبأية طريقة سيكون مبررا قويا له في مواجهة خسائر الحرب المادية والمعنوية والاجتماعية التي يتربص له بها معارضوه وكارهوه، وفي الوقت نفسه يحاول إطالة أمد الحرب مهما كانت كلفتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية؛ فأزمته الشخصية ترافق كل تصرفاته وقراراته وتصريحاته، وباتت الغالبية من الشعب اليهودي بمن فيهم كثير من مؤيديه يدركون بأنه متورط في حرب سيكون لتوقفها الآن وقع الكارثة عليه وعلى حزبه والموالين له في حكومته، وأنه في حال فشله سيعطي الفرصة لأعدائه السياسيين لينتقموا منه ويلقوه في مزبلة التاريخ.
ولأنه يدرك كل هذا، فهو مستعد لحرق الكيان المحتل، والاستمرار في الاستهانة بالقرارات الدولية، والمواقف المعارضة لسياساته في الغرب الذي بات حانقا على إجراءاته العسكرية التي أصبح العالم كله مقتنعا بأنها تشكل جريمة حرب وإبادة جماعية، وتطرف عنصري مقيت. واستخفاف بكل القيم الإنسانية والأخلاقية والقوانين الدولية..
وعلى الرغم من التظاهرات التي باتت تشكل عبئا ثقيلا عليه وعلى حكومته، إلا أنه مصر على الاستمرار في سياساته المفرطة في التطرف، والبعيدة كل البعد عن مصالح الكيان المحتل، في ظل تفاقم أزمات لا عدّ لها على كل المستويات، ويشكل عدد القتلى والجرحى والمعاقين المتفاقم، والأوضاع الاقتصادية، وقضية الأسرى لدى المقاومة، ونزوح مئات الآلاف من المستوطنين من غلاف غزة وشمال فلسطين الأثر الأكبر على المجتمع اليهودي، إضافة إلى ما تشكله هذه التظاهرات من عبء نفسي ثقيل عليه وعلى حكومته.
إلى ذلك، فإن نتنياهو يحاول جر إيران إلى ساحة المعركة؛ ليفجر الأوضاع في المنطقة برمتها؛ فهو يعلم، يقينا، بأن ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي تسبب في مقتل عدد من المستشارين، وعلى رأسهم "محمد رضا زاهدي"، ثاني أكبر قائد في الحرس الثوري الإيراني، لن يمر بسلام، ويعلم بأن إيران سترد هذه المرة، وأن أحداً لن يلومها جراء ردها العسكري، بمن فيهم الولايات المتحدة التي صرحت خارجيتها بأن الاعتداء على السفارة يعدّ اعتداءً على البلد الذي تمثله السفارة؛ فنتنياهو يسعى لتوسيع رقعة الحرب، على حساب المصلحة العامة للكيان وشعبه، وعلى حساب الولايات المتحدة ودول أوروبا الداعمة له.
إن الحقيقة التي لا يفهمها نتنياهو أن ما يقوم به من أعمال إجرامية وما يفكر في القيام به في ساحات أخرى، مؤشر كبير على أن الكيان الصهيوني لن يعمر طويلا في الشرق الأوسط، وحوله ملايين الغاضبين من العرب والمسلمين، ولن تكون الطائرات قادرة على صد مئات الآلاف من المتطوعين للقتال في فلسطين، حين يجد الجد، وتبدأ المعركة الفاصلة.وليس هذا وحسب، بل إنه يعمل جاهدا على توسيع نطاق الحرب مع حزب الله، ليشعل الجبهة اللبنانية، وليقوم بتنفيذ مجزرة أخرى في مدن الجنوب وقراه، وصولا إلى بيروت، ومدن أخرى؛ ليضمن ولاء المتطرفين من اليهود، ويجبر المعارضين على السكوت ولو مؤقتا. وهو مستمر في ضرب أهداف إيرانية وأهداف لحزب الله والجيش السوري في سوريا؛ ذلك أنه ماض في استفزاز كل الأطراف المناوئة له في المنطقة، وهو غير عابئ مطلقا بالسفن التي تتعرض لصواريخ الحوثيين، مع أن سياسته الفاشية هي سبب ما تتعرض له السفن الغربية المتوجهة أصلا للكيان المحتل، فهو المستفيد من وصولها، إلا أنه لا يعير الأمر كبير اهتمام، وكأنه بريء من أسباب التعطّل والخسارة اليومية جراء قصف الحوثيين للسفن التي تعبر من مضيق هرمز في طريقها إليه..
إن ما يفكر به نتنياهو لا يخرج عن كونه تفكيرا شيطانيا، قد يجر المنطقة إلى حرب كبرى، ولا أستبعد أن تكون شرارة تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، لا سيما بعد التغيّر الذي طرأ على مواقف روسيا والصين تجاه الكيان بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد قطاع غزة، وتجاه التدخل الأمريكي الصارخ في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا في ظل إدارة بايدن التي تتخبط في سياساتها تجاه عدة ملفات وبؤر توتر، أهمها قطاع غزة والضفة الغربية والاستيطان وحل الدولتين، ثم الحرب الأوكرانية الروسية، ومشكلة الصين مع كل من الفلبين وتايوان، بالإضافة إلى مشكلتها المتجددة مع الهند، وصراع الكوريتين وتهديدات كوريا الشمالية باستخدام السلاح النووي ضد الولايات المتحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات التي طرأت على علاقة كل من الصين وروسيا مع كوريا الشمالية، من جهة، وبين روسيا والصين من جهة أخرى، خصوصا بعد الانحياز الصلب من قبل الولايات المتحدة وأوروبا لأوكرانيا؛ مما دفع الصين وروسيا لأول مرة إلى التحالف بعد ما يشبه القطيعة لفترة طويلة من الزمن، بعد أن أدركتا النوايا الغربية تجاه كل منهما، فخروج أوكرانيا منتصرة وانضمامها إلى حلف الناتو ليس في مصلحة الصين، وليس روسيا فقط.
ويتضح من السياسة التي يتخذها نتنياهو في المنطقة أنه يتصرف بدون أدنى إحساس بالمسؤولية، ولم يعد تهمه ردود أفعال من أي طرف، ولا أية نتائج سلبية يمكن أن يتسبب بها لأي طرف..
ومما ذكر فإن نتنياهو يسعى لإطالة عمر الحرب في غزة وفتح جبهات جديدة؛ ليحقق ما يلي:
1 ـ إطالة عمر حكومته وبقائه في الحكم على حساب الأسرى وموقف الكيان أمام العالم.
2 ـ إقحام الولايات المتحدة في حروب ليست مستعدة لها، وستعمل على تشويه صورتها أكثر مما هي مشوهة بسبب دعمها الحرب على غزة..
3 ـ محاولة صناعة نصر بعد أن فشل في غزة بضرب العمق اللبناني، وإحداث دمار كبير فيه.
4 ـ استغلال رد فعل إيران الذي قد يطلق صواريخ ذات قوة تدميرية كبيرة إلى قلب الكيان؛ فيقوم بضرب المفاعل النووي الإيراني، هو ما يعتقد أنه سيقوي موقفه ويحصل على تأييد الشعب اليهودي، ويمنحه شيئا من الحضور الدولي؛ لا سيما أن إيران منبوذة في الدوائر الغربية.
ومنذ أيام قليلة قامت طائرات الاحتلال بضرب مدينة بعلبك في شمال لبنان، وهو ما يؤشر على نواياه في توسيع رقة الحرب مع حزب الله الذي يناور هو الآخر، ويتلاعب بأعصاب قوات الاحتلال.
إن الحقيقة التي لا يفهمها نتنياهو أن ما يقوم به من أعمال إجرامية وما يفكر في القيام به في ساحات أخرى، مؤشر كبير على أن الكيان الصهيوني لن يعمر طويلا في الشرق الأوسط، وحوله ملايين الغاضبين من العرب والمسلمين، ولن تكون الطائرات قادرة على صد مئات الآلاف من المتطوعين للقتال في فلسطين، حين يجد الجد، وتبدأ المعركة الفاصلة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب غزة فلسطين الاحتلال احتلال فلسطين غزة رأي حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو عديم الثقة
فى عرف السياسة الإسرائيلية على وجه الخصوص أنه أثناء الحرب لا يمكن إحداث تغير على مستوى القيادات الكبيرة.
وفى عرف السياسة الأمريكية تجاه حليفتها إسرائيل أن قرار تغير فى رأس جيش الاحتلال على مستوى الوزير لا بد أن يتم التشاور فيه
ولكن نتنياهو ارتكب حماقتين ضد الكيان الصهيونى الذى يرأس وزراءه وضد الولايات المتحدة الأمريكية فما الذى حدث!
فى خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 عن إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت، وتعيين يسرائيل كاتس خلفًا له. جاء القرار وسط خلافات حادة بين نتنياهو وجالانت بشأن استراتيجيات الحرب المستمرة، خصوصًا فيما يتعلق بالمواجهة مع حماس والوضع الأمنى على عدة جبهات، من ضمنها الحدود اللبنانية. وأوضح نتنياهو أن «فجوات كبيرة» و«أزمة ثقة» بينه وبين جالانت كانت السبب وراء هذه الإقالة، معتبرًا أن الثقة الكاملة ضرورية بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع خلال الحرب.
إقالة جالانت أثارت ردود فعل واسعة فى الداخل الإسرائيلى، حيث خرجت احتجاجات فى عدة مدن، منها تل أبيب وحيفا والقدس، تعبيرًا عن المعارضة لقرارات نتنياهو، وتخوفًا من التأثيرات المحتملة على الاستقرار الداخلى والأمنى لإسرائيل. ويعزو بعض المراقبين هذه الاحتجاجات إلى تزايد الاستقطاب السياسى والتوتر بين القيادة السياسية والعسكرية فى إسرائيل، خصوصًا فى ظل استمرار الضغوط الخارجية والحاجة الملحة للتعامل مع الأوضاع الأمنية الحساسة فى المنطقة.
نتنياهو لم تصبه أزمة ثقة فى جالانت وفقط وإنما يخطط ايضًا لإقالة رئيس الشاباك أكبر مؤسسة أمنية فى إسرائيل.
لا يوجد تفسير لتلك الأفعال غير أن نتنياهو أصيب بحالة من فقدان الثقة فى نفسه أولاً وقدرته على تحقيق الأهداف التى أعلنها من وراء تلك الحرب الطويلة التى ارتكب فيها مجازر لم تشهدها المنطقة منذ قرون.
نتنياهو محبط ويعانى من احساس الهزيمة، وبالتالى فقد الثقة فى كل من حوله وهى بداية النهاية لأى سياسى.
[email protected]