8 أبريل 1898م …معركة النخيلة … فاتنا التذكر …
الجنود السودانيين Black Corps
اليوم 10 أبريل 2024م والأحداث الساخنة أنستنا التذكر فمرت قبل يومين ذكرى موقعة النخيلة بين جيش الدولة المهدية بقيادة محمود ود أحمد والجيش المصري بقيادة كتشنر.

موقع النخيلة في الشط الشمالي لنهر عطبرة على بعد حوالي 50 كلم من مقرن عطبرة والنيل ، وكانت أكبر معركة قبل كرري في 2 سبتمبر 1898م.

الجيش المصري كان فيه جنود وضباط وضباط صف سودانيين من الجغرافيا السياسية لحكمدارية السودان المصري ، وكلمة سودان Sudan وسوداني Sudanese وقتها كانت تعني أسود منبت قبليا Detribalized ، هكذا بكل بساطة ووضوح ، وتفسير ذلك أن العسكرية التركومصرية عند بداية تأسيس حكمدارية السودان بعد الغزو في 1821م اعتمدت على التجنيد الإجباري للقبائل الأفريقية السوداء من دينكا وشلك ونوير ونوبة من جبال النوبة ومن الهمج والفونج والبرون في جنوب النيل الأزرق.

هؤلاء كان يتم إقتيادهم بصحبة عائلاتهم إلى معسكرات في أسوان وأشرف على تدريبهم ضابط فرنسي أتى مع حملة نابليون وتوظف مع محمد علي باشا إسمه سيف Seve اعتنق الإسلام وصار سليمان باشا الفرنساوي.

هؤلاء الجنود السود Sudanese عاشوا جيلا بعد جيل في معسكرات الجيش التركومصري ، وتوالدوا وتناسبوا ونسيت أجيالهم الجديدة اللغات الأصلية لآبائهم وأمهاتهم وتحدثوا باللغة العربية باللهجة المصرية وصار ولائهم قويا للمنظومة العسكرية المصرية ولحكومة أفندينا (الخديوي) وأنقطعت صلاتهم بقبائلهم الأصلية ولذلك أطلقت عليهم بعض مصادر التاريخ مصطلح المنبتين Detribalized وتعني مقطوعين من شجرة أنسابهم القديمة ، وهم في الحقيقة كونوا قبيلة جديدة متعاضدة متكاتفة وكانت لهم مؤسساتهم المجتمعية داخل الجيش التركومصري وكانت مؤسساتهم المجتمعية تضمن استمرار الحياة للأرامل والأيتام داخل المعسكرات إلى أن يكبر الصغار الذين عادة ما يتم توظيفهم جنودا في مكان والدهم.
عندما تدرس وتفهم جيدا هذه القبيلة العسكرية السوداء المنبتة Detribalized Sudanese ستفهم جيدا أن علي عبد اللطيف حين رفض أن يذكر قبيلته في المحكمة بل أصر على وصفه بسوداني فقط ماذا كان يعني ، لم يكن يقصد سوداننا سودان 56 فهذا كان لا يزال في رحم الغيب ، وستفهم أيضا لماذا احتج بعض أكابر السودانيين في رسالتهم المشهورة التي وصفوا فيها علي عبد اللطيف بأنهم غير معروفي الأصول.

الشايقية في المنظومة العسكرية التركومصرية 1821م – 1899م لم يكونوا مصنفين ضمن السودانيين Sudanese كانوا لوحدهم كشايقية وغلب عليهم لقب السناجق ومفردها سنجق ، وحتى اليوم فإن السنجك لقب مرادف لشايقي والسبب هو أن استيعاب الشايقية في المنظومة العسكرية الجديدة سبق كل هؤلاء فقد تم في 1821م نتيجة الصلح بين إسماعيل باشا والملك شاوس وبناءا على ذلك الصلح تم استيعاب الشايقية بالجيش فدخلوه قبيلة وكانت كتائبهم منهم بقيادة ضباط منهم وتم منح الملك شاوس رتبة باشا وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيش التركومصري لا تعلوها إلا رتبة الخديو وتعادل مشير وهذه لم ينلها إلا الخديو إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا (حكم من 1863م – 1879م) ، وقد تم الصلح بين الملك شاوس وإسماعيل باشا في قري قبل وصول الجيش لسنار وبناءا على شروطه إحتفظ الشايقية بخيولهم وتم استيعابهم في الجيش وواصلوا معه وشاركوا في السيطرة على سنار وقصة عسكريتاريا الشايقية هذه سنعود إليها بشيئ من التفصيل لاحقا إن شاء الله تعالى.

نعود إلى جيش كتشنر في معركة النخيلة أبريل 1898م.
كان من ضمن الجنود السودانيين في جيش كتشنر جندي أو ضابط صف إسمه ألماظ عيسى (لاحظ أن حتى الأسماء صارت مصرية أو تركية) وألماظ عيسى هذا هو والد عبد الفضيل الماظ الذي ولد داخل القبيلة السودانية Sudanese Tribe داخل منظومة العسكرية التركومصرية ومثل غيره تشرب الولاء الشديد لمصر وحكومة أفندينا.
الصدمات : 4 سبتمبر 1898م و 1924م.

تلقى السودانيين المنبتين وترجمتها الدقيقة Detribalized Blacks المنبتين السود ، صدمتين كبيرتين وهما حادثتين إصطدمتا بولائهم الشديد لمصر ولحكومة أفندينا.

الصدمة الأولى كانت يوم 4 سبتمبر 1898م بعد يومين من معركة كرري حين وصل كتشنر وأركان حربه لأطلال قصر الحكمدارية في الخرطوم حيث أقيمت الصلاة على روح غردون باشا ، وبعدها مباشرة قام كتشنر برفع العلمين البريطاني والمصري على سارية أطلال القصر.
كان رفع العلم البريطاني إشارة واضحة صدمت الضباط والجنود المصريين والسودانيين على السواء ، والسودانيين Sudanese كما شرحنا آنفا لم تكن تعني سوى الجنود المصريين السود Black Corps من الأصول الأفريقية التي إنبتت عبر الأجيال عن قبائلها وفقدت لغاتها الأصلية.
كان رفع العلم البريطاني إشارة إلى أن بريطانيا شريكة في إدارة شئون حكمدارية السودان بعد استردادها وإخضاعها مجددا للسيادة التركومصرية ، وهم صدموا لأن فهمهم كان أن الجيش القادم للاسترداد هو جيشهم المصري وأن كتشنر ومن معه من الضباط البريطانيين مجرد متعاقدين مع نظارة الحربية المصرية (وزارة الدفاع بلغة اليوم).

الصدمة الثانية كانت سنة 1924م بعد مقتل حاكم عام السودان السير لي ستاك في القاهرة ورد فعل الحكومة البريطانية وطلبها من مصر سحب الجيش المصري من السودان.

في هذه الفترة كان عبد الفضيل ولد ألماظ عيسى قد كبر وورث مكان والده في الجيش وغضب وقاد التمرد ضد سحب جيش البلد الذي كان يدين له بالولاء ولحكومة أفندينا وفي هذه الفترة كان أفندينا هو السلطان حسين كامل وهو التمرد الذي انتهى بمقتله بعد معركة استبسل فيها استبسالا شديدا.

حين تفهم تلك الخلفيات ستتفهم لماذا رفض عبد الرحمن ود محمد أحمد المهدي تأييد تمرد عبد الفضيل الماظ في نوفمبر 1924م وكذلك رفض تأييد حركة اللواء الأبيض وأثنى على شجاعتهم وتحملهم للمشاق ولكنه كان يرى أنه لا يتفق معهم في الهدف الأكبر وهو استقلال حكمدارية سودان وادي النيل الذي سيطرت المهدية على معظم جغرافيته السياسية.
ويبقى السؤال : لماذا تحول حلم المهدويين من الوحدة مع مصر لدرجة إرسال جيش ود النجومي لمصر سنة 1889م لتحرير مصر من الإنجليز تمهيدا لإزالة دولة الخلافة العثمانية وتبديلها بخلافة عربية يقودها الأشراف إلى مجرد الحصول على دولة مستقلة محدودة المساحة تمتد فقط من حلفا إلى نمولي ومن بورتسودان إلى الجنينة مساحتها مليون ميل مربع فقط لاغير !

لماذا تغير الحلم من الوحدة العربية واستبدال الخلافة العثمانية بخلافة عربية إلى مجرد دولة مستقلة محدودة المساحة ؟
هذا هو السؤال الذي سنجتهد للإجابة عنه إن شاء الله تعالى.
#كمال_حامد ????

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

تغليب المصالح مع قيادات الجيش على الحق ورحمة السودانيين

زهير عثمان حمد

على نحو مفاجئ، وبخلاف ما كان معلناً باختتام مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية في القاهرة أعماله اليوم الأحد السابع، أنهى المؤتمر أعماله وأصدر بيانه الختامي مساء أمس السبت، في نفس يوم انطلاقته.

كشفت مصادر سياسية لـ”اندبندنت عربية” عن امتناع كل من مالك عقار أير نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي ورئيس الحركة الشعبية شمال/ الجبهة الثورية، ومني أركو مناوي حاكم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان، وجبريل إبراهيم وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساوة، عن التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر.

وغرد مني أركو مناوي على حسابه بمنصة “إكس” أن البيان الختامي خيب ظنون السودانيين بخاصة الضحايا، مضيفاً “لذا لسنا معنيين ببيان لا يحمل تعاطفاً مع الشعب”.

تابع مناوي “شكراً لجمهورية مصر العربية الشقيقة التي وفرت للسودانيين أن يجتمعوا بعد تنازلات، ظناً أن المؤتمر يخرج بتعاطف مع الضحايا بإصدار إدانة لممارسات قوات الدعم السريع لكن البيان خيب ظنون السودانيين”.

وطن موحد
على الرغم من ذلك، أصدر المؤتمر بيانه الذي جاء فيه “أجمعت القوى السياسية والمدنية السودانية المشاركة في مؤتمر القاهرة في بيانها الختامي على المحافظة على السودان وطناً موحداً، على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية”.

اعتبر البيان، المؤتمر فرصة قيمة جمعت لأول مرة منذ الحرب الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية، بجانب طيف مقدر من الشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني، توافقوا جميعاً على العمل لوقف الحرب كمطلب أساسي للسودانيين.

تغليب المصالح الشخصية على الحق
من المؤسف أن نرى قيادات الجيش وبعض القادة السياسيين يواصلون تمسكهم بمناصبهم دون اعتبار لمصلحة الوطن العليا. إنهم يسعون فقط للحفاظ على مواقعهم، متجاهلين أن الحرب فترة زمنية محدودة، بينما السلام والاستقرار لهما ديمومة وبقاء. همهم الأساسي هو البقاء في السلطة، حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب السوداني ومعاناته.

الرحمة بالسودانيين تتطلب الأمن ووقف الحرب
السودانيون يستحقون الأمن والسلام، وهذا لا يتحقق إلا بوقف الحرب. استمرار الصراع المسلح لا يخدم سوى مصالح ضيقة لبعض قيادات الجيش وبعض السياسيين، الذين يفضلون الحلول العسكرية على الحلول السلمية. يجب أن تتذكر هذه القيادات أن الحرب تترك آثاراً مدمرة على المجتمع، وأن الحلول السياسية والدبلوماسية هي السبيل الأوحد لتحقيق الاستقرار.

التاريخ والشعب سيحاكمان مواقفهم
عندما نلقي نظرة على مواقف بعض القادة الذين امتنعوا عن التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر القاهرة، نجد أن هؤلاء يفتقرون إلى المواقف المبدئية. همهم الوحيد هو البقاء في مناصبهم، متجاهلين أن الشعب والتاريخ لن ينسى مواقفهم البائسة. سيسجل التاريخ أنهم فضلوا المصالح الشخصية على مصلحة الوطن، وأنهم ساهموا في استمرار معاناة الشعب السوداني.

قيادات الجيش والأزمة السودانية
الترقيات والتعيينات الأخيرة التي أجراها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مثل ترقية اللواء الصادق إسماعيل إلى رتبة الفريق وتعيينه مبعوثاً رئاسياً، وتسمية العميد ركن عادل سبدرات مديراً لمكتبه، تظهر بوضوح مدى اهتمام القيادات العسكرية بالحفاظ على مصالحها الشخصية على حساب مصالح الوطن.

و يجب على قيادات الجيش والقادة السياسيين أن يدركوا أن بقائهم في السلطة ليس الهدف الأسمى. الشعب السوداني يستحق حياة كريمة وآمنة، وهذا لن يتحقق إلا بوقف الحرب والعمل على تحقيق السلام الدائم. التاريخ سيحاكم هؤلاء القادة على مواقفهم، والشعب لن ينسى من اختار مصالحه الشخصية على حساب مصلحة الوطن. حان الوقت لأن تتحمل هذه القيادات مسؤوليتها وتعمل بجدية لتحقيق الأمن والاستقرار في السودان.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • معركة الاحتلال الداخلية‎
  • شاهد بالفيديو.. قائد سلاح الأسلحة بمنطقة الكدرو العسكرية يتفقد الضباط و الجنود والمستنفرين المرابطين
  • إصابة 18 جنديا إسرائيليا بينهم 13 في غزة
  • تغليب المصالح مع قيادات الجيش على الحق ورحمة السودانيين
  • اشتباكات في أم درمان وآلاف السودانيين يفرون من الفاشر
  • إصابة ضابط من قوات الاحتلال بمعارك غزة.. الحصيلة ترتفع
  • بسبب نقص الجنود.. حكومة الاحتلال تبحث تمديد الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي
  • مقتل ضابط بالجيش الإسرائيلي في معارك جنوب غزة
  • هآرتس: الجيش الإسرائيلي ينقل جرحى فلسطينيين فوق غطاء محرك سيارة
  • بين معركة التعمير والحرب على الإرهاب.. ملحمة تنموية نفذتها الدولة في سيناء