كيف فككت “غزة” الخط الأمريكي الصهيوني؟!!
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
هل بات التطبيع مع الكيان الصهيوني هو الحلال فيما التطبيع مع الدولة الإسلامية إيران هو الحرام؟
هل الطائرات والصواريخ وكل الأسلحة الفتاكة لأمريكا وإسرائيل وبريطانيا والدول الغربية هي الحلال فيما صواريخ إيران هي الحرام؟
الطائرة التي استهدفت جبل نقم بقنبلة اليورانيوم المخصب هي إسرائيلية تم طلاؤها لتكون شكلاً كطائرة لأحد أطراف العدوان، فهل الطلاء يعطيها توصيف الحلال؟
وحيث دول الغرب أكدت «إسرائيلية» الطائرة فإنه لا قيمة لمحلل ولا لتحليل بالطلاء، ليظل السؤال: هل الطائرة الإسرائيلية وقنبلتها «اليورانيومية» هي الحلال؟
هل يمارس ذات الطلاء للعروبة والإسلام كما الطلاء للطائرة ويصبح الإسلام الأمريكي الصهيوني هو الحلال والإسلام الحق والحقيقي هو الحرام وهو الإجرام؟
بعد انهزام القومية ومن ثم انهزام اليسار وتفكك الاتحاد السوفيتي، فأمريكا تخوض حروباً على العالم بسلاحين هما من صناعتها أو صنيعة لها ومصطنعة من قبلها «الحرب بـ وعلى الإرهاب» والحرب الجرثومية، وكلتا الحربين تربط وتوظف عضوياً ومحورياً لخدمة الكيان الصهيوني ومن يستهدف الاستعمار الأمريكي الجديد والأبشع «الاستعمال» أو يستهدف الكيان الصهيوني فهو «إرهاب» يجب إبادته، ولذلك فهذا التوصيف يطبق على كل رافض للتطبيع مع الكيان وكل من يرفض الخنوع لأمريكا وذلك ما يقدمه مشهد وأحداث ومأساة غزة.
بالمقابل فأمريكا من تموضع سيطرة على وسائل الإعلام العالمي، تمارس الشيطنة لكل من يطالب بحقوقه وسيادته واستقلاليته في هذا العالم حتى لو كانت روسيا أو الصين..
أمريكا من حقها أن تعتبر أمنها القومي في العراق وأفغانستان وفي البحر الأحمر وحتى بحر الصين الجنوبي ولا يوجد الحد الأدنى من هذا الحق لروسيا أو الصين، ولنا مقارنة بحالة إيران أو حقوق الشعب الفلسطيني..
ولذلك فالإعلام الأمريكي وتوابعه وتابعوه أكثر من أي كثرة يمارس شيطنة «إيران» ويصبح أمريكا بتوابعها هي من يفرض علينا الإسلام الحلال والإسلام الحرام ولم يعد متاحاً غير الإسلام الحلال وفق المقاييس والمواصفات الأمريكية، ومن يختلف أو حتى يتباين معه فذلك هو الحرام وهو الإجرام..
حين جاء العدوان بعنوان التحالف العربي على اليمن، شاع استعمال المجوس تجاه الشعب اليمني وبعد نجاح الوساطة الصينية لتطبيع العلاقات بين النظامين الإيراني والسعودي خفت أو تراجع هذا الاستعمال، وحين متابعة الفضائيات ومنها «روسيا اليوم» بالعربية ستجد أنهم يستعملون «الحوثة الشيعة» فنحن كشعب يمني كنا «المجوس» حين العدوان العربي وأصبحنا الشيعة حين العدوان الأمريكي البريطاني والهدف إلصاقنا بإيران ومن ثم إسقاط ما يمارس لشيطنتها على اليمن..
أمريكا والكيان الصهيوني هما من يرسلان ما يسمونه الإرهاب لتفجيرات في إيران وذلك ما يعرفه كل العالم، ولكنه الأمر الواقع لهيمنة وألعاب وحروب أمريكا..
حينما وصلت أمريكا وبريطانيا والغرب وإسرائيل إلى فشل في واقع المعركة في أوكرانيا مع روسيا، عادت هذه الأطراف للسلاح الذي استعملته في أفغانستان والشيشان ضد السوفيت وروسيا لاحقاً في مجزرة «كوركوس» ضد المدنيين الأبرياء..
والطبيعي أن تسعى أمريكا لتبرئة أوكرانيا، لأنها تبرئ ذاتها من خلال ذلك وتريد تسجيل القضية ضد مجهول «داعش» وهو المعلوم لها كما «كورونا» ومستقانة «الجرثومية»..
لاحظوا في مسألة تفجير السيل الشمالي، فأمريكا لا تستطيع الدفع بشماعة «داعش» للواجهة، لأن هذا العمل يحتاج خبراء وخبرات وأسلحة واحترافية استخباراتية لا يسمح بمثل هذا التبرير، فماذا ستقول أمريكا؟..
إنها عصابة أوكرانية ولكن لا علاقة لها بالنظام الأوكراني، فلا بديل إلا أن تكون «أوكرانية» ولكن مع حاجية وحتمية التبرئة للنظام الأوكراني..
أمريكا باتت تستغبي كل العالم حتى وقد باتت في المشهد هي الأغبى في العالم..
أمريكا لا تعرف حلالاً ولا حراماً في أي دين أو ملة، والحرام والحلال لا يقاس إلا بالمصالح والأهداف الأمريكية الصهيونية..
أمريكا تعطي لنفسها الحق للمجيء بكل بوارجها ومدمراتها إلى منطقتنا لتدافع عن الكيان الصهيوني وتمده بجسر جوي دائم لنقل كل أنواع وأسلحة الفتك لإبادة الشعب الفلسطيني تحت ذات الشماعة «حماس إرهاب»..
وحين تبادر اليمن في إطار محور المقاومة إلى منع السفن الإسرائيلية أو المتجهة للكيان من المرور في البحرين الأحمر والعربي، تأتي أمريكا وبريطانيا للعدوان على اليمن..
نحن فقط نريد إنهاء العدوان والحصار على غزة وإيصال الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني وإن تم ذلك حلت المشكلة..
يقولون ليس الموضوع فلسطين «الشعب والقضية» وكل الموضوع هو أنكم شيعة وتابعون لإيران، بمعنى إما أن تسيروا في الخط الأمريكي الصهيوني وإلا فأنتم شيعة حتى أبعد الناس عن المذهب الإيراني وأنتم مجوس حتى لو لم تكونوا إيرانيين..
هذا الإسلام بتلونه وكيفه وتكييفه أمريكياً صهيونياً لا شفاعة فيه ولا ذرة إنسانية إلا حين يخضع خضوعاً تاماً للخط الأمريكي الصهيوني..
وهكذا فسلاح الإرهاب بوجهيه وأوجهه، كما أسلحة الحروب الجرثومية بأنواعها، هو ضمن الأسلحة الأمريكية التي انفضحت في الفترة الاستثنائية للهيمنة الأمريكية عالمياً وللاستفراد بالمنطقة..
حتى العام 1979م كان مسار وصيرورة الوهابية كدين أو مذهب وصلت إلى ما أسماها «المذاهب الأربعة» وفي ذات العام انتصرت الثورة الإسلامية في إيران..
لعلي في هذا السياق أراها شجاعة من منظور أنها شهادة لمحمد بن سلمان، حين قال في فضائيات وصحف أمريكية: «نعم نحن صنعنا الإرهاب ولكن بطلب أمريكي وبالمواصفات والمقاييس الأمريكية»..
في الداخل السعودي يقول: إننا نريد العودة إلى إسلام ما قبل 1979م، فماذا يعني هذا ربطاً بالثورة الإيرانية؟
يعني أن أمريكا تجاوزت ما عرفت بالمذاهب الأربعة وقسمت الإسلام إلى «سنة وشيعة»..
والخط الأمريكي الصهيوني يصنف التباين والمغايرة لخطه بأنه «شيعي» ومن هذا الخط تصنف اليمن بالمجوسية والشيعة وهذا التصنيف هو من أرضية الخط الأمريكي الصهيوني ولا علاقة له بواقع اليمن، ومثلما يقال عن الجزائر مثلاً ولا يقال عن المغرب أو الأردن في ظل زعم السلالية الهاشمية صلتها بالنبي محمد صلى الله عليه وآله، وهذا يؤكد أن الأساس والقياس الخط الأمريكي الصهيوني وليس واقع الشعوب، فالحال في اليمن كمذاهب لم يتغير قبل مجيء ثورة إيران بعقود بل لأكثر من قرن ولازال هو نفسه والتغيير لم يأت من إيران الشاه أو إيران الثورة لكنه التغيير والنقلة في الخط الأمريكي الصهيوني..
ياسر عرفات حين قرر السير في ذات الخط ووقع اتفاق «أوسلو» منح جائزة «نوبل» وحين رفض الإذعان لما يريده هذا الخط منه أعادوا تصنيفه «إرهابياً» وتمت تصفيته كما تابعه ولكنه لم يصنف بالمجوسي أو الشيعي وجيء ببديل له ينفذ فقط أوامر وتعليمات ذات الخط..
قد تسمع من يقول إن إيران ورطت حماس في غزة وتركتها، وهذه من أشكال الحروب الدعائية والنفسية غير المباشرة التي يعنينا الوعي بها..
هذا الخط الأمريكي الصهيوني بات مفضوحاً بكل مشاريعه وألعابه من أرضية ثورة شعبية عالمية ضد الاستعمار الغربي وإن بشكل الاستعمال وهو الأبشع والأشنع..
والمتغير العالمي بقيادة روسيا والصين هو قوة في هذا التفاعل العالمي وهذا ما باتت أمريكا ذاتها تقر به وكأنه لم يعد من يتمسك بهذا الخط ويعيش أوهامه غير كبير المجرمين والإرهابيين عالمياً «نتنياهو»..
أكان الوضع تغير أو يتغير، فمحور المقاومة ربطاً بهذا المتغير، بات ينهي تأثير هذا الخط ودعوا «النتن» في أوهامه وأحلامه!!.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
20 فبراير خلال 9 أعوام.. 18شهيدًا وجريحاً وتدمير للبنى التحتية في جرائم للعدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن
يمانيون../
تعمد العدوانُ السعوديّ الأمريكي، يومَ العشرين من فبراير خلال الأعوام: 2016م، و2017 م، و2018م، ارتكابَ جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، بغاراتِه الوحشية، على المنازل والممتلكات والمحلات التجارية، والطرقات العامة والسيارات والشاحنات، وشبكة اتصالات، في محافظات، تعز، وصعدة، ومأرب، وحجة، وعمران.
أسفرت عن 9 شهداء، و9 جرحى، بينهم نساء وأطفال، وتهجير عشرات الأسر من منازلها، وترويع الآمنين، وقطع الطرقات، وتوقف حركة التنقل، وعرقلة اسعاف المرضى، والجرحى، واستهداف معايش المواطنين، وحرمانهم من خدمة الاتصال والتواصل، وتشديد الحصار، ومضاعفة المعاناة، في ظل صمت أممي ودولي، يشكل وصمة عار في جبين التاريخ.
وفيما يلي أبرز التفاصيل:
20 فبراير 2016.. 5 جرحى وتدمير 7 منازل وعدداً من محلات وممتلكات المواطنين بغارات العدوان على صرواح مأرب:
في العشرين من فبراير 2016م، استهدف طيران العدوان السعودي الأمريكي، مديرية صرواح محافظة مأرب بعدداً من الغارات الهستيرية، أسفرت عن، 5 جرحى،و تدمير 7 منازل وعدداً من محلات وممتلكات المواطنين، في جريمة حرب تضاف ، في جريمة حرب تضاف إلى سجل جرائمه بحق الشعب اليمني.
مشاهد الدماء، والدمار والخراب، ورعب الأطفال والنساء، ونزوح عشرات الأسر من ماويها، وفقدانها للأمن والأمن ومضاعفة المعاناة، خطوة على درب مشوار التشرد والحرمان، والغارات التي استهدفت 7 منازل لم تترك حجراً على حجر، بل تركت عشرات الأسر تبحث عن ظلٍّ يُغطي رؤوس أطفالها.
“لم نخرج بأكثر من ثيابنا التي على ظهورنا”، بهذه الكلمات تصف “إحدى النساء” لحظة هروبها مع أطفالها الستة من تحت الأنقاض. العائلات النازحة لم تجد مأوى سوى كهوف الجبال أو خيامٍ مُستعارة من أقاربهم، الأمر الأقسى هو فقدانهم لمصادر رزقهم؛ فمحل بيع المواد الغذائية، الذي كان يعيل 10 أطفالٍ يتيمين صار رماداً، ومخبز المدينة الوحيد تحوّل إلى حفرةٍ سوداء. تقول منظمة “مراقبة حقوق الإنسان”: *”80% من النازحين فقدوا مصدر دخلهم الوحيد… العدوان لا يقتل الأجساد فقط، بل يقتل أحلام الفقراء”*.
القانون الدولي تحت أنقاض صرواح
بحسب القانون الإنساني الدولي، خصوصاً المادة (25) من اتفاقية لاهاي 1907، يُحظّر تدمير الممتلكات الخاصة إلا في حالات الضرورة العسكرية القصوى، الخبير القانوني “عبد الوهاب الخيل ” يوضح: *”استهداف منازل مدنية ومحلات تجارية دون وجود هدف عسكري هو جريمة حرب، لكن من يحاكم قوةً عظمى؟”*. الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة أدرجت صرواح ، مدينة منكوبة ، في تقريرها السنوي (A/HRC/42/CRP.3)، لكن دون أي خطوات عملية لمحاسبة مجرمي الحرب.
بين الأنقاض، يحاول الأطفال استعادة طفولتهم المسلوبة، الطفلة “مرام” (9 سنوات) تبنيت بيتاً من صفائح معدنية محترقة، وتقول: *”هذا غرفتي الجديدة، لكنني أخاف إذا عاد الطيران”*. الصدمات النفسية ظهرت بوضوح في رسومات تلاميذ مدرسة صرواح؛ فمعظمها يحوي طائراتٍ سوداء ترمي نيراناً على بيوتٍ بلا أبواب، الأخصائية النفسية تقول: *”أطفال صرواح يعانون من قلقٍ مزمن… البعض يبلل فراشه عند سماع أي صوت مرتفع”*.
السياسة الدولية: صمتٌ يُغذّي الإبادة
هذه الجريمة لم يكن حدثاً معزولاً، بل حلقةً في حربٍ دمّرت اليمن منذ 2015م، بدعمٍ غربي مباشر، المحلل السياسي “علي الديليمي ” يرى أن: *”صرواح رسالةٌ لإجبار المدنيين على النزح، تعرضت لألاف الغارات على منطقة محدودة ، وأحدثت تغيير ديموغرافية للمنطقة استراتيجية مُتعمّدة”*، ورغم مرور 9 أعوام، لم تُقدّم أي جهةٍ دولية مساعداتٍ لإعادة إعمار صرواح ، بل تُواصل دولٌ كبرى توريد أسلحة للتحالف، مُحوّلةً المدنيين إلى وقودٍ لحربٍ لا تُبقي ولا تَذر.
صرواح تُنادي… فهل من مُجيب؟
ما حدث في صرواح ليس مجرد تدميرٍ لمنازل، بل إبادةٌ لنسيجٍ اجتماعي كامل، اليوم، بينما تجلس أم ياسر على أنقاض بيتها، تُحاول جمع بقايا صور أطفالها من تحت الركام. تقول: *”أبحث عن وجه ابنتي في هذه القطعة… ربما تذكرني أنها استشهدت لأن العالم نامَ طويلاً”*. العدوان يسكت الأصوات، بأمواله ، ونفطه، وهيمنته، في المحافل الدولية، ويشتري كل القرارات، ويدفن كل القوانين ، والمعاهدات الإنسانية، لكن ذاكرة الأجيال التي نزحت من مأويها ستظلّ تُنادي: كفى!
20 فبراير 2016.. طيران العدوان يقصف شبكة الاتصالات بعمران:
وفي جريمة حرب أخرى، لغارات العدوان السعودي الأمريكي، يوم العشرين من فبراير عام 2016م، استهدفت شبكة الاتصالات بمديرية السواد محافظة عمران، أسفرت عن تدميرها بالكامل، وحرمان عشرات العزل والمناطق المجاورة من حق الاتصال والتواصل، وعزلهم عن العالم الخارجي، ومفاقمة المعاناة، والقلق وتأخر الحوالات المالية ، وصعوبة الحياة وتفقد الأهالي.
يقول أحد الأهالي ” ما كان باقي معنا في هذه المنطقة غير الاتصالات استهدفها طيران العدوان، اذا اشتي اتفقد عيالي في صنعاء، ارسل لهم رسالة مكتوبة على ورق، آل سعود دمروا كل شيء له قيمة، مصنع الأسمنت والطرقات والجسور، والمنازل، والأسواق، وقتلوا النساء، والأطفال، والكبار والصغار، حقدهم على اليمن لا يمكن وصفة، هؤلاء ليسوا مسلمين، وادعوا شعبنا اليمن إلى النفير العام، ورفد الجبهات”.
تدمير البنى التحتية والمنشآت الخدمية جريمة حرب، وانتهاك لكل القوانين والمواثيق الدولية، تتطلب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سرعة وقف العدوان ورفع الحصار، وإعادة الاعمار، ومحاسبة قيادات دول العدوان على جرائهم، وتقديمهم للمحاكمة.
20 فبراير 2017.. شهيدان في جريمة حرب لغارات العدوان على سيارتين تقلا مسافرين ومواد غذائية على الطريق العام بصعدة:
أما في العام 2017م، ومن اليوم ذاته، سجل العدوان السعودي الأمريكي، جريمة حرب جديدة، مستهدفاً بغاراته الوحشية، سيارتين على الطريق العام بمديرية باقم، محافظة صعدة، أسفرت عن شهيدين وقطع الطريق الرابط بين عدد من المناطق وخروجها عن الخدمة، واحتراق السيارتين وما عليها من المواد الغذائية.
لم تكن السيارتين، تحملان مسافرين فحسب، بل كانتا شريانَ حياةٍ لنحو 20 قريةً معزولةً في صعدة، الأولى تقلُّ كيسين من القمح المُتبرَّع به لمدرسة أيتام، والثانية تحمل أحد المواطنين عائدَ من السوق بعلبة أدوية لابنته المُصابة بالربو، في اللحظة التي التقط فيها سائق السيارة الثانية سيجارته الأخيرة، اخترقت طائرات العدوان السعودي الأمريكي، صمتَ الجبال، والقت غاراتها التي حوَّلَت السيارتين إلى كرات نارٍ تلفظُ أشلاءً بشريةً بين حبوب القمح المحترقة، والمواد الغذائية المتنوعة، يقول أحد الناجين: *”رأيتُ الغارة مباشرة على السيارة، وانا أعمل في الحقل المجاور، فهرعت لإسعاف السائق ، وما أن اقتربت شممتُ رائحة الجسد المحترق”*.
حصارٌ فوق الجرح
لم تكن الجريمةُ مقتصرةً على سلب الأرواح، بل امتدت إلى سرقة الأمل، الطريقُ الرابطُ بين قرى مديرية باقم صار حطاما مُلوّثاً بزيت المحركات والدماء، مما عزل آلاف المدنيين عن المستشفيات والأسواق، “أم محمد”، التي كانت تنتظر وصول الأدوية لابنها المريض بالسرطان، تقول بصوتٍ مكسور: *”مات ابني لأن الطريق صار جحيماً… العدوان قتلَه مرتين”*. أما المواد الغذائية المحترقة، فقد حولت أزمة الفقر إلى مجاعةٍ مفتوحة، حيث يعتمد 80% من السكان على المساعدات العابرة لهذا الطريق.
بحسب مراقبين حقوقيين، الجريمة تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي، خاصةً المادة (3) المشتركة في اتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف المدنيين أو تدمير المواد الغذائية، القاضي عبد الوهاب الخيل “” يوضح: *”حرقُ قوافل الإغاثة جريمة حرب مكتملة الأركان… لكن الأرشيف العالمي يصمُتُ حين يكون الضحايا يمنيين”*. رغم إدراج الجريمة في تقارير الأمم المتحدة (وثيقة A/HRC/39/43)، إلا أن الضحايا ما زالوا ينتظرون تحقيقاً دولياً يُعيد كتابةَ العدالة.
يقول أحد الأهالي: “نحن في هذه المنطقة لا تتوفر لدينا أي خدمات صحية، ولا مياه، كان باقي معنا الطريق الرملية، دمروها، ومن معه اليوم مريض، او جريح، يعجز عن اسعافه، ويخاف أن ينقله على وسائل المواصلات، ممكن نتعرض للغارات، هذا عدوان أمريكي إسرائيلي سعودي، كانوا هؤلاء الشهداء مسافرين على سيارتهم ، يقصدوا الله بعد معايشهم، جمعناهم لحم، أشلاء، أنا لله وأنا إليه راجعون “.
أطفالٌ يلعَبون بين الشظايا.. ذاكرة العدوان لا تموت
بعد سبع سنوات، ما زال أهالي باقم يحفرون في ذاكرتهم عن تفاصيل اليوم الأسود، الطفل “مهدي”، الذي كان يبلغ 10 أعوام وقتها، يُظهر مكاناً محترقاً في ساقه: *”هذه ندبة لجرح بشظية غارة على منزلنا قبل النزوح، أبي كان يقول: الجوع قاتل، لكن غارات العدوان أسرع بالفتك “، أما الطريق المُدمَّر، فصار “مَعلَماً” للموت؛ فكلما حاول الأهالي إصلاحه، تعرّض لقصفٍ جديد، وكأن الحربَ تُصرُّ على أن تدفنهم أحياءً في جبالهم.
في التقويم العالمي، يُختزل فبراير/شباط بـ “الحب”، أما في صعدة، فهو شهرُ المذابح المتكررة، جريمة باقم لم تكن الأخيرة، بل حلقةٌ في مسلسل إفلاتٍ من العقاب، اليوم، بينما يُعيد الناجون بناءَ منازلهم الطينية، ويبقى العدوان والحصار يطل عليهم من الأفق، وكأنها تذكرهم: *”استهدافكم باقاً على طاولة المفاوضات، وإبادتكم أيها اليمانيون، موسمٌ مفتوح ، وان تعلق بعض الأعوام”*.
20 فبراير 2017..6شهداء وجرحى في جريمة حرب لغارات العدوان السعودي الأمريكي على منزل مواطن بحجة:
في فجر يومٍ كئيب من أيام فبراير عام 2017م، استيقظت منطقة الشعاب بمديرية حرض في محافظة حجة على صوتٍ مدوٍّ هزّ أرجاء المكان، صوتٌ لم يكن سوى صدىً لقصفٍ غادرٍ شنّه طيران العدوان السعودي الأمريكي على منزل المواطن علي أحمد ذيب.
لم يكن المنزل سوى مأوىً بسيطًا لعائلةٍ يمنيةٍ كادحة، تحاول جاهدةً أن تعيش بسلامٍ وأمانٍ في ظلّ ظروفٍ قاسيةٍ فرضتها الحرب، ولكن، يبدو أن السلام كان حلمًا بعيد المنال في ذلك اليوم المشؤوم.
تحوّل المنزل في لحظاتٍ إلى ركامٍ متناثر، وتناثرت معه أحلامٌ وطموحاتٌ بريئة، تحت الأنقاض، وُجدت جثتا شهيدين، ارتقت روحهما إلى بارئها، وأربعة جرحى يئنون من شدة الألم.
كانت المشاهد مروعةً ومفجعة، فالأطفال يبكون بحرقة، والنساء يصرخنَ بألمٍ، والرجال يحاولون جاهدين إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وسط هذا المشهد المأساوي، كانت هناك قصصٌ إنسانيةٌ مؤلمةٌ، قصصٌ عن أناسٍ فقدوا أحباءهم، وعن عائلاتٍ تمزقت، وعن أحلامٍ تبخرت.
يقول أحد المسعفين: “هذه جثة مواطن معه ماطور ، ومزرعة، وغنم ، ماله علاقة بالحرب، من بيته إلى مزرعته، عمره عشرين سنه، فقد حياته، وجه ما عاد له ملامح، جمعناه أشلاء، نطالب العالم ومجلس الأمن وكل أحرار العالم أن ينظروا إلى هذه الجرائم، التي لا ترضى ، الله ولا رسولة ولا ضمير العام ، خسر حياته واغنامه ومزرعته كل شيء تدمر ، وهذه أمه شهيده، وباقي الأسرة أطفال وزوجته كلهم جرحى”
كانت قصة علي أحمد ذيب وعائلته مجرد مثالٍ واحدٍ على مئات الجرائم المماثلة التي حدثت في اليمن خلال سنوات العدوان التسع، قصصٌ عن معاناةٍ لا تنتهي، وعن ألمٍ لا يزول، وعن أملٍ يتلاشى يومًا بعد يوم.
لقد كانت هذه الجريمة بمثابة صرخةٍ مدويةٍ في وجه العالم، صرخةٌ تطالب بوقف العدوان، وإنهاء معاناة الشعب اليمني، وتحقيق السلام العادل والشامل، صرخة تدعو العالم لمحاسبة مجرمي الحرب.
20 فبراير 2018..5 شهداء في جريمة إبادة جماعية بقصف سعودي أمريكي شاحنة مواطن بتعز:
كان الصباح الباكر ليوم 20 فبراير من العام 2018م، في مديرية مقبنة يحمل ذلك الهدوءَ الذي يسبق عاصفةً لا تُنبئُ بها السماء، أبو أحمد، سائق الشاحنة الخمسيني، يُعدّ حبال التثبيت حول الأحجار التي كان يحملها، على شاحنته التي هي “شريان الحياة” الوحيد لأطفاله ، وسكان القرية، قبيل خروج الشمس، كان متحركاً مع بعض أطفاله، وعمال ،
انطلقت الشاحنة ببطء، تحمل بين ثناياها أحلام عائلةٍ كاملة، وأُجَرَ أسر يعمل معيليها ، عمال ، فجأةً، اخترق صفيرٌ جهنميٌّ السكون، تلاه دويٌّ يُزلزل الجبال. من بعيد، شاهَدَ الأطفالُ كرةَ نارٍ تبتلع الشاحنة، وتنثر جثثاً مُشوّهة كدمى محترقة.،”أمي! أبي!” صرخ عبدالله (12 عاماً) وهو يجري نحو الحطام، قبل أن تسحبه جدته التي رأت أشلاء أبيه متناثرةً بين أشجار السدر والطلح على قارعة الطريق.
لم تكن جثث الضحايا الخمسة سوى فصولٍ من مأساةٍ طويلة، في منزل آل أحمد، صارت الزوجة الخمسينية تُنادي باسم زوجها بينما تحضن قميصه المُلوّث بدماءٍ متجمّدة، في الزاوية، رضيع يبكي دون أن تعرف أمه أنّ اللبن قد جفّ في ثدييها من الصدمة، خارجاً، تحوّلت ساحة القرية إلى محرقةٍ مفتوحة؛ جثةٌ مُفحّمة ملتصقة بمقعد الشاحنة، ويدٌ صغيرة ممسكة بدميةٍ بلا رأس.
يقول أحد شهود العيان: “هذا مواطن سواق بابور يحمل حجار، استشهدوا 5 مواطنين أبرياء، يحملوا حجار، ما ذنبهم؟ يقتلون المواطنين، وشردوا بالشعب، في أي مكان يتواجد،
بحلول الظهر، اجتمع أهل القرى المجاورة، يحملون نعوشاً من خشبٍ رخيص، لم تُبقِ النيرانُ من الجثث إلا ما يُملأ كفّاً، نساءٌ يلطمنَ وجوهَهنّ بينما تُطلِقُ إحداهنّ زغرودةً وداعيّةً غريبة، كأنها تودّع زمنَ السلام. الشاب حسن، ابن الشهيد الثالث، يقسم بين الجموع: “سأزرع في قلب الأجيال حب الجهاد في سبيل الله، ليتحرك الرجال كبار وصغار لرفد الجبهات والذود عن الوطن، يجب على الشعب اليمني التحرك الفوري لتصدي للغزاة والمحتلين، من سيدفع عنا شر الطيران سوى النفير العام ، وعلى العالم ان يتذكر هذه المحرقة ، سيتذكر الأهالي والأجيال أن هذه المنطقة قدمت قربان إلى الله ، وأن العدوان يشتهي أجساد اليمنيين.
اليوم، ما زال حطام الشاحنة يُشير إلى السماء كشاهدٍ أعمى، فيما تحوّل مكان الغارات إلى “مقبرةٍ عابرة” يزورها الأهالي كلّ فجر، أبو أحمد صار اسماً على لوحةٍ صدئة، لكنّ زوجته الثكلى توصي أطفالها بان يكبروا ويأخذا بثأر والدهم من الغزاة المحتلين، وان يكون حلمهم الالتحاق بالجيش اليمني، للدفاع عن شعبهم.
20 فبراير 2018..3 غارات لطيران العدوان السعودي الأمريكي تستهدف الطريق العام بساقين صعدة:
في صباح يومٍ العشرين من فبراير عام 2018م، استيقظت مديرية ساقين بمحافظة صعدة على وقع ثلاث غاراتٍ جويةٍ شنّها طيران العدوان السعودي، الأمريكي، استهدفت الطريق العام الذي يربط المديرية ببقية مناطق المحافظة.
لم يكن الطريق مجرد ممرٍّ للسيارات، بل كان شريان حياةٍ للمديرية، حيث كان يستخدم لنقل البضائع والمواد الغذائية والإمدادات الطبية، وكان يستخدمه السكان للتنقل بين القرى والمدن.
تسبّبت الغارات في تدمير أجزاءٍ كبيرةٍ من الطريق، مما أدى إلى قطع حركة المرور، وعزل المديرية عن العالم الخارجي، تخيّلوا معي، كيف سيكون حال قريةٍ تعتمد على هذا الطريق في الحصول على الغذاء والدواء؟ كيف سيكون حال مريضٍ يحتاج إلى الذهاب إلى المستشفى؟ كيف سيكون حال طالبٍ يريد الذهاب إلى المدرسة؟
يقول أحد مالكي السيارات: “عرقلونا، والأهالي يعملون لإعادة ترميم جزء من الطريق، وتأخر المرضى، عن الإسعاف، وتوقفت الحياة، استهداف الطرقات، يمهد لخلق نقطة ضعف لقتل وإبادة المواطنين ، في هذا المكان ، حين تهدى سرعة سياراتهم ، ويكون ضربهم أسهل”.
تسبّبت هذه الغارات في معاناةٍ كبيرةٍ للسكان، فالمواد الغذائية بدأت تنفد، والإمدادات الطبية أصبحت شحيحة، والناس أصبحوا يعيشون في عزلةٍ تامة، فلم تكن هذه الغارات مجرد عملٍ عسكريٍّ، بل كانت جريمةً إنسانيةً، جريمةٌ استهدفت حياة المدنيين الأبرياء، وحرمتهم من أبسط حقوقهم في الحياة، فهي جريمة حرب مكتملة الأركان، وتعمد لقطع الطرقات والحرابة المعلنة.