“بدون سابق إنذار”.. دراما الإثارة المغلفة بالأحاسيس
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
متابعة بتجــرد: ما بين المواقف الدرامية الستة والثلاثين المتعارف عليها، بني سيناريو مسلسل “بدون سابق إنذار”، حبكته الدرامية المشارك في كتابته (عمار صبري-سمر طاهر-كريم الدليل)، عن قصة للمؤلفة السورية ألما كفارنة، معتمدا على ثلاثة مواقف هي: اللغز، واختطاف شخص ما، والشخصيات التي تكافح من أجل استعادة أحبائهم.
مع بداية الأحداث نجح المخرج هاني خليفة في تقديم الشخصيات الرئيسية للعمل، وكشف للمشاهد شيئاً عن جذورها النفسية والإنسانية، جعله شريكاً من أول حلقة في الصراع الذي يعيشه أبطال العمل، يواجه معهم الأزمات، ويكافح من أجل حلها، واحتفظ هاني خليفة بالخيوط الأساسية التي تفسر لغز تبديل الابن في الحضانة إلى قرب النهاية.
متوالية هندسية من الحكايات
بني التصاعد الدرامي للمسلسل من سلسلة تشابكات وانفعالات داخلية، لا ترى منها ظاهرياً سوى قمة جبل الجليد، والباقي يختفي في أعماق الذكريات، التي تفتح بابها لثوان في التترات، لنتعرف على بعضها، بأسلوب الـ”فلاش باك”، هي بمثابة متوالية هندسية من الحكايات، يزداد غموضها كلما زاد عدد ما عرفنا منها، ويواجه أبطال المسلسل التقدم والنكسات، ويتحركون جميعا نحو حل الصراع.
الشخصيات الثلاث الرئيسية في المسلسل: المهندس “مروان”؛ والزوجة “ليلى”، والابن “عمر”، إلى جانب شخصيات أخرى، نجح المسلسل في إيجاد حبكة درامية لكل واحد فيهم، لها تفصيلة إنسانية قوية ومهمة تربطهم بأبطال العمل الثلاثة، برابط قوي، يشارك في تعزيز الحبكة الرئيسية للمسلسل، إلى جانب إيجاد تفاصيل إنسانية خاصة بحياتهم هم أنفسهم، وكان لاختيار فريق العمل المميز من الممثلين السبب الرئيسي في جعل المشاهد مرتبطاً بالشخصيات جميعها.
تم تأطير المسلسل الذي تم إنشاؤه باستخدام حبكة اكتشاف أن “عمر” ليس ابن “مروان”، بعد إصابته بالسرطان واحتياجه لعملية زرع نخاع، فيطلب “مروان” من شقيقه “حسن” تبرع ابنه الصغير بالنخاع، ولكن تكشف التحاليل الطبية استحالة أن يكون الولدان ابني عم، وجعل السيناريو المشاهد يشارك “مروان” مثالاً افتراضياً سريعاً للبنية السردية، مبنية على خيانة الزوجة، وأعطى له فرضية تدفعه نحو هذا الاحتمال من خلال سلسلة محادثات لها على هاتفها المحمول مع خطيبها السابق.
عند هذه النقطة، لديك فترة من الأحداث الصاعدة، والتي ستربط الصراع الإنساني بين الزوجين بالذروة، هناك الكثير من والانتكاسات، والأفكار المتلاحقة في المخزون الإنساني للفشل الظاهر في العلاقة بين “مروان” و”ليلى”، تدفعنا للمضي قدما للتقدم نحو الذروة، وهو اكتشاف أن “عمر” ليس ابنهما، وتم تبديله عند ميلاده، هذه هي اللبنة الأولى من السرد التصاعدي للأحداث.
تحليل الوراثة
يستمر “مروان” في المضي قدما نحو محاولة معرفة الابن الحقيقي، بسلسلة من الأحداث المتشابكة، التي تعطيك في بدايتها وميضاً لضوء الحقيقة، وعند الوصول إلى النهاية، تكتشف السراب، هذه هي الدرجة الثانية في سلم السرد التصاعدي للمسلسل، التي تضمنت ذهاب “مروان” للمستشفى التي ولد فيها “عمر”، ويأخذ عنوان عائلة ابنه الحقيقي، وعندما يذهب يكتشف موت ابنه، فيطلب من العائلة تحليل الوراثة لإثبات أنهم أهل “عمر” الحقيقيين، وتتضح سلبية النتائج.
يكتشف “مروان” أن كشوفات اليوم الذي ولد فيه “عمر”، قد اختفت، وتزداد الأحداث توتراً وسخونة، بتدهور حالة “عمر”، ولا يوجد حل إلا إيجاد متبرع ببذل النخاع.
وتتأزم الأبعاد الإنسانية للمسلسل بمعرفة “عمر” عدم بنوته لـ”ليلى” و”مروان” فيكتئب، ويهرب “عمر” من المستشفى، ليعزف المسلسل على المعنى الحقيقي للبنوة والإحساس بها، مقدماً رؤى مختلفة لها، متمثلة في النموذج الإيجابي للزوجين “مروان” و”ليلى”، والأم الحقيقية التي سنصل إليها مع قرب النهاية، والنموذج السيئ المتمثل في الجدة التي باعت ضميرها الإنساني والمهني عندما قامت بتبديل الوضعين للحصول على ابن سليم صحياً، لأن كل أولاد ابنتها يموتون بعد الولادة.
في هذه المرحلة، يتم الإمساك بتفاصيل تطوير البنية السردية للعمل، وهي الدليل الأساسي على تمكن هاني خليفة من احتواء الحبكة الدرامية، ومفردات تفاصيل نمو الشخصيات، التي تم تصويرها بترتيب زمني (خطي)، بمزيج من ذكريات الماضي والوقت الحاضر (غير خطي).
تفاصيل الأحداث
تميز المسلسل بسلسلة من الحلقات المفرغة لأبطاله الفرعيين، التي تحكي قصص حياتهم، وتمر القصص بتغيرات مختلفة من العرض إلى التعقيد أو الصراع. وتصل كل حكاية إلى ذروتها حيث يتعين على بطلها اتخاذ القرار النهائي بشأن كيفية التعامل مع الموقف، فهناك “د. حسن”، الأخ الأصغر لـ”مروان” والذي ترك الطب، وتحول إلى رجل أعمال، ولكن يبدو أن شخصيته ليست قادرة على اتخاذ القرار الصحيح، فيقع في مشكلات عدة، ساعدته في النهاية على النضج والتعلم، في ظل انشغال “مروان” الأخ الأكبر، الذي يبدو من تفاصيل الأحداث أنه كان يحل له كل مشاكله من قبل.
وزوجة “حسن” “نهى” التي ترفض بيع محل كتبه “حسن” لها لفك أزمته المالية فيطلقها، وتتعقد علاقة “حسن” و”نهى” لمعرفته بما تفعله دون علمه، وتكتشف “نهى” تورط شقيقها في بيع المخدرات وسرقته لشقيقتها، وهناك “أم ليلى” التي تحاول إصلاح الماضي مع “ليلى”، بعد أن تركتها بسبب قسوة الأب وسافرت.
أما شخصية “أمينة” الصديقة الوفية لـ”ليلى”، فتعاني الخوف من مرور أيام العمر، فلا تستطيع الإنجاب؛ فتقوم بتجميد بويضاتها، وعندما ترتبط بـ”حسن” بعد كثرة لقاءاتهما، من أجل محاولات بيع أرضه، وتبدأ بودار قصة حب بينهما، تُصدم “أمينة” وتدخل في أزمة عاطفية جديدة بعد رفض “حسن” الذهاب برفقتها إلى الحفل الغنائي مبرراً ذلك بظرف عائلي، فتعرف أنها علاقة محكوم عليها بالفشل من البداية.
المنطقة الرمادية
في الواقع، أجمل ما في المسلسل الأبعاد الثلاثية لشخصياته، والتي تقع في المنطقة الرمادية، مما يجعلهم جميعا شخصيات من لحم ودم، لديهم كم هائل من التصرفات المتباينة، بين الإيجابية والسلبية، يتخذون قرارات صائبة وأخرى خاطئة أو متهورة، وكل تلك القرارات نابعة من جذورهم الشخصية وما لديهم من مخزون إنساني واجتماعي.
هناك الأداء المتفرد للممثل آسر ياسين؛ في شخصية مروان الشاب المثالي، الذي كان ذات يوم لديه بصيرة قادرة على فحص الأمور، واتخاذ القرار الصحيح، ولكن أصبح الآن في عالم لم يكن يريد أي جزء منه، وأما أحمد خالد صالح فلديه القدرة على أن يجعل نفسه أكثر ارتباطاً بأسلوب حياة الشخصية التي يؤديها، وكأنه يصور أسلوب حياته المعتاد.
الممثلة جهاد حسام الدين “نهى”، أدت الشخصية بشكل يجعل من المستحيل تشويهها تماما؛ بسبب تصرفاتها التي تبدو أنانية، وربما تجد لها العذر لكونها تتعرض عاطفيا لكراهية الذات، التي لا يمكن التغلب عليها، والتي تشعر بها؛ لأنها تجاهلت عمداً إحساس الشك المستمر الذي يسيطر عليها، من عدم احترام “حسن” لأخيها وإحساسها أنها أقل منه اجتماعياً.
لقد تضافرت عوامل عدة لنحظى بهذا العمل المميز، كان على رأسها المخرج هاني خليفة، الذي تميزت قدرته على الإدارة الدقيقة لكل عناصر العمل، إضافة إلى كونه يسلط دوماً الضوء على الجانب النفسي في العلاقات بين أبطال أعماله، يعشق تفكيك المفاهيم الزائفة، تلك الأشياء التي تعقد وتربك إحساسنا بالحياة، شخوصه تميل إلى الهوية المنقسمة والمجزأة، يمتلكون قدراً من حالات عدم الأمان، وبشكل غير محسوس، تميل الموازين في اتجاه واحد في البداية، وتتبدل الأحول مع تصاعد الأحداث.
main 2024-04-10 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: هانی خلیفة
إقرأ أيضاً:
الإثارة وأسباب أخرى.. سر الهوس بتصوير سقوط الصواريخ في لبنان
تشهد الضاحية الجنوبية لبيروت ظاهرة مثيرة للجدل تتجلى في توثيق بعض الشبان لسقوط الصواريخ الإسرائيلية على الأبنية، وذلك عبر الهواتف المحمولة. وفي تلك المشاهد التي تنتشر سريعاً على منصات التواصل الاجتماعي، يظهر شبان على مقربة من المباني التي يتم تحذير سكانها بإخلائها، منتظرين لحظة القصف دون اكتراث بمخاطر ذلك على حياتهم.
ورغم التحذيرات المتكررة التي يصدرها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء المباني قبل استهدافها، يختار هؤلاء الشبان البقاء في المناطق الخطرة، ليس فقط لمشاهدة الحدث عن قرب، بل لتوثيقه ومشاركته مع الجمهور.
وفي المقابل "يحظر على الإعلاميين المهنيين والمصورين المختصين من القيام بذلك من قبل قوى الأمر الواقع، بذريعة أن هذه الأفلام وهذا التوثيق للموقع المستهدف يخدم العدو ويعطيه معلومات ممكن أن تؤذي الجهات المستهدفة"، كما تقول الأخصائية في علم الاجتماع الدكتورة، هيفاء سلام، لموقع "الحرة".
هذا السلوك "ليس توثيقاً ولا هواية، بل هو تصرف متهور"، بحسب ما يؤكد نقيب المصورين في لبنان، علي علوش، لموقع "الحرة"، الذي يعتبر أن "تعريض الحياة للخطر من أجل التقاط صورة أمر مرفوض تماماً، وغير مبرر بأي شكل من الأشكال، إذ ليس من المقبول أن يضحي الإنسان بسلامته من أجل صورة، مهما كانت قيمتها".
دوافع متعددة
هذه الممارسات لها مبررات عدة، بينها، كما تقول سلام "الفضول لدى الناس، ورغبتهم بمعرفة ما يجري في هذه الحرب بشكل مباشر. وبما أن وسائل الإعلام التقليدية لا تقدّم للمشاهد صورة واضحة وواقعية عن مجريات الأمور على الأرض، ربما يعتبر هؤلاء الشباب أنفسهم مؤثرين وفاعلين. فهم يخاطرون بحياتهم لتقديم خدمة للمشاهد، من خلال تزويده بصور وفيديوهات تتيح له رؤية الحقائق على الأرض وتصديق الأخبار التي تصله، إذ إن الصور والفيديوهات تحمل وقعاً مختلفاً وأثراً أعمق في النفوس، فهي تنقل الواقع كما هو، دون زيادة أو نقصان".
كما أن تناقل هذه الصور والفيديوهات على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من المخاطر الجمة على سلامة ملتقطيها وحياتهم يمكن أن يفسر وفق سلام "على أنه نوع من المقاومة أيضاً، بل يمكن اعتباره رسالة تحدٍ للعدو، مفادها أنّ ملتقطيها لا يهابون الموت، ومستعدون للتضحية بحياتهم في سبيل قضيتهم".
إضافة إلى ذلك، تشير سلام، إلى أن "هذه الممارسات قد تمنح الشباب شعوراً بالرضا، إذ يعتقدون أنهم يقدّمون خدمة لمجتمعهم وبيئتهم التي نزحت وتعيش حالة من القلق والخوف على ممتلكاتها ومنازلها. فهم يزوّدونها بصور توثّق ما بقي من الأحياء والمنازل بعد الغارات وذلك للاطمئنان على ما بقي سليما منها".
وبالنسبة لبعض الشبان، يعدّ تصوير هذه المواقع، كما تقول أخصائية علم الاجتماع "توثيقاً للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، وهو لا يخدم فقط التوثيق التاريخي، بل يمكن أن يستخدم لاحقاً لإدانة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، أو كشف ممارساتها أمام الرأي العام العالمي".
أما أخصائية علم النفس، الدكتورة إيمان رزق، فتؤكد أن "بعض الأشخاص يندفعون نحو تصوير ونشر مشاهد العنف بدافع الشهرة والإثارة"، وهو ما وصفته بـ"الإثارة المرضية" التي تختلف عن الإثارة الطبيعية، موضحة أن هؤلاء "الأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية تجعلهم يقبلون العنف ويتعاملون معه وكأنه أمر طبيعي".
وتشدد رزق في حديث لموقع "الحرة" على أن "هؤلاء الشباب يشكلون خطراً على أنفسهم وعلى المجتمع، حيث يعيشون في لحظات تصوير الأحداث في قلب الصدمة، ما يعزز لديهم تقبل العنف، بل وحتى تصويره دون وعي بالمخاطر والعواقب".
وعن احتمال أن يكون هذا السلوك نابعاً من ثقة الشباب بدقة الجيش الإسرائيلي في تنفيذ ضرباته، كما أشار البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجيب علوش "لا يمكن لأي شخص عاقل أن يصدق أن من يدمر عشرات المباني يحرص على الدقة في استهدافاته أو يلتزم بما يعلن، كما أن الأخطاء شائعة في الحروب، والشظايا غالباً ما تتناثر لمسافات أبعد مما يتوقع، مما يشكل خطراً كبيراً".
آثار خطيرة
لا بد من التمييز بين التصوير الاحترافي والتصوير العشوائي، كما يقول علوش، ويشدد على أن الأخير لا يمكن أن يحل محل الأول، ويوضح "لا شك أن تطور التكنولوجيا وانتشار الهواتف الذكية سهّل عملية التصوير، ولكن هذا لا يعني أن أي شخص أصبح مصوراً محترفاً. الصورة الاحترافية تتطلب مهارات فنية وتقنية عالية، وهي ما تعتمده المؤسسات الإعلامية والوكالات العالمية التي ترفض أي صورة أو فيديو منخفض الجودة، لذلك ظاهرة التصوير العشوائي مجرد موجة وستختفي مع الوقت".
وفي سياق الحديث عن الإعلام اللبناني، يشير علوش إلى غياب القوانين والتنظيم المهني في القطاع، واصفاً الوضع الميداني بـ"الفوضوي"، ويقول "المؤسسات الإعلامية تعاني من غياب الاحترافية اللازمة، في حين أن السلطات اللبنانية مقصرة في توفير الضمانات اللازمة لحماية العاملين في القطاع الصحفي، بما في ذلك إصدار بطاقات تأمين للصحفيين".
من جهتها، تدعو رزق لتقنين نشر مشاهد العنف على وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، محذرة من آثارها النفسية على الأفراد والمجتمع، وتقول "هذه المشاهد تترك آثاراً سلبية على الأشخاص الذين يوثقون مشاهد الدمار، وأيضاً على من يشاهدونها"، مشيرة إلى أن "التعرض المستمر لمشاهد العنف يمكن أن يؤدي إلى صدمات نفسية قد تظهر تداعياتها بعد انتهاء الحرب، مثل اضطرابات ما بعد الصدمة، التي قد تتطلب علاجاً نفسياً متخصصاً".
وتؤكد على أهمية تسخير وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لإبراز الجوانب الإيجابية في المجتمع، مشددة على أن "دور هذه الوسائل لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد ليكون تربوياً وتثقيفياً، فتقديم محتوى إيجابي يعزز القيم المجتمعية ويخلق بيئة نفسية أكثر استقراراً للأفراد، خاصة في ظل الأزمات والتحديات التي يواجهها الناس".
في السياق نفسه، يدعو علوش الصحفيين والمواطنين إلى توخي الحذر أثناء تغطية الأحداث العسكرية، مشدداً على ضرورة تجنب التسرع والمخاطرة بالحياة، ويقول "الحرب تنتهي، لكن فقدان زميل أو مواطن هو خسارة فادحة لا تعوض. الإعاقة الدائمة تترك أثراً عميقاً، بينما الحروب زائلة. لا شيء يبرر التضحية بالحياة والصحة وأن يصبح موثّق الحدث هو الخبر".